ليس هناك شعب في العالم مولع بنظرية المؤامرة كالشعوب العربية. فكل ما يصيبهم من ويلات وهزائم ومصائب هو نتاج مؤامرة صهيونية إستعمارية إمبريالية أمريكية وحروب صليبية-يهودية ضد أمة العرب والإسلام. فكل العالم متحد في جبهة واحدة متراصة ضد العرب والإسلام !!
وقد تجلى ذلك بأوضح شكل عندما استسلم "فارس العروبة" صدام حسين إلى الجنود الأمريكان دون أية مقاومة، ذليلاً خانعاً جباناً مدحوراً وهو يخرج من حفرة حقيرة كالفأر المرعوب. ولا أدري كم بذل من جهد لتعلم جملة إنكليزية واحدة رأى فيها نجاةًً لحياته من الموت قالها في هلع عندما واجه الجندي الأمريكي عند استسلامه قائلاً:
(I am Saddam Hussein, don’t shoot me ) أي (أنا صدام حسين.. لا ترمني). حصل ذلك أمام الكاميرات وظهرت التفاصيل كيف استجاب بذلة وإهانة لفحص الطبيب الأمريكي.
ولكن أنصار صدام لم يخجلوا، فلا بد وأن يكذِّبوا كل هذه الأدلة الساطعة على جبن بطلهم الهمام الذي لا يقهر ويجدوا له عذراً!!. فقالوا أن كل ما شاهدوه من صور ما هو إلا فبركة أمريكية حيكت بكل دقة وذكاء!! وأنه كان مخدراً، وهو ليس كذلك بطبيعة الحال. ثم تفتقت عبقريتهم على "دليل علمي" وهو عذق البلح بلونه الأصفر في النخلة المجاورة لحفرة صدام. فقالوا هذا دليل قاطع على أن الفيلم قديم وقد تم اعتقاله في تموز الماضي. وراحوا يروون التفاصيل "العلمية"، تماماً على طريقة شرلوك هولمز في التحري عن الجريمة!! فقالوا أن لون ثمار النخل لا بد وأن يتحول من اللون الأصفر إلى البني الغامق إذا بقي على الشجر إلى فصل الشتاء. ووجدوا في هذا "الإكتشاف" نجاة لإنقاذ ماء وجه قائدهم وقد فاتهم أن هناك أنواعاً من النخيل يبقى لون ثمارها أصفراً حتى في الشتاء مثل الأشرسي أو إذا لم يلقح الطلع فيتحول الثمر إلى ما يسمى ب(الشيص) الذي يستخدم علفاً للحيوان، كذلك درجة حرارة المنطقة تلعب دوراً في ذلك.
ولكن جاءت الضربة القاضية لأيتام صدام ونسف تخرصاتهم من محطة تلفزيون البريطانية(بي بي سي) المعروفة بدقة وصدقية تقاريرها، حيث أذاعت مساء أمس 18/12/2003 تقريراً مصوراً من مراسلها المعروف جون سيمسون وهو يتلو تقريره بقرب تلك النخلة المجاورة لحفرة صدام وظهر في التقرير المصور عذق "شرلوك هولمز" بثمره الأصفر بكل وضوح. وفي نفس التقرير أبرز المستر سيمسون الصفحة الأولى من جريدة (المؤتمر) البغدادية الصادرة في نفس اليوم 18/12/2003 وعلى صفحتها الأولى صورة كبيرة فيها صدام حسين وجهاً لوجه مع الدكتور أحمد الجلبي. علماً بأن مقدم التقرير لم يعرف عن هذا الجدل العقيم الدائر في الإعلام العربي المضلل حول (عذق البلح) إذ لم يشر إليه لا من بعيد ولا من قريب. فهل يتعظ أيتام صدام من هذا الدرس البليغ؟ وهل يخجلوا ولو قليلاً ويكفوا عن أكاذيبهم؟ وهل يكفي هذا الدرس لشفاء العرب من مرض عضال أسمه (نظرية المؤامرة)؟ ورحم الله من قال: (يا أمة ضحكت من جهلها الأمم).