أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمود جديد - - إعلان دمشق بين مطرقة النظام وسندان أزمته الداخلية - 2/3















المزيد.....


- إعلان دمشق بين مطرقة النظام وسندان أزمته الداخلية - 2/3


محمود جديد

الحوار المتمدن-العدد: 2219 - 2008 / 3 / 13 - 10:10
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


- انعقد المجلس الوطني لإعلان دمشق في الأول من شهر كانون الأول /ديسمبر/ 2007 ، بحضور 163ً عضواًمن أصل 222 ، وبمشاركة متميّزة من العناصر المستقلة المتناغمة مع تحاف التيار الليبرالي ، والأحزاب الكردية ( باستثناء الحزب اليساري الكردي ) ، وعناصر مستقلّة من الاتجاه الإسلامي ... وابتدأ الصراع داخل المحلس منذ بداية انعقاده ، ودار حول انتخاب رئاسة المجلس التي كان السيد حسن عبد العظيم يطمح لتولّيها ، ولكنّ ترشيح الدكتورة : فداء الحوراني لهذه المسؤولية ساعد على إزالة هذا الإشكال المبكّر ، لكونها سيّدة مناضلة ،نشيطة داخل الساحة السورية من خلال لجان دعم فلسطين والعراق ، وفي الساحة القومية من خلال انتمائها للمؤتمر القومي العربي ، وبذلك تُعتبَر توجّهاتها الوطنية والقومية مقبولة من التيار القومي واليساري المشارك في المجلس ،ولأنها واضحة الرؤية تجاه النظام الديكتاتوري السوري وممارساته من جهة ، ووضوح موقفها السياسي من المشاريع الأمريكية والصهيونية في المنطقة من جهة ثانية...هذا مع العلم أنّ رئاسة المجلس الوطني هي مهمة شرفية بسبب صعوبة انعقاد المجلس ومتابعة مقرراته ، إضافة إلى أنّها لاتمتلك صلاحيات فردية تنفيذية تزيد عن حجمها كعضو مستقلّ في المجلس ، بينما القيادة الفعلية لإعلان دمشق تتمثل في الأطر والهياكل القيادية المنبثقة عنه ،لأنّها الجهة المخوّلة بقيادته ، ومتابعة التطورات الداخلية والخارجية ، واتخاذ المواقف السياسية المناسبة تجاهها ....وهكذا تمّ انتخاب مكتب رئاسة المجلس من السادة : فداء الحوراني رئيساً ، عبد الحميد درويش نائباً للرئيس ، عبد العزيز الخيّر نائباً للرئيس ، أحمد طعمة أميناً للسر ، أكرم البني أميناً للسر ...
- ابتدأت ملامح الخلاف داخل إعلان دمشق عند التحضير لوثائقه في اجتماع 1/11/2007 ، حيث رفض تحالف التكتل الليبرالي المهيمن عليه تمرير أيّة عبارة تتضمّن توصيفاً حقيقياً لدور الولايات المتحدة ومخططاتها في المنطقة ضمن مشروع البيان الذي كان يُعَدّ للمجلس الوطني ، إذ تمّ رفض العبارة المقترحة من حزبي :الاتحاد الاشتراكي ، وحزب العمل الشيوعي وهي " الوقوف ضدّ مشروع الهيمنة الأمريكي – الصهيوني "" ، وبعد رفضه ، تمّ تقديم بديل عنه العبارة التالية : " رفض المشروع الأمريكي – الصهيوني ." ولكنّه رُفِض أيضاً ، ولحل هذا الإشكال تمّ تقديم بديل جديد وهو :" المشروع الصهيوني المدعوم من الإدارات الأمريكية ". واكتفى البيان المعتمد ،والصادر باسم المجلس الوطني لاحقاً بعبارة ممسوخة :" العدوان الصهيوني المدعوم من الإدارات الأمريكية "...وكأنّ أمريكا نظيفة طاهرة ممّا يجري في فلسطين والعراق ،ولبنان ، والصومال ،والسودان ...الخ ، وتُعتبَر هذه الصيغة إقراراً ضمنيّاً بعدم الاعتراف بوجود مشاريع أمريكية وصهيونية في المنطقة ، أو على الأقل التغاضي عن وجودها كمحاولة للتكيّف مع المشروع الأمريكي ....
وقد أشارت مذكّرة حزب العمال الثوري إلى القيادة المركزية للتجمّع الوطني الديمقراطي ،بدور " ما صدر عن حزب الاتحاد ،وكتاباته وتصريحاته قبل انعقاد المجلس ، ومذكرة حزب العمل التي قدِمت لمكتب الأمانة السابقة لإعلان دمشق لعب دوراً ما في نتائج الانتخابات ." مع العلم أنّ حزب العمال الثوري هو بشكل ،أو بآخر أقرب إلى خط التيار الليبرالي في الإعلان . وهكذا عوقِب حزبا الاتحاد والعمل على مواقفهما الواضحة ممّا يجري في فلسطين والعراق ولبنان ، لأن المسألة الجوهرية التي أثارت الخلافات بقيت محصورة بشكل أساسي حول الموقف الواضح والدقيق من المشروع الأمريكي في المنطقة ،إذ لم نسمع ، ولم نقرأ عن وجود خلافات مستعصية الحلّ حول المسائل الداخلية ، لابل كانت السمة العامة البارزة في هذا المجال هي التوافق ... بينما برزت المواقف المتناقضة حول المسائل الخارجية ،والموقف بشكل خاص من المقاومات العربية في فلسطين والعراق ولبنان ، والتنكّر لأيّ واجب قومي لقضايا أمتنا العربية ، والأنكى من ذلك هو انحياز" إعلان دمشق" لأدوات وحلفاءأمريكا في لبنان ضدّ المعارضة الوطنية الديمقراطية ، والجحود للمقاومة اللبنانية ،وإنجازاتها ،وبطولاتها التي شهد له العدو قبل الصديق ، وأنهضت انتصاراتها الأمة في كل مكان ، ورفعت معنويات كلّ الشرفاء والأحرار في العالم ، وفي الوقت نفسه وضعت قيادة تحالف التيار الليبرالي في إعلان دمشق عصابة سوداء على عينيها عندما اقتصرت رؤيتها ، واكتشافها الدور الإيراني والسوري في لبنان فقط ( وهو موجود فعلاً) ، وتغاضت عن الدور الأمريكي والصهيوني ، والفرنسي ،والسعودي والمصري ...وبذلك لم تكتفِ بالحياد والسلبية غير المبررة، وإنّما اعتمدت خطاً ساسياً منحازاً إلى حلفاء أمريكا ، وبعضهم حلفاء للكيان الإسرائيلي ، وذلك ضدّ القوى الوطنية والمناضلة في لبنان ....
- وعلى كلّ حال ، لقد حسم تحالف التيار الليبرالي أمره مع( المشاغبين) له داخل إعلان دمشق وهم ممثلو حزبي الاتحاد الاشتراكي ،وحزب العمل ، وبعض العناصر الأخرى ، وانتخبت أمانة عامّة جديدة لإعلان دمشق مكوّنة من 17 عضواً هم :
السادة : رياض سيف – علي العبدالله- نوّاف البشير – رياض الترك – موفق نيريبة – سليمان شمّر – سمير نشار – ياسر العيتي – جبر الشوفي – ندى الخش – عبد الغني عياش – وليد البنّي – غسان نجّار – عبد الكريم الضحّاك – وثلاثة أعضاء للجبهة الديمثراطية الكردية ،والتحالف الديمقراطي الكردي ، والمنظمة الآثورية الديمقراطية .
ثمّ قامت هذه الأمانة العامّة بانتخاب هيئتها الرئاسية المكوّنة من خمسة أعضاء هم السادة : رياض سيف – رياض الترك – نوّاف البشير – شيخ أمين عبدي – علي العبدالله . وبعد ذلك قامت هذه الهيئة بانتخاب السيد : رياض سيف رئيساً لها ...وهكذا جاءت هذه الهيئة لتقدّم صورة واضحة عن طبيعة التحالفات داخل إعلان دمشق ،وتجسيداً لها....
- حول البيان الصادر عن المجلس الوطني لإعلان دمشق :
- تميّز البيان الصادر عن المجلس الوطني بالاختيار الدقيق لعباراته ، وربّما كانت الأجواء المتوترة داخله عاملاً مهمّاً في هذا الاختيار ، وعموماً فإنّ البيانات الصادرة عن مناسبات كهذه لا تعبّر التعبير الكامل عن المنحى العام الحقيقي الذي تستهدفه القوى المهيمنة عليه ، وقد تكون تصريحات وتفسيرات رموزهذه القوى أكثر دلالة وتعبيراً ، لأنّ صيغ البيانات تتسم بالاختصار عادة ، وعدم الوضوح المقصود أحياناً ، ...وبالرغم من ذلك يمكن رصد وملاحظة ما يلي :
1 - الإشارة إلى العبارة :" وإذ ينطلق المجلس من روح وثائق إعلان دمشق جميعها "( التشديد من قبلنا ، وأي تشديد آخر يرد )، وهذا بمثابة التأكيد على البيان التأسيسي الأول الذي أُثيرَت حوله الكثير من التساؤلات والانتقادات .....
2 - اعتبر البيان أنّ من أهداف عملية التغيير" استعادة الجولان من الاحتلال الإسرائيلي ..." ، كما اعتبر أنّ عملية التغيير هذه تهدف أيضاً إلى الحفاظ على الاستقلال الوطني وحمايته فإنّها تحصّن البلاد من خطر العدوان الصهيوني المدعوم من الإدارات الأمريكية والتدخّل العسكري الخارجي ..."
إنّ استعادة الجولان مهمّة وطنية مستمرّة حتى تحقيقها ، ولكنّ البيان لم يوضّح كيف وبأية طريقة ستتم هذه الإعادة ، غير أنّ تصريح السيد:رياض الترك لوكالة آكي الإيطالية ، ول/قدس برس/ فسّرالآلية المعتمدة من إعلان دمشق ، إذ يقول :"ونريد حلاًّ لأزماتنا في إطار مصالحنا الوطنية والعربية ، وحلاًّ بالحسنى في الإطار الإقليمي والدولي يستند إلى مبادرة السلام العربية للوصول إلى سلام دائم وشامل وعادل " ، ثمّ يوجّه نداءً " إلى جميع القوى الخيرة ، ومنظمات المجتمع المدني ،ومنظمة الأمم المتحدة ، والجامعة العربية والدول الحريصة على أن تخرج منطقة الشرق الأوسط من قائمة البؤر المتوترة ، والعمل على حلّ التناقضات الداخلية والإقليمية والدولية بالحسنى ...الخ"
إنّ تبسيط استعادة الجولان بهذه الكيفية يدعو للاستغراب ، أليس احتلال الكيان الإسرائلي للأرض العربية هو جزء من مخطط تنفيذ المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي الذي رفض تحالف التيار الليبرالي في إعلان دمشق الاعتراف بوجوده ، أو تجاهل هذا الوجود ؟ ُثم ألم يسبقهم النظام السوري لسلوك طريق " الحل بالحسنى " منذ عام 1970 وحتى الآن ، وذهب بكامل وعيه وتصميمه ومراهنته على ذلك إلى مؤتمر مدريد عام 1991 ، ثمّ فاوض الإسرائليين تحت إشراف / كلينتون/ ورعايته في /واي ريفر/ ، كما شارك في لقاء أنابولس الأخير ؟ وقبل هذا كلّه، قدّم عربون الوفاء لهذا الخيار مسبقاً بمشاركته تحت الراية الأمريكية لإخراج القوات العراقية من الكويت عام1991 ،كما اعتمد هذا النظام ،ولا يزال شعاره القائل :" بأنّ السلام هو الخيار الاستراتيجي " لحل الصراع مع الكيان الصهيوني ، وهو صاحب مقولة :" السلام الدائم والشامل والعادل" ومن توليفاته المخدّرة ، هذا مع العلم أنّ النظام السوري يملك أوراقاً عربية وإقليمية هامة ، ويجيد استغلالها وتوظيفها ، وبالرغم من ذلك كلّه لم يستطع استعادةالجولان ...ثمّ يبرز أمامنا السؤال التالي : هل حرّر العرب متراً واحداً بالحسنى في فلسطين ولبنان والعراق وغيرها ؟ لا بل ، هل استطاع الحكام العرب بولائهم وتبعيتهم وو...وتوسلّهم لأسيادهم في الإدارة الأمريكية أن يقدّموا الغذاء والدواء والماء والكهرباء للشعب الفلسطيني العظيم المحاصر في قطاع غزة ، وما الموقف اللاإنساني الظالم لأ مبراطور الحسنى في مجلس الأمن مؤخراً حول هذه الأمور الإنسانية ،والتي يشكّل المسّ بها جرائم حرب ،إلاّ شاهد حيّ على عبثية هذا التصوّر ...وما نهج فريق أوسلو ، واستجداؤهم الحسنى ، وما جنوه من مهانة على هذا الطريق إلاّ شاهد آخر يدمي القلوب ....
أمّا المبادرة العربية البائسة التي أصبحت مظلّة ومشجباً لكل المستسلمين لمشيئة القدر الأمريكي – الإسرائيلي فقد داسها / شارون/ منذ ولادتها ، وقال عنها :"إنّها لاتساوي الحبر الذي كُتِبَت به ." وهل أقام حكام الكيان الإسرائيلي في لقاء أنابولس الأخير إيّ وزن ، أو اعتبار لها ، كلّ هذا لأنّ منطق الحسنى لا يأبه به أيّ محتلّ مادام مستجديه لايمتلك إرادة المقاومة ،ولا أعدّ لها كلّ ما يستطيع من قوة لاستعادة حقوقه المغتصبة .... أمّا إذا كان الطريق الذي سلكه السادات ،والملك حسين في كامب ديفيد ،ووادي عربة هما النموذجان اللذان يعنيهما " إعلان دمشق" ،وهنا نقول: إنهما غير صالحين للاقتداء ، فقبول الانسحاب من سيناء من قبل الكيان الصهيوني لم يكن حسنى ، وإنّما بعد بطولات الجيش المصري في حرب تشرين أول / أكتوبر / عام 1973 ، واقتناع الاسرائيليين بأنّ هذا الانسحاب يشكّل استثمارا استراتيجياً مجزياً لهم ، وهاهي أمتنا العربية تقطف ثماره الخطيرة والمريرة في هذه الأيام السوداء التي نعيشها حالياً ، لأنّه أخرج أكبر دولة عربية من ساحة الفعل والقيادة والتأثير في الوطن العربي وتركها أسيرة مكبّلة باتفاقية /كامب ديفد / ممّا قزّم دورها في أحداث المنطقة ، وفي الوقت نفسه فقد أزاح هذا الانسحاب عن كاهل الكيان الإسرائيلي أعباء حدود طويلة مرهقة للجيش الإسرائيلي بسبب بعد المسافة عن المناطق المأهولة في فلسطين المحتلة ،وقساوة المناخ والحياة في سيناء ، كما قدّمت لهذا الكيان مكاسب اقتصادية وأمنية هامة بضمان حصوله على نفط وغاز مصري بأرخص الأسعار ، ورسّخت سيادة مصرية ناقصة على حدودها مع فلسطين ، وعلى مساحات شاسعة من أرض سيناء ، وما يجري على معبر رفح الآن إلاّ شاهد على عجز النظام المصري عن تقديم جندي واحد بدون موافقة إسرائيلية مسبقة ،ونتيجة لتخفيف الأعباء الإسرائلية هذه تمكّن الجيش الإسرائيلي من التفرّغ لحدود وساحات عربية أخرى ...
أمّا بالنسبة للجولان فالمعطيات مختلفة ،لأنّه مستهدف إسرائيلياً لموقعه الاستراتيجي ،ولأرضه الزراعية الخصبة ، ولوفرة مياهه ، ولقربه من المستوطنات والمعسكرات والمطارات الإسرائيلية ، وفي الوقت نفسه ، لقربه من مدن سورية هامة ، ومن ضمنها العاصمة دمشق ، والأثر الاستراتيجي والمعنوي لذلك ....
أمّا بالنسبة للنظام الأردني ، فهو معروف منذ ولادته أنّه وُجِد أصلاً لضمان أمن الكيان الإسرائلي من مخاطر حدود طويلة (حوالي 600كم) ، وليشكّل حاجزاً في وجه أيّة جبهة شرقية يمكن تشكيلها ، علماً أنّ الجيش الإسرائيلي عاجز ذاتياً وموضوعياً عن تأمين حماية دائمة لهذه الحدود بسبب نقص القوة البشرية لديه ، وللطبيعة الجغرافية والطبوغرافية المناسبتين جدّاً للعمل الفدائي المقاوم ، كما شكّلت الساحة الأردنية بوّابة اقتصادية وأمنية هامة للكيان الإسرائيلي ، ولذلك فإعادة بعض الأراضي المحدودة يقابلها مكاسب لا تُقدَّر بثمن لهذا الكيان الغاصب ....
- نعود لإلقاء الضوء على ما ورد في البيان الصادر عن المجلس الوطني لإعلان دمشق ، ففي معرض الحديث عن عملية التغيير ذُكِر :" أنّها تحصّن البلاد من خطر العدوان الصهيوني المدعوم من الإدارة الأمريكية ،والتدخّل العسكري الخارجي ، وتقف حاجزاً مانعاً أمام مشاريع الهيمنة والاحتلال وسياسات الحصار الاقتصادي ...الخ"
حبّذا لو وضّح البيان السبل التي تحقق عملية التحصين هذه ، هل هي عن طريق بناء قدرة ذاتية سورية رادعة ، وتحقيق وحدة وطنية راسخة مدعومة بعمق عربي فعّال ؟ أم بواسطة عقد (صلح) مع الكيان الإسرائلي ، والانضواء الكامل تحت المظلّة الأمريكية والانضمام إلى جوقة نظامي كامب ديفد ، ووادي عربة على طريق بناء شرق أوسط جديد ؟ ولكنّ أيّ مراقب سياسي ومتتبّع لما صدر عن إعلان دمشق ،وتصريحات رموزه بشكل موضوعي سيرجّح الاحتمال الثاني ،لأنّ إعلان دمشق أشار في بيانه عن الأوضاع السياسية الراهنة بتاريخ 28/1/2008 إلى " الحلول العادلة والمنصفة التي تجنّب سورية والمنطقة المخاطر الخارجية ."
- إنّ بيانات إعلان دمشق ،وتصريحات رموزه تؤكّد على مطالبة النظام السوري " اتبّاع سياسة حكيمة تجاه محيطها العربي والإقليمي والدولي منعاً لمزيد من العزلة ، وتجنّباً لصراعات حادّة تهدّد سلامة الوطن والمواطنين ."
وفي مقابلة مع / آكي / الإيطالية يقول السيد : رياض الترك :" ونحن في سورية شئنا أم أبينا لانستطيع الخروج عن الصف العربي والمحيط العربي ، وبمعنى آخر ، إنّ التحالفات التي يعقدها النظام السوري مع إيران التي لها مشاكل كبيرة ومعقدة ومتعدّدة مع المجتمع الدولي تشكّل عبئاً لايستطيع الشعب السوري أو النظام تحمّله ، ولابدّ لسورية من العودة إلى الصفّ العربي ، والبحث عن سياسة حكيمة قادرة على حلّ التناقضات بين سورية والمجتمع الدولي " ثمّ يوضح في المقابلة نفسها بقوله :" بأنّ النظام عبء على محيطه العربي والإقليمي في لبنان والعراق وفلسطين ." وهنا بيت القصيد ، ومربط الفرس ، إذ يريد إعلان دمشق الانغماس بشكل كامل في محور حلفاء وأتباع أمريكا ( مصر – الأردن – السعودية ) ، هذا المحور الذي عاش وترعرع في كنفه النظام السوري ، ولم يتركه حتى الآن ، ولكنه تعب من الجري ضمن دائرة هذا المحور حول الحل (بالحسنى) لاستعادة الجولان المحتل ، على أمل أن يقّدموا له دعماً كافياً عند المعلّم الأمريكي الكبير ، ويشفعوا له عند الكيان الإسرائيلي لتحقيق هذا الغرض ، وليستمروا في تقديم الدعم السياسي والاقتصادي له ليبقى واقفاً على رجليه فوق صدر الشعب السوري لآجال غير محدّدة ، ولكنّه لمس بعد تحرير الجنوب اللبناني على أيدي المقاومة اللبنانية البطلة بدون قيد أو شرط، وانتصار المقاومة في صيف 2006 كظاهرة ترفع رأس كل عربي بقي قابلاً للرفع بعد عهود مديدة من الذلّ والخنوع ، غير أنّ حلفاء الأمس تحوّل دعمهم المنشود إلى ضغوط عليه حتى يعود لمشاركتهم في ارتكاب الموبقات والجرائم السياسية والعسكرية في وطننا العربي من خلال القضاء على المقاومات العربية في فلسطين والعراق ولبنان لأنّها كشفت عوراتهم وعجزهم جميعاً ،ولأنّ المعلّم الأمريكي يطلب ويلحّ على ذلك ليحظى النظام السوري بالبركات البوشية وبشهادة حسن سلوك جديدة على الطريقة القذافية ، ولكنّ هذا النظام لم يستطع تحقيق ذلك لأنّ إقدامه على هذه الجريمة يعتبرانتحاراً مجانياً ، وتعرية كاملة أمام شعبه وأمته وبدون ثمن، وهنا أستغرب تطابق شروط إعلان دمشق مع الشروط والمطالب الأمريكية التي حملها /باول / إلى النظام السوري عقب احتلال العراق ،وأتعجّب من الأوهام التي يحملونها في رؤوسهم لاستعادة الجولان بالحسنى "وتحصين سورية من أي عدوان إسرائيلي مدعوم من أمريكا " ، وهنا لاأعني على الإطلاق اتهام أحد بالخيانة التي لانتمناها لأي عربي ، وإنّما الإشارة إلى خطأ توجهات إعلان دمشق الخارجية بهدف تصحيحها ، وهذا واجب وطني يتقدّم على أيّة اعتبارات أخرى ....
- إنّ رؤية إعلان دمشق ليست قاصرة سياسياً فحسب ، بل وخطيرة أيضاً ،لأنّها جاهزة مسبقاً لوضع سورية بشكل كامل تحت المظلة الأمريكية ، وبشكل أسرع من وتيرة النظام السوري نفسه ، وهنا أريد التوضيح أكثر ، فمن الخطأ السياسي الكبير مهاجمة النظام السوري في مجال سياسته الخارجية الآن ، لأنّ هذا النظام هو أوّل المستفيدين من هذا الهجوم على الصعيد الشعبي الداخلي والعربي والإسلامي ، فرأسماله الأساسي ( إن لم يكن الوحيد) هو مواقفه التكتيكية الراهنة حيال المقاومات الثلاث من خلال بعض التسهيلات الممنوحة لحركتها ، وحركة وإقامة بعض قادتها ، ولايصل إلى مستوى تقديم دعم حقيقي ، ولكنّ الهامش الإيجابي الذي قدّمه انظام السوري لها بدا أكبر من حجمه الحقيقي في ظل الانحطاط العربي ، والخنوع للمشيئة الأمريكية والصهيونية ، وسياسات الحصار العربي الرسمي لها ، هذا الهامش الذي يمنح النظام السوري أوراقاً قابلة للتداول والاستثمار ليحمي بها نفسه بعد أن عجز عن اللحاق بركب السياسة الأمريكية بالسرعة والشروط القاسية المطلوبة منه قبل استعادة الجولان (بالحسنى) ، وبعبارة أخرى عجز عن " تحسين سلوكه " ، لأنّ مقتله كنظام بتحسين هذا السلوك وتسليم الأوراق التي بيده دون مقابل ، إذ سيخسر في هذه الحالة كما يقال " الدنيا والآخرة" ، ونحن على قناعة بأنّه سيكون على استعداد لتوظيف علاقاته مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية ، وربّما بعض فصائل المقاومة العراقية من أجلّ جرّها لمستنقع التسوية التصفوية التي يسعى إليها التحاف الإمبريالي – الصهيوني ، أو المساهمة في ضربها كما جرى في عام 1976 في لبنان ، وذلك عندما يتوصّل لإيّ صلح مع الكيان الإسرائيلي الذي يسعى إليه ليلاً ونهاراً ....
- رفض إعلان دمشق التدخّل العسكري في سورية وهذا إيجابي ، ولكن المطلوب تحديد إشكال " الإفادة من الخارج" ،فإذا كان المقصود هو إبراز قضية المعتقلين السياسيين في سورية ، لدى منظمات حقوق الإنسان ،وما شابهها فهذا مطلب صحيح وواجب دائم على كلّ القوى السياسية المعارضة ، ولكن في حال الوصول إلى الدوائر الأمنية الغربية وخاصة الأمريكية منها كما فعل بعض السوريين الذين زاروا الولايات المتحدة ، أو الذين تمّ استدعاؤهم إليها، فهو عمل خاطئ ومدان ،لأنّه الطريق نفسه الذي اتبعته المعارضة العراقية في البداية ، وقد أدّت هذه الخطوة الخاطئة إلى حرف نضالها عن مجراه الصحيح ،ممّا أوصلها فيما بعد إلى التبعية ، وعمالة بعضها ....فالمنطلقات الخاطئة ولو كانت جنينية في البدء تكبر في عصر الانحطاط تحت ضغط وقمع وديكتاتوريات الأنظمة من جهة ، وتشجيع ومغريات الدوائر السياسية والأمنية الأمريكية من جهة ثانية ، وخاصة في ظلّ العجز الذاتي في تأمين الضغط الشعبي الداخلي المباشرلإجراء عملية التغيير ...فالنقاط العشر في الساحة الفلسطينية أوصلتنا بالتدريج إلى /أوسلو/ ، وما بعدها ، وأصبحت هذه النقاط وراء ظهر فريق أوسلو ومن تراث الماضي ...وبعض القوى اللبنانية كان لها تاريخ نضالي أصبحت تفتخر بأنّها جزء من المشروع الأمريكي،وقوى وعناصر عراقية كان لها ماض وطني معاد للاستعمار وضعت نفسها بالتدريج في صف التبعية ، وربما العمالة للاحتلال ، وقوى وعناصر سورية يسارية كانت في طليعة المناهضين للإمبريالية أصبحت تكيّف نفسها للتعامل والتعايش مع سياساتها ....
- وعلى كلّ حال ، شكّل الموقف من العامل الخارجي ،وتجليّات هذا الموقف في ساحتنا العرلبية ( فلسطين ،العراق ،لبنان ) نقطة الخلاف الجوهرية داخل إعلان دمشق ،والتي سبّبت تفجير الصراع داخله ،وإبعاد حزبين رئيسيين عن الأمانة العامة لإعلان دمشق ليتسنّى لتحالف التيار الليبرالي حرية العمل داخل إعلان دمشق ، وقيادته بالوجهة التي تنسجم مع أفكار هذا التيار من خلال هيئة رئاسة الأمانة العامة المكوّنة من خمسة أشخاص ،كما أشرت سابقاً ، هذه الهيئة التي أشادت في بلاغ لها بتاريخ 13/12/2007 بحزب الاتحاد الاتحاد الاشتراكي " للدور الذي قام به إن لجهة إنجاح عقد المجلس الوطني ،أو في تشكيل ائتلاف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي ، واعتباره شريكاً أصيلاً في مسيرة الإعلان ،وتطلعهم للعمل معه من أجل إنجاز التغيير الوطني الديمقراطي المنشود في سورية ،تمنوا على الحزب التراجع عن قرار التجميد ، وقبول نتائج المباراة الديمقراطية الأولى في تجربة الإعلان بروح رياضية ..."
وهنا نتساءل هل جرت العادة داخل أي ائتلاف جبهوي أن يجري فيه التصويت بهذه الكيفية التي تمّت ؟ وإن كانت من حيث الشكل ديمقراطية ، ولكن من حيث الجوهر فهي إعادة صياغة إعلان دمشق بالاعتماد على المستقلين لإزاحةحزبين رئيسيين ، وهذا بجوهره عمل غير ديمقراطي لأنّه استعاض عن هذين الحزبين بشخصين مستقلين ، وقد جرت العادة في ظل التحالفات الائتلافية توزيع مقاعد الأحزاب بالتوافق ، ثمّ يتمّ اعتماد آلية ديمقراطية ومنطقية متفق عليها لتأمين مشاركة المستقلين ، لأنّ الائتلاف ليس حزباً ، والعملية ليست انتخاباً مباشراً من الشعب ، والمستقلون قد يأتون ،أويُدفَعون إلى المجيء لحسابات انتخابية أو انتهازية، وفي جميع الحالات لايجوز تجاوز أحزاب رئيسية عن هيئات قيادية لأي عمل جبهوي ...وهنا يبرز أمامنا السؤال التالي :ألا يدعو للاستغراب كيف أنّ رئيس التجمع الوطني الديمقراطي ورئيس أكبر حزب معارض ،وبالرغم من الدور الذي لعبه هذا الحزب في تشكيل ائتلاف إعلان دمشق ،وإنجاح عقد المجلس الوطني لايجد له مكاناً في الأمانة العامة لهذا الائتلاف ؟ وكذلك الأمر بالنسبة للمناضل : فاتح جاموس الذي يترأس حزب العمل الشيوعي ، وقضى سنوات طويلة في غياهب سجون النظام السوري يُستبعَد أيضاً ، وهل هذا مجرّد صدفة ؟ وهل تغييب رئيسي حزبين هامين عن الأمانة العامة هو عمل ديمقراطي حقاً في جوهره ؟،وهل قدّمت خدمة لإعلان دمشق ؟ وهنا قد يستغرب البعض تجاهلي لنجاح السيدة:ندى الخش وهي من حزب الاتحاد الاشتراكي ، وبالتالي يُعتبَر هذا الحزب ممثلاً في الأمانة العامة ،وهذا الاستغراب مشروع في الوهلة الأولى إذا نظرنا إلى الأمور نظرة سطحية ،أي لم نعرف خلفية انتخابها ،والتي تستهدف التمويه وحجب الأضواء عن إبعاد شخصيتن قياديتين بارزتين في التيار القومي ،لهما خبرة طويلة في هذا المجال هما السيدان : حسن عبد العظيم ، وعبد المجيد منجونة عن لعب دور فاعل ومؤثر في التأثير على مسيرة إعلان دمشق في ظل قيادته الجديدة، لأنّ السيدة ندى الخش ومع احترامنا لكفاءتها وإمكاناتها لاتمتلك الخبرة الكافية التي تساعدها على سدّ فراغ غياب هذين العضوين البارزين في قيادة حزب الاتحاد، ووزنها السياسي الحقيقي مرهون بمدى تمثيلها لحزبها ،والتعبير عن توجهاته السياسية....
-وأخيراً نستطيع القول : إنّ الخلافات حول وجود ،أوعدم وجود مشاريع أمريكية وصهيونية في المنطقة ، والموقف منها ،والهوية العربية والانتماء ، والتسوية ،والموقف من المقاومات العربية هي خلافات جوهرية ملموسة بين تيارين تبلورا بوضوح داخل إعلان دمشق ، ولذلك من المتعذر الانطلاق معاً بعد هذا التبلور بدون إيجاد أرضية سياسية مشتركة قائمة على الثقة المتبادلة ،والتصميم المشترك على طريق التغيير الديمقراطي الجذري المنشود ...وفي حال تعذر ذلك فالساحة الداخلية المعارضة تتسع لأكثر من تيّار ، وتصبح الجماهير الشعبية هي صاحبة القول الفصل تجاه أيّة مستجدّات سياسية تفرض نفسها على كافة الأطراف المعارضة في سورية ...
في 9-3-2008 يتبع في الحلقة الأخيرة



#محمود_جديد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - إعلان دمشق بين مطرقة النظام وسندان أزمته الداخلية - 1/3
- من صفرو الى بومال دادس...لا لتجريم النضال الاجتماعي ! ولا لإ ...
- واجب ُنصرة صفرو المناضلة المحكمة تقرر السراح المؤقت ل 42 معت ...
- لقاء أنابولس ملهاة استعراضية جديدة لكسب الوقت لمزيد من الاست ...
- تنامي حركة مقاومة الغلاء: تظاهر أكثر من 2000 مواطن بمدينة صف ...
- على ضوء خطاب الولاية الثانية في سورية ، وما ورد بخصوص الإصلا ...
- من تاريخ قمع النقابة العمالية بالفصل 288 من القانون الجنائي


المزيد.....




- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
- عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط ...
- روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة. ...
- مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
- مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمود جديد - - إعلان دمشق بين مطرقة النظام وسندان أزمته الداخلية - 2/3