|
الفكر المغربي وثقافة حقوق الإنسان
ابراهيم ازروال
الحوار المتمدن-العدد: 2217 - 2008 / 3 / 11 - 11:13
المحور:
حقوق الانسان
من العلامات المائزة للمغرب الحديث والمعاصر ، السعي إلى الجمع والتوفيق بين معطيات نظرية وعملية مختلفة السياقات والأصول والمقاصد . لقد أنفقت النخب المغربية ، وقتا ثمينا في التوفيق بين الأصالة والمعاصرة ، بين المعطى الإيماني / التراثي والمعطى السياسي والعلمي الحديث . فالحقيقة أن النخب المغربية أكثرت من اللهج بالحداثة السياسية وبقيم الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية وبحقوق الإنسان . كما أنها أصرت على التشبث بقيم الأصالة والتراث والمعتقد الإيماني في صيغته المالكية / الأشعرية / الصوفية . ولا يجد الكثيرون أي صعوبة في الجمع بين حقوق الإنسان الكونية والتأكيد على القيمة الاعتبارية للايطيقا الإيمانية كما تجسدت في المثال الإسلامي وفي الغرار الصوفي تحديدا . وهكذا ، دأبنا على استقبال ، صياغات نظرية ومواقف عملية ، قائمة على إقامة التوفيق السعيد بين التمظهرات العلمية والتقانية والسياسية للحداثة والتجليات العقدية والفكرية والأخلاقية للعقل الإسلامي / التراثي . إلا أن هذا التوفيق ، ينطوي في العمق على مفارقات نظرية كبرى وعلى قصور عملي سرعان ما تكشف عنه احتدامات النماذج والابدالات والأنساق في السياق المغربي المتصل أوثق اتصال بعالم معولم وبحداثة متوترة فاقدة بالتدريج لمركزيتها الكلاسيكية المعهودة . لقد انحصرت الصياغات النظرية المنجزة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة الحق والقانون ، في توفيقات فوقية ، غير متمرسة باستكشاف أعماق النظريات والأنساق الفكرية والقيمية . فباستثناء قلة من المؤدلجين التراثيين ، فإن الحركات الفكرية المغربية معتدة بحقوق الإنسان وراغبة في احترام مقتضياتها الكونية . إلا أن ثمة فرقا ، بين القراءة التقنية لحقوق الإنسان الكونية وبين سبر فلسفتها الفكرية والقيمية والروحية . لقد حصرت النخبة المغربية حقوق الإنسان في بعدها القانوني ، وتناست بعدها الفلسفي المتجذر في فلسفة محايثة للشخص البشري . مما لا شك فيه ، أن هذه الرؤية المحايثة والدهرانية جوهريا ، مفارقة لفلسفة الشخص العقدية أو الميتافيزيقية القائمة على رؤية ميتافيزيقية وقدسانية للإنسان . إن لحقوق الإنسان الكونية ، مرتكزات فلسفية وابستمولوجية لا بد من استحضارها في أي استثمار معقلن لمقتضياتها . يميل الكثير من المؤلفين المغاربة إلى حصر الحداثة في تجلياتها العملية وفي انجازاتها التقنية ، علما أن الحداثة هي رؤية مختلفة ناسوتية أو دهرانية في العمق ، كما ان لها تجليات وتمظهرات عملية . والحقيقة أن التعامل التقني النفعي مع الحداثة ، ينطوي على قفز مأساوي على جوهر النظرة الحداثة للشخص البشري وللقانون وللإبداعية القانونية البشرية . وعليه ، فإن حقوق الإنسان بناء نظري إشكالي من منظور القدامة الفكرية والعقدية والايطيقية ، ولا يمكن اجتياف بنوده بخفة اليد النظرية أو بمحض الترميق العملي كما يفعل الكثيرون . إن لحقوق الإنسان والحداثة السياسية ، رؤية مخصوصة للذات وللغير وللتفاعل بين الذوات وبين الأفراد وبين الجماعات ، وهي رؤية منفصلة عن الرؤية اليمتافيزيقية أو الكلامية أو الفقهية الوسيطية ومناقضة لمبادئها و أطرها النظرية والمنهجية . فالحقيقة أن حقوق الإنسان هي نتاج تاريخ فكري أوروبي وغربي ، غني بالمراجعات والانقلابات النظرية والتأسيسات الفكرية والابستمولوجية المتحررة من غطرفة اليمتافيزيقا التوحيدية الوسيطية . إنها نتاج فكر ، عمق النظر في ثوابته الفكرية ، وامتلك جسارة الانفصال عن الرؤية الدينية المسيحية / اليهودية ، المنبنية على أساس نظري لاهوتي وعلى رؤية خلاصية موزعة بين مدينة الله وبين ملكوت هذا العالم .لقد انبنت الرؤية الحداثية للشخص البشري على إبدال مضاد للإبدال الأرسطي / الكنسي ،وللانثروبولوجيا البولسية / الاوغسطينية وللمثال التوراتي / الانجيلي . لقد أحدثت الحداثة انقلابا جوهريا في تصور الإنسان وتعيين حقوقه وواجباته ووضعه الانطولوجي وفعاليته التاريخية . فمن المحقق، أننا انتقلنا عبر تفعيل المبادئ المحايثة للحداثة ، من التصور اللاهوتي المرتكز على الإلهي وعلى المفرق إلى التصور الانثروبولوجي القائم على نظام رمزي جديد وعلى اعتبار تاريخي دهراني للإنسان . وبناء على ما سبق ، فان حقوق الإنسان الكونية ، مرتبطة أوثق ارتباط ، بسياقها الفكري الخاص وبمسوغاتها العقلية المستندة إلى إبدال محايث وانثروبولوجي . وعليه ، فإن الإقرار بحقوق الإنسان يقتضي ، التمسك بمسلماتها ومرتكزاتها الفلسفية وثوابتها الاناسية . والحال أن الكثرة الكاثرة من المثقفين المغاربة ، مازالت مستمرة في عقد التواقفات أو الأخذ بنصوص بدون استنطاق مرتكزاتها وأسسها الابستيمية والفكرية . لقد ارتكزت الفكرانية المغاربية منذ زمن المرابطين على نسق رمزي ، لا هوتي لا يحتل فيه الإنسان إلا موقعا ثانويا . والأكثر من ذلك أن الأدبيات اللاهوتية للمتكلمين والفقهاء والأصوليين والفقهاء المغاربيين ، شكلت منظومة محكومة ، بإلغاء الإنسان العاقل والمستدل والفاعل في التاريخ خصوصا بعد الهيمنة الاشعرية / الصوفية وإقصاء الإرث العقلي الاعتزالي والتراث الفلسفي العقلاني . وتعمق تغييب الإنسان باعتباره غاية الغايات ، بالتصوف الموغل في النفي وإنكار الفاعلية الطبيعية والبشرية وإغراق الذات الإنسانية في أطياف نورية لم تستفق منها الذات المغاربية بعد .فما يشكل جوهر الذاتية المغاربية في اعتقاد الفكرانيين المغاربيين ، هو جوهر الإشكال في اعتبارنا .وبداية التأسيس الفكري للحداثة تقتضي ، استشكال المنظومة التراثية المؤسسة على تسفيل الإنسان وإغراقه في رمزية غيبية طقوسية ، لا تفسح أي موضع لانبثاق حيويته وفاعليته العلمية والتاريخية وقدرته على تعديل واغناء مسار الحضارة البشرية . إن التمسك بالفكرانية المغاربية في غرارها العربي – الإسلامي ، هنا والآن ، لا يفضي مهما برعت الذات المفكرة في عقد الموافقات والمصالحات إلا إلى مفارقات ونظريات فاقدة للصلاحية معرفيا وتاريخيا .فالإقرار بحقوق الإنسان الكونية ، يقتضي لا الإلمام بالتحولات التاريخية للنظر العقلي ، ولتاريخ فلسفة الشخص البشري منذ الإغريق فقط ، بل إعمال النظر النقدي في المنظومة التراثية العربية – الإسلامية ومساءلتها نقديا عن تغييبها النسقي للإنسان وللإنساني وللتاريخ وللعقل ، أي الكشف عن حدودها المعرفية والإيطيقية والتاريخية . فكيف يسوغ المنظرون المغاربة ، المصالحة بين تصور انسي عقلي للإنسان وتصور ميتافيزيقي يحصره في رمزية قدسانية غارقة في الطقوسيات والفقهيات والعرفانيات . رغم التغني بحقوق الإنسان الكونية من قبل الجهات الرسمية وهيئات المجتمع المدني ، والسعي إلا" تجذيرها" في المسلكية الاجتماعية والسياسية والثقافية للمغاربة ، فإن تكريس حقوق الإنسان الكونية في التربة الفكرية المغربية ، يتطلب ، تحقيقا ، مراجعة شاملة للمنظومة التقليدية ولمرتكزاتها الفلسفية واستشكال صارم لمسلماتها النظرية والمنهجية . الطريق إلى حقوق الإنسان ، يمر حتما ، عبر الأنسنة ؛ وشرط الأنسنة يتطلب تجاوز الإرث الفكري لألفية غابت فيها الأنسنة و العقلنة إلى حدود مأساوية .
#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك - لعلي حرب- حين يصير الت
...
-
شيزوفرينيا ثقافية
-
الإشكالية الدينية في خطاب الحداثيين المغاربة-( نموذج الجابري
...
-
واقع الثقافة بسوس-قراءة في وقائع نصف قرن
-
من سوس العالمة إلى سوس العلمية
-
تأملات في مطلب الحكم الذاتي لسوس الكبير
-
الأخلاق والعقل-التسويغ العقلاني للأخلاق
-
تأملات في المعضلة العراقية
-
نحو فكر مغاربي مختلف بالكلية
المزيد.....
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
-
مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|