أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سمير جبر دويكات - دراسة قانونية بعنوان الوضع القانوني لقطاع غزة وفقاً لأحكام القانون الدولي الإنساني















المزيد.....



دراسة قانونية بعنوان الوضع القانوني لقطاع غزة وفقاً لأحكام القانون الدولي الإنساني


سمير جبر دويكات

الحوار المتمدن-العدد: 2216 - 2008 / 3 / 10 - 10:27
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


أولاً: تقديم:

يكتسب الوضع القانوني في قطاع غزة، أحكامه القانونية، كونه جزء من الإقليم الفلسطيني المحتل منذ انفصال فلسطين التاريخية عن الخلافة العثمانية ، ومنذ ذلك الحين لم يحكم القطاع شعبه ومواطنيه في سيادة وطنية كاملة، مما يبقي على حكم الإقليم في ظل أحكام القانون الدولي الإنساني، وهذا يشمل كذلك كامل الأرض الفلسطينية التي احتلت منذ عشرينيات القرن الماضي من قبل البريطانيين، وحتى سيطرت مصر على الإقليم وحكمه لا يعني وجود سيادة فلسطينية على إقليم غزة كون أن المصريين قد حكموا غزة كجزء من الحالة التي شملت باقي الأراضي الفلسطينية كوضع سياسي مؤقت إلى حين حل القضية الفلسطينية وتحرير الأرض.

وقد عادت حالة الاحتلال الكامل لقطاع غزة والتي سلبت كامل السيادة عند احتلال السلطات الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية وبذلك أصبح كامل الإقليم الفلسطيني محتل من قبل إسرائيل، وقد تضرع الإسرائيليون بعدة أسباب على عدم انطباق أحكام القانوني الدولي الإنساني على الأراضي الفلسطينية ومنها حجة فراغ السيادة وأن الحرب جاءت كدفاع عن النفس عند احتلالها من قبل الإسرائيليين في حرب ستة حزيران 1967.

وفي بداية الاحتلال اعترفت إسرائيل بان ما قامت به هو احتلال من خلال إعلانها في بلاغاتها العسكرية أنها ستطبق قواعد اتفاقية جنيف الرابعة 1949، وان احتلالها مؤقت جاء كنتيجة لحماية أمنها، والذي تراجعت عنه إسرائيل فيما بعد، من خلال تبريراتها السياسية بامتياز.

نقتصر هذه الدراسة فقط على حالة ووضع قطاع غزة وفق أحكام القانون الدولي الإنساني قبل وعقب سيطرة حركة المقاومة الإسلامية، حماس ، الكاملة على قطاع غزة بتاريخ 14 حزيران 2007، دون إهمال دراسة الوضع قبل هذه الحالة لاستجلاء الحقيقة كاملة، ومن هنا سنركز في بحثنا على الأثر القانوني الناتج عن هذا الوضع ومدى انطباق أحكام القانون الدولي الإنساني على العناصر المكونة للوضع في غزة من إقليم، وشعب وسلطة.

ثانياً: مدى انطباق أحكام القانون الدولي الإنساني على قطاع غزة:

عالجت لوائح لاهاي، الأولى المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية والثانية المتعلقة القوانين والأعراف المطبقة في أثناء المنازعات وحالة الاحتلال، الأحكام المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني وقد عرفت حالة الاحتلال في المادة الثانية والأربعون من اللائحة الأولى على اعتبار أنها " تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها". وتوجب انطباق أحكام القانون الدولي الإنساني، عند توفر حالة السيطرة الفعلية لدولة الاحتلال على الإقليم المحتل، إذ العبرة بالسيطرة الفعلية وغياب السيادة الكاملة عن الإقليم المحتل لتوفر حالة الاحتلال، على النحو الموجود في قطاع غزة.

وعلى الرغم من كون هذه اللوائح عبارة عن أعراف دولية بشان انطباقها على حالات الحرب والاحتلال إلا أنها تعتبر احد أهم مصادر القانون الدولي الإنساني.

وقد نصت المادة الثانية من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، التي تعد كذلك مصدر اتفاقي رئيسي للقانون الدولي الإنساني على انه"علاوة علي الأحكام التي تسري في وقت السلم ، تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب. والاهم في نص المادة الثانية أنها نصت على "تنطبق الاتفاقية أيضا في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة"، وبموجب هذا النص فان انطباق الاتفاقية على قطاع غزة محل تأكيد، كون أن غزة إقليم محتل من قبل السلطات الإسرائيلية، وان ادعاء إسرائيل أنها أخلت مسؤوليتها القانونية الدولية عن ذلك من خلال إبرامها لاتفاقيات الحكم الذاتي في أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام 1993 أو لانسحابها عن القطاع ، فهو لا يستند إلى أي أساس قانوني، وإنما تبقى سلطات الاحتلال الإسرائيلية مسؤولة مباشرة عن الوضع الإنساني في قطاع غزة، كونها ما تزال محتلة لأراضيه وجزء كبير من الإقليم الكلي الذي يعد القطاع جزء من كيانه السياسي، وهي ملتزمة تماما بواجباتها وفقاً لأحكام القانوني والالتزامات المترتبة على ذلك، وسلوك إسرائيل وتصرفاتها من منطق قوتها لا يعفيها من التزاماتها كدولة احتلال أمام القانون الدولي.

كما نصت المادة الثانية أيضا على "وإذا لم تكن إحدى دول النزاع طرفا في هذه الاتفاقية، فإن دول النزاع الأطراف فيها تبقي مع ذلك ملتزمة بها في علاقاتها المتبادلة. كما أنها تلتزم بالاتفاقية إزاء الدولة المذكورة إذا قبلت هذه الأخيرة أحكام الاتفاقية وطبقتها" والمعلوم أن إسرائيل كدولة "بغض النظر عن وضعها القانوني"، وقعت على الاتفاقية وقد أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية بانطباق الجوانب الإنسانية من اتفاقية جنيف والبروتوكولات الملحقة بها، وما دامت قد أقرت بانطباق جوانبها الإنسانية فان باقي أحكام الاتفاقية تكون محل تطبيق حتى ولو لم تقبل بذلك كونها قواعد قانونية آمرة وجزء لا يتجزأ من المنظومة الدولية التي تحفظ كرامة الإنسان وحياته أثناء النزاعات المسلحة.
وفي المادة الثالثة من نفس الاتفاقية ، نصت على الحد الأدنى من الحفاظ على الحقوق وجاء النص "في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:
1. الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم علي العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر. ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقي محظورة في جميع الأوقات والأماكن:
أ‌. الاعتداء علي الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب.
ب‌. أخذ الرهائن.
ت‌. الاعتداء علي الكرامة الشخصية، وعلي الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة.
ث‌. إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلا قانونيا، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.
2. يجمع الجرحى والمرضي ويعتني بهم. ويجوز لهيئة إنسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تعرض خدماتها علي أطراف النزاع.
والثابت بان سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية هي احتلال، وكون أن حالة فلسطين تعد حالة خاصة في الوضع الدولي الحديث، من حيث أن السيادة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، لم تنقل للفلسطينيين فور انفصالها عن الدولة العثمانية، وذلك بفعل الاحتلال البريطاني، إلا أن سيادة الإقليم الفلسطيني ارتبطت وتمثلت بالفلسطينيين أنفسهم الذين بقوا في الأرض أو من نزحوا فوقها أو الذين من هجروا منها خارج فلسطين واعتبروا فيما بعد لاجئين، وبالأرض المحتلة نفسها، وبالتالي فإسرائيل تبقى دولة محتلة لفلسطين وتنطبق عليها أحكام القانون الدولي الإنساني.

وأمعنت إسرائيل كدولة احتلال على ممارسة هذه الجرائم بأبشع صورها، في الأراضي الفلسطينية وخاصة قطاع غزة، حتى أصبح مسؤوليها مطاردون من قبل المؤسسات الدولية بتهمة ارتكاب أفعال وجرائم ضد الإنسانية ، وحتى خبرائهم القانونيون دخلوا في هذا السياق وأصبحوا يبررون أعمال مسؤوليهم في القتل المتعمد كما حصل مع الشيخ ياسين والرنتيسي، كإجراء واضح وسافر في مخالفة أحكام القانون الدولي الإنساني .
والحالة الإنسانية السيئة الموجودة في غزة نتيجة الحصار غير الأخلاقي وغير القانوني يفرض على إسرائيل تحمل التزاماتها من خلال توفير سبل الحياة بحدها الأدنى كما جاء في الاتفاقية الرابعة والتي نصت في المادة خمسة وخمسون "من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، علي تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها علي الأخص أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها إذا كانت موارد الأراضي المحتلة غير كافية".
وفي المادة ستة وخمسون والتي جاءت على سياق المادة أعلاه نصت "من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، وبمعاونة السلطات الوطنية والمحلية، علي صيانة المنشآت والخدمات الطبية والمستشفيات وكذلك الصحة العامة والشروط الصحية في الأراضي المحتلة، وذلك بوجه خاص عن طريق اعتماد وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة. ويسمح لجميع أفراد الخدمات الطبية بكل فئاتهم بأداء مهامهم".
والمادة الثانية والستون تبين بوضوح بشاعة ممارسة دولة إسرائيل التي تقوم بإعدام المواطنين بواسطة الطائرات والغارات الجوية دون التثبت من تورط هؤلاء بأي أعمال عدائية ومقاومة لسلطات الاحتلال والتي نصت على "لا يجوز إصدار حكم بإعدام شخص محمي إلا بعد توجيه نظر المحكمة بصفة خاصة إلي أن المتهم ليس من رعايا دولة الاحتلال، وهو لذلك غير ملزم بأي واجب للولاء نحوها" ، حيث انه ووفق المادة الثانية والسبعون يكون لـ" أي متهم له الحق في تقديم الأدلة اللازمة لدفاعه، وعلي الأخص استدعاء الشهود. وله حق في الاستعانة بمحام مؤهل يختاره يستطيع زيارته بحرية وتوفر له التسهيلات اللازمة لإعداد دفاعه.
وإسرائيل بممارساتها العدوانية والمخالفة لأبسط حقوق الإنسان أثناء حالة النزاع والاحتلال تكون قد خالفت نصوص الاتفاقية بصراحة من خلال استخدام القوة المفرطة وتهديد امن المحميين في الأراضي المحتلة وعدم تقديم الرعاية الطبية لهم، بل منعهم من ذلك، والحالة الموجودة في غزة من سيطرة قوة مقاومة لها لا تبرر أفعالها غير القانونية بأي حال من الأحوال، والتي تعتبر من وجهة نظر القانون الدولي جرائم ضد الإنسانية.

وهذه الجرائم التي يرتكبها الإسرائيليون في قطاع غزة تشكل أساساً قانونياً ، للحق بادعاء وجود جرائم حرب ضد الإنسانية تستحق وترقى لمحاكمة ومعاقبة القيادة الإسرائيلية العسكرية والسياسية بتهم ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وحتى الجنود في الميدان، والحالة الموجودة في غزة، خصبة لتحريك هذا الادعاء أمام المحكمة الدولية الجنائية، استناداً لمواد أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، ومنها المادة 6 و7 و8 التي تنص يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولا سميا عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسية عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم. ولغرض هذا النظام الأساسي، تعنى "جرائم الحرب،
الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب 1949، أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة؛ والقتل العمد؛
والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما فى ذلك إجراء تجارب بيولوجية؛ وتعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة؛ وإلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك، وفي الفقرة الثانية فيما يتعلق بالنص على أركان هذه الجرائم وفيما يتعلق بالركنين الأخيرين الوارد ذكرهما بالنسبة لكل جريمة، "لا يشترط قيام مرتكب الجريمة بالتقييم القانوني لوجود نزاع مسلح أو لطابعه الدولي أو غير الدولي؛ ولا يشترط في هذا السياق إدراك مرتكب الجريمة للوقائع التي تثبت الطابع الدولي أو غير الدولي للنزاع؛ وإنما يوجد فقط شرط بإدراك الظروف الواقعية التي تثبت وجود النزاع المسلح".

كما أن إسرائيل منعت معظم العائلات الفلسطينية في قطاع غزة من التواصل مع عائلاتهم خارج قطاع غزة تحت مسميات الأمن، وهي بذلك تخالف قواعد القانون الدولي الإنساني، وفقا لأحكام بشأن جمع شمل العائلات، وعلى الرغم من كون هذه الأحكام التي نذكرها لم تصدر عن جهة دولية ملزمة، إلا أنها تشكل قواعد وأحكام أرست عليها الشرعية الدولية وأصبحت بمثابة قواعد آمرة تتفق وروح القانون الدولي.

ثالثاً: مكونات الكيان السياسي في قطاع غزة:

يكتسب الكيان السياسي، شخصيته المعنوية الدولية كدولة أو كيان سياسي يكون محل تطبيق الاتفاقيات الدولية، عند توفر ثلاثة عناصر مكونه له، وهي الأرض والشعب والسلطة السياسية (السيادة)، ولا يشترط لإضفاء الصبغة الدولية على هذا الكيان الاعتراف الدولي به، إنما مجرد توفر هذه المكونات يفرض على المجتمع الدولي احترامه ومعاملته ككيان سياسي والتعاطي معه بالحد الأدنى للحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية وغيرها، وكون أن قطاع غزة جزء من الإقليم الفلسطيني المحتل، ويقع ضمن ظروف وحالة إنسانية خاصة، فليس هناك مشكلة في معاملته كحالة دولية خاصة، ووجود حركات المقامة فيه، كون أن حالة الاحتلال الإسرائيلي لم تنتهي بعد، وعدم قدرة منظمة التحرير الفلسطينية السيطرة عليه، يفرض علينا القول بضرورة مراعاة هذه الحالة ضمن القانون الدولي، كسبيل لتوصيف الأمور ووضعها في قالبها الصحيح، على اعتبار أن غزة كيان محتل، يحكمه القانون الدولي الإنساني.

المكون الأول: الإقليم، يقصد بالإقليم هنا، قطاع غزة، لم يكن المجتمع الدولي قبل الحرب العالمية الثانية يهتم بالأساس إلى الكيانات السياسية والدول وعلاقتها بالفرد ، على اعتبار أنها كانت هذه العلاقة تعد شان داخلي للدولة ولكن بعد تشكيل هيئة الأمم المتحدة، بدأ الاهتمام أوسع إلا أن مفهوم الدول الكبرى والدول الصغرى والدول النامية وغيرها، أبقى على حالة العمل الدولي منقوصة، فمثلا قطاع غزة يتعرض لأبشع الجرائم التي ترتكبها دولة غير شرعية ولا يستند وجودها إلى أي مبرر قانوني أو شرعي وفق القانون الدولي وإنما هي عبارة عن حالة احتلال مدعومة لاعتبارات سياسية من أمريكيا ودول غربية، وعلية يعد قطاع غزة وفق أحكام القانون الدولي كيان سياسي لأغراض تطبيق أحكام القانون الإنساني، والذي يعتبر إقليم محتل بالمفهوم القانوني . حيث نصت المادة الثالثة والسبعون من الفصل الحادي عشر بعنوان تصريح يتعلق بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي من ميثاق الأمم المتحدة على "يقرر أعضاء الأمم المتحدة الذين يضطلعون في الحال أو في المستقبل بتبعات عن إدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطا كاملا من الحكم الذاتي- المبدأ القاضي بأن مصالح أهل هذه الأقاليم لها المقام الأول، ويقبلون أمانة مقدسة في عنقهم، الالتزام بالعمل على تنمية رفاهية أهل هذه الأقاليم إلى أقصى حد مستطاع في نطاق السلم والأمن الدولي الذي رسمه هذا الميثاق. ولهذا الغرض، يكفلون تقدم هذه الشعوب في شؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم، كما يكفلون معاملتها بإنصاف وحمايتها من ضروب الإساءة - كل ذلك مع مراعاة الاحترام الواجب لثقافة هذه الشعوب، وينمون الحكم الذاتي، ويقدرون الأماني السياسية لهذه الشعوب قدرها، ويعاونونها على إنماء نظمها السياسية الحرة نموا مطردا، وفقا للظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه، ومراحل تقدمها المختلفة، ويوطدون السلم والأمن الدولي، ويعززون التدابير الإنسانية للرقي والتقدم، ويشجعون البحوث، ويتعاونون فيما بينهم لتحقيق المقاصد الاجتماعية والاقتصادية والعلمية المفصلة في هذه المادة تحقيقا عمليا، كما يتعاونون أيضا لهذا الغرض مع الهيئات الدولية المتخصصة كلما تراءت لهم ملائمة ذلك، ويرسلون إلى الأمين العام بانتظام يحيطونه علما بالبيانات الإحصائية وغيرها من البيانات الفنية المتعلقة بأمور الاقتصاد والاجتماع والتعليم في الأقاليم التي يكونون مسؤولين عنها، عدا الأقاليم التي تنطبق عليها أحكام الفصلين الثاني عشر والثالث عشر من هذا الميثاق". والفصلين المشار إليهما طبقتهما عصبة الأمم المتحدة على فلسطين في وثيقة الانتداب زمن الاحتلال البريطاني، واللذين استعملتهما بريطانيا كغطاء لاحتلالها وفيما بعد لمنح فلسطين وطن قومي لليهود.

كذلك المادة الرابعة والسبعون من نفس الفصل نصت على "يوافق أعضاء الأمم المتحدة أيضا على أن سياستهم إزاء الأقاليم التي ينطبق عليها هذا الفصل -كسياستهم في بلادهم نفسها- يجب أن تقوم على مبدأ حسن الجوار، وأن تراعي حق المراعاة مصالح بقية أجزاء العالم ورفاهيتها في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والتجارية".

المكون الثاني: الشعب، كذلك فان الشعب الفلسطيني الموجود في قطاع غزة ضمن المنطقة الجغرافية السياسية التي يعيش فيها المواطنين الفلسطينيين هناك، يعتبر وفق أحكام القانون الإنساني عنصر مكون للكيان الفلسطيني في غزة الذي يحكمه القانون الدولي الإنساني.

المكون الثالث: السلطة السياسية (السيادة)، نتفق أولا على أن السلطة التي تحكم القطاع هي سلطة منقوصة السيادة بفعل استمرار الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة من خلال وجوده على أطراف القطاع والأجزاء الأخرى للكيان الفلسطيني ككل وان هذا الاحتلال ينفذ عمليات عسكرية ويغلق كافة مداخل القطاع ويتحكم بمجريات أموره، كل ذلك لا يعفو الكيان الصهيوني من مسؤوليته القانونية تجاه السكان المدنيين وحالة سيطرة حماس، شان داخلي فلسطيني ناتج عن الاحتلال نفسه وهو مسببه، والحالة هذه تدخل في مفهوم حركات المقاومة من اجل تحرير الإقليم سواء السلطة السياسية المتمثلة بالسلطة الوطنية الفلسطينية المنشئة باتفاق أوسلو أو السلطة الفعلية المسيطرة على غزة المتمثلة بحركة المقاومة الإسلامية، حماس. وبغض النظر فان حسب ما نراه لا يمكن الادعاء بان الاتفاق المبرم بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، إعلان المبادئ أو أي اتفاق آخر، لا يعد المنشئ القانوني الأساسي لأي سلطة سياسية قانونية في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية الأخرى، إنما هذا يعد حق سياسي وقانون مستمد من أحكام القانون الدولي المتمثل بحق تقرير المصير الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في المادة الخامسة والخمسون من الفصل التاسع وعنوانه في التعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي، ونورد نص المادة الكامل، لنرى درجة الفظاعة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، بما يخالف ميثاق الأمم المتحدة "رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة ودية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، تعمل الأمم المتحدة على؛ تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، وتيسير الحلول للمشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية وما يتصل بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم، وأن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلا".

وبالتالي فان إسرائيل ملزمة بالتخلي عن الاحتلال ومنح السيادة التامة لفلسطين ليكون بإمكانها إعفاء نفسها من التزامات المحتل وفق أحكام القانون الدولي في قطاع غزة، استناداً لإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة ، والذي جاء فيه، " وإذ تؤمن بأن لجميع الشعوب حقا ثابتا في الحرية التامة وفي ممارسة سيادتها وفي سلامة ترابها الوطني، وتعلن رسميا ضرورة القيام، سريعا ودون أية شرط، بوضع حد للاستعمار بجميع صوره ومظاهره، ولهذا الغرض، تعلن ما يلي:1. إن إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكارا لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعيق قضية السلم والتعاون العالميين،
2. لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعي بحرية إلي تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي،
3. لا يجوز أبدا أن يتخذ نقص الاستعداد في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو التعليمي ذريعة لتأخير الاستقلال، 4. يوضع حد لجميع أنواع الأعمال المسلحة أو التدابير القمعية، الموجهة ضد الشعوب التابعة، لتمكينها من الممارسة الحرة والسلمية لحقها في الاستقلال التام، وتحترم سلامة ترابها الوطني، 5. يصار فورا إلي اتخاذ التدابير اللازمة، في الأقاليم المشمولة بالوصاية أو الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، أو جميع الأقاليم الأخرى التي لم تنل بعد استقلالها، لنقل جميع السلطات إلي شعوب تلك الأقاليم، دون أية شروط أو تحفظات، ووفقا لإرادتها ورغبتها المعرب عنهما بحرية، دون تمييز بسبب العرق أو المعتقد أو اللون، لتمكينها من التمتع بالاستقلال والحرية التامين، 6. كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الإقليمية لبلد ما تكون متنافية ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه،
7. تلتزم جميع الدول بأمانة ودقة أحكام ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهذا الإعلان علي أساس المساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لجميع الدول، واحترام حقوق السيادة والسلامة الإقليمية لجميع الشعوب".

رابعاً: حالة اعتبار إسرائيل قطاع غزة كياناً معادياً

أعلنت حكومة إسرائيل بتاريخ 19 أيلول 2007، أنها قررت اعتبار قطاع غزة كيانا معاديا، وكانت الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغرة قد قالت في قرارها، أن حركة حماس الإسلامية منظمة إرهابية سيطرت على قطاع غزة وجعلت منها كيانا معاديا. وان تلك المنظمة تقوم بنشاطات معادية لدولة إسرائيل ومواطنيها وهي بالتالي مسؤولة عن تلك النشاطات. وأكد البيان الصادر عن حكومة إسرائيل انه علاوة على مواصلة العمليات العسكرية التي تستهدف المنظمات الإرهابية ستفرض إسرائيل قيودا على السلطة المنبثقة عن حماس بشكل يحد من نقل البضائع إلى قطاع غزة وتزويدها بالوقود والكهرباء. وان تلك القيود ستطبق بعد دراسة جوانبها القانونية مع الأخذ في الاعتبار القضايا الإنسانية في قطاع غزة لتفادي أزمة إنسانية. وأشار البيان إلى أن الحكومة الأمنية التي اجتمعت للبحث في طريقة التعامل مع استمرار إطلاق الصواريخ على إسرائيل من غزة اتخذت تلك الإجراءات بالإجماع.

وكأن الحالة بين إسرائيل وغزة قبل هذا الإعلان كانت تقوم على أساس من التبادل الدولي السلمي والتجاري وهناك تبادل في البعثات الدبلوماسية، لكن للتوضيح نقول بان الوضع قبل هذا الإعلان كان اشد من حالة العدائية بين إسرائيل وحماس ، لكن الفارق في هذا الإعلان أن حماس أصبحت المسيطرة على قطاع غزة بالكامل وليس هناك وجود أو مظاهر لوجود السلطة الوطنية الفلسطينية الموجودة بفعل الاتفاقات الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

أما من ناحية القانون الدولي الإنساني، فانه ليس هناك فرق في التوصيف الذي أوردناه سابقا، كون أن إسرائيل محتلة لقطاع غزة، كما ظهر في السياق بالأدلة والنصوص القانونية، وبالتالي هناك حالة احتلال موجودة بوجود الاحتلال، وواجبات إسرائيل ستكون ملزمة لها بقدر أكثر كونها أعلنت حالة عداء إضافة إلى احتلالها المستمر للقطاع، وهذا بكل حال يؤكد على وجود حالة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، وزيادة على ذلك يضفي على إسرائيل مسؤولية جنائية دولية نتيجة الأفعال التي ترتكبها بحق المدنيين الفلسطينيين هناك، كونها حالة حرب عدوانية إسرائيلية فوق إقليم محتل، بالتالي فان أحكام القانون الدولي وخاصة الجنائية لمعاقبة مرتكبي جرائم الحرب الإسرائيليين ستكون من منطق القانون واجبة التطبيق أكثر من قبل، وخاصة أنها في الحالة ذلك ضربت بكل وضوح الجوانب الإنسانية عندما أعلنت وقف كافة الإمدادات الغذائية وحاجات السكان من مواد أساسية ومصادر الطاقة وغيرها، وفق أهوائها وتوجهاتها دون مراعاة الحد الأدنى من هذه الحاجات للسكان المدنيين.

ووفقا لهذه الحالة يتوجب على المجتمع الدولي وخاصة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة تحمل مسؤولياتها القانونية، والعمل على إنهاء الإجراءات الإسرائيلية التعسفية تجاه المواطنين الآمنين في قطاع غزة، وهذه الحالة التي تفرضها إسرائيل على قطاع غزة تشكل وفقا لوصف الجرائم جرائم حرب وإبادة جماعية للسكان في القطاع، يتوجب على أثرها إحالة موضوعها إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق بهذه الجرائم، ومعاقبة مرتكبيها، كونها مرتكزة على قواعد إنسانية آمرة في القانون الدولي الإنساني وأعرافه المطبقة.

خامساً: الوضع القانوني للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة
لا بد في هذا البحث من الحديث عن قانونية العمل المسلح الفلسطيني في قطاع غزة وخاصة مسالة إطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية، والتوكيد على الوضع القانوني للمقاومة الوطنية في القانون الدولي، من خلال التمييز بين ادعاءات إسرائيل وأمريكيا والوضع القانوني السليم وفق أحكام القانون الدولي. حيث يميز القانون الدولي بين الإرهاب الذي هو استخدام غير شرعي للقوة أو العنف بقصد الحصول على أهداف معينة-سياسية أو غير سياسية، وبين المقاومة الوطنية التي تعتبر أداة للممارسة الحق في تقرير المصير أو في التحرر من قوة احتلال لا تراعي القانون الإنساني الدولي. فالقانون الدولي يدين الإرهاب الصادر عن الأفراد أو عن الأنظمة، ويدعو الدول إلى الامتناع عن تأييد النشاطات الإرهابية ومساعدتها. بل انه يدعو إلى مكافحة هذه الأعمال بكل الوسائل، ويحدد العقوبات في نشأتها، سواء أكان مرتكبوها أفرادا أو منظمات سياسة أو دولا. وقد استند القانون الدولي إلى عدد كبير من الاتفاقات الدولية الشارعة والمنظمة للمقاومة. وقد أجاز القانون الدولي المقاومة المسلحة في حالات خاصة:‏
أ. حالة استخدامها أداة لممارسة الحق في تقرير المصير
لقد حرص القانون الدولي على تأكيد حق تقرير المصير للشعوب في أن تختار، بشكل حر ومستقل عن أي فئة أو جهة أخرى خارجية، النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تريد. وفي هذا الإطار تعتبر كل دولة ملزمة قانونا بالامتناع عن أي عمل قمعي يحرم الناس حقهم في تقرير المصير والحرية والاستقلال. وعلى هذا الأساس أيضا "فان قيام الناس المدنيين بمقاومة هذا العمل القمعي يجعلهم مخولين تلقي المساعدات من الدول الأخرى بما يتلاءم مع مبادئ الأمم المتحدة". وقد أكد ميثاق الأمم المتحدة على ذلك كما سبق ذكره، حول ضرورة احترام الحق في تقرير المصير وتفعيله من دون أي عائق أو تحفظ. وبذلك يصبح الحق في تقرير المصير حقا أصيلا من حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف. وينبغي على الدول جميعا أن تحترم هذا الحق، وان تمتنع عن التذرع بأي سبب أو عائق لقمعه ولا حتى لتأخيره. وللشعوب في هذه الحالة الأخيرة أن تمارس حقها الكامل في المقاومة الوطنية المسلحة والعنف الثوري من اجل تقرير المصير. وهناك رأيا راجحا في القانون الدولي يعتبر الحق في تقرير المصير من "القواعد الآمرة"، بحيث يحظر على الدول تجاوزها لأي سبب كان كما يجيز إبطال أي اتفاقية دولية قد تمنعها أو تحول دون ممارستها. ولممارسة هذا الحق، حيث يجوز للشعوب استخدام المقاومة الوطنية بشتى وسائلها وأدواتها.‏
ب. حالة استخدام المقاومة أداة لإزالة الاحتلال، كما الحال في فلسطين‏
أصبحت أحكام القانون الدولي أكثر وضوحا. فالواقع أن القانون الدولي يؤكد على النظام العام في المناطق الخاضعة للاحتلال حرصا على سلامة المدنيين، مع تحريمه الاحتلال ذاته أداة لاكتساب حقوق إقليمية جديدة . وفي سياق الاتجاهات الحديثة للقانون الدولي فيلاحظ،‏ أن أي تدخل ضد حركة تحرر وطني يمكن أن يكون غير قانوني، كما أن مساعدة هذه الحركة هي قانونية.‏ وان استخدام القوة لمقاومة الاحتلال يبقى مشروعا، وان كان تصنيف المقاومين هنا قد يخرج عن وضع "المدنيين المحميين".‏ وان القوة القائمة بالاحتلال محكومة بموجبات القانون الإنساني الدولي، وإذا ثار السكان الأصليون واستطاعوا أن يطردوا المحتل بالقوة عن أرضهم، يكون لهم الحق في ذلك ما دام الاحتلال قائم ولم ينتهي كما نصت عليه المادة السادسة من اتفاقية جنيف الرابعة .
ج. التمييز بين الإرهاب والمقاومة في القانون الدولي‏
أخذت الدول الاستعمارية منذ بدء الاستعمار القديم على وصف المقاومين بالإرهاب وأوصافه ومصطلح الإرهاب والفرق بينه وبين الكفاح المسلح، ليس جديدا، والصعوبة في تعريف الإرهاب تعود إلى الفريق الذي ينظر إليه. وليس جديدا القول أيضا أن هناك هوة سحيقة بين النظام العالمي القانوني الذي يعرف الإرهاب بموضوعية شاملة، والنظام العالمي السياسي الذي يتبنى التعريف الذي لا يتعارض مع سياسته ولا يسبب إحراجا لأطرافه.‏
وعرف احد الكتاب الإرهاب على انه "شكل معقد من العنف السياسي. فهو ليس عشوائيا، كما انه ليس من دون هدف. انه إستراتيجية وأداة للذين يرفضون تقاليد الشعب المتحضر وقيمه في كل مكان". وعرف كاتب آخر الإرهاب على انه "استخدام غير شرعي للقوة أو العنف، تقوم به منظمة ثورية ضد الأفراد والممتلكات بقصد الضغط على الحكومة أو إجبارها على الخضوع لأسباب سياسية أو إيديولوجية.‏
وحيث أننا نتعرض كفلسطينيين لإرهاب الدولة‏، فجدير القول بأن القانون الدولي لا يستثن إمكان قيام الدولة ذاتها بعمل إرهابي وترتيب العقوبات اللازمة عليها. ولذلك حرص هذا القانون على ضرورة التحقق من مسلكية الدولة وفقا للأصول التي تحتمها حقوق الإنسان من ناحية وسيادة الدول الأخرى من ناحية ثانية وعلاقات الصداقة بين الدول والشعوب من ناحية ثالثة.‏
وعلى الرغم من أن القواعد المنظمة لهذه الحالة واضحة في القانون الدولي، فان أحدا من الدول الكبرى لا يثير، مسألة إرهاب الدولة وضرورة اتخاذ الإجراءات العقابية بحقها. وربما يعود ذلك إلى أن السياسة "الإسرائيلية" الراهنة تمارس منذ زمن بعيد هذا الإرهاب المخطط له والصادر عن هيئاتها الحكومية.‏
‏ وعلى الرغم مما يبديه القانون الدولي للمحافظة على النظام العام حتى في البلد الذي يتعرض للاحتلال، فان هذا القانون يسعى أيضا إلى حماية حق الشعوب في تقرير مصيرها، حتى إذا لجأت إلى العنف الثوري أحيانا. كما يحصل في غزة من إطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية، رداً على هجمات الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين وارتكابه للجرائم البشعة بحق المواطنين الآمنين في غزة، وعلى هذا الأساس اعترف القانون الدولي بضرورة احترام الوحدة الإقليمية للدول وحقها في أن تعيش باستقلالها وكرامتها.‏ وعلى هذا الأساس أيضا اعترف القانون الدولي بالمقاومة الوطنية.
سادساً: إسرائيل تمارس جرائم ترقى إلى إبادة جماعية ضد سكان قطاع غزة

بالعودة إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإننا من خلال تفحصنا لأركان جريمة الإبادة الجماعية التي تحدثت عنها المادة السادسة من النظام الأساسي للمحكمة في كافة فقراتها، نجد أن الحالة تلك وبالوضع الذي تعيش فيه غزة، تتوفر أركان الإبادة الجماعية، حيث جاء في الفقرة ألف من نفس المادة " الإبادة الجماعية بالقتل وأركانها، 1. أن يقتل مرتكب الجريمة شخصا أو أكثر. 2.أن يكون الشخص أو الأشخاص منتمين إلى جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية معينة. 3. أن ينوي مرتكب الجريمة إهلاك تلك الجماعة القومية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية، كليا أو جزئيا، بصفتها تلك. 4. أن يصدر هذا السلوك في سياق نمط سلوك مماثل واضح موجه ضد تلك الجماعة أو يكون من شأن السلوك أن يحدث بحد ذاته ذلك الإهلاك.
وهذه الأركان الأربعة تنطبق بكل وضوح على الحالة الموجودة في غزة، من حيث القتل المستمر والدمار واستهداف فئة خاصة كونها تنتمي إلى جماعة قومية ودينية معينة، وإسرائيل من خلال أساليبها وأعمالها تهدف إلى هلاك المواطنين هناك، وسلوك إسرائيل معروف والنية الإسرائيلية من خلال أعمالها متوفرة بباعث القتل والهلاك الجماعي.

وقد نصت الفقرة باء من نفس المادة على الإبادة الجماعية بإلحاق أذى بدني أو معنوي جسيم، وأركانها، أن يسفر فعل مرتكب الجريمة عن إلحاق أذى بدني أو معنوي جسيم بشخص أو أكثر. وأن يكون الشخص أو الأشخاص منتمين إلى جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية معينة. وأن ينوي مرتكب الجريمة إهلاك تلك الجماعة القومية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية، كليا أو جزئيا، بصفتها تلك وأن يصدر هذا السلوك في سياق نمط سلوك مماثل واضح موجه ضد تلك الجماعة أو يكون من شأن السلوك أن يحدث بحد ذاته ذلك الإهلاك.

كما أن الأركان الواردة في الفقرة أعلاه حول الإبادة الجماعية بإلحاق أذى بدني أو معنوي جسيم، متوفرة وثابتة في التقارير الواردة في هذه الدراسة كما تم الإشارة إليها.

والإبادة الجماعية بفرض أحوال معيشية يقصد بها التسبب عمدا في إهلاك مادي ، وأركانها، أن يفرض مرتكب الجريمة أحوالا معيشية معينة على شخص أو أكثر. وأن يكون الشخص أو الأشخاص منتمين إلى جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية معينة. وأن ينوي مرتكب الجريمة إهلاك تلك الجماعة القومية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية، كليا أو جزئيا، بصفتها تلك. وأن يُقصد بالأحوال المعيشية الإهلاك المادي لتلك الجماعة، كليا أو جزئيا. وأن يصدر هذا السلوك في سياق نمط سلوك مماثل واضح موجه ضد تلك الجماعة أو يكون من شأن السلوك أن يحدث بحد ذاته ذلك الإهلاك.

والإبادة الجماعية بفرض تدابير تستهدف منع الإنجاب ، وأركانها، أن يفرض مرتكب الجريمة تدابير معينة على شخص أو أكثر. وأن يكون الشخص أو الأشخاص منتمين إلى جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية معينة. وأن ينوي مرتكب الجريمة إهلاك تلك الجماعة القومية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية، كليا أو جزئيا، بصفتها تلك. وأن يُقصد بالتدابير المفروضة منع الإنجاب داخل تلك الجماعة. وأن يصدر هذا السلوك في سياق نمط سلوك مماثل واضح موجه ضد تلك الجماعة أو يكون من شأن السلوك أن يحدث بحد ذاته ذلك الإهلاك.

وهذه الحالات الواردة أعلاه، تنطبق جميعها على الوضع في قطاع غزة كون أن إسرائيل أطلقت يدها بتشجيع أمريكي، وسكوت دولي غير مبرر، يرقى إلى خطورة بالغة في العمل الدولي وحماية السكان المدنيين، الواقعين تحت سيطرة الاحتلال، وفي النزاعات المسلحة على خلاف هذه القواعد الإنسانية الآمرة، التي يتوجب سريانها دون النظر إلى الإجراءات الشكلية في تطبيقها على الإقليم أم لا، كما تتبعه إسرائيل في هذا المجال، ويتحمل المجتمع الدولي والإنساني، كافة التزاماته القانونية، بل إن الفرد العادي في هذا العالم يقع واجبه القانوني كمسؤول عن التحرك والدفع باتجاه رفع هذا الظلم الواقع على الفلسطينيين وخاصة قطاع غزة.

سابعاً: الصراع بين فتح وحماس في قطاع غزة:

كان يتوجب على الحركتين في صراعهما الأخير الحرص على الجوانب الإنسانية في صراعهما الداخلي واهم هذه القواعد التي نص عليها الإعلان بشأن قواعد القانون الدولي الإنساني المتعلقة بتسيير الأعمال العدائية في المنازعات المسلحة غير الدولية القواعد العامة المتعلقة بتسيير الأعمال العدائية، أثناء المنازعات المسلحة غير الدولية، وخاصة ما حصل وتوج بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، إذ تم انتهاك كثير من القواعد التي كان يجب مراعاتها والالتزام فيها، وهي على النحو التالي :

1. التمييز بين المحاربين والأشخاص المدنيين، والالتزام بالتمييز بين المحاربين والأشخاص المدنيين هو قاعدة عامة تسري أثناء أي نزاع مسلح غير دولي وتحظر بخاصة الهجمات العشوائية.
2. حصانة السكان المدنيين، حظر شن أية هجمات على السكان المدنيين بصفتهم هذه أو على الأشخاص المدنيين هو قاعدة عامة تسري أثناء أي نزاع مسلح غير دولي. وأعمال العنف التي تستهدف أساسا إشاعة الرعب بين السكان المدنيين هي أيضا محظورة.
3. حظر الآلام التي لا داعي لها، حظر الآلات التي لا داعي لها هي قاعدة تسري أثناء أي نزاع مسلح غير دولي، وتحظر بخاصة اللجوء إلى وسائل القتال التي تضاعف دون جدوى عذاب الأشخاص العاجزين عن القتال أو التي تجعل من موتهم أمرا محتوما.
4. حظر الغدر، حظر قتل أي خصم أو إصابته بالجروح أو اعتقاله باللجوء إلى الغدر هو قاعدة عامة تسري أثناء أي نزاع مسلح غير دولي. وفي أي نزاع مسلح غير دولي، تعتبر من أعمال الغدر الأعمال التي تعتمد على حسن نية الخصم بقصد خداعه لجعله يعتقد أن له الحق في التمتع بالحماية المنصوص عليها في قواعد القانون الدولي الإنساني الساري أثناء أي نزاع مسلح غير دولي، أو أنه ملزم بمنح تلك الحماية.
5. احترام وحماية أفراد الخدمات الطبية ورجال الدين، وكذلك الوحدات الصحية ووسائل النقل الطبي.
6. حظر مهاجمة المساكن وغيرها من المرافق التي يستخدمها السكان المدنيون دون سواهم، تستلزم ضمنا القاعدة العامة التي تحظر شن هجمات على السكان المدنيين كنتيجة طبيعية لها وحظر مهاجمة السكان أو غيرها من المرافق التي يستخدمها السكان المدنيون دون سواهم.
7. حماية الممتلكات الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، تستلزم ضمنا القاعدة العامة التي تحظر شن هجمات على السكان المدنيين كنتيجة طبيعية لها وحظر مهاجمة الممتلكات الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة أو تدميرها أو إزالتها أو جعلها غير صالحة لهذا الغرض.
8. تدابير احتياطية عند شن أي هجوم، القواعد العامة التي تلزم بالتمييز بين المحاربين والأشخاص المدنيين وتحظر شن هجمات على السكان المدنيين بصفتهم هذه أو على الأشخاص المدنيين تستلزم ضمنا، لكي يمكن تنفيذها، اتخاذ كل التدابير الاحتياطية الممكنة عمليا لتفادي إصابة السكان المدنيين بالجروح أو الخسائر أو الإضرار.

وكذلك هناك حقوق كان يجب مراعاتها في الإعلان الخاص في الاضطرابات والتوترات الداخلية والذي ينص على القواعد الإنسانية الدنيا ، حيث جاء في المادة الأولى من الإعلان، "يؤكد هذا الإعلان القواعد الإنسانية الدنيا التي تنطبق في جميع الحالات، بما فيها حالات العنف، والاضطرابات الداخلية، والتوترات الداخلية، والخطر العام الاستثنائي، والتي لا يمكن نقضيها في أي حال. ويتعين احترام هذه القواعد بصرف النظر عن إعلان أو عدم إعلان حالة الحصار. والمادة الثانية نصت "يجب احترام وتطبيق هذه القواعد من قبل جميع الأشخاص ومجموعات الأشخاص والسلطات بصرف النظر عن مركزهم القانوني وبدون أي تمييز مجحف". والمادة الثالثة نصت " لكل فرد في أي مكان الحق في الاعتراف به كشخص أمام القانون. ولجميع الأشخاص، حتى إذا كانوا مسلوبي الحرية، الحق في احترام شخصهم، وشرفهم، وقناعاتهم، واحترام حريتهم في التفكير والوجدان، وممارساتهم الدينية. ويجب معاملتهم في جميع الأحوال بإنسانية، بدون أي تمييز مجحف. وتحظر الأفعال التالية وتظل محظورة دائما؛ الاعتداء على الحياة، أو الصحة، أو السلامة البدنية أو العقلية للأشخاص، وبخاصة القتل، والتعذيب، والتشويه، والاغتصاب وكذلك العقوبات أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وكذلك أي اعتداء آخر على الكرامة الشخصية، والعقوبات الجماعية ضد الأشخاص أو ضد ممتلكاتهم، وأخذ الرهائن،
وممارسة أو إجازة أو تقبل اختفاء الأشخاص القسري، بما في ذلك خطفهم أو احتجازهم بدون إعلان، والسلب، والحرمان المتعمد من الوصول إلى الغذاء وماء الشرب والأدوية الضرورية،
والتهديد باقتراف أو الحض على اقتراف هذا الفعل أو ذاك من الأفعال المذكورة. وفي الفقرة الأولى من المادة الرابعة جاء النص على " يراعى احتجاز جميع الأشخاص المحرومين من حريتهم في مراكز احتجاز معترف بها. وتبلغ بسرعة إلى أفراد عائلاتهم، وجهة الدفاع عنهم، وإلى أي أشخاص آخرين له مصلحة مشروعة في ذلك المعلومات الدقيقة عن احتجازهم ومكان الاحتجاز، بما في ذلك حالات النقل".

أوردنا هذه المبادئ أعلاه، كونها تعتبر جزء لا يتجزأ من القانون الدولي الإنساني، والتي يتوجب على المتنازعين في قطاع غزة خلال هذه الفترة وقبله وفي المستقبل مراعاتها والتقيد بها، وإلا يمكن أن يشكل ارتكابها من أي شخص أو منظمة أو حركة أو حزب جريمة يعاقب عليها القانون.
ويحكم هذه المنازعات التي لا تتصف بالدولية البرتوكول الثاني الملحق باتفاقية جنيف الرابعة 1949، وقد نصت المادة الرابعة بوضوح على ضرورة مراعاة الجوانب الإنسانية، وجاء فيها "1. يكون لجميع الأشخاص الذين لا يشتركون بصورة مباشرة أو الذين يكفون عن الاشتراك في الأعمال العدائية -سواء قيدت حريتهم أم لم تقيد- الحق في أن يحترم شخصهم وشرفهم ومعتقداتهم وممارستهم لشعائرهم الدينية ويجب أن يعاملوا في جميع الأحوال معاملة إنسانية دون أي تمييز مجحف. ويحظر الأمر بعدم إبقاء أحد علي قيد الحياة. 2. تعد الأعمال التالية الموجهة ضد الأشخاص المشار إليهم في الفقرة الأولي محظورة حالا واستقبالا وفي كل زمان ومكان، وذلك دون إخلال بطابع الشمول الذي تتسم به الأحكام السابقة. ومنها
الاعتداء علي حياة الأشخاص وصحتهم وسلامتهم البدنية أو العقلية ولا سيما القتل والمعاملة القاسية كالتعذيب أو التشويه أو أية صورة من صور العقوبات البدنية، والجزاءات الجنائية، وأخذ الرهائن، وأعمال الإرهاب، وانتهاك الكرامة الشخصية وبوجه خاص المعاملة المهينة والمحطة من قدر الإنسان والاغتصاب والإكراه علي الدعارة وكل ما من شأنه خدش الحياء، والسلب والنهب، والتهديد بارتكاب أي من الأفعال المذكورة. 3. يجب توفير الرعاية والمعونة للأطفال بقدر ما يحتاجون إليه، وبصفة خاصة؛ يجب أن يتلقى هؤلاء الأطفال التعليم، بما في ذلك التربية الدينية والخلقية تحقيقا لرغبات آبائهم أو أولياء أمورهم في حالة عدم وجود آباء لهم، وتتخذ جميع الخطوات المناسبة لتسهيل جمع شمل الأسر التي تشتتت لفترة مؤقتة، ولا يجوز تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة في القوات أو الجماعات المسلحة. ولا يجوز السماح باشتراكهم في الأعمال العدائية، وتظل الحماية الخاصة التي توفرها هذه المادة للأطفال دون الخامسة عشرة سارية عليهم إذا اشتركوا في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، رغم أحكام الفقرة وإذا ألقي القبض عليهم، وتتخذ، إذا اقتضى الأمر، الإجراءات لإجلاء الأطفال وقتيا عن المنطقة التي تدور فيها الأعمال العدائية إلي منطقة أكثر أمنا داخل البلد علي أن يصحبهم أشخاص مسؤولون عن سلامتهم وراحتهم، وذلك بموافقة الوالدين كلما كان ممكنا أو بموافقة الأشخاص المسؤولين بصفة أساسية عن رعايتهم قانونا أو عرفا.
وتستطيع الجهات القضائية والقانونية الفلسطينية المختصة وفق أحكام القانون، أن تعمل على التحقيق مع مرتكبي الجرائم، وتقديمهم للمحاكمات العادلة، وفقا للاختصاص القانون المحلي في فلسطين، وبعيداً عن أي إرهاصات سياسية، قد تعيقها طبيعة التشكيلة السياسية الفلسطينية، وللقاء في فلسطين اختصاص في النظر والفصل وفق أحكام القانون، حتى ينال كل مجرم عقوبته التي يستحقها، لتكون عبرة لغيره، وتلتزم كافة الجهات المتنازعة، الكف عن هذه النزاعات التي لن تكون مبررة بأي حال مهما كان.

ثامناً: مسؤوليات من يحكم القطاع

تضطلع السلطة الوطنية الفلسطينية وليدة منظمة التحرير الفلسطينية ، بمسؤولية إدارة القطاع والتي تحمل جزء من الواجبات التي يفرضها القانون الدولي الإنساني، فيما يتعلق بحقوق الانسان، ومن ناحية كون أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل القانوني للشعب الفلسطيني بموجب قرارات الأمم المتحدة الخاصة بذلك على أساس حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني، حتى يوصله نضاله إلى دولة مستقلة فوق ترابه الوطني بعد زوال الاحتلال عن كامل ترابه الوطني، وفق ما هو مقرر في القانون الدولي، وحيث أن السلطة الفلسطينية استمدت شرعيتها من منظمة التحرير وهذا الحق كذلك منبثق عن الحق في تقرير المصير للشعب الفلسطيني، فانه يتوجب عليها ممارسة مهامها القانونية حتى بوجود الاحتلال، والتي ستكون بمثابة المسير الذاتي لأوضاع وشؤون المواطنين الفلسطينيين عن طريق مؤسساتها القانونية المنتخبة والدستورية، وهي الوسيط القانوني الذي يمثل الشعب الفلسطيني، ويطالب بحقوقه السياسية والمدنية والاقتصادية والإنسانية، وعليها واجب فضح إسرائيل والمطالبة بانتهاء الاحتلال، وإقامة كيان فلسطيني مستقل وفق أحكام القانون الدولي.

إن إدارة القطاع من قبل السلطة أو المنظمة أو أي حركة أو منظمة يجب أن تستند إلى المحافظة على حقوق المواطنين الفلسطينيين وبما يحقق آمالهم ويجنبهم أي أفعال مخالفة لأحكام القانون الدولي الإنساني لان أي جهة تقوم بهذه الأفعال سيترتب عليها مخالفة أحكام القانون وبالتالي معاقبتها من قبل الجهات المختصة.

فسيطرة حماس وفساد القائمين على السلطة الوطنية هناك، وما ترتب على القتال الذي يدور بين فتح وحماس من جرائم بحق المواطنين هو أمر مخالف لأحكام القانون الدولي، وفيه استغلال غير صحيح لتقلد السلطة هناك، مما قد يسبب مخالفة لأحكام القانون.

والقانون الدولي الإنساني لا يعنيه سيطرة السلطة أو حماس أو المنظمة أو غيرها، بقدر ما يعنيه أن لا يعرض السكان المدنيين لأي مضايقات أو جرائم ترتكب بحقهم على نحو مخالف للقانون، فتقلد السلطة هو شان دستوري خالص تحدده أحكام القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور)، ومن شان أي شخص أو جهة الرجوع إلى المحاكم المختصة لفض أي نزاع قد ينشا نتيجة ذلك، كما حصل بين فتح وحماس، ولا يجوز الدخول في قتال داخلي وارتكاب الفظاعات التي نشأت عن هذا الاقتتال، من قتل وجرح وخطف وتدمير وغيره، مما يحاسب عليها القانون الدولي الإنساني.

تاسعاً: مسؤولية المنظمات والمؤسسات الدولية:

كما أن المنظمات الدولية وخاصة مؤسسات الأمم المتحدة يتوجب عليها تحمل مسؤولياتها على نحو حيادي وإنساني، لا على أساس تحيز أعمى، كما هو حاصل من الولايات المتحدة تجاه إسرائيل ، من خلال ممارسة مهامها وفق أحكام ميثاق الأمم المتحدة، وليس فقط في رفع التقارير وإجراء التحقيقات وإنما أيضا في تنفيذ هذه التقارير والتوصيات الخاصة بالوضع الفلسطيني، وكثير منها تم فيها إدانة إسرائيل، وإدانتها بارتكاب جرائم في الأراضي الفلسطينية دون أن تحرك الأمم المتحدة ساكنا.

كذلك فان المؤسسات الدولية الأخرى مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها، عليها واجبات تلتزم بها بموجب أحكام القانون الدولي، وخاصة في الوضع الموجودة غزة فيه الآن، ولا يقتصر هذا التدخل وفق أحكام القانون على نشر الأخبار والتقارير والمناشدات، إنما قد يتعدى اختصاصها إلى إمكانية اتخاذ تحركات اكبر تجاه دولة الاحتلال في سبيل حماية المدنيين، ووفق تقاريرها، كتحريك دعاوى جنائية أمام المحاكم الدولية المختصة ضد إسرائيل، وقد نجحت المؤسسات الدولية في فضح الجرائم التي تحصل في غزة من سلطات الاحتلال والتي تخالف أحكام القانون الدولي الإنساني، إنما بقي الدور على مجلس الأمن الدولي ذو الحدين، حده الباطل الذي يبطش به الفلسطينيين وحده الآخر الخيّر الذي يرعى به دولة إسرائيل.
عاشراً: الخلاصة:

رأينا في فيما تقدم الوضع القانون لقطاع غزة، وفق منظومة القانون الدولي الإنساني سواء منها ما كان اتفاقيا كاتفاقيات مبرمة بين الدول الأعضاء في المجتمع الدولي أو الأعراف التي رسختها التجارب الدولية أثناء حكم النزاعات والاحتلال التي مرت بها الإنسانية منذ وقت مبكر في التاريخ الإنساني، فهي بكل حال لم تكن وليدة قرون أو عقود، بل نشأت بنشوء الإنسان نفسه، وهي جزء من طبيعة الإنسان التي تدور بين الخير والشر والعمل الصالح والعمل الطالح والاعتداء والمساعدة، كذلك فان الشرائع الدينية ومنذ نزولها على الأنبياء والمرسلين- عليهم السلام، نصت عليها بشيء من التفصيل والإلزام وارتبطت ارتباط راسخ مع تصرفات البشرية من ذاك التاريخ.

وهي حسب ما نراها، قواعد آمرة بكل جوانبها كونها تشكل الحد الأدنى من حفظ الحق والنفس أثناء تطبيقها، على المنازعات الدولية وغير الدولية أيا كانت وحالة الاحتلال، ما دام هناك بشر مدنيين أو مقاتلين، يجب على كافة الدول المنخرطة في هيئة الأمم المتحدة أو حتى الدول والمنظمات والحركات الغير ممثلة في الهيئة الالتزام بها، على أساس أنها قواعد عليا تحكم العمل الإنساني نفسه، وتصرفاته أثناء النزاع، مهما كان المبرر لهذا النزاع، ولا يجوز مقابلة الاعتداء بالاعتداء والجريمة بالجريمة، إلا في حالات محدودة كالدفاع عن النفس وحق تقرير المصير وغيرها من الحالات التي ثبت العمل عليها ووفق أحكام محددة وواضحة.

وفي الأراضي الفلسطينية عامة وفي قطاع غزة خاصة، محل هذه الدراسة، فان القضية واضحة وجلية، والنزاع والجرائم المرتكبة فيه، ثابتة وموثقة، وقواعد القانون الدولي الإنساني مطبقة عليه، فلا يجوز الاستناد إلى أي مبرر لشن أي اعتداء أو هجمات ولن يكون المجرمون معفيين من ملاحقتهم القانونية والقضائية على جرائمهم الذين ارتكبوها ضد السكان المدنيين في قطاع غزة، سواء أكان على يد إسرائيل كدولة احتلال، والتي ولو فرضنا أنها دولة بمفهوم القانون الدولي، فان أفعالها الهمجية وجرائمها المرتكبة من قبل قادتها وجيشها وحصارها المفروض على القطاع، كفيلة بان يتم طردها من الأمم المتحدة وتفكيكها، كونها تجاوزت كل حد معقول، وطريقة معاملة المجتمع الدولي لها والقبول بتبريراتها لا يمكن أن تعطل المفهوم الصحيح لأحكام القانون الدولي الإنساني، ولن يسقط عنها عقاب جرائمها، وأما الجرائم التي ارتكبت بفعل النزاع والقتال الداخلي، فهي كذلك غير مبررة، وترقى إلى جرائم خطيرة يتوجب اتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية وفق أحكام القانون الفلسطيني لمعاقبة مرتكبيها، بعد تقديمهم لمحاكمات عادلة وفق إجراءات قانونية سليمة، وهذا النوع من الجرائم وفقا لأحكام القانون الإنساني لا تتقادم مهما مر عليها من زمن، وسيبقى مرتكبيها ملاحقون جنائياً من قبل الجهات القضائية والقانونية المختصة.


والله من وراء القصد
إحدى عشر: المصادر والمراجع:

المصادر:
1. ميثاق الأمم المتحدة، صدر بمدينة سان فرانسيسكو في يوم 26 حزيران 1945.
2. لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب الواجبة التطبيق لسنة 1899.
3. لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لسنة 1907.
4. اتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12 آب 1949.
5. البرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف الخاص بالنزاعات الدولية المعقودة في 12 آب 1949.
6. البرتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف الخاص بالنزاعات الوطنية المعقودة في 12 آب 1949.
7. نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998.
8. الإعلان بشأن قواعد القانون الدولي الإنساني المتعلقة بتسيير الأعمال العدائية في المنازعات المسلحة غير الدولية.

المراجع:
9. قضية فلسطين، هنري كتن، ترجمة د.رشدي الأشهب، مطبوعات وزارة الثقافة الفلسطينية، بيروت، 1999.
10. رجا شحادة، قانون المحتل، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1990.
11. د. عبد الكريم علوان، القانون الدولي العام، مكتبة دار الثقافة، عمان، 1997.
12. د. عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام، الكتاب الثالث، حقوق الإنسان، الطبعة الأولى، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1997.
13. د. عبد العزيز محمد سرحان، النزاع العربي الإسرائيلي، القاهرة،1987.
14. د. كمال علاونه، فلسطين العربية المسلمة، مؤسسة الإسراء العربي، الطبعة الثانية، فلسطين، 2007
15. فلسطين تاريخها وقضيتها، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، رام الله، 2003.


التقارير:
16. تقرير الانتخابات التشريعية الثانية، 25 كانون الثاني 2006، فلسطين، 2006.
17. تقرير حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مسؤولية إسرائيل الدولية عن الجرائم خلال انتفاضة الأقصى، رقم 24، الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، رام الله، فلسطين، آب 2001 .
18. التقرير الأسبوعي حول الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، رقم 50/2007، 13 – 26 كانون الأول 2007، وتقارير أخرى لنفس المركز.
19. جرائم حرب في رفح، تقرير بعثة تحقيق دولية، انتهاكات القانون الدولي الإنساني خلال عملية "قوس قزح"، (13-25 مايو 2004).
20. تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن الوضع الإنساني في غزة، 5 تموز 2007.

الدراسات:
21. د. حسن جوني "إسرائيل" وزرع الألغام خرق القوانين الدولية.
22. د. خير الدين عبد الرحمن، مجلة الحرس الوطني، 1 آذار 2007، النفايات النووية والكيميائية تهدد المشرق العربي.
23. د. عصام نعمان، المشروعية الدولية للمقاومة المسلحة.
24. د. شفيق المصري: "لماذا لا يعتمد القانون الدولي في تعريف الإرهاب". جريدة "النهار"، تاريخ 12/3/1996.
25. وضع السلطة الوطنية الفلسطينية من ناحية القانون الدولي، وحدة البحوث البرلمانية، المجلس التشريعي الفلسطيني، رام الله، فلسطين، 2001.
26. الدكتور شفيق المصري، شرعية المقاومة الوطنية بموجب القانون الدولي.

27. المراجع بالانجليزية:

28. Israel and international law, Drafted by Richard Kuper and Daniella Jaff-Klein with thanks to Azemi Bishara. Text posted 7th December 2004. Addition to section C posted on 22nd August 2005.
29. Israel High Court Ruling Docket H.C.J. 7957/04 International Legality of the Security Fence and Sections near Alfei Menashe, September 15, 2005.
30. The Expulsion of Civilians from Areas, which came under Israeli Control in 1967: Some Legal Issues.
31. Killing terrorist chieftains is legal, Alan M. Dershowitz, Jerusalem Post - Friday, April 23, 2004.
32. Report of the Special Rapporteur on the situation of human rights in the Palestinian territories occupied since 1967, John Dugard, A/HRC/4/17, HUMAN RIGHTS COUNCIL.
33. مواقع على شبكة المعلومات الدولية:


34. http://www.moqawama.org/_isrdecesions.php?filename=20060225190844
35. http://boudina.site.voila.fr/h013.htm
36. http://www.icrc.org/ihl.nsf/NORM/35D52356F487FC85C1256402003F9563?OpenDocument
37. http://www.amin.org/look/amin/article.tpl?IdLanguage=17&IdPublication=7&NrArticle=30090&NrIssue=1&NrSection=1
38. http://www.ejil.org/journal/Vol2/No1/art5-01.html
39. http://www.zionism-israel.com/hdoc/High_Court_Fence.htm
40. http://www.jfjfp.org/factsheets/geneva4.htm
41. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=8400
42. http://www.law.harvard.edu/faculty/dershowitz/Articles/killingterrorists.html
43. http://daccessdds.un.org/doc/UNDOC/GEN/G07/105/44/PDF/G0710544.pdf?OpenElement
44. http://haras.naseej.com/detail.asp?InNewsItemID=221048&InTemplateKey=print
45. http://www.btselem.org/Arabic/Gaza_Strip/Hostilities.asp
46. http://www.alquds.com/inside.php?opt=2&id=46717&date1=2007-09-20
47. http://www.aljazeera.net/news/archive/archive?ArchiveId=1069456
48. www.pchrgaza.org
49. http://www.ado-world.org/en/reports.php?id=336
50. http://www.pal-monitor.org/Portal/modules.php?name=News&file=print&sid=35
51. http://www1.umn.edu/humanrts/arab/b049.html
52. http://www.khieronline.com/PageView.asp?ID=467&SectionID=2



#سمير_جبر_دويكات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا ...
- إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد ...
- مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
- مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك ...
- اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر ...
- ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا ...
- بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
- مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - سمير جبر دويكات - دراسة قانونية بعنوان الوضع القانوني لقطاع غزة وفقاً لأحكام القانون الدولي الإنساني