|
ماركس من النظرية إلى التطبيق (1846- 1848)
خليل اندراوس
الحوار المتمدن-العدد: 2215 - 2008 / 3 / 9 - 09:14
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الخطوة الأولى في هذا الاتجاه كانت في أوائل سنة 1846 في تكوين لجنة المراسلات الشيوعية في بروكسل. في 22 حزيران عام 1846 في رسالة لجنة بروكسل إلى لجنة المراسلات الشيوعية في لندن (إتحاد العادلين كان قد طرح إقتراح الدعوة إلى مؤتمر شيوعي). وما بين 2-9 حزيران عام 1847 أقيمت عصبة الشيوعيين. وهذا هو المؤتمر الأول لهذه العصبة. لقد كان الشعار السابق لاتحاد العادلين هو "كل الناس اخوة" فأبدل بشعار جديد لماركس "يا عمال العالم، إتحدوا" بتاريخ 29 تشرين الثاني وحتى 8 كانون الأول إنعقد في لندن المؤتمر الثاني لعصبة الشيعيين. وقد لعب ماركس وإنجلس دورا حاسما في أعماله. وبعد مناقشات تفصيلية إستمرت عدة أيام حظيت آراؤهما بموافقة كاملة. وكـُلفا بوضع برنامج العصبة والبرنامج أصبح "بيان الحزب الشيوعي". في الفصل الأول لبيان الحزب الشيوعي "البرجوازيون والبروليتاريون" يعطي ماركس وإنجلز الإثبات على حتمية الثورة الشيوعية. وهذا الاثبات ينتج من الفهم المادي للتاريخ "لإن تاريخ كل المجتمعات القائمة حتى يومنا هذا، كان تاريخ صراع الطبقات". ويختتم هذا الفصل باستنتاج هو أن فناء البرجوازية وانتصار البروليتاريا كليهما أمران حتميان. أما الفصل الثاني "للبيان الشيوعي" فهو "البروليتاريون والشيوعيون". فيحظى باهتمام كبير من وجهة نظر نظرية المجتمع الشيوعي. الجزء الأساسي من هذا الفصل مكرس لتفنيد اتهام الشيوعيين الزاعم بأنهم يريدون القضاء على: (1)الملكية. (2) العائلة. (3) القومية والوطن. (4) الدين والأخلاق. وفيما يتعلق بمسألة الملكية تناول المؤلفان ماركس وإنجلز ثلاث مسائل أخرى: الشخصية – وواقع العمل، التعليم. وفي نهاية الفصل الثاني من البيان الشيوعي يبحثان ثلاث قضايا: الثورة البروليتارية والإجراءات الإنتقالية، والصفات العامة للمجتمع الشيوعي يقول ماركس وانجلز في هذا الفصل:. "الخطوة الأولى في ثورة العمال هي، كما رأينا، تحول البروليتاريا إلى طبقة سائدة، والظفر بالدمقراطية". "وستستخدم البروليتاريا سيادتها السياسية لأجل إنتزاع الرأسمال من البرجوازية شيئا فشيئا، ومركزة جميع أدوات الإنتاج في أيدي الدولة، أي في أيدي البروليتاريا المنظكة في طبقة حاكمة، (ملاحظة: لأنه في المرحلة الإنتقالية يستمر وجود الطبقات) وزيادة كمية القوى المنتجة وانمائها بأسرع ما يمكن". وستختلف هذه التدابير طبعا، بين هذه الدولة أو تلك، ولكن هناك تدابير عامة تقريبا خاصة في أكثر البلاد تقدما ورقيا من هذه التدابير الهادفة إلى تغيير علاقات الإنتاج الرأسمالية، نذكر: 1) نزع الملكية العقارية وتخصيص الريع العقاري لتغطية نفقات الدولة. 2) فرض ضرائب متصاعدة. 3) تركيز التسليف كله في أيدي الدولة بواسطة مصرف وطني رأسماله الدولة. 4) تركيز جميع وسائل النقل بأيدي الدولة. 5) زيادة المصانع التابعة للدولة وادوات الإنتاج واصلاح الاراضي البور وتحسين الأراضي المزروعة حسب منهاج عام.6) جعل العمل إجباريا للجميع. 7) الجمع بين العمل الزراعي والصناعي. 8) جعل التربية عامة ومجانية لجميع الأولاد. ومنع تشغيل الأحداث في المصانع كما يجري اليوم والتوفيق بين التربية وبين الإنتاج المادي الخ .... ومع زوال الفوارق الطبقية التي تزول خلال التطور الشامل للمجتمع يصبح كل الإنتاج متمركزا في أيدي جمعية واسعة تشمل الأمة بأسرها ومما يؤدي في نهاية الأمر إلى فقدان السلطة العامة صبغتها السياسية، إذ أن السلطة السياسية بالمعنى الصحيح هي السلطة المنظمة لطبقة من أجل إضطهاد طبقة أخرى. وهكذا على أنقاض المجتمع الرأسمالي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية يبرز مجتمع جديد تكون فيه حرية التطور والتقدم لكل عضو فيه شرطا لحرية التطور والتقدم لجميع الأعضاء (أنظر ماركس إنجلز بيان الحزب الشيوعي" ص 69-70). في هذا الفصل من البيان الشيوعي طـُرح بكل دقة مهمة الثورة البروليتارية ودكتاتورية البروليتاريا: (1) تحويل الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج إلى ملكية عامة. (2) الإسراع أكثر ما يمكن في زيادة مجمل القوى المنتجة. وهكذا منذ صدور "البيان الشيوعي" تساهم النظرية المتطورة فيه، في عملية التطور الموضوعي لتاريخ الإنسانية جمعاء. وما يجري الآن من تطورات وأحداث في أمريكا الجنوبية يُشير إلى أن قيادات هذه الدول وخاصة في فنزويلا تستفيد من هذه الإرشادات والطروحات العامة التي تطرحها الماركسية ونجاح الإنتفاضات العمالية المختلفة في بلدان أوروبا المختلفة، تستند بالأساس على الأفكار التقدمية الثورية لماركس وإنجلز. من هنا فالماركسية هي الوريث الشرعي لخير ما أبدعته الإنسانية في القرن التاسع عشر: الفلسفة الألمانية، والإقتصاد السياسي الإنجليزي، والإشتراكية الطوباوية الفرنسية هذه مصادر الماركسية الثلاثة، الفلسفة الماركسية هي المادية. ووجهات نظر ماركس وإنجلز المادية معروفة بأكثر ما يكون من الوضوح والتفاصيل في مؤلفي إنجلز "لودفيغ فورباح" و "دحض دوهرينغ"، اللذين هما، على غرار "البيان الشيوعي" من عداد الكتب التي يجب أن تكون دائما بين يدي كل عامل ومثقف ثوري دمقراطي علماني. وكما رأينا فماركس لم يتوقف عند مادية القرن الثامن عشر، بل دفع الفلسفة خطوة إلى الأمام، فأغناها بمكتسبات مذهب هيغل،الذي قاد بدوره إلى مادية قورباخ". "ولكن أهم هذه المكتسبات، الديالكتيك، أي نظرية التطور الجدلي بأكمل مظاهرها واشدها عمقا، واكثرها بعدا عن أحادية الجانب. نظرية نسبية المعارف الإنسانية التي تعكس المادة في تطورها الدائم". كما قال لينين. واحدث الإكتشافات في العلوم الطبيعية في تلك الفترة وبعد ذلك – من إكتشاف التحلية إلى نظرية داروين إلى إكتشاف تحول الطاقة، واكتشاف الراديون، والالكترونات وتحول العناصر، بعد ذلك النظرية النسبية، قد أثبتت بشكل واضح ورائع وموضوعي صحة مادية ماركس الديالكتيكية ورغم أنف كل مذاهب الفلاسفة البرجوازيين القديمة منها والحديثة، مع رداتهم الجديدة نحو المثالية القديمة المهترئة حتى ولو سميت أسماء مختلفة، مثل فلسفة نهاية التاريخ، أو الفلسفة التفكيكية، أو ما بعد الحداثة وما إلى ذلك. ووسع ماركس نطاق فلسفته المادية وطورها من معرفة الطبيعة الى معرفة المجتمع البشري. وأكبر انتصارات ماركس الفلسفية كانت مادية ماركس التاريخية، حيث تعتبر هذه النظرية أكبر إنتصار أحرزه الفكر العلمي. فبدل البلبلة، والمثالية والإعتباط والفوضوية التي كانت سائدة حتى ذلك الحين في النظرات إلى التاريخ والسياسة والمجتمع، حلت محلهم نظرية علمية روعة في التناسق والتجانس والإنسجام، ووضع ماركس كيف ينبثق ويتطور، من شكل معين من التنظيم الإجتماعي، ومن جراء نمو القوى المنتجة وخاصة وسائل الإنتاج، بشكل آخر، أرقى كيف تولد الرأسمالية من الإقطاعية. وبما أن معرفة الإنسان تعكس الطبيعة القائمة والموجودة بصورة مستقلة عنه، أي المادة في طريق تطورها الدائم، كذلك تعكس معرفة الإنسان الإجتماعية (أي مختلف الآراء والمذاهب الفلسفية والدينية والسياسية إلخ) نظام المجتمع الإقتصادي. إن المؤسسات السياسية تقوم كبناء فوقي على أساس البناء الإقتصادي للمجتمع. ففي عصرنا كل الاشكال السياسية للدول الأوروبية وأمريكا تقوم بدور أدوات لتعزيز سيطرة الطبقة الحاكمة البرجوازية الرأسمالية على البروليتاريا وعامة الشعب. فالدولة الرأسمالية وسيلة لتعزيز سيطرة طبقة رأس المال. منذ البداية أمن ماركس بأنه من الضروري لتحديد مجرى التاريخ استبعاد عناصره اللاعقلانية. ورفض ماركس أية قوة مطلقة للروح لتغيير العالم وربط تطور الفكر بتطور الواقع العيني (ظهر هذا في رسالة ماركس لنيل شهادة الدكتوراة بالفلسفة والتي كان عنوانها "الاختلاف بين الفلسفة الطبيعية عند ديمقريطس والفلسفة الطبيعية عند أبيقور". عام 1841). ولقد ازداد موقف ماركس وضوحا من خلال كفاح طويل وصلب قذف به، في إتصال مباشر بالواقع السياسي والإقتصادي والإجتماعي – أن الوقائع أقوى من الأفكار، وأنها لا تتغير لمجرد أن الأفكار تريد لها أن تتغير، وكان عليه أن يقلب المذهب الهيغلي وأن يكيّف الفكرة مع الواقع لا الواقع مع الفكرة، وبهذه النقطة إنفصل ماركس عن برونو باور والهيغليين الشبان الليبراليين. وبدلا من هذا مضى ماركس بكشف مبادئ العمل مع الواقع نفسه، وذلك بتأسيس علاقة أوثق وإعتماد متبادل أعمق بين الأفكار والواقع، من خلال مشاركته النضال اليومي الجماهيري الشعبي مع البروليتاريا الصاعدة في تلك الفترة. وعندما تم إغلاق صحيفة "راينيش زايتونج" وتم إحكام الرقابة على عمله الصحفي، وعندما أباحت الرجعية المنتصرة عام 1848، وقمعت الحرية كلها إتضح لماركس أن النقد الفلسفي والسياسيي حد ذاته عاجز عن تغيير المنظمات القائمة وأن الدولة ليس لها الطبيعة العقلانية والاخلاقية التي عزاها هيغل اليها. فالمشكلة الأساس ظهرت انها ليست دينية أو أخلاقية أو سياسية بل هي إجتماعية بطبيعتها ولا يمكن حلها على مجرد المستوى القانوني التشريعي، بل هي مرتبطة أساسا بصراعات المنفعة بين الطبقات الإجتماعية المختلفة. قبل ماركس قام هيغل برد القانون الى المنطقة وبدل ان ينمي هيغل فلسفة القانون من الواقع السياسي والاجتماعي جعلها تنبثق من الفكرة المطلقة والاخلاقيات التي تحدو تنظيم الاسرة والمجتمع والدولة. لقد نزعت خيرة الأدمغة البشرية إلى فهم تاريخ تطور المجتمع الإنساني. وانشأت مذاهب فلسفية ونظريات إقتصادية، ورسمت صور النظام الإجتماعي المثالي الذي إنعكس فيه إيمان الشعب بإنتصار العدالة الإجتماعية والمساواة والحرية، ولكن كما سبق وذكرنا في المقالات السابقة، تخلف العلاقات الإجتماعية ونقص المعارف العلمية أضفيا على هذه النظريات طابعا طوباويا. وفي حوالي منتصف القرن التاسع عشر إختمرت الممهدات اللازمة لنشوء النظرة الفلسفية الشيوعية العلمية. فقد أظهر تطور الرأسمالية بوضوح ما للإقتصاد من دور حاسم في الحياة الإجتماعية. ومع الرأسمالية نشأت الطبقة العاملة – حفارة قبر النظام الرأسمالي الإستغلالي. وهكذا تهيأت التربة للنظرية المادية الديالكتيكية – الفلسفة الماركسية وبل أصبحت ضرورتها ماسة وملحة، من خلال تطور النظريات الفلسفية والسياسية. ففي ذلك الحين كان الفكر الإجتماعي الطليعي، إعرابا عن مطالب الممارسة، قد طرح تلك المسائل التي كان يجب على التعاليم الماركسية أن تجيب عليها. وأصبحت الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، والاقتصاد السياسي الإنكليزي، والإشتراكية الطوباوية الفرنسية هي الينابيع النظرية التي نشأت منها الماركسية. كان هيغل وفورباخ الممثلين البارزين للفلسفة الكلاسيكية الألمانية. وكان فضل هيغل كما ذكر أنه وضع نظرية التطور الجدلي التي غلفها بغلاف مثالي. أما فورباخ فبالعكس أثبت أن الطبيعة يمكن تفسيرها بذاتها، دون اللجوء الى تصورات صوفية ولا علمية عن الفكرة المطلقة. ولكن فورباخ لم يفهم ما لنظرية هيغل عن التطور من أهمية هائلة ولم يستطع أن يطبقها على الطبيعة والتاريخ. وكانت، كما ذكرنا سابقا، نظريتا هيغل المثالية الجدلية وفورباخ المادية تضمان أفكارا أصبحت بمثابة نقطة إنطلاق لإنشاء الفلسفة الماركسية. وفي ميدان الإقتصاد السياسي كان الإقتصاديان البريطانيان سميث وريكاردو سلفيين للماركسية. فبإثباتهما أن الكدح هو ينبوع الثروات التي يصنعها الإنسان هيئا التربة لإنشاء الإقتصاد السياسي الماركسي العلمي. وأما الاشتراكيون الطوباويون الكبار أمثال سان سيمون وفورييه وأووين، فقد إنتقدوا النظام الرأسمالي إنتقادا لا هوادة فيه ووضعوا خططا وتصورات لمجتمع مثالي خالص من الإستغلال. ولكن نظرياتهم لم تبين الطرق العلمية المؤدية إلى هذا الهدف. وكان الإشتراكيون الطوباويون يرون في سذاجة أن الطريق المؤدي إلى النظام المثالي، هو تنوير المجتمع وإثارة الحوافز الأخلاقية عند المستغِلين. ومع ذلك فقد يسرت نظرياتهم أمر إنشاء نظرية الإشتراكية العلمية. لم يكن ماركس وإنجلز مجرد متابعين لمن سبقهم من النظريين، وإنما كيفا، إنطلاقا من مواقع النقد تراث الماضي الفكري، وإنشاء نظرية تعبر عمليا عن المصالح الجذرية لأكثر الطبقات طليعية وثورية – البروليتاريا. وسلحا الطبقة العاملة بسلاح علمي جدلي فكري لتحويل العالم. أهم الأجزاء المكوّنة للماركسية هوالفلسفة أي العلم الأشمل والأعم لقوانين تطور الطبيعة والمجتمع والمعرفة. ولكن معرفة القوانين العامة وحدها لا تكفي لفهم أسباب حلول هذا النظام الإجتماعي محل ذاك. فبين جميع العلاقات الإجتماعية تشغل العلاقات الإقتصادية، أو الإنتاجية، المرتبة الاولى. وبدون فهم طبيعة هذه العلاقات لا يمكن الجواب على هذا السؤال: كيف الوصول إلى الإشتراكية والشيوعية ولهذا أصبح الإقتصاد السياسي – أي علم تطور العلاقات الإنتاجية، جزءا آخر من اهم الإجزاء المكوّنة للماركسية. والجزء الثالث من أهم الأجزاء المكونة للماركسية هو نظرية الشيوعية العلمية التي تكشف، بالإستناد إلى الفلسفة الماركسية والإقتصاد السياسي الماركسي، عن قوانين نشوء وتطور المجتمع الشيوعي. ولكن الفكر الماركسي لم ينحصر في تطور الفلسفة والإقتصاد السياسي ونظرية الشيوعية العلمية (المكونات الأساسية الثلاثة للماركسية)، بل لقد حقق الفكر الماركسي ثورة في جميع مجالات المعرفة عن المجتمع: في علم التاريخ، وفي علم الأخلاق، وفي علم الجمال، وفي علم اللغة، وفي الحقوق .... الخ. وإذا أردنا الحق فإن كل هذه وغيرها من فروع المعرفة لم تصبح ذات طابع علمي حقا وصدقا إلا عندما تسلحت بطريقة البحث الماركسية، أي بالإسلوب الماركسي في دراسة هذه أو تلك من ظواهر الطبيعة والمجتمع. وهكذا فإن الماركسية هي نظام منسجم من النظريات العلمية عن القوانين العامة لتطور الطبيعة والمجتمع. فالماركسية هي نظام نظريات ومذاهب ماركس. ان ما تتصف به نظرات ماركس من منطق رائع وإنسجام تام إنما يعترف به لـَهُ حتى خصومه، وتلك النظرات تؤلف بمجموعها المادية المعاصرة، المادية الديالكتيكية، والإشتراكية العلمية، المعاصرة، بوصفها نظرية الحركة العمالية وبرنامجها في جميع بلدان العالم. وعندما يدرس المرء الفلسفة الماركسية أو الإقتصاد السياسي الماركسي، وعندما يستوعب نظرية الشيوعية العلمية، يترتب عليه دائما أن يؤشر أن هذا نظام واحد: إن جميع الأجزاء المكوّنة للماركسية متصل بعضها ببعض إتصالا لا ينفصم. فليس بين المؤلفات العديدة لمؤسسي الماركسية مؤلفات يمكن تسميتها بالإقتصادية "الصرفة" أو الفلسفية "البحتة". وإنما كانت الفلسفة طريقة في يدهم لتحليل العلاقات الإجتماعية من جميع النواحي، ثم على هذا الأساس كانت تستخلص الاستنتاجات السياسية. كما أن الدراسة العميقة للإقتصاد والسياسة كانت، بدورها، تقدم مادة جديدة غزيرة للتعميمات الفلسفية. لقد نزع مفكرو الماضي إلى إنشاء نظريات ناجزة عليها أن تعطي، حسب نية مؤسيسها، جوابا نهائيا على جميع الأسئلة، ولكن هل بوسع نظرية ما، أيـّا كانت، أن تتنبأ مسبقا بكل ما يطرأ في الحياة! فالواقع المحيط بنا يتطور بإستمرار، والمعرفة البشرية تغتني بلا إنقطاع. وإذا لم تأخذ النظرية الوقائع الجديدة بعين الإعتبار، وتحولت إلى مجموعة من العقائد الجامدة، فإنها تنفصل عن الحياة وتصبح عديمة الفائدة، بل ضارة أيضا، لأنها تتوقف عن اعطاء صورة صحيحة للواقع. ولهذا يجب على النظرية دائما أن تستند إلى الممارسة. وصدق غوته إذ قال : جافة هي النظرية يا صديقي وشجرة الحياة في إخضرار دائم. نعم، إن جميع المحاولات لإنشاء نظريات شاملة ناجزة كان محكوما عليها، مسبقا، بالإخفاق. فقد كانت السنون تمر فتموت هذه النظريات مع الحقبة الزمنية التي ولدتها وتذهب مع الطبقة التي كانت تعبر عن مصالحها. وما كانت تبقى في كنز الفكر الإجتماعي إلا الأفكار التي تعكس الواقع أعمق الإنعكاس، إذ كانت تقتبسها النظريات الجديدة التي تعبر عن مطالب الحياة. أما النظرية الماركسية فتختلف، بطبيعتها، عن النظريات السابقة لها. فـ "الماركسية ليست عقيدة جامدة، بل إرشادا للعمل". كما كان يحب لينين أن يعيد ويكرر القول. ومبادئ النظرية الماركسية تغتني دائما بالتطور الاجتماعي الجاري وبمنجزات العلم الجديدة. فالماركسية نظرية خلاقة ومتطورة.
#خليل_اندراوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تطور الإشتراكية من طوباوية إلى علمية: ماركس من الطوباوية إلى
...
-
من -الخطر الشيوعي- إلى -الخطر الإسلامي- - خدعة الإعلام الرسم
...
-
نقد يهودية الدولة من وجهة نظر ماركسية
-
العراق- مذبح هيمنة رأس المال وكهنة الحرب
-
الماركسية فلسفة إنسانية
-
الاشتراكية الطوباوية والاشتراكية العلمية
-
الأهمية العالمية لثورة أكتوبر
-
بعض أقوال هيجل وفلسفته السياسية!
-
نقد الهيجلية من وجهة نظر ماركسية
-
الفلسفة العقلانية لكانط واليسار الهيغلي
-
محدودية مادية لودفيخ فورباخ ومثالية الديالكتيك الهيغلي ونهاي
...
-
الأيديولوجية البرجوازية العنصرية والعداء للإسلام
-
أصول ومكونات الفكر الماركسي - تتمة القسم الاول
-
أصول ومكونات الفكر الماركسي- القسم الاول
-
ألدور الرجعي لتشويه وعي الذات القومي
-
ألمسألة الأساسية في الفلسفة
-
ألحزب الشيوعي والجبهة وتحدّيات المرحلة الراهنة
-
ما أصعب أن يعيش الإنسان بدون حلم
-
مداخلة في نقد الخطاب والفكر السلفي
-
مداخلة حول رسالة الحزب الشيوعي التاريخية .
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|