أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية بين 1978 و2008: عود على بدء!















المزيد.....

سورية بين 1978 و2008: عود على بدء!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2209 - 2008 / 3 / 3 - 11:14
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


عفويا يميل كاتب هذه السطور إلى إقامة تواز بين السنوات المنقضية من عهد الرئيس بشار الأسد وما يعادلها من سنوات من عهد أبيه، فيتلامح عام 2008 مثلا من عهد الأسد الابن مناظرا لعام 1978 من عهد الأسد الأب. ولما كنا نعرف ما جرى بعد عام 1978، فإن من شأن استحضار وقائعه الأساسية أن يتيح لنا تقدير ما قد يجري في ما يطويه المستقبل عنا. ليس لنا أن نبالغ في قيمة هذا "المنهج"، ولا بالخصوص في موثوقية ما قد نبني عليه من تقديرات، لكن لعله تمرين مفيد رغم ذلك. وهو لا يستمد شرعيته من القرابة الدموية بين الرئيسين وحدها، بل يتخطاها إلى القرابة البنيوية بين نظاميهما، أو نظامهما الواحد بصفحتيه. فإن لم يضئ التمرين هذا جوانب من الشأن السوري اليوم، فإنه مناسبة للتأمل والمقارنة على الأقل.
والحال إن 1978 هو العام الذي سبق تفجر أزمة وطنية واجتماعية عميقة أخذت شكلا متفجرا وبالغ العنف، دامت فصوله الدامية 3 سنوات، وعقابيله المباشرة نحو عقدين، ولا تزال ملفات كثيرة موروثة منه دون معالجة ودون حل. فهل تسير البلاد اليوم نحو أزمة متفجرة مماثلة؟ وهل ثمة مؤشرات على انزلاق كارثي يحاكي ما خبرنا قبل نحو ثلاثة عقود؟
بداية تتواتر المؤشرات على اندفاع الأمور نحو الطريق المسدود، محليا وإقليميا. فقد بادرت السلطات إلى التصرف بعصبية ظاهرة حيال اجتماع عقده ائتلاف "إعلان دمشق" المعارض في مطلع كانون الأول الماضي، وتمخض لأول مرة منذ عقود عن قيادة منتخبة. اعتقل خلال الأسابيع العشرة الماضية 13 ناشطا في الإعلان، وكان أوقف عشرات آخرون لوقت قصير في مستهل الحملة. وفي الآونة الأخيرة تواردت أنباء عن اعتقال نشطاء أكراد، بل توفي مؤخرا معتقل كردي بُعيد الإفراج عنه، لأسباب ربما تتصل بإهمال معالجته وقت الاعتقال.
في الوقت عينه تبلغ علاقة سورية بدول عربية رئيسية مثل مصر والسعودية مستوى غير مسبوق منذ ثلاثة عقود على الأقل من الجفاء والتباعد. والراجح أن البلدين لن يحضرا قمة دمشق أواخر هذا الشهر أو سيتمثلان فيها بمستوى متدن. هذا بينما تعود علاقات سورية بالقوى الغربية الرئيسية، وليس أميركا وحدها، إلى البرودة بعد أن كانت دفئت في عام 2007.
بيد أن هذا كله وجه واحد من وجوه التأزم المحتمل في البلاد وحولها. يحيل وجه ثان على المفاعيل الاجتماعية الممكنة لـ"تحرير الاقتصاد". الفقر والبطالة مرشحان للاتساع رغم النمو الاقتصادي (تعطي المصادر الرسمية نسبة6,5% معدلا للنمو الاقتصادي عام 2007)، ومنذ نحو عام ينمو التضخم (تعترف الحكومة بمعدل 8% لكن مراقبين مستقلين يقدرونه بحدود ضعفي أو ثلاثة أضعاف هذا الرقم)، وترتفع أسعار السلع الاستهلاكية جميعا، بما فيها المواد الغذائية الأساسية. ويتحدث اقتصاديون عن انحراف متزايد لهيكل توزع الدخل الوطني لمصلحة الأكثر غنى. وقد لا يتعدى اليوم ما يناله العاملون بأجر، ونسبتهم أزيد بقليل من 55% من مجموع العاملين، نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما النسبة الموازي في معظم دول العالم بين 65 و70% حسبما ذكر مرارا إلياس نجمة، الدبلوماسي والاقتصادي البعثي، وبينما كانوا ينالون في سورية ذاتها 43% من الناتج أيام كان العاملون بأجر 30% من مجموع العاملين حسب نجمة ذاته في مقالة قديمة له في "الحياة". دلالة ذلك البديهية هي انهيار قيمة العمل (لمصلحة قيم الملكية، أو بالخصوص السلطة)، والاختلال الفاحش لموازين القوى بين الطبقات أو بين مجتمع العمل ومجتمع الثروة والسلطة. وهو اختلال مرشح للتفاقم بفعل تحرير اقتصادي بلا ضوابط اجتماعية، ومع الاستمرار في منع مجتمع العمل من الدفاع عن نفسه بالتنظيم والإضراب والاحتجاج. وليس "الفساد" الذي أفتى مؤخرا 450 من 452 مشاركا في استفتاء نادر للرأي العام في سورية بتوطنه في إدارات الدولة وأجهزتها، الجهاز القضائي أولا، ليس منفصلا عن انهيار العمل، مردودا ماديا وقيمة أخلاقية ومجتمعا. قد نتذكر، بالمناسبة، أنه شكلت لجنة للتحقيق في الكسب غير المشروع عام 1977، ولم يتمخض عملها عن نتائج أفضل من "مكافحة الفساد" في السنوات الأخيرة.
في الوقت نفسه، يبدو أن آليات صنع القرار السورية تفتقر إلى إجراءات تصحيحية من شأنها أن تخفف انحرافاتها المحتملة، إن على مستوى الاستقطاب الإقليمي المتزايد حدة، أو التذمر الاجتماعي المرشح للتزايد بدوره، أو تشنج الأجواء السياسية الداخلية. بين حين وآخر تعلن جهات حكومية أنها بصدد التعامل مع الحصائل الاجتماعية للبرلة الاقتصاد، بيد أنها إما أنها لا تفعل شيئا أو أن مبادراتها تأتي متأخرة وجزئية، فلا تخلف أي أثر إيجابي. أما إقليميا فيبدو أن السلطات تتصرف كما لو أنه لا يمكن فعل شيء أبدا غير تعزيز الروابط القائمة مع كل من إيران وحزب الله وحماس.. والحال إن تضييق الخيارات على هذا النحو يتعرض لانتقاد حتى منحازين إلى هذا المحور.
فإذا أضفنا لهذا كله أزمات النظام الشرق أوسطي الدورية التي تتكرر كل عقد من السنين أو نحوه منذ ستين عاما، كان مباحا لنا أن نتوجس مما قد يواجه البلاد في السنوات القليلة القادمة. إن التقاء هذه العوامل أو بعضها ربما يتسبب في تفجير أزمة خطيرة جدا، قد تذكر السوريين بما عرفه بلدهم قبل ثلاثين عاما. ونفترض أن عملية صنع القرار السياسي في أي بلد معنية باستباق احتمالات كهذه، وتكثير الخيارات والبدائل الممكنة.
وبينما لا تنحصر منابع التأزم في الداخل لسوري، الاجتماعي والسياسي، وبينما لا ريب في كثافة حضور وفاعلية العامل الدولي والإقليمي في مشكلات بلداننا، وسورية منها بالطبع، فإن من يحتل موقع المبادرة لتجنب الأزمات أو لمعالجتها باكرا هو طاقم السلطة في البلاد. فهو يستأثر لنفسه بسلطة غير مقيدة داخليا، وما من قوة أخرى في البلاد تشغل موقعا منافسا له للتأثير على وجهة تطور البلاد وتجنيبها مخاطر تواجه بلدان العالم جميعا ودوما مثلها. فلا عذر له في انزلاق البلاد نحو الأزمة مرة أخرى. أما التعويل على انتهاء ولاية بوش، فليس جديرا بأن يسمى سياسة، ومن غير المرجح لثمرته أن تكون أفضل من ثمرة حلول ساركوزي محل شيراك في الإليزيه. ولا من احتفال صدام حسين ذات يوم بفوز كلينتون على بوش الأب.
على أن النظام مقيد فعلا، لكن بمصالح مطلقة نمت في كنفه، ولا يبدو قادرا أو راغبا في لجمها. وطوال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية تكشفت سورية دولة قوية في مواجهة ضعفائها الاجتماعيين والسياسيين، بقدر ما هي ضعيفة في مواجهة أقويائها الذين يريدون كل شيء لأنفسهم مقابل لا شيء لغيرهم. هذه قسمة ضيزى و.. نصيب أضيز.
وهي بعد مصدر الانفصال عن الواقع وباب الأزمات الأخطر. فمن يريد كل شيء طوال الوقت معرض لفقدان كل شيء ونهائيا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جوزف سماحة: المناضل ضد المثقف
- -المسألة الدينية- موضوعا لتفكير نقدي
- من تطييف المجتمع إلى استلام الطائفية للسلطة
- هل يمكن لتركيا أن تكون مثالا إيجابيا للسوريين؟
- من صنع إسرائيل؟ ومن هم -عملاؤها-؟
- أزمة حركات المعارضةالعلمانية العربية ... فكرية
- في نقد الثقافة السياسية السورية
- نحو شرعية الفرد لا شرعية الهوية.. ونحو ثقافة نقدية لا قومية
- إيديولوجيات السوريين وصعود الجيوسياسي
- الطائفية كحصيلة للفقر السياسي وحدٍّ له
- في النقاش السوري حول العلمانية وما وراءه
- لا عاصم من اعتقال المثقفين في عاصمة الثقافة العربية
- -وضعية علمانية-: أفكار في شأن العلمانية والإسلامية والدولة
- وجهان، ليبرالي واشتراكي، للنقد الديمقراطي
- في أصل -ثقفنة- المعارضة في سورية
- عقد من أجل إصلاح سورية
- من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية ...
- عن -مثقفي السجن- بالأحرى، لا عن سجن المثقفين - إلى أكرم البن ...
- بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية
- هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سورية بين 1978 و2008: عود على بدء!