|
الإهانة -الأكاديمية- لبابا الفاتيكان .. والتطاول -الفنى- على رسول الإسلام
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2215 - 2008 / 3 / 9 - 08:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رغم أهمية الخبر .. لم تهتم معظم الصحف ووسائل الاعلام المصرية بنشره، ولم أجد له أثراً سوى فى صحيفة "المصريون" الالكترونية. الخبر – باختصار – هو أن البابا بنديكت السادس عشر، بابا الفاتيكان والزعيم الروحى للكاثوليك فى العالم بأسره، اضطر لإلغاء زيارته إلى جامعة "لا سابييسنا La Sapienza" أحد أهم الجامعات الإيطالية والأوروبية، التى كان مقرراً أن يقوم بها يوم 17 يناير الماضى، وهو اليوم الذى كان يصادف بداية العام الأكاديمى. والسبب هو أن 67 أستاذاً ومحاضراً بهذه الجامعة وقعوا بياناً موجهاً إلى رئيس الجامعة طالبوا فيه بإلغاء زيارة البابا، واصفين الزيارة بأنها "غير لائقة". وحرص البيان على تذكير الرأى العام، والدوائر الأكاديمية على حد سواء، بموقف البابا بنديكت السادس عشر، عندما كان كاردينالا عام 1990 ويحمل إسم جوزيف الويس راتسينجر، حيث اقتبس أقوالاً للفيلسوف "فيرابند" Feyerabend تزعم أن محاكمة الكنيسة لجاليلى جاليليو، فى القرن السادس عشر، كانت منطقية! ورداً على هذا الموقف قال جانكارلو رووكو رئيس قسم الفيزياء فى الجامعة الإيطالية، وهو القسم الذى تزعم أساتذته وطلبته الاحتجاجات على الزيارة الملغاة لبابا الفاتيكان، إن "تاريخ الصراع بين الفيزياء والكنيسة قديم جداً ولا يزال قائماً حتى الآن". وبينما نقلت صحيفة "لاستامبا" La Stampa – التى تمثل يمين الوسط – وصحيفة "لا ريبيليكا" La Repubblica – التى تمثل يسار الوسط – ردود أفعال مسئولين كبار ينتقدون موقف الأساتذة والطلاب الذين أجبروا البابا على إلغاء زيارته لجامعتهم، ومنهم رومانو برودى الذى أدان البيان واصفا إياه بأنه تسبب فى خلق جو عصبى غير مقبول، وأبدى تضامنه مع البابا، وكذلك سيلفيو برلسكونى الذى وصف موقفهم بأنه متشدد ولا علاقة له بالعلمانية.. دافعت إيما بونينو وزيرة التجارة الخارجية والسياسات الأوروبية عن وجهة النظر المقابلة قائلة " لا أحد يريد أن يكمم البابا أو يمنعه عن الكلام .. بل إنه الوحيد الذى يتكلم صباح مساء هو وأتباعه الذين لا يتوقفون عن ترويج الخزعبلات الكاثوليكية، بينما أى شخص يفكر بشكل مختلف (عنهم) يجد نفسه فى نهاية المطاف بلا صوت. فالبابا يريد من الأصوات الأخرى أن تخرس". كما أعربت ليديا ميناباتشى عضو مجلس الشيوخ عن تضامنها مع طلبة وأساتذة قسم الفيزياء والعلوم الذين اعترضوا على زيارة البابا ودعوا إلى "أسبوع مناهضة الاكيروس". *** أما أهمية هذا الخبر .. تأتى من أكثر من زاوية . الزاوية الأولى هى استقلال الجامعة، حيث لا توجد سلطة، سياسية أو دينية، تجبرها على القيام بعمل لا يتوافق مع رأى أساتذتها وطلابها، بصرف النظر عن تقييم هذا "الرأى". الزاوية الثانية هى أنه لا أحد فوق النقد، مهما كان مركزه الأدبى والمعنوى. فهذا هو البابا نفسه، رئيس الكنيسة الكاثوليكية، بجلال قدره .. يتعرض لهجوم بالغ الضراوة، وتغلق الجامعة أبوابها فى وجهه، دون أن يقول أحد أنه "رمز" يتمتع بأى شكل من أشكال "الحصانة". الزاوية الثالثة – هى احترام حق الاختلاف دون تعصب أو غوغائية. فها هم أشخاص ضد زيارة البابا وأشخاص آخرون معها. أشخاص ينتقدون تصريحاته ويعتبرونها إهانة للعلم والعلماء وأشخاص آخرون يرون التحلى بالتسامح إزاءها. وحتى فى معسكرات المؤيدين والمعارضين لانجد اصطفافاً ايديولوجيا متصلبا. وعلى سبيل المثال نجد أن معسكر المنتقدين لرفض زيارة البابا يضم الخصمان اللدودان برودى اليسارى وبيرلسكونى اليمينى. وفى ظل الحرص على احترام حق الاختلاف اضطر البابا – بهيله وهيلمانه – إلى التراجع عن الزيارة المقررة سلفا للجامعة وابتلاع الاهانة فى هدوء دون أن يحدث شئ أكثر من مقارعة الحجة بالحجة كما رأينا. وهذه الزاويا الثلاث تهمنا هنا فى مصر والعالم الإسلامى من حيث دلالاتها، ومن حيث الاستفادة من دروسها فى كيفية التعامل مع قضايا مشابهة نتناولها فى الأغلب الأعم بعصبية مفرطة وبمنطق الغالب والمغلوب دائماً وأبداً، وباحتكار بعض الأطراف للحكمة والحقيقة وادعائهم العصمة باعتبارهم "رموزاً" لا يجب أن تمس .. مع أنهم بشر على باب الله مثلى ومثلك، يصيبون أحياناً ويخطئون كثيراً! ولعل أزمة بابا الفاتيكان مع إحدى أهم الجامعات الأوروبية، تعطينا مفتاحاً آخر فى قضية التعامل مع مسألة الرسوم الدانمركية المسيئة للرسول (عليه الصلاة والسلام). هذا المفتاح باختصار هو أنها تبين لنا بالدليل العملى أن أوروبا تجاوزت تقديس الرموز الدينية منذ سنوات وعقود، بما فى ذلك رموزها المسيحية التى أصبح نقدها ممارسة عادية لا تدعو لاستغراب أى مواطن أوروبى، وذلك بعكس المواطن العربى الذى لا يستسيغ ذلك بل يعتبره تطاولاً غير مقبول إن لم يكن كفراً صريحاً يستوجب أشد العقاب. هذه مسألة يجب أن نضعها فى اعتبارنا ونحن نقيس ردود أفعالنا تجاه مسألة مثل الرسوم المسيئة لنبى الإسلام عليه الصلاة والسلام. هذا فضلاً عن اعتبارات أخرى تخصنا نحن، ويجب أن نكون صرحاء، وأمناء، مع أنفسنا بصددها. مثل ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، فلماذا نصب غضبنا على الدانمرك بسبب هذه الرسوم الحقيرة، بينما نغض النظر عن إساءات لا تقل حقارة للدين الإسلامى والمسلمين يمارسها الإسرائيليون والإدارة الأمريكية بلا توقف. حتى أن هذه المفارقة تجعل المرء يكاد يتصور أحياناً ان الدانمرك هى التى تحتل فلسطين وليس الإسرائيليون وأنها هى التى شنت الحرب على العراق وليس الإدارة الأمريكية، وأنها هى التى شيدت سجن جوانتانامو الرهيب الذى ثبت بالدليل الدامغ أن القرآن الكريم يتم تدنيسه فيه عمداً ومع سبق الإصرار وليس أجهزة المخابرات الأمريكية! وفى ظل اختلال المعايير نترك "الحمار" ونتشطر على "البردعة"، وينفخ البعض فى هذه القضية، ويعطونها أكثر من حجمها، ويهيجون الناس ويستفزون مشاعرهم الدينية بدرجة تجعل المرء يتساءل عما إذا كان بعض هؤلاء يستهدف اموراً أخرى مثل صرف الأنظار عن غلاء المعيشة وجنون الأسعار واتساع دائرة الفقر وغير ذلك من هموم حقيقية وليست مفتعلة. فمتى نتعلم؟!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رغيف »العيش«!
-
بارقة أمل .. من -الصعيد الجوانى- (3)
-
تعمير سيناء .. مشروع مصر القومى
-
نصف أمريكا الآخر (2)
-
السعى بين -المهندسين- و-صلاح سالم-
-
بارقة أمل .. من -الصعيد الجوانى- (1)
-
بارقة أمل .. من -الصعيد الجوانى- (2)
-
الإنفاق الحكومى.. بين العقلاء والمجانين
-
فى مجتمع غارق فى الحنين إلى الماضى ..رؤية مستقبلية لمصر
-
.. إنها الفوضى -الخلاقة-
-
حتى لا تضيع دماء شهدائنا .. هدراً
-
الكونجرس الأمريكى أمس .. والبرلمان الأوروبى اليوم .. وماذا ب
...
-
هدايا -بوش- من بنوك الخليج
-
حدود -دريد لحام- .. وحواجز -شنجن-!
-
الاقتصاد السياسى للعسكريتاريا الباكستانية
-
ميزانية حرب
-
سلام آخر زمن : إسرائيل ترفع قضية على مصر!
-
-بطة- هناك .. و-أسد- هنا!
-
يحدث فى مصر .. فقط
-
قنبلة الأفكار المسمومة .. التى قتلت بينظير بوتو
المزيد.....
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|