|
الكراهية والتعصب ..واذكاء الشعور بالمواطنة (مدخل لثقافة المصالحة )
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 2218 - 2008 / 3 / 12 - 11:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الكراهية والتعصب .. واذكاء الشعور بالمواطنة (مدخل لثقافة المصالحة ) Hate,Prejudice and Reactivate Citezinship Feeling Introduction to Reconciliation culture
(القسم الأول)
أسئلة للتأمل والحوار • هل الانسان مجبول على الحب أم على الكراهية أم على كليهما ؟ • متى تشيع الكراهية بين الناس ؟ واذا اشتعلت نارها بين الناس ، فهل يمكن اخمادها؟ • يدعو الناس الى الحب وقد خصصوا له يوما" في السنة ، فهل مبرر ان تدعو جماعة الى الكراهية وتخصيص يوم لها بأسم " يوم الكراهية " أو " يوم الحقد المقدس " ؟. • ما الفكرة التي يقوم عليها التعصب ؟ وما أسبابه ؟ وهل من حق الانسان أن يتعصب الى : جماعة ، عشيرة ، مذهب ، دين ، قومية ، وطن .. ؟ • ماذا تعني المواطنة في بلد متعدد القوميات والمذاهب والاديان ؟ وما الحقوق والواجبات التي تتضمنها ؟ • هل الأفضل ان نتحدث عن المصالحة أم عن المواطنة ؟ • ما الذي حصل سيكولوجيا للمجتمع العراقي بعد 9/4 /2003 فاضطرنا الى ان ندعو الى المصالحة ؟ وهل كانت " المصالحة " قبل التغيير عامرة في القلوب ، ام ظاهرة فقط في الاسلوب ؟
لنبدأ بالكراهية : الكراهية أحد انواع الانفعالات ، ويعني الانفعال Emotion بلغة علم النفس ، شعور ايجابي أو سلبي نحو شخص أو جماعة أو موضوع يكون مصحوبا" باستثارة فسيولوجية ، و بفكرة أو خبرة عقلية شعورية ، وبسلوك صريح . والكراهية ، بوصفها انفعال ، فأن لها أربعة أبعاد : * بيولوجي Biological * معرفي Cognitive * سلوكي Behavioral * واجتماعي حضاري Socioculrural ويقصد بالبعد البيولوجي ان الجهاز السمبثاوي " المسؤول عن احداث الاستثارة في الجسم " والباراسمبثاوي " المسؤول عن تهدئة الجسم " ينشطان في حالة حصول انفعال يحدثه تنبيه أو مثير أو موقف معين . اما البعد المعرفي " العقلي " فأنه يتدخل في تصعيد الانفعال أو خفضه . وفيما يخص المكوّن السلوكي للانفعال ، فأنه يظهر من خلال تعابير الوجه ولغة الجسد التي تعمل أيضا" اما على زيادة مستوى الانفعال أو خفضه . وفيما يخص العوامل الحضارية ــ الاجتماعية ، فأن الشعوب تختلف في التعبير عن بعض انفعالاتها سلوكيا" . ففي سبيل المثال ، اذا نشب شجار بين شخصين " في احد المجتمعات البدائية بأفريقيا " فأن احدهما يقوم بضرب صخرة أو شجرة قريبة منه ، ولا يضرب احدهما الأخر ، واذا تعارك شخصان " في مجتمع آخر " ورفع احدهما يديه مستسلما" فأن الآخر يتوقف عن ضربه ، في حين لا يتوقف الآخر عن ضرب خصمه حتى لو استسلم له ، كما هو حاصل في بعض مجتمعاتنا . والانسان يمتلك منظومة ثنائية من الانفعالات : ايجابية وسلبية ، بمعنى أن كل انفعال ايجابي ، يقابله انفعال سلبي مضاد له ، فانفعال الفرح مثلا" يقابله انفعال الحزن . ولا يمكن للانفعالين المتناقضين أو المتضادين ان يظهرا سوية " في وقت واحد " لدى الانسان ، الا في بعض حالات المرض النفسي أو العقلي مثل " الهوس الاكتئابي " . ويبدو ان الطبيعة البشرية تميل الى اظهار الانفعالات الايجابية وترغب في ممارستها بحياتها اليومية ، فالانسان يحب ان يكون فرحا" مبتهجا" ويكره أن يكون حزينا" مهموما" . وهذا يعني ان الانسان يرغب ، بطبيعته، في ممارسة الحب وتجنب الكراهية في علاقته بالآخرين . ولهذه الحالة ثلاثة أسباب : الأول : بيولوجي يتعلق بالدماغ . ففي حالة الحب تنشط خلايا الدماغ وتنتعش ويرتاح ، فيما تضطرب حركة الموجات الدماغية الكهربائية في حالة الكراهية ، ويتعب الدماغ . ويميل الدماغ الى ما يريحه ويتجنب ما يتعبه . والثاني : نفسي . فالشعور بالحب يجلّب المسّرة للنفس وينشّط حتى جهاز المناعة ، فيما ينجم عن الكراهية الشعور بالتوتر ويعيش الفرد حالة المرعوب الذي يتوقع الشر في أية لحظة . والثالث : اجتماعي . فالانسان المحبوب اجتماعيا" يحظى باحترام الآخرين وتقديرهم له ، فيما يميل الناس الى الابتعاد عن الشخص المكروه اجتماعيا" فيعيش حالة العزلة والنبذ والحقد .
ولهذه الاسباب ( العضوية المريحة للدماغ والجسد ، والنفسية المريحة للروح ، والاجتماعية في العلاقة الممتعة بين الفرد والآخر ) فأن الغالبية المطلقة من الناس تتجنب الكراهية وتسعى الى ان يكون الحب هو السائد بينهم ، بأستثناء الحالات المصابة بامراض عقلية أو اضطرابات في الشخصية مثل ، الفصام الاجرامي والبارانويا والسيكوباث . وهذا يعني أن الطبيعة البشرية تختار الحب عفويا" وتسعى الى ان تجعله يسود بين الناس ، ولا تلجأ الى الكراهية الا مضطرة أو مجبره .. فما اسباب ذلك ؟
متى يضطر الانسان الى كراهية الآخر ؟ الانسان هو منظومة من حاجات متنوعة ومترابطة ، يمكن تحديد أهمها بالآتي : • حاجات البقاء : طعام ، سكن ، ماء ، هواء ... • حاجات اقتصادية : مصدر رزق يكفيه ولعائلته . • حاجات نفسية : الشعور بالحب والامن والراحة وعدم توقع الشر أو الخطر . • حاجات اجتماعية : التمتع بمكانة اجتماعية تمنح التقدير والاحترام والاعتبار الاجتماعي . • حاجات معرفية : الحصول على العلم والمعرفة والثقافة . • حاجات انتمائية : انتماء الى : جماعة ، عشيرة ، حزب ، قومية ، دين ، مذهب ، ... يكون الفرد في حالة اندماج أو توحّد بها ، ويشعر ان ما يصيبها من خير أو شر ، يصيبه .
فاذا حّرم الانسان أو أحبط أو منع أو حيل بينه وبين تحقيقه لهذه الحاجات المشروعة ، وشعر ان الآخر ( فرد ، جماعة ، طائفة ، حزب ، سلطة ، حكومة ، ... ) كان هو المسؤول ، اضطر الى ان يكره من كان هو السبب . وأخف درجات الكراهية هي التي يشعر بها الفرد ويستطيع اخفاءها أو التعبير عنها بشكل خفيف ، واوسطها درجة الغضب الذي يجري التعبير عنه لفظيا" ( السب ، التشهير .. ) أو جسديا" ( الضرب بالايدي أو بادوات بسيطة ) . ويحصل الغضب حين يشعر الفرد بأن صديقا له قد خانه أو خذله ، أو أنه لا يعامل بشكل عادل ، أو حين يتوقع حصول اعتداء عليه . واقوى درجات الكراهية حين تصل الى حالة " الحقد " التي تدفع صاحبها الى ممارسة العنف ضد الآخر الذي يرى فيه المستلب أو المغتصب أو المانع لحق أو حاجة مشروعة تخصه أو تخص الجماعة التي ينتمي اليها . اما الظروف التي تساعد على التعبير عن الكراهية بين الجماعات أو تكبحه ، فتتعلق بالآتي : • طبيعة السلطة وسيادة القانون . • سيكولوجية طرفي أو اطراف الكراهية . • النتائج الناجمة عن مواقف الكراهية . • اطراف أو جماعات التحريض على الكراهية .
فحين تكون السلطة دكتاتورية أو قاسية في ظلمها ، ويكون القانون سائدا" ، وحكومة السلطة قابضة على النظام بيد محكمه ، فأن الناس المقهورين أو المظلومين يكبتون كرههم نحو السلطة بدافع الخوف منها . ويحصل ان الكراهية بين الجماعات في المجتمع الذي تحكمه سلطة دكتاتورية ظالمة ، تتراجع أو تدخل في دورة " سبات " لأن هذه الجماعات ، برغم اختلافها في الدين او القومية او المذهب..، توحدها الكراهية نحو السلطة الظالمة التي تحكمهم. وحين تكون السلطة ديمقراطية وقوية في تطبيقها للقانون وسيادة النظام ، فأنه يجري التعبير عن الكراهية بين الجماعات ولكن بوسائل سلمية في الغالب ( مظاهرات ، ندوات ، مقالات في صحف ، احاديث في الاذاعة والتلفزيون .. ) . اما اذا تضاءلت هيبة السلطة وكانت ضعيفة في تطبيق القانون وفرض النظام ، فأنه يجري التعبير عن الكراهية بين الجماعات بأساليب العنف والعدوان . وفيما يخص سيكولوجية طرفي أو اطراف الكراهية ، فقد اشرنا الى ان لانفعال الكراهية مكونين معرفي " عقلي " وحضاري ـ اجتماعي ، بمعنى انه كلما زاد الوعي والتفكير بعواقب الامور بعقلانية وواقعية زادت سيطرة العقل على التحكم بانفعال الكراهية ، والعكس صحيح ، ولهذا يتعطل دور العقل في التحكم بانفعال الكراهية بين الفئات الاجتماعية التي يكون فيها مستوى الوعي متدنيا" ، ومستواها الحضاري واطئا" أو معدوما".
وفيما يتعلق بالنتائج الناجمة عن مواقف الكراهية، فان المواقف اذا تحولت بين اطراف الكراهية الى عدوان ينجم عنه ضحايا ، تطور العدوان الى عنف يشيع بين " رعاع " جماعات الكراهية بعدوى نفسية تأخذ أسلوب العنف العشوائي . اما جهات التحريض على الكراهية من خارج الاطراف المتصارعة ، فأنها - لأسباب تتعلق بانتماءات عقائدية أو عشائرية .. أولمصالح اقتصادية وسياسية - تعمل على تحريض الجماعة التي تنتصر لها وتظهرها كما لو كانت مظلومة أو مستلب حقها أو متجاوز عليها حتى لو كانت الحقائق لا تؤيد ذلك . ان الكراهية هي الخاصية النفسية للتعصب ، فلنحلل التعصب بلغة علم النفس الاجتماعي . أ.د.قاسم حسين صالح رئيس الجمعية النفسية العراقية
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور وزارة التعليم العالي ....
-
مؤتمر الخدمات النفسية والرعاية الأساسية عقب الكوارث ، الرؤى
...
-
حوار مع فرويد - 5
-
حوار مع فرويد -4
-
حوار مع فرويد -3
-
حوار مع فرويد - 2
-
حوار مع فرويد
-
ماركس ولينين ام فهد وسلام ؟!
-
بعض الأمراض النفسية في قوى اليسار العراقي
-
البديل المنقذ لعراق مدني ديمقراطي ..وساطة لتوحيد قوى اليسار
-
البديل المنقذ لعراق مدني ديمقراطي / ملاحظات على دعوة ..ودعوة
...
-
العلم العراقي ..المقترح اقراره
-
ذكريات مع الدكتور علي الوردي
-
العراقيون ...شعب أسطوري !
-
العراقيون في عام 2020
-
كاظم الساهر..والعراقيون
-
الحوار المتمدن .. تكريم لضحايا الفكر
-
العراقيون وسيكزلوجيا التطير
-
المرأة ..والعراف
-
العراقي ..وسيكولوجيا الهوس السياسي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|