|
كتاب (العراق والمستقبل – زمن الانحطاط وتاريخ البدائل).
ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)
الحوار المتمدن-العدد: 2213 - 2008 / 3 / 7 - 09:21
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
صدر الكتاب الثالث والأخير في سلسلة (العراق والمستقبل) لميثم الجنابي، التي وضعها في مجرى السنوات الأربع الأخيرة، حيث ابتدأها بكتاب (العراق ومعاصرة المستقبل - 2004)، وثنّاها بكتاب (العراق ورهان المستقبل – 2006). اما كتاب (العراق والمستقبل – زمن الانحطاط وتاريخ البدائل-2008) الصادر عن دار ميزوبوتاميا – بغداد (420 صفحة من القطع الكبير) فانه يعمم دراسة ونقد مرحلة الانتقال العاصفة في العراق ورؤية آفاقها ومشروع البديل العقلاني. من مقدمة الكتاب إن التحولات العاصفة التي تمس الأمم ما هي في الواقع سوى الوجه الظاهري لما يجري في أعماقها من تغيرات فعلية. وهي فكرة سبق وأن صورها ابن عربي قبل قرون عديدة عندما قال بأن ما يجري هو استعداد لما فينا، فما اثر فينا غيرنا. وهي فكرة حالما ننقلها من دهاليز الباطنية المتسامية إلى ميدان الحياة السياسية الخشنة فإنها تبدو حكماً أقرب إلى البديهة. فما يحدث في العراق هو جزء من تاريخه، ومن ثم فان كل مجرياته في نهاية المطاف هي نتاج لما فيه، بما في ذلك انهياره الأخير وسقوطه تحت ضربات الاحتلال الأمريكي. وهو سقوط يمكن البحث عن قرائن له ومرادفات متنوعة ومختلفة في الماضي القريب والبعيد. وفيها يمكن رؤية أهميته وإثارته لشهية القوى الإمبراطورية الصاعدة كما جرى في بداية القرن العشرين بالنسبة للإمبراطورية البريطانية، وكما حدث أيضا في بداية القرن الحادي والعشرين بالنسبة للإمبراطورية الأمريكية الصاعدة. وهو صعود يحتوي في أعماقه على سقوط حتمي في المستقبل القريب، بينما السقوط الجلي للعراق هو جزء من الماضي. انطلاقا من أن العراق لا يسقط ولن يسقط، بل تنهار فيه السلطات والدول حالما تخرج عن منطق إرادته المتراكمة في مرجعياته الذاتية الكبرى. وهي مرجعيات تشكل العصب الروحي لوجوده التاريخي وكينونته الثقافية، أي لمضمون هويته العامة والخاصة. ذلك يعني أن السقوط الأول للعراق تحت السيطرة البريطانية، قبل قرن من الزمن، كان تعبيرا عن مستوى وحجم الخلل الذي لازم وجوده ضمن السلطنة العثمانية، بينما كان سقوطه الثاني تحت السيطرة الأمريكية، بعد مرور قرن آخر من الزمن، تعبيرا عن حجم ونوعية الخلل الجوهري في بنيته الحديثة. وبهذا المعنى لم يكن «تحريره» من السيطرة التركية ووقوعه تحت «الانتداب» البريطاني في بداية القرن العشرين، ثم «تحريره» من السيطرة الصدامية ووقوعه تحت «الاحتلال» الأمريكي في بداية القرن الحادي والعشرين، سوى التكرار الفج للحقيقة القائلة، بأن ما حدث آنذاك وما يحدث الآن هو «استعداد لما فينا»، ومن ثم «فما أثر فينا غيرنا». بعبارة أخرى، إن الأحداث الدامية والمأساة التاريخية التي لازمت نشوء وتكون العراق الحديث هو دليل على طبيعة وحجم الخلل الذي أصاب نوعية ابتعاده عن مرجعياته الذاتية الكبرى. فقد كان فقدان العراق لمرجعياته الذاتية نتيجة مترتبة على سيادة التقاليد الراديكالية التي جعلت من «الانقلاب الجذري» أسلوبا وحيدا في التعامل مع الدولة والمجتمع والثقافة، أي مع كل ما لا يمكنه العيش بمعايير العقلانية إلا من خلال تراكمه المستمر بوصفه احترافا مهذبا لوحدة النظام والحرية. وإذا كانت فكرة «المرجعيات الذاتية» تبدو غاية في البعد عن «واقع الحياة» العادية، فلأن الرؤية السياسية للأحزاب و«النخب» لا ترتقي في الواقع عن مستوى «الحياة العادية». بينما يبرهن تاريخ الأمم الكبرى والحية، بما في ذلك تاريخنا العربي وتاريخ العراق منه بالأخص، بان أكثر الصيغ الفلسفية غلواء في رؤيتها للمستقبل هي الأكثر دقة من أكثر الأحكام نفعية. ومن ثم لا يعني حصر أسباب السقوط والهبوط بحالات جزئية أو عارضة مهما كان حجمها الفعلي فيما نتناوله من قضية، مثل «خيانة الجيش» و«الضباط» و«القادة» و«ابن العلقمي» و«الشيعة» و«الأكراد» و«الروافض» وغيرها، سوى البقاء والعمل بمقاييس الرؤية «السياسية» المسطحة. وحتى في حالة افتراض تأثيرها الفعلي، فإنها تشير إلى خيانة تاريخية أكثر مما تشير إلى خيانة جزئية. بمعنى أنها تعكس مستوى ونوعية الخروج على منطق الأمان والأمانة. وهو خروج لا يمكن أن يحدث لحاله. بعبارة أخرى، إن خيانة الشعب ومختلف مكوناته لمصالحه هو النتيجة المترتبة على خروج السلطة والدولة عن منطق مرجعيات العراق الذاتية. فسقوط الدول هو في الأغلب النتاج المباشر وغير المباشر لانحطاط الأمم. وهو انحطاط متنوع الأشكال والصفات لكنه يشترك في كونه النتاج الحتمي الملازم لانحطاط النخب. حيث تتحمل النخبة السياسية بشكل خاص مسؤولية مباشرة عن السقوط، بينما تتحمل النخب الفكرية والثقافية والعلمية مسؤولية غير مباشرة. وفي الحصيلة لا يعني استسلام المجتمع للسقوط سوى «انتصار» الانحطاط الذاتي للجميع. وهي حالة حدثت وتحدث وسوف تحدث لجميع الشعوب والدول والأمم حالما تفتقد الحد الضروري من الإجماع على مرجعيات متسامية ومبادئ عملية جامعة. وفي حال العراق لا يعني سقوطه مرتين مع بداية كل قرن سوى معاناته المستمرة من إشكاليات لم تحسم بصورة تجعله قادراً فعلاً على التكامل في دولة قوية ومتراصة في بنائها الداخلي. لاسيما وأن العراق يتمتع بقدر هائل يؤهله لان يكون دولة قوية ومركزا فعالا بالنسبة للتكامل العربي المستقبلي وتوحيده اللاحق. ومع ذلك نراه أكثر من غيره من تعرض إلى «مهانة تاريخية» شنيعة! وهي مهانة مزدوجة تقوم في كونه أول من صنع مضمون الوحدة التاريخية والروحية والثقافية للعرب وآخر من تعرض إلى تهشيم وتجزئة هذه الوحدة إثر سقوط العاصمة العباسية بغداد قبل أكثر من سبعة قرون. إن الأمم الكبرى تكبو! وفي كبواتها عادة ما تثير غبار الزمن وتستفز الإرادة من أجل امتطاء جوادها من جديد. وليس هناك من جواد عراقي غير ما تجود به مكوناته الذاتية. فالخلل التاريخي الهائل الذي مسّ مختلف جوانبه بحيث تحول الاحتلال إلى «تحرير»، والذي ادخل في دهاليزه مختلف القوى السياسية «الوطنية» و«القومية» و«الليبرالية» و«الشيوعية» و«الإسلامية»، يعكس أولا وقبل كل شيء خلل الفكرة الوطنية والقومية والليبرالية والشيوعية والإسلامية على مستوى الدولة والسلطة والمجتمع والثقافة والسياسة. انه كشف ويكشف عن طبيعة وحجم الخلل في الرؤية الوطنية والقومية والتحررية والاجتماعية والروحية التي تدّعي هذه القوى تمثلها وتمثيلها. وهو خلل تتحمل جميع القوى السياسية في العراق مسؤوليته، كل بمقدار ما فيه من استعداد «للخيانة» و«الانحراف» عن مرجعياته الذاتية المتسامية ومنطق تأسيسها في الدولة العصرية. وهي مسؤولية تبرز حدتها الشديدة والخطيرة في ظروفه الحالية أكثر بكثير مما جرى في كل تاريخه الحديث. فالتحول العاصف الذي مسّ مختلف جوانبه بعد الاحتلال الأمريكي، أبقى من حيث الجوهر على جميع الإشكاليات والاحتمالات القائمة فيه، زائد تعقيدها المرتبك في شباك الاحتلال والتدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية. وهي حالة لا يمكنها أن تصنع وعياً عراقياً وعربياً متجانساً فيه. وذلك لان التجانس الممكن بهذا الصدد يفترض ارتقاء الصراع الداخلي لمختلف قواه السياسية بمعايير الرؤية الواقعية والعقلانية والاجتماعية. وهي مكونات يستحيل تحقيقها في ظل الاحتلال والتدخل المباشر وغير المباشر في شؤونه الداخلية. وهو ارتباك يمثل النتيجة المترتبة على تناقض «التحرير» و«الاحتلال» الأمريكي للعراق! فقد كان «تحريره» و«احتلاله» وجهان لعملية واحدة هي انهيار الدولة العراقية، أو بصورة أدق انهيار أحد نماذجها. وهو انهيار يعكس طبيعة الخلل الجوهري فيها بوصفه النتاج المباشر وغير المباشر لسيطرة وسيادة الراديكالية السياسية في تاريخه الحديث. إذ لم يكن «تحرير» أمريكا للعراق سوى تحريره من صدام، بمعنى استبدال نخبة بأخرى، أي استبدال نخبة تقتل الهوية بأخرى مقتولة الهوية. وهو استبدال يعادل من حيث مضمونه استبدال نخبة خارجة على التاريخ بأخرى لا تاريخ فيها. وفي هذا تكمن إحدى أكثر الإشكاليات تعقيدا بالنسبة لآفاق معاصرة المستقبل فيه. إننا نقف أمام ظاهرة إعادة إنتاج مقدمات وأسباب الفشل التاريخي الهائل الذي تعرض له العراق منذ أن ظهر بصورته وكيانه الجديد في بدايات القرن العشرين. ولا يعني ذلك من وجهة النظر التاريخية والفلسفية والثقافية سوى فشل جميع تجاربه السياسية على امتداد قرن من الزمن. بمعنى أن قرنا من الزمن هو «تاريخ» ضائع! وهي أحدى أقسى العقوبات التي يمكن أن تتعرض لها الأمة والدولة والثقافة. وهو فشل تحول بأثر انقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958 إلى منظومة متراكمة في إنتاج وإعادة إنتاج هذا الخلل الجوهري. وهو أمر جلي في استمرا زمن «الانقلابات» و«الثورات» و«التحرير»، أي استمرار عدم الثبات والاستقرار. فقد كان انقلاب الرابع عشر من تموز بداية الانحراف التاريخي الكبير عن المجرى الطبيعي والشرعي لتطور الدولة ومؤسساتها، وتفتيتا لمكونات وتراكم عناصر المجتمع المدني. وهو انقلاب بدّل المعايير والمقاييس الاجتماعية والدولتية في النشاط السياسي للأحزاب والنخبة والجماهير من خلال حصره وتقييده لمفهوم وفكرة الثورة بمعايير ومقاييس «الانقلاب الجذري»، الذي تحول لاحقا إلى صيغة إيديولوجية فجة لشرعنة كل النماذج الممكنة للمغامرة السياسية. أما النتيجة المترتبة على هذه المغامرة السياسية فهو السحق المنظم لأغلب العناصر العقلانية المتراكمة في التاريخ السياسي الحديث. بحيث أدى في نهاية المطاف إلى جعل الحزب الأداة الوحيدة للسياسة، ومن ثم الممثل الوحيد «الشرعي» لكل الأفعال الاجتماعية والدولتية، ومن السياسة خادماً وضيعاً للنفسية الحزبية. وفيما بعد جرت المطابقة بينهما بالشكل التي جعلت الحزب والسياسة رهينة القيادة المغامرة والقاعدة الخاملة. وترتب على معادلة «القيادة المغامرة والقاعدة الخاملة» افتعال مضخم لدور الحزب ورفعه إلى مصاف «عقل» و«ضمير» الطبقة أو الأمة وإسقاط للمجتمع وتغيبه في «قرارات تاريخية» هي عين المؤامرة والمغامرة. وهي النتيجة التي بلغت ذروتها في تحول الحزب إلى النخبة الوحيدة التي يحق لها الكلام، والصوت الوحيد الناطق بحروف الحقيقة، والنغم الذي ينبغي أن تسترق له أسماع العوام. من هنا كان ادعاء الحزب الشيوعي بأنه «حزب المثقفين والعمال والكادحين» بمعنى جمع ما لا يمكن جمعه. ومن هنا أيضا كان ادعاء حزب البعث «حزب الأمة والجماهير» بمعنى جمعه ما لا ينبغي جمعه من خلال تحويل الجميع إلى كتلة هلامية مهمتها الانقياد القسري لمعنى «الرسالة الخالدة» فيما يقوله وينطق به في الأغلب أنصاف المتعلمين والجهلة! وهي النفسية التي تجمعت لاحقا في الأحزاب الدينية من خلال جمع الواقع والمقدس في بيانات تستمد هويتها من ماضي المذاهب وأسرار الغيب، بمعنى جمعها ما لا يمكن وضعه بمقولات العلم وواقعية السياسة. إلا أن هذا الخليط اللاعقلاني هو التعبير غير المباشر عن لا عقلانية الواقع والتاريخ العراقي الحديث الذي تراكم بصورة عنيفة في كل مجرى النصف الثاني من القرن العشرين. بحيث أدى في نهاية المطاف إلى مصادرة كل ما يمكن مصادرته في رؤى إيديولوجية مسطحة سرعان ما تفجرت قوتها التخريبية في بنية الدولة والمجتمع والثقافة حال وصول كل منها إلى هرم السلطة. وليست الصدامية في الواقع سوى إحدى النماذج الأكثر تطرفا وغلوا وتمثيلا لهذه العملية العقيمة من انتشار وتوسع وتعمق وسيادة الراديكالية السياسية في العراق. وبهذا المعنى لم يعن سقوط صدام سقوطاً للصدامية من حيث كونها صيغة نظرية وعملية لأحد النماذج الراديكالية العراقية، بقدر ما يعني سقوط أحد أشكالها وإحدى حلقات «الزمن السيئ» في تاريخ العراق الحديث. فقد كان تاريخ الراديكالية في العراق زمنا عرضيا. بمعنى أن حصيلة فعله هو تهشيم وتحطيم وتبذير لمنظومة القيم العقلانية المتراكمة في بنية الدولة والمجتمع والثقافة. ولم تكتف بذلك، بل جعلت من الأفراد ونزواتهم منظومة ما فوق تاريخية رفعتها إلى مصاف «الضرورة» أو «المقدس». بينما لم يعنِ ذلك من الناحية الفعلية سوى رفع العبودية والإرادة المشوهة إلى مصاف المثال الأرقى للدولة ونظام الحكم والمرجعيات الكبرى. أما النتيجة فهي رجوع قهقري صوب البنية التقليدية، أي بنية ما قبل الدولة العصرية، وبالتالي نخر دائم لأسس الثبات الضروري للدولة ومؤسساتها، والاستقرار السياسي لنظام الحياة ككل. وأدى الرجوع القهقري إلى مختلف نماذج وأشكال البنية التقليدية إلى «تنظيم» البؤس والانحطاط والتخلف في نظام الوجود. وفي هذه النتيجة كانت تكمن مقدمات انهيار الدولة ومؤسساتها، والمجتمع وقواه الحية، والثقافة ورصيدها العقلاني والإنساني. وبهذا المعنى لم يكن انهيار الدولة العراقية الأخير نتاجا لتدخل أجنبي بقدر ما كان نتاجا نوعيا لتراكم سلسلة الخراب الشامل. وهو خراب لا يمكن تذليله دون بديل شامل يرتقي إلى إدراك أسبابه الفعلية ونفيها، برؤية ترتقي إلى مستوى المنظومة الواقعية والعقلانية الشاملة. وهو بديل لا يمكنه أن يكون إلا عراقيا. فالمشروع الأمريكي في العراق في بداية انهياره الشامل. وهو مشروع بلا آفاق، لأن الآفاق الوحيدة الممكنة للنظام الديمقراطي الاجتماعي في العراق مرتبطة ارتباطا عضويا بشرعية المشروع. فهي مقدمة وضمانة نجاح مشروع الشرعية الحقيقية في العراق. ففي وحدة شرعية المشروع ومشروع الشرعية يكمن المضمون التاريخي الفعلي للبدائل. بينما لم تؤدِ كل هذه المعارك الدامية، من اجل إرساء أسس الديمقراطية في العراق، إلا إلى إعادة إنتاج مختلف أشكال الصدامية الجديدة الأقل تحكما بفعل تنافر القوى وصراعها وافتقادها إلى مرجعيات وطنية عامة وملزمة للجميع. وهي مرجعيات لا يمكن تأسيسها في الوعي السياسي الوطني لهذه القوى بسبب كونها مرجعيات يستحيل تراكمها دون مشروع مبني على أسس الشرعية ويؤسس لها في كافة نواحي ومستويات الحياة الخاصة والعامة، في الروح والجسد الفردي والاجتماعي والدولتي. في حين نقف الآن أمام ملامح انحطاط جديد يشكل بحد ذاته استمراراً لزمن الانحطاط السابق لا نفيا فعليا له. وهو السبب الذي حدد محتوى الكتاب وبنيته الداخلية. فهو يحتوي من حيث بنيته ومهمته النظرية والعملية على قسمين، يتضمن كل منهما ستة أبواب. حيث أتناول في الأبواب الستة الأولى ما يمكن دعوته بفينومينولوجيا الانحطاط العراقي (أو في العراق) في مجال الممارسة السياسية (استفحال الراديكالية) والهوية الوطنية، والطائفية، والنخبة السياسية، والمجتمع وأخيرا انتشار ظاهرة الإرهاب. بينما تحتوي الأبواب الستة التالية على ما يمكن دعوته بفلسفة البدائل التي تهدف إلى تأسيس منظومة النفي الواقعي والعقلاني لمظاهر الانحطاط الآنفة الذكر، من خلال تأسيس فلسفة النفي العقلاني للتقاليد الراديكالية، وفلسفة الاستعراق وفكرة الهوية الوطنية العراقية، وفلسفة الوحدة الاجتماعية وتذليل النزعات الطائفية، وفلسفة السيادة وسيادة الدولة الشرعية، وفلسفة المرجعيات الثقافية للإصلاح وأخيرا فلسفة الفكرة الليبرالية وحل إشكالية الدين والدنيا. إن حصيلة هذه الرؤية هي التي تشكل مضمون فلسفة البدائل الثقافية، بوصفها فلسفة البديل الواقعي والعقلاني لإشكاليات العراق الجوهرية وسر خلله التاريخي الحديث. وهو مضمون فكرة «تاريخ البدائل» بوصفها نفيا لزمن الخراب. إذ ليس المقصود بتاريخ البدائل سوى الصيغة الواقعية والعقلانية لحل إشكاليات الوجود الكبرى للعراق في مجال بناء الدولة الشرعية، والنظام الديمقراطي السياسي والاجتماعي، والمجتمع المدني، والثقافة العقلانية الإنسانية، وأخيرا هوية المستقبل باعتبارها الهوية الثقافية العربية للعراق. والمقصود بهوية المستقبل هنا ليس نفياً للماضي بقدر ما هو تحريراً للفكر والرؤية من الماضي بوصفه مرجعية عملية شاملة. بمعنى تحريره من الأسطورة والتدين المفتعل والعرق والعقيدة التوتاليتارية، بوصفها مكونات الإبداع الجسدي والغريزي للفرد والجماعة والأوهام. فإذا كانت الغريزة والأوهام هي المكونات الملازمة لحالة الأفراد والجماعات الهمجية لما قبل التاريخ الفعلي للدولة، فإن هوية المستقبل هي النفي الدائم للحاضر من خلال تحويل الفكر والتفكر والتأمل والأحلام صوب الحرية المتكاملة في نظام الحق والشرعية. ومن خلالها فقط يمكن تذليل عقبات التقدم والتطور وإشكالاته «العصية» الفعلية. وإذا كان حاضر العراق الفعلي هو استمرار لخراب التوتاليتارية والدكتاتورية في بنية الدولة والسلطة والمجتمع والثقافة والأخلاق، فان مستقبله الفعلي يفترض سيادة فكرة الإجماع حول الإقرار المتنوع بوحدة شرعية المشروع ومشروع الشرعية، أي عقلانية البدائل الضرورية في مجال الدولة ونظام الحكم والمجتمع والثقافة. إن حقيقة المستقبل بالنسبة للعراق مقرونة بالإجماع المتنامي في المؤسسات والجمعيات والعمل الفردي. وهذا بدوره ليس إلا الإجماع من حيث المبدأ على فكرة الاحتمال في البدائل، بمعنى الانهماك في التخطيط المتنوع والمختلف لهوية المستقبل. وليس هذا بدوره سوى الاجتهاد والجهاد الدائم من اجل تحقيق إستراتيجية بناء الهوية العراقية، والدولة العراقية، والثقافة العراقية، والمجتمع العراقي. وبالتالي، فإن غاية هذا الكتاب لا تقوم على مواجهة أو انتقاد أي تيار أو حركة أو حزب أو قوة أيا كان حجمها وطبيعتها وشكلها في العراق، بل إنه ينتقد الجميع دون استثناء. فكل ما جرى ويجري في العراق هو نتاج لما فيه وفينا. وبالتالي فهو لا يرمي إلى تقييم أو تقويم حركة أو حزب أو تيار، بقدر ما يسعى لتقييم النفس وتقويمها بمعايير المستقبل. وبالتالي فان نقده الجارح لا يسعى لجرح مشاعر أيا كان، بقدر ما يسعى لتأسيس نموذج معقول وملموس لفلسفة البدائل الثقافية في العراق. بمعنى تأسيس الصيغة السياسية الملموسة لكيفية بناء مرجعيات معقولة ومقبولة بمعايير الرؤية الواقعية والعقلانية للمستقبل. إن كل ما في الكتاب هو للمستقبل، أي لمستقبل الرؤية وإمكانية الاحتمالات العقلانية. وإذا كانت مادته وموضوعه «مرحلة الانتقال» و«المؤقت»، فلأنه ينطلق من الحقيقة القائلة، بان الانتقال والمؤقت عرضة للزوال، بينما حقيقة المطلق، بما في ذلك في ميدان السياسة والرؤية السياسية، تقوم في جعل كل جزيئات الوجود مواقف لتهذيب العقل والضمير الاجتماعي والقومي والإنساني. وفي هذا يكمن مضمون تاريخ البدائل في العراق، أي نفي زمن الخراب.
المقدمة البـــــاب الأول: الراديكالية العراقية زمن الانحطاط المستمر الفصل الأول: الراديكالية العراقية الجديدة - جذور في مياه آسنة! الفصل الثاني: الراديكالية الدينية السياسية أ. الظاهرة الصدرية – الراديكالية الشيعية المعاصرة: ب. الغلاة الجدد – الراديكالية السلفية: البـــاب الثاني: انحطاط الفكرة القومية والوطنية الفصل الأول: انحطاط الفكرة القومية العربية الفصل الثاني: انحطاط الفكرة الوطنية العراقية الفصل الثالث: صعود الفكرة العرقية البـــاب الثالث: الانحطاط الروحي - من التوتاليتارية إلى الطائفية الفصل الأول: الانحطاط الطائفي في العراق الفصل الثاني - الطائفية المذهبية والعرقية و«مثلث» الانحطاط التاريخي البــاب الرابع: انحطاط النخبة السياسية الفصل الأول: النخبة السياسية – الهوية المفقودة! الفصل الثاني: سقوط الأحزاب السياسية أ. اندثار الأحزاب التقليدية – موت الراديكالية الدنيوية: ب. صعود الأحزاب العرقية – اندثار الأبعاد العراقية: ج. صعود الأحزاب الشيعية – طائفية التوازن التاريخي: الفصل الثالث: صعود المرجعيات الدينية وهبوط السياسة المدنية البــاب الخامس: انحطاط الذهنية الاجتماعية والوطنية الفصل الأول: ظاهرة المؤقتين الجدد وضمور المرجعية الوطنية الفصل الثاني: نفسية وذهنية المؤامرة والمغامرة البـــاب السادس: الإرهاب - ذروة الانحطاط المادي والمعنوي الفصل الأول: «الإرهاب الإسلامي» الأصولي - تحطيم العدل والاعتدال الفصل الثاني: الغلو الديني و العقائدي - هاوية الإرهاب والفساد البـــاب السابع: فلسفة النفي العقلاني للراديكالية السياسية الفصل الأول: الراديكالية العراقية - الرؤية المأزومة والطريق المسدود الفصل الثاني: السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع الفصل الثالث: أفول الراديكالية والإرهاب - مخاض الحرية العراقية البــاب الثامن: فلسفة الاستعراق وفكرة الهوية الوطنية العراقية الفصل الأول: الهوية الوطنية العراقية و«حكمة الاستعراق» الفصل الثاني: فلسفة الهوية العربية والتكامل الوطني أ.«إشكالية» الهوية العربية للعراق: ب . العراق والولادة العسيرة للفكرة القومية الجديدة: الفصل الثالث: مفترق القضية الكردية .. الاندماج أو الانفصال البــاب التاسع: فلسفة الوحدة الاجتماعية ومهمة تذليل الطائفية الفصل الأول: المشروع الديمقراطي - الانتقال من التجزئة إلى الوحدة الفصل الثاني: المعارضة والمقاومة والمصالحة الوطنية البــاب العاشر: فلسفة السيادة وسيادة الدولة الفصل الأول: سيادة الدولة ونفي الحكم المؤقت الفصل الثاني: سيادة النخبة السياسية ونفي ظاهرة المؤقتين الجدد! الفصل الثالث: سيادة الدولة الموحدة والنظام الديمقراطي الباب الحادي عشر: فلسفة المرجعيات الثقافية للإصلاح الفصل الأول: فلسفة الإصلاح العقلاني - بدائل الروح الثقافي الفصل الثاني: الحزب والأيديولوجيا - فكرة الاحتمال العقلاني البــاب الثاني عــشر: الفكرة الليبرالية واحتمالات البدائل العقلانية الفصل الأول: المصير التاريخي للفكرة الليبرالية الفصل الثاني: استراتيجية البديل الإعلامي الخاتمة
#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)
Maythem_Al-janabi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدكتور علي ثويني – الفكرة المعمارية وهندسة الروح العراقي
-
حدود الصراع الروسي الجورجي وتجارب -الثورات الملونة- (1-2)
-
نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (2-2)
-
نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (1-2)
-
نهاية الزمن الطائفي في العراق
-
تقسيم العراق – يقين الأقلية العرقية وأوهام الطائفية السياسية
-
فلسفة الثقافة البديلة في العراق
-
العراق ومرجعية الرجوع الى النفس
-
(أشجان وأوزان الهوية العراقية) كتاب جديد لميثم الجنابي
-
-الروافض- وفلسفة الرفض العراقية
-
الحركة الصدرية - الغيب والمستقبل (6)
-
الحركة المختارية والحركة الصدرية – الماضي والمستقبل 5
-
عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر
...
-
عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر
...
-
عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر
...
-
عقيدة الثأر السياسي في العراقي - من الحركة المختارية الى الح
...
-
مراقد الأئمة – مواقد الثأر الهمجي
-
غجر الثقافة في العراق
-
أهرامات الجسد العربي ودهاليز الروح العراقي
-
المختار الثقفي - فروسية التوبة والثأر
المزيد.....
-
هدنة بين السنة والشيعة في باكستان بعد أعمال عنف أودت بحياة أ
...
-
المتحدث باسم نتنياهو لـCNN: الحكومة الإسرائيلية تصوت غدًا عل
...
-
-تأثيره كارثي-.. ماهو مخدر المشروم المضبوط في مصر؟
-
صواريخ باليستية وقنابل أميركية.. إعلان روسي عن مواجهات عسكري
...
-
تفاؤل مشوب بالحذر بشأن -اتفاق ثلاثي المراحل- محتمل بين إسرائ
...
-
بعد التصعيد مع حزب الله.. لماذا تدرس إسرائيل وقف القتال في ل
...
-
برلماني أوكراني يكشف كيف تخفي الولايات المتحدة مشاركتها في ا
...
-
سياسي فرنسي يدعو إلى الاحتجاج على احتمال إرسال قوات أوروبية
...
-
-تدمير ميركافا وإيقاع قتلى وجرحى-.. -حزب الله- ينفذ 8 عمليات
...
-
شولتس يعد بمواصلة دعم أوكرانيا إذا فاز في الانتخابات
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|