|
عندما هب كرد سوريا في وجه الاستبداد
صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 2218 - 2008 / 3 / 12 - 11:16
المحور:
القضية الكردية
يستذكر السورييون عامة والكرد منهم على وجه الخصوص تلك الأيام العصيبة التي مرت قبل أربعة أعوام وما شهدت من أحداث ووقائع بدأت شرار تها الأولى في مدينة القامشلي ليمتد لهيبها الى كوباني وحلب وعفرين ودمشق وتحصد أكثر من ثلاثين من الشهداء ومئات الجرحى والمعاقين وآلاف المعتقلين والملاحقين وتخلف مئات المفصولين من طلبة الجامعات والموظفين والمستخدمين ونهب وحرق أعداد كبيرة من محال ومتاجر الكرد في القامشلي والحسكة ورأس العين مجسدة تحركا دفاعيا شاملا على شكل هبة شعبية عارمة في وجه أدوات القمع وقوات حفظ النظام وأجهزة الأمن وجحافل أعضاء الحزب الحاكم وميليشياته المسلحة تلك الهبة التي بدأت وتوسعت وامتدت من القامشلي حتى العاصمة دمشق وظلت أمينة لطبيعتها الدفاعية السلمية مستمرة على شكل حركة شعبية احتجاجية بوجه كردي ومضمون وطني سوري وأفق تغييري ديموقراطي وباعتبار أن النظام الحاكم سيرا على نهج السلف الشوفيني يتعامل مع القضية الكردية وقضايا المعارضة الوطنية عموما بالأسلوب الأمني المعروف فقد خطط الحاكم في دوائره السرية لتنفيذ عملية في القامشلي باشراف مباشر من ماهر الأسد الذي أنشأ لهذا الغرض غرفة عمليات خاصة قريبة من موقع الحدث بمشاركة عتاة الجنرالات في المخابرات السورية ( منصورة – المسؤول عن الملف الكردي - وبختيار والمملوك ) لضرب عصفورين بحجر واحد كما يقال مفاجأة الحركة القومية الديموقراطية الكردية وجماهيرها المسالمة بضربات تخويفية عنيفة اختبارية كرسالة تهديد وترهيب ورد انتقامي على تحرير العراق من الدكتاتورية وتنعم كردستان بالفدرالية وكذلك زرع فتنة عنصرية بين أبناء الوطن الواحد والمنطقة الواحدة بضرب العرب بالأكراد في الجزيرة حتى يتلهى السورييون بمواجهات محلية جانبية ويسود النظام الدكتاتوري على حساب مصالح الجميع ومستقبلهم وأهدافهم المشتركة في تحقيق التغيير والخلاص من الاستبداد وتعزيز الوحدة الوطنية والعيش المشترك بسلام ووئام .ِ دروس ونتائج 1 – دشنت الهبة الدفاعية السلمية في الثاني عشر من آذار انطلاقا من القامشلي وانتهاء بدمشق مرحلة جديدة في تاريخ النضال الكردي السوري ومنعطفا في الحياة السياسية القومية التى سادت واستمرت أكثر من نصف قرن دون أية خضة عميقة مشابهة اذا استثنينا حدث عملية التحول الفكري والسياسي في كونفراس آب لعام خمسة وستين وتسعمئة وألف أي بعد انبثاق الحزب بأقل من عقد من الزمن واذا كانت نتائج وافرازات كونفراس آب جاءت في اطار مراجعة عملية داخلية فكرية وتنظيمية ببعدها البرنامجي في السياسة القومية الكردية من حيث المطالب والأهداف القريبة والبعيدة فان الهبة وبكل دلالاتها المرتبطة تاريخيا بروحية وجوهر المضمون السياسي – الفكري لمدرسة آب القومية الديموقراطية المنظمة بآبعادها الوطنية السورية كمحصلة وافراز والتي انطلقت من دون تحضيرات وخطط وبرامج كما حصل لسابقتها بل بشكل عفوي نابع من حس مرهف بالحساسية والاحتقان الموروث من جيل الى آخر واندمجت تلقائيا مع المحيط الوطني الأوسع من حيث مواجهة الخصم المشترك المتجسد في نظام الاستبداد وهنا يمكن القول أن الهبة الكردية قدمت المثال الساطع على اعادة انتاج عملية تلاقح القومي الكردي باالوطني السوري وتنشيط الحراك المعارض من أقصى الشمال الى قلب العاصمة وتعميم موجة من المواجهة الشجاعة بكسر جدار الخوف من الدكتاتورية في اللحظات الأولى من تصدي جماهير القامشلي لجبروت السلطة وأجهزتها وأصنامها وأسلحتها وبذلك تكون قد وجهت صفعة قوية ومؤلمة الى كل من : الذين يحاولون في الجانب الكردي عزل الحركة الكردية عن المعارضة الوطنية والذين يزعمون في الجانب العربي أن القضية الكردية هي تجليات محلية خاصة في جزر معزولة عن قضايا الوطن المصيرية . 2 – لم تقتصر المواجهة على صفة الشجاعة الفردية أو الجماعية التي ميزت الهبة الدفاعية بل تجاوزتها الى رحاب الصراع السياسي الشامل مع الاستبداد الى رفض أجندة النظام بالمشروع الوطني الديموقراطي الذي يشغل فيه النضال الوطني الكردي حيزا كبيرا منذ عقود بل منذ قيام الدولة السورية كعامل فاعل يتعاظم يوما بعد يوم وقد أثبتت تلك الأحداث أنه بالامكان تخطئة حسابات الأنظمة مهما كانت عاتية وصيانة الوطن من الفتن العنصرية مهما كانت خططها سرية ومدروسة ومشفوعة بالمال والسلطة والأدوات ألم تجبر بضعة أنفار من شجعان الهبة جنرالات النظام الى الهرولة نحو القامشلي مذعورين والرضوخ الى الاستماع لما يريده الأهالي عبر التحقيقات والاستجوابات واستنطاق من تعودوا على اذلالهم في السر والعلن وهم معروفون ولكن دون أن يحاوروا مباشرة أصحاب القضية من جنرالات الهبة السلمية أو يستمعوا الى مطالبهم . 3 – قدمت الهبة الكردية بعض الأجوبة على النقاش الداخلي النظري الدائر منذ عقود في صفوف الحركة السياسية الكردية وأثارت جملة من المسائل تتعلق بجدوى الارتماء في أحضان أنظمة الاستبداد واستجداء الحلول عبرها وعلاقة القضية الكردية بالديموقراطية وأهمية النضال السلمي الجماهيري والبحث عن وسائل وأدوات أخرى لتحقيق مطالب الكرد بعد أن استنفذت الأحزاب والمنظمات القائمة برامج وقيادات أغراضها وباتت تلهث وراء المد الشعبي والمبادرات الجماهيرية بل تتحول الى عوائق وفي أكثر الأحيان مطية لتنفيذ خطط السلطات كما حصل أيام الهبة في القامشلي حيث تحولت غالبيتها الساحقة الى وسيط لتحقيق ( التهدئة ) دون انجاز أي مكسب قومي وتحقيق أي مطلب وطني ديموقراطي بما في ذلك التعويضات والمستحقات القانونية أو ارجاع اي طالب الى كليته وأي موظف الى عمله وهي من أضعف الايمان . 4 – لقد أعادت الهبة الكردية الدفاعية الاعتبار للشعب الكردي وأضافت زخما معنويا جديدا لحركته السياسية التي عجزت عن فهمها أو الاستفادة منها حتى هذه اللحظة ومدت موجة من الاندفاع لحركة المعارضة الوطنية التي بدورها لم تتلقف راهنية اللحظة التاريخية الحاسمة سوى حافزية الحدث ووقعه المشجع للانفتاح على الطيف الكردي والبحث عن سبل المشاركة بعد اعادة النظر في المواقف السابقة والتجاوب مع المطالب الكردية المحقة وفي حين تحققت خطوات ايجابية على صعيد بعض الحالات مثل تجربة " جبهة الخلاص الوطني " ومجموعات أخرى في خارج البلاد الا أن الأمر لم يأخذ مداه المطلوب على صعيد تجربة " اعلان دمشق " الذي كان من سوء طالعه اندفاع بعض الموالين للسلطة من المجموعات الكردية لتتسلل الى جسم الاعلان حاملة معها ثقافة المهادنة والنوايا المبيتة للايقاع بمن لاتستهويهم السلطات ناقلة صورة مشوهة عن الوجه الكردي الوطني الحقيقي لتنتهي التجربة بخذلان " ممثلي " الكرد واثارة الشكوك من حولهم أمام السوريين عندما بقوا خارج الاعتقالات والملاحقات التي طالت غالبية نشطاء الاعلان وهو أمر يدعو الى المزيد من الأسى والقلق . 5 – أعادت الهبة السلمية من جديد مسألة البديل التنظيمي والبرنامجي وآليات الحراك السياسي بما في ذلك وسائل التعبئة والنهوض وادوات الصراع مع نظام الاستبداد الى ساحة النقاش والتداول بين أوساط النخب السياسية والثقافية الكردية ولاشك أن العملية رغم مرور سنوات أربع مازالت مستمرة وتحتاج الى المزيد من الوقت والجهد لتصل الى النهاية المرجوة لأن المهم هو تلامس أسباب الأزمة في الحركة الكردية ووضع الاصبع على الجرح كما يقال كمقدمة لمعالجة الأمور عبر اوسع القطاعات الوطنية من مثقفين وشباب ومرأة وبشكل أخص من الذين عاصروا الهبة وشاركوا فيها وساهموا في الحفاظ على نقاوتها وتقييم فصولها وحوادثها الغنية المليئة بالعبر واذا كانت الأيام القادمة كفيلة بتحقيق المزيد من التراكم النوعي من استخلاصات ونتائج ذلك الحدث الكبير فان الفترة الماضية بفعل الجهود الثقافية والفكرية والحوار المتواصل كشفت العديد من الوقائع والحقائق كبداية مشجعة وأولها ظهور محاولات جادة في قراءة المشهد باسلوب نقدي واعادة البناء على أنقاض القديم المستهلك والتأسيس لانبثاق بدائل تنظيمية حديثة في أطر مشاريع برامج سياسية متقدمة قد تتبلور في صيغها النهائية عندما تكتمل الشروط والأسباب . فرض على الهبة الكردية الدفاعية أن تحرم من شرف تحقيق كل أغراضها لعدم اكتمال استمراريتها حتى النهاية لأسباب معروفة منها تتعلق بعائق المنظمات الكردية وآخر بتقاعس منظمات المعارضة العربية السورية والأهم أنها بفضل دماء الشهداء الأبرار وتضحيات المقاومين أوقفت مخطط الفتنة وكسرت حاجز الخوف وعرقلت تقدم مشروع سلطة الاستبداد تجاه الحالة الكردية وقبل كل هذا وذاك أعادت الاعتبار الى الحركة السياسية الكردية كأحد عوامل النهوض في الساحة الوطنية وأثارت جملة من التساؤلات في مجالات العمل القومي والوطني مازالت قيد البحث والنقاش في الوسطين الثقافي والسياسي أما الأحزاب الكردية فمازالت تنظر الى الهبة بعين واحدة وتتجاهل مكابرة معانيها ونتائجها ومتطلباتها بل والأنكى أنها تحاول استثمار انجازاتها في الوجهة غير الصحيحة بعقلية التحزب الأعمى والشللية الضيقة .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البرلمانييون العرب في كردستان
-
بمناسبة عيد المرأة العالمي كفى استضعاف المرأة فهي الأقوى
-
- كول - .. واشكر
-
ثنائية الديني والقومي في استقلال كوسوفا
-
محاولة في فهم أبعاد مقتل – مغنية - بدمشق
-
قضايا الخلاف في المعارضة السورية- 4 -
-
- فيدرالييو -هولير و- كونفيدرالييو- بغداد
-
قضايا الخلاف في المعارضة السورية - 3 -
-
المعارضة السورية ودول - الاعتدال - العربي
-
عاصمتنا رهينة ثقافة الاستبداد
-
قضايا الخلاف في المعارضة السورية - 2 -
-
زيارة بوش في مرمى سهام - الممانعات -
-
فلنرفع علم صلاح الدين
-
قضايا الخلاف في المعارضة السورية
-
سورية النظام في مواجهة العالم الحر
-
تحولات - الديموغرافيا - الكردية
-
في الذكرى السادسة للحوار المتمدن
-
نفط كردستان من النقمة الى النعمة
-
ليست العلة في المكونات بل في السياسات - 2 -
-
ليست العلة في المكونات بل في السياسات
المزيد.....
-
الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
-
الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف
...
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|