لم تكتفي سلطة النظام المهزوم بالاعمال الوحشية ضد افراد الشعب العراقي وانعكاساتها على مختلف اوجه الحياة في العراق والتي هزت كيان الانسان العراقي وجعل الرعب وعدم الامان زاده اليومي ولم تكفي قصائد المديح والرياء و كلمات اصحاب الاقلام الرخيصة وقوادي المسخ الثقافي والفكري في التمجيد والتعظيم وتشويه الحقائق ارضاء نرجسية الطاغية وحبه اللامحدود لذاته المريضة وجنون العظمة الذي انتابه عندما تمت له وفي غفلة من الزمن السيطرة على اعلى قمة للسلطة. وانما راح يملاء العراق طولا وعرضا بملايين من صوره الشخصية واقامة معارض لصور المليونية التي اصبحت ظاهرة تمثل بمفردها ارهابا نفسيا لايطاق. وكانت تلك مدعاة الاستغراب لدى الزائرين الى العراق وبالاخص رجال الصحافة اينما حلوا، وكان النظام يحاول ايهام العالم بانها تعبير لحب الجماهير لقائده والوقوف خلف قيادته. وقد سال احد الصحفيين الاجانب دكتاتور العراق ذات مرة عن مغزي انتشار صوره بهذا الشكل الفاضح حيث بلغت تعدادها في حينه 30مليون صورة منتشرة في كل زوايا العراق، بينما كان نفوس العراق 17 مليون نسمة ( في ذلك الوقت)، اجابه الطاغية كعادته في الكذب والدجل "كيف لي ان امنع الفنان من التعبير عن ما يشعر به بالرسم او اقيد حرية الشاعر عندما يريد ان يعبرعن ما يجول في خاطره بقصيدة فالناس في العراق احرار في الاعراب عن مشاعرهم بالطريقة التي يريدونها".
اصبحت صور صدام تصطدم ليس بوجه الانسان في العراق وانما كانت تنغرز كسكين في قلبه ومخيلته. لم تكن الجداريات الكبيرة وهياكل الاصنام المتنوعة الاحجام والاشكال والصور التي كانت تغطي الصفحات الاولى من الجرائد والمجلات او الكتب المدرسية للاطفال و التي كانت تعلق في المؤسسات والدوائر الرسمية والشبه رسمية والمساجد والكنائس والازقة والشوارع وحتى في البارات والنوادي والملاهي الليلية كافية بل كانت تغطي شاشات التلفزيون يوميا ومنذ وقت افتتاحها وعلى مدار ساعات البث التلفزيوني.
اصبحت صورة الوحش الهائج كابوسا يطاردنا اينما ذهبنا ويعكر اجواء حياتنا بكل دقائقها وكانت تلازمنا في احلامنا مثلما كانت في يقظتنا. وقد تعرضت الى المسألة والاستجواب مرات عديدة لعدم تعليق صورة الطاغية في داخل منزلي اثناء المداهمات التي كنا نتعرض اليها بصورة مباغتة من قبل عناصر النظام ويقينا ان الالاف من امثالي مروا بتلك الحالة . ولكنني لم افكر يوما ما في ذلك حتى لو اودى ذلك بحياتي. ولكنني الان وانا في المنفى قررت بملء ارادتي ان اعلق صورة كبيرة لدكتاتور العراق في مكتبي لتكون امام ناظري ولكن بطلعته الجديدة التي تثلج القلب وفي اللقطة التي كنت احلم بها منذ سنين وهي خاتمة صوره المليونية. وانها دعوة للجميع للاحتفاظ بهذه الصورة وتعليقها لاظهار معانيها ودلالاتها.
19/12/2003