حين يجري الحديث عن صدام حسين، واستسلامه الجبان، وصعلكته، وقمله، وجحره، والفئران التي تشاركه مغارته، تسمع العراقي يردد، بصدق، ومن كل قلبه: أخزانا هذا الجبان، لو قتل نفسه برصاصة! لو قاوم حتى الموت، لو كان مثل هتلر! .. لو، لو.. كلنا نعلم أن لو حرف امتناع لوجود، لو، حرف لا يحي ولا يستعمل إلا إذا كان هناك شيئان متناقضان أحدهما موجود والآخر مفقود، والاثنان في حالة صدام، أولهما صدام، وهو موجود، أما الشيء الثاني فهو الغيرة وهي مفقودة، والشجاعة وهي مفقودة أيضاً، والشرف وهو مفقود كذلك، من ينتحر لأنه يرتكب خطأ كبيراً شجاع، يقولون الانتحار هزيمة، ويقولون أيضاً "الهزيمة نصف المراجل" لكن من يمتلك الجرأة لقتل نفسه بالرغم من كل شيء عنده شيء من الشجاعة، عنده في الأقل شيء من بقايا غيرة، من بقايا شرف، دفعاه للانتحار، وإلا لما فضل الموت على الحياة! لكن من لا يملك الغيرة، الشرف، الشجاعة، من لا يملك أياً من هذه القيم كيف ينتحر؟ كيف يتصرف؟
قديماً قالوا: فاقد الشيء لا يعطيه، فهل يمثل الغيرة من فقد الغيرة، من لا غيرة له؟ تصرف صدام كما يتصرف عنترة بن شداد، لكنه لم يكن يمتلك شجاعة عنترة! لا بل نصف شجاعة عنترة، لا بل واحد بالمئة من شجاعة عنترة! فهل يستطيع قتل جندي أمريكي من
لم يملك شجاعة قتل نفسه؟ لا، انتهى كفأر مذعور!
أه من جبنك، "يا سيدي الرمز"، أي خزي وأنت تفتح فمك ذليلاً، طائعاً، كأنك تمثال من عجين، لا تملك ذرة كرامة، وكنت لا تسمح للطبيب العراقي أن يقترب منك أمتاراً قبل أن يفتش، ويفحص، ويتعرى "ربي كما خلقتني" ويرتدي ملابس معقمة، جرى فحصها
بألف طريقة وطريقة! لماذا كنت تخاف من الطبيب العراقي، و"تتنمرد" عليه، بينما تتلاشى كقطعة جبن سويسري، مليئة بالثقوب أمام الطبيب الأمريكي، وهو يعبث بك، وأنت فار ذليل!
ألا من استحى مات، قليل من الكرامة يا سيدي القائد، وأنت أمام الموت، شئت أم أبيت!، وما القضية سوى قضية وقت.
آه من هوانك "يا عزّ العرب" وأنت تعيش في جحر مع الفئران، وقد بنيت عشرات القصور، واستوليت على عشرات الألوف من بيوت أبناء الشعب العراقي، ظلماً وعدوانا، وبغير وجه حق، وصرفت مئات المليارات المسروقة من الشعب! ألم تفكر بأن
الإنسان مهما كان، ومهما وصل فنهايته الموت! وسيعود لحظة ما إلى التراب؟ أم آمنت بقول المنافقين وهم يهتفون حتى تنفجر حناجرهم: القائد المعجزة، أ حقاً ظننت أنك يوماً ما أنك معجزة! وتصرفت على أساس أنك معجزة، معتقداً أن معجزة ستنقذك!
أه على خيبتك وأنت ترى جيشاً، جراراً، جنوداً، رجال أمن، مخابرات، أمن خاص، أجهزة أنشأتها، وصرفت عليها لقمة سرقتها من فقراء الناس، من أعمال السخرة، من سرقة تعب الكادحين، وعرق جبينهم، آه لو أعرِف شعورك وأنت تكتشف أن هذا الجيش
المدلل، المرفه، المتبختر، المتطفل على الأبرياء، يخونك، يتخلى عنك في وقت الشدة، لم يقف معك لحظة واحدة!
يا لتعاستك وأنت ترى السلاح الذي أبدت به شعبك، وقتلت به الأبرياء، والأصدقاء، ومن ظننتهم أعداء، هذا الجيش يصبح في غمضة عين، لا شيء، حتى لأنك لم تستطع استعماله ضد عدوك، أيها الرئيس الشجاع، يا بطل القادسية، ماذا لو أطلقت رصاصة
واحدة على جندي أمريكي! على شبح جندي أمريكي، على الفأر الذي كان يشاركك جحرك!
إذن لكنت أعطيت المجال لمن يريد أن يدافع عنك، لقال وهو يخفي نظراته خجلاً، أنك فعلت شيئاً، اضعف الإيمان.
إذن لماذا كنت تطلق البندقية بيد واحدة أمام الحشود التي سقتها بالقوة لكي ترقص لك! البندقية سلاح، والمسدس سلاح، فإن لم تدافع به عن نفسك فلماذا تحملته حول خاصرتك، وأنت تتبختر به طيلة عمرك.
يا للعراقيين البسطاء الذين وثقوا بك وصدقوك! يا للفلسطينيين المساكين الذين استغللت مأساتهم، ومصيبتهم، ودفعت لهم ما سرقته من تجويع العراقيين، ليرقصوا لك، ويصفقوا لك، ويعبدوك! وها هم الآن يعلنون الحداد لهزيمتك، لموتك وأنت حي!
ولم يعلموا ولن يعلموا من أنت، وما هي حقيقتك! حتى يرتفع الوعي عندهم من مستوى البحر الميت إلى مستوى دجلة والفرات، وذلك يقتضي دهوراً ودهوراً.
أرثيهم ولا أرثيك، أرثي العرب المساكين، الذين خدعوا يوماً ما بأنك حارس أمين للبوابة الشرقية، ما هو شعورهم وهم يرون رئيس حراس البوابة يفتح البوابة، لـ "أعدى أعداء العرب" كما فعله جده قبل سبعة قرون، وسمح للمغول أن يحطموا بغداد.
سيدي "القائد الفذ"، لقد أخزيتنا لا يوم استسلمت للجنود الأمريكان، لكن يوم اشتركت باغتيال عبد الكريم قاسم، إنني أرثي للمخدوعين بك، أكثر مما أرثيك، وأحزن لهم أكثر مما أحزن لك! فقد ولدت جرذا تقمص جلد قط، وانتهيت جرذا عندما جردك الجندي الأمريكي من جلد القط.
أتذكُر يتمك، وتشردك، وجوعك، وأنت تسعى إلى مزابل الجنود الإنكليز، وكما اعترفت أنت، أمام التلفزيون، أنك لم تعرف "المربى" إلا من العلب الفارغة التي يلقيها جنود الإنكليز، في قمامتهم، وكنت كما تقول، تمسح تلك العلب بإصبعك وتمص ما علق
فيها!
أنت اليتيم، المتشرد، الجائع، الحافي، تربى في شارع مترب، لم يرَ أباه، ولم يرعه زوج أم، ولم تحفظه من شرور الشارع أم مسترجلة، رمته من رحمها، ولم تعتن به، كيف تسول لهذا المنبوذ، العاق أن يشارك في مؤامرة لقتل أول حاكم عراقي أعزّ
العراقيين، واحترمهم، وفضلهم على نفسه، وأطعمهم من لقمته، وقضى على مستغليهم، وحررهم من روابط النقطة الرابعة، وحلف بغداد، وبنى البيوت ووزعها على الفقراء، وخلق طبقة وسطى كريمة، وبنى أول قاعدة صناعية، وزراعية، وحرر المرأة، ووو..كيف
يتآمر من يمتلك ذرة من الشرف على مثل هذا الزعيم، من وائتمر على عبد الكريم غير اللئيم! آنذاك وليس الآن أخزيتنا يا سيادة "الخسيس" أخزيتنا يا صدام، يوم وافقت على الانخراط في ألCIA سنة 59، بنصيحة من عبد الناصر، الذي رعاك، وعاملك معاملة الرؤساء، ورفعك إلى مستواه، لكنك ما إن تسلمت السلطة حتى قلبت له ظهر المجن، أمرت أجهزتك المتخلفة مثلك ومثله، أن تسبه، وتشتمه صباح مساء، وحينما مات، كان بوقك، علي الأعور يشتمه في إذاعة بغداد، لم تتذكر عطفه عليك، وأستاذيته الخيانية لك، استمررت في غيك، كنت تعرفه كما تعرف نفسك، كان المسكين، مزيفاً، مثقوباً، مخترقاً مثلك، وانتهى مهزوماً، مخزياً كما انتهيت، لأنه مثلك، أو لأنك مثله، المهم، أنه استغل شعبه، وأذله، وأرهقه، ولم يعتمد عليه، اعتمد مثلك على أل CIA، وأجهزة مستبدة، أشرفت على بنائها له ولك، أجهزة لا تعرف العنف إلا مع شعبها، أما النتيجة فمخزية لك وله، كنت شبيهاً له في كل شيء، شبيهاً له في ادعاءاته العنترية، في تبختره، في خطاباته الكاذبة، وأخيراً وأهم من كل شيء في هزائمه الساحقة، كنت كما يقول العراقيون: "تفلة من فمه" بصقها ووقعت على العراقيين كطير أبابيل، تمحق، تسحق، تحرق الأخضر باليابس، لا تبقي ولا تذر، وكان ما أردت، دمار في دمار، في دمار، وها هو العراق الآن بفضل حكمك، وسرقاتك، وتخبطاتك، وعماك، وانحطاطك، ها هو صحراء، يباب، دمار، تخلف، أمية، مرض، طائفية، لا شيء حي طيب فيه إلا الأمل..المخازي التي جررتها أيها "المناضل البطل" أنت وعصابتك، وأهلك، وعشيرتك على العراق والعراقيين لا تحصى، وليس لها مثيل، لكن لنذكرك ببعضها:
1- مخازي يوم الثامن من شباط سنة 1963، أيوجد خزي أكبر من خزي من يقبل بتسلط عصابة عليه، تقتل، تغتصب، تذل، تسرق، تخون، تأتي بكل الموبقات.
2- مخازي إجاعة الشعب طيلة حكم البعث، كان العراقي يركض، من سوق إلى آخر بحثاً عن الطماطة، البصل، الفاكهة، الدجاج..، أتتذكر إحدى مخازيك الكبرى، مكرمتك الكبرى، يوم أعلنت في الإذاعة ومن دون خجل أنك ستمنح العراقيين مكرمة كبرى،
وكانت المكرمة دجاجة لكل عائلة عراقية! أتذكر أم نسيت! وكان الشعب العراقي يعاني من حصارين، حصار خارجي، وحصار داخلي أنت بطله، كنت تسرق كل واردات العراق، لتبني بها في ظل الحصار قصوراً لا تحصى، قصوراً لم تتمتع ولحسن حظ
الشعب العراقي، ولسوء حظك، لم تتمتع من المبيت فيها يوماً واحداً، أذللت الشعب في لقمته، في رفاهيته، في مدرسته، في وظيفته، في كل شيء، حتى في زواجه، ومن يختارها شريكة حياته.
3- مخازي السكوت عن إبادة الأبرياء في الشمال والجنوب، في كل مدينة، في كل قرية، أيوجد خزي أكبر من خزي السكوت عن إبادة مئات الآلاف من الاخوة والأبناء والأصدقاء والأحباء، ومن دون سبب سوى شك نفس مليئة بالحقد والأمراض.
4- السكوت على إعلان الحرب على إيران من غير مبرر، ولا ذريعة!
5- السكوت على ترحيل كل القرى، المدن العراقية القريبة من إيران، ونهبها من قبل الجنود العراقيين، لا الإيرانيين، لا بل حتى اغتصاب نسائها، وبناتها.
6- الوقوف موقف المتفرج على نهب المدن الإيرانية، كالمحمرة وعبادان وسوسنكرد، وتهديمها، وتدميرها، مع أن معظم سكانها كانوا من العرب الذين خدعتهم بالتحرير..
7- هزيمة العراق أمام إيران في المحمرة، وانسحابه إلى الحدود الدولية، وإعدام آلاف الجنود بتهمة الفرار.
8- خزي الهجوم الجبان على بلد عربي "الكويت" على حين غرة..
9- خزي انسحاب قادة الجيش العراقي من الكويت فجأة، وعلى رأسهم علي حسن المجيد، قبل الهجوم الأمريكي، ببضع ساعات، وترك الجنود البسطاء، والمدنيين العراقيين من دون حماية، مما أدى إلى إبادة ما لا يقل على300,000 مدني وعسكري، وهو أكبر عدد من الضحايا في يوم واحد، في الحرب والسلم، على مر التاريخ.
10- خزي ترك الشعب العراقي يتضور من الجوع، وسرقة موارده، والاستئثار بها، وصرفها على المتع الخاصة، وبناء القصور، والمنتجعات، وشراء الجواسيس، داخل العراق، وخارجه، ووو..
11- وأخيراً وليس آخر، عدم السماح للمفتشين على الأسلحة الممنوعة، وتعريض البلاد للمخاطر التي بدأت ولم تنتهِ.
لقد كان بإمكانك يا صدام حسين أن تحصل على ثناء العراقيين، وحبهم، واحترامهم، لو أنك رعيت شعبك، كما فعل عبد الكريم قاسم، وعاملتهم معاملة إنسانية، ولم تسمح لنفسك الوضيعة بسرقة عوائد النفط، ولم تستأثر بثروات العراق لنفسك، وأفراد عائلتك.
لقد كان بإمكانك أن تصبح كصلاح الدين لو أنك وجهت جيشك الجرار "الذي لا يقهر" ضد إسرائيل، بدل توجيهه لغزو الكويت، إذاً لأصبحت بطل الماضي، والحاضر، والمستقبل!
لكنك ومن دون أسف رجعت إلى أصلك، وضيعاً، مشرداً، مخزياً، يجللك العار يوم ولدت، ويوم نشأت ويوم تحاكم، ويوم تعدم، فتذهب إلى مزبلة التاريخ، مخلداً بالعار، وإلى الأبد.