|
تركيا : الشعب ،و العسكر، وأتاتورك، والخارطة وأمية الضمير
كرم يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2211 - 2008 / 3 / 5 - 11:02
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
الحرب الأخيرة بين تركيا وقوات حماية الشعب الكوردستاني تعكس كما عكست نظرية جديدة في حب العسكر التركي لدولته من خلال قتل الآخر ، وإلغائه ، لا بل اعتبار الآخر -الكوردي- جسراً يجب أن يسخر نفسه لعبور الترك ،و وصولهم إلى أحلامهم. العالم دخل ألفيته الثالثة والعقل التركي لا يزال في العصور البدائية ، العقل الذي يؤمن بأنه سيد العالم وأنه الأقوى .
خمسة وعشرون توغلاً تركياً في أراضي كوردستان العراق و الآن التوغل الجديد كل ذلك لأجل أن يثبت العسكر التركي قوته وأن يعيد ثقة الآخرين بنفسه ، لأجل نصر يخترعه ،ويكتبه على جرائده ، و لا يهم إن لم يقتنع به الآخرون أم لا ، المهم أن يكون هناك نصر، حتى ولو كان كذبة ليرضي بها تاريخه الدموي.
خمسة وعشرون درساً ، والصحافة و الإعلام الرسمي التركي يخلقان الأكاذيب لجيشهما ويعوضاه عن النصر بكلمات ، دون أن يعرف أن النصر الحقيقي هو محبة الآخرين لا قتلهم ،والعيش على حساب إلغائهم ، الدروس مضت ويكرر العسكر التركي ما تعلمه، ولا يريد أن يعترف به ، ليروح الضحايا من الجانبين التركي والكوردي، وينسى الترك أن الكورد كانوا مشعل تحرير تركيا،والسند الأول لبانيها ومؤسسها مصطفى كمال أتاتورك ، وذلك حين سانده الكورد في طرد المحتلين الأوربيين من ايطاليين ويونان وفرنسينن وانكليز وروس عقب خسارة دول المحور والتي كانت تركيا العثمانية واحدة منها في الحرب العالمية الأولى ، وكانت كوردستان تركيا وبالتحديد أرضرورم نقطة البداية في مسيرة تحرير تركيا وذلك في معركة سقاريا سنة 1921 .
العالم كله يفهم مشكلة تركيا في أنها تريد العيش بأمان واستقرار، وهذه نقطة إيجابية في عالمنا – عالم المادة – ولكن الوجه الآخر من هذا الاستقرار الذي يخشى العالم وعلى رأسه أميركا الاعتراف به من أن المشكلة ليست كامنة في حزب العمال الكوردستاني ، بل في الأسباب التي أدت إلى وجوده ، وكذلك في الأسباب التي أشعلت عشرات الثورات بدءاً من ثورة الشيخ سعيد، وعبيد الله النهري ، وانتهاءً بثورة حزب العمال الكوردستاني ، إذاً وجود حزب العمال ليس سبباً، بقدر ما علينا أن نفهم في أن وجوده هو واحد من الأسباب التي أدت إلى ثورات أخرى لا يزال العالم يرفض قراءتها وقراءة معاناة ثلاثين مليون كوردي ، يعيشون ضمن ما اسمه دولة تركيا.
وفي غضون لحظات ينسى العالم من عرب و فرس وأوربيبن وأمريكيين ، ما فعله أجداد أردوغان ، وبويكانيت ويعترف بجرحهم، وينسون الجراح التي لا يزال الترك ينزفونها في أجساد ملايين الكورد في ذلك المكان الكوردستاني المضموم إلى تركيا، لا بحسب أي شيء بل بحسب مؤامرات دولية كان فيها الكوردي الضحية التي يجب ألا يقرأ الفاتحة قبل أن يقتل ، لكي لا يحس العالم بتأنيب الضمير .
اليوم تخطو الألفية الثالثة بسنينها ، ببشرها ، بوسائل إبادتها المتطورة جداً ، بعولمتها ، بشموعها ، بكل شيء فيها ، ولا يزال العالم مؤمناً بفكرة أن خارطة الدولة التركية منزّلة من السماء السابعة، وأن ثلاثين مليون كوردياً خرجوا من تحت الأرض، ليزعزوا سلام دولة تعترف بأعدادهم حين تعطي إحصائيات عن مواطنيها الأتراك . ألم يفكر العالم بالأسباب التي أدت إلى نشوء حزب العمال الكوردستاني، كما فكر بالأسباب التي قدمتها تركيا في محاربة هذا الحزب؟، ألم يفكر بأن مطالب هذا الحزب هي مطالب ثلاثين مليون كوردي آخر، أنفسهم ، في مطالبتهم بحقوقهم الثقافية والقومية ؟
شيء رائع أن يعتز الإنسان بقوميته وتاريخه وأجداده، ولكنه أروع وأفضل ، حينما يعترف بثقافة وتاريخ وأجداد الآخرين، وأن يشعر بشيء من النشوة التي يرى فيها غيره فرحاً تحت علمه على أرضه، كما يشعر هو بنشوة ضربات قلبه ، مستمدة من خفقات علمه فوق رأسه،تتموسق في أجمل سمفونية،وأقربها إلى الروح والقلب.
بالعودة إلى التاريخ ، بتصفح الحاضر ، بقراءة المستقبل تلك الأرض التي خرج منها حزب العمال أرض كوردية، ومطالبهم هي مطالب ثلاثين مليون كوردي في تركيا في الاعتراف بحقوقهم القومية . شيء مؤسف أن لا يزال الساسة الأتراك- وهم خريجو الأكاديميات- بل و ومثقفون سياسياً- في أقل تقدير- يفكرون في إبادة ثلاثين مليون شخص كوردياً، والتفكير بضخ الدماء التركية إليهم ، وسجنهم لمجرد اعترافهم بكورديتهم، لا بل إقامة القيامة فوق رؤوسهم، لمجرد طلب بمنحهم حقوقهم القومية.
شيء مؤسف أننا لم نسمع ولو بياناًاستنكاريا ً لأي دولة، أو منظمة، أو جمعية عربية، للاجتياح التركي لجنوبي كوردستان ، وقمع الكلمة في شمالي كوردستان لو قرأتم كما قرأت عن مشاركة الكورد في مدينة "باتمان" في تركيا في مسيرات التضامن مع "غزة" الفلسطينية، لرفع الحصار الإسرائيلي عنها، وذلك في الـتاسع عشر من الشهر المنصرم، أي قبل يوم من الاجتياح التركي، تحديداً، هذا لو نسينا كل ما جمع الكورد مع العرب،منذ سالف العصور وحتى الآن...!؟
شيء مؤسف ، أجل ، أن يسمح العالم مرة أخرى ، بمثل هذا الاجتياح لجنوبي كوردستان، ويقف متفرجا ومستمعاً للعسكر التركي ،وألا يعالج جوهر المسألة في شمالي كوردستان، بالتأكيد مثلما نحن بحاجة إلى مدرسة تعيننا على كسر الأمية، فالعالم اليوم بحاجة إلى مدرسة الإنسانية والحب، لكي تكسر أمية الضمير عنده ، ويعترف بحقوق الشعب الكوردي في شمالي كوردستان والذي يزيد عدده ب-ثمان وعشرين مليون نسمة -عن سكان كوسوفا الذين انتزعوا حقوقهم بعد كل ما تعرض له ذلك الشعب المناضل بحقوقهم، وكانت تركيا وأمريكا سباقتان إلى تبريك هذا الاستقلال...! شيء مؤسف أيضاً أن يبتر العالم كما تبتر المؤسسة العسكرية التركية وصحافتها و سياسيوها اليد الكوردية الممدودة للمصافحة، و الأخوة مع الشعب التركي، حتى في لجة هذه الحرب الأخيرة، بكل صدق الإنسانية تعيش في خطر موت الضمير، إن لم نقل أن الفاتحة قد قرأت على الضمير.
إنَّ العداء التركي ليس فقط للشعب الكوردي في شمالي كوردستان بل هو للكورد عامة وسنقتصر حالة العداء هذه في مقولة رئيس الوزراء التركي السابق سليمان ديميريل بأنّهم سيمنعون اقامة دولة كوردية حتى في الارجنتين وجنوب أفريقيا ، سنقتصر حالة العداء أيضاً على نسف البنية التحتية لأقليم كوردستان بما فيها تدمير ستة جسور بعيدة كل البعد عن معاقل حزب العمال الكوردستاني، وصفوة القول أن هذا الاجتياح ما كان إلا لعرقلة التطبيع في كركوك والمناطق الكوردستانية المعربة والمقرر اجراؤه قبل الشهر السادس من العام الحالي. أجل ،إن اعتراف تركيا باستقلال كوسوفا مع الدول الأولى السباقة إلى هذا الاعتراف مثل أمريكا وانكلترا، والاعتراف بحقوق ألبان كوسوفا في التمتع بحقوقهم الثقافية والقومية والمدنية ، خطوة ستسجل ضمن سجلات التاريخ الإيجابي لتركيا ، والأجمل من كل ذلك وسواه لو اعترفت تركيا أيضا بحقوق الشعب الكوردي ، الذي جل ما يسعى إليه هو العيش مع الشعب التركي ضمن دولة واحدة مرفوع الرأس ، لا أن تعتقل تركيا رجل دين كوردي رفع القرآن في مدينة آمد، مطالباً بوقف هذه الحرب الأخيرة بين الترك والكورد ،داعياً للأخوة .....!
مؤكد أنه حتى لو لم أكن كوردياً سأقول مثلما قال يلماز كوني وهو مخرج وممثل كوردي : حتى لو أنني لم أكن كوردياً ، فيجب عليّ التعاطف مع هذا الشعب، وبرأيي إنه من خلال موقف أي شخص ، أو مؤسسة ، أو دولة من القضية الكردية ، يمكن تقويمهم، إن هذا الموقف هو البارومتر الذي ينبغي الاحتكام إليه، لمعرفة موات أي ضمير ، أو سلامته....أم لا..... وتعالوا كي يمتحن كل منا ضميره.........!
#كرم_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين يغني محمد شيخو في أعالي قاسيون
-
خشية أنّ تستيقظ صحيفة الوطن ذات يوم على حلم دومريّ
-
كرد سوريون -ضاع - مستقبلهم الدراسي بسبب- سلخ -جنسيتهم السوري
...
-
الأنفال سورة حزن الكردي الكبرى
-
الرياضة كأمثل حوار للحضارات
-
العراقيّ يحمل كفنه أينما ذهب!
-
هل يحتاج السوري إلى وصاية أكبر ....؟
المزيد.....
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|