|
حجاب العولمة
عبد الحسين الفارسي
الحوار المتمدن-العدد: 767 - 2004 / 3 / 8 - 06:04
المحور:
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2004 يوم المرأة العالمي
بابا.. أنا بدي أتحجب.. شو رأيك ؟! صعقت لوهلة وأنا أرد باب الدار خلف ابنتي التي وصلت للتو من مدرستها وعلائم حدث ما، أثر عليها بشدة، تغطي وجهها الطفولي البريء.. لم أختر الصمت بل فرض نفسه علي للحظات ضحكت بعدها بصوت عال ظنا بأن سمر تطلق مزحة مباغتة لترى رد فعلي وهي تخبيء خبرا ما أو حديثا جرى بين الزميلات في الصف أو حافلة المدرسة فجاءت كعادتها تنقل لنا تفاصيله والتعليقات المتنوعة لعديد ألوان الفتيات القادمات من أوساط ثقافية واجتماعية متباينة.. قبلتها وسألتها الأسئلة الروتينية التي اعتادت أن تتلقاها مني يوميا وأجابتني كعادتها مطمئنة إيانا بأن كل شيء على ما يرام. اقتربت سمر بعد أن فرغت من تغيير ملابسها وتحضير نفسها لتناول وجبة الغداء.. العلائم الغريبة على وجهها لم تتغير.. عيناها السوداوان مازالتا علامتي ذكاء متأصل ولكنهما كانتا توحيان بكلام في فمها تريد قوله قبل بدء الطعام.. والكلام مختلف هذه المرة عن أحاديث المرات السابقة.. جلسنا وقد قررت، ربما لخوفها، تأجيل الحديث مؤقتا مستبدلة إياه بأسئلة للوالدة عن الطعام ومشاريع نهاية الاسبوع وغير ذلك.. قبل أن نقوم اتجهت إلى زوجتي، وأنا أطلق ضحكة كان من السهل تبين تصنعها، قائلا بصوت مسموع: - سمر بدها تتحجب.. شو رأيك ماما؟! كواثقة من المزاح ردت بضحكة خفيفة: - أي وشو عليه.. خليها تتحجب.. ربما يليق بها.. ضحكت وضحكت زوجتي ولكن سمر لم تفعل.. كانت غريبة الانفعال تلك اللحظة وكأنها ودت أن تفرض جوا من الجد يضع حدا لأخذنا الأمر على محمل المزاح.. قالت: - المدرسة مليئة بالفتيات الناجحات والمهذبات وغالبيتهن محجبات ومن لم تكن محجبة من قبل فعلت الآن تحت ترغيب وتشجيع الزميلات وبعض المعلمات.. الحجاب جميل وضروري للفتاة فلماذا أنتم تكرهونه.. المعلمات قلن بأنه فرض وأنه لا يجوز السفور لمن في سني.. أريد أن أذهب الى الجنة.. من يترك الحجاب لن يذهب إلى الجنة.. السفور يعرض الفتاة إلى ملاحقة الشباب بنظراتهم ومضايقتها.. أنا لا أريد أن أتعرض لمضايقات الشباب.. أنا أكره الشباب لأنهم قليلو الأدب.. وهم لا يتحرشون بالفتاة المحجبة بل بالسافرة.. أرجوكم وافقوا على طلبي .. صعقت ثانية.. ونظرت إلى زوجتي باستغراب مشوب بالغضب والارتباك فرأيتها مذهولة مثلي وعلائم الاستغراب والحيرة ملأت وجهها الجميل الذي أعتبره خلق لملامح السعادة والفرح الدائم ولم أحب أن أراه على غير ذلك.. وبدون دعوة من أحد اتجهنا جميعا إلى غرفة الجلوس في مشهد تقاطرت مكوناته بسرعة فائقة لتحول المكان إلى خشبة بدأ عليها تقاسم أدوار سيناريو غير مسبق الصنع، اعتمادا على أولويات ومفاهيم متفق عليها شفهيا تشكل أساس البيت والأسرة والحياة الاجتماعية والبنية الفكرية والثقافية لأفراده.. لم يكن موضوع الحجاب قد نوقش يوما بمزيد من العمق أو التفاصيل في البيت. كانت حالة سفور الفتيات والسيدات في كافة البيوت القريبة والمحيطة بنا ومنذ زمن بعيد هي السائدة ولم يكن هناك من خَطَرَ الحجاب على بالها فجأة.. الحالات المخالفة كانت بعيدة عن البيئة التي تربينا عليها والتي كان من أهم مظاهرها التطور الاجتماعي وتدريس الفتيات وعمل المرأة.. وكان التعليم المختلط واردا ولا اعتراض عليه وإن لم يكن سائدا في جميع الأحياء.. ولم يكن في المدارس المختلطة أو المنفصلة من أعطي أو أعطى لنفسه مهمة التحدث عن الحجاب ومزاياه وعن السفور وعواقبه أو دعوة السافرات للتحجب.. ولم نكن نفاجأ يوما بسافرة غادرتنا مساء وصبحتنا من وراء حجاب.. لا في المدارس والجامعات ولا في العمل أو المحلات.. ولم تُسمع المحجبات ولا ذووهن السافرات وذويهن أية انتقادات.. لم تكن هناك معايير تحدث الناس فيها عن الحشمة والعيب.. كان الفرق بين الاحتشام وعدمه صغيرا للغاية لدرجة أن أحدا لم يتجرأ على وصف فلانة بأنها محترمة لأنها محجبة وأخرى بالسقوط لعدم احتشامها.. كانت الأمور تسير بطبيعية وتلقائية وحرية تضمن لكل فرد حقه في اختيار التصرف أو بناء القناعات وإبداء الرأي أو انتقاء اللباس والمظهر الذي يرغب دون أي تدخل من الآخرين أو فرض لمعايير من هنا أو من هناك طالما لم تنل حرية الفرد من حرية من حوله.. هكذا تعايش الناس في بيئتنا مع بعضهم دون أي توتر أو تعال أو تعصب.. في هذا الجو لم تجد المجموعات ذات البرامج الضيقة والأنانية بيئة ملائمة لنشر ثقافات تكرس سيطرة برامجهم مما أفشل خطط تقييد برامج التطور العلمي والفكري والثقافي والاجتماعي وأظهر انعزالية أصحاب هذه الخطط. قلت: حدثيني يا سمر.. ما الذي أثار عندك هذه الرغبة اليوم بالذات ؟ ماالذي حصل معك في الصف أو المدرسة ؟ - أبداً.. بعض المناقشات خلال الأيام التي سبقت العيد أحرجتني وأظهرت ضعف حججي تجاه معظم الزميلات اللواتي يرين أن الحجاب مطلوب ولا يعيق تعلم الفتاة ويساعدها على تفادي خشونة الشباب في الشارع ويرين بأن ظاهرة ارتداء السافرات للحجاب تتزايد وهي ظاهرة صحيحة ولا تؤذي أحدا.. في الاسبوع الماضي كان هناك حديث حول المذيعات في محطات التلفيزيون وكنت من أنصار سفور المذيعات نظرا لمتطلبات المهنة ولأنه لا داعي أبدا لفرض شرط محدد على المذيعة التي يلعب شكلها وأناقتها دورا مهما في حضورها وهي تخاطب ملايين المشاهدين. أماهن فقد كن متيقنات بأن معظم تلك المذيعات ستتحجبن قريبا. أنا استبعدت إمكانية حدوث ذلك.. اليوم جئن من الصباح بتهافت إلي وكأنهن تبادلن الأحاديث من قبل حول توقعاتهن لرد فعلي. نسرين صاحت: هل رأيت مذيعة قناة الجزيرة الأولى وأجملهن خديجة؟ لقد تحجبت !! يا إلهي كم هو جميل حجابها !! قالت ابتسام: فعلا.. إن اللون البرتقالي يليق لها الضربانة.. أما أحلام فقد وجهت الي الكلام بسخرية: أنت قلت بأن مذيعة واحدة لن تتحجب.. ألم تقولي هذا يا سمر؟! انتظري قليلا لتري جميع المذيعات العربيات محجبات.. كنت أحس بينهن بالخجل والانكسار.. فقد انتصرن علي وأثبتن أن ظاهرة الحجاب مقبولة، لا بل مرغوبة من الكثيرين.. قالت الوالدة وهي تداعب سمر وتمسد بكفها الشعر الأشقر الحريري: - أهذا هو السبب الذي جعلك تقررين ارتداء الحجاب؟ وستخبئين هذا الشعر الجميل وهذا الوجه اللطيف بالقماش تسترا من النور أو تجنبا لنظرات الناس؟ ما الذي سيحصل لك إن نظر الناس إلى شعرك؟ هل سينقص منك شيء أم سيؤلمك النظر؟.. أنت تمزحين ولا أظنك جدية في ما تبدين من رغبة.. الفتيات يا سمر صغيرات الآن ولا يعرفن الحقيقة وهن متأثرات بما يرونه ويسمعونه حول هذا الموضوع.. بعد حين سينسين الحجاب وسيخلعنه.. لأن أخلاق الفتاة يا ابنتي ونجاحها لا يتعارضان مع جمالها، جسدا رشيقا ووجها مرحا وعينين تغرفان من الحياة وشعرا يتطاير مع النسمات.. والمجتمع الذي تنعزل فيه النساء عن الرجال مجتمع متخلف ومفاهيمه رجعية وأمراضه كثيرة ويجب أن نحاربه ونبعد الناس عنه لا أن نذعن لضغوطات أو أحداث صغيرة كحجاب مذيعة.. عدت إلى هدوئي وابتسامة صغيرة متوجها إلى سمر فقلت: أذا ليس في الأمر مشكلة.. تتحجبين أيام السبت والاثنين والأربعاء وتخلعينه في باقي الأيام وخاصة في عطلة نهاية الاسبوع والمناسبات.. وأضحك.. وتضحك سمر وهي تحاول انتزاع مظاهر الخوف عن وجهها وتقول: - طيب لماذا تشجع المعلمات زميلاتي المحجبات وتباركن ما فعلت خديجة بن قنة ؟ أرى أنهن على خطأ.. حتى وهن محجبات لا يجب أن يفرضن رأيهن على الأخرين.. وخديجة كانت أجمل بدون حجاب.. وأنا شاهدت أعمال ممثلات مصريات قبل الاعتزال والتحجب.. كن جميلات ولذيذات.. أنا لا أفهم وهناك الكثير من التساؤلات والالتباس.. أريدكم أن تشرحوا لي كل الأمور.. ممكن بابا؟ - طبعا يا ابنتي سنفعل ولكن ليس الآن.. ارتاحي قليلا ثم قومي إلى دراستك.. سنخطط لبرنامج ممتع في عطلة نهاية الاسبوع.. جهزي نفسك.. لم تتحجب سمر بالطبع لا بل إنها أعربت مساء عن اشمئزازها من تحجب المذيعة المذكورة عندما شاهدتها على شاشة التلفزيون.. قالت: الإنسان خلقه الله لكي يتباهى بجمال شكله ولا شيء يعيب في إظهار حسنات الوجه والشعر..سأقول لزميلاتي إن القضية شخصية ولا يجب أن تسخرن من السفورات كي لا تسخر السفورات من حجابكن.. في الليل كان المشاهدون العرب على موعد مع برنامج روجت له مسبقا قناة "المستقلة" العربية تحت عنوان "حجاب خديجة بن قنة والسجال العالمي حول مسألة الحجاب".. كان البرنامج الوحيد على شاشات الفضائيات العربية الذي أثار هذا الموضوع باستضافة طرفين متناقضين تماما من حيث الخلفية الفكرية والثقافية.. لا أدري إن كانت السيدة المعنية بهذا السجال المصطنع والمثير قد استشيرت وأعربت عن موافقتها في أن تكون بطلة لهذا السجال المتعدد الحلقات والحي على الهواء مباشرة من لندن مع إمكانية مشاركة المحظوظين أو المتفق معهم في الحوار سعيا من إدارة القناة لإضفاء طابع "الجماهيرية" على ملفهم الساخن.. ولا أعرف مدى تجاوب "جماهير" قناة "المستقلة" مع طرح هذا المحور خاصة وأنه يمس شخصية معروفة تطل يوميا على المشاهدين العرب الذين، على ما أعتقد، قلة منهم كانو قد اهتموا لسفور خديجة أو حجابها.. وبغض النظر عن مشروعية هذا السجال المفتوح وعن أخلاقيات تناول قضية من هذا النوع مع بطلتها في إطار محدد ظاهريا ومتسع الخلفية، فإن البرنامج وصل إلى مبتغاه الرئيسي الأول وهو إثبات أن الشارع العربي بشقيه الوطني والمهاجر مقتنع بأن الحجاب فرض من فروضه (عز وجل) وأنه لا بد منه ولا غنى عنه لتفادي الفسق والرزيلة والزنى وغير ذلك من محرماته (سبحانه وتعالى).. لقد نجح البرنامج بتصوير "جماهير العرب والمسلمين" المكافحة من أجل "الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم العلمي" وا"لمعادية لأمريكا وللاستعمار والصهيونية" وقد اختاروا سلاحا واضحا وهو "الفكر الاسلامي" كما يراه السلفيون والوهابيون ودعاة العودة إلى الخلافة بكل ما في ذلك من "فروض محببة" أهمها "حجاب المرأة" و"عزلها عن الاختلاط بالرجال".. أحد ضيفي البرنامج المروج لحجاب المرأة المسلمة "عالم من علماءالاسلام" و"أكاديمي" معروف من أصل إيراني معارض للحكم الاسلامي (الشيعي!) في إيران وقابع في لندن بحجة اضطراره إلى اللجوء السياسي في بلد أقل ما قاله عنه بأنه (بلد الكفر والزندقة !) وهو الدكتور أبو المنتصر البلوشي.. الضيف المناقض كان السيدة العراقية "ناديا محمود" كممثلة لتيار الجماهير العراقية الوطنية المؤمنة بالعلمانية طريقا لإعادة بناء المجتمع العراقي المنكوب والمنهار بفضل ثلاثة عقود من "الرعاية الشخصية" لديكتاتور لم يعرف العالم مثله انتهت باحتلال سافر وضع الشعب العراقي في حالة لا يحسد عليها.. السيدة ناديا كاتبة تقدمية شيوعية الانتماء ومناضلة معروفة عالميا من أجل تحرر المرأة وقضايا الحرية والعدالة. الحوار بين شخصين متنافري الثقافة والانتماء إلى هذا الحد متوقع النتائج.. خاصة خلف طاولة ليست مستديرة. فمدير الحوار معاد للفكر الاشتراكي والعلمانية ولا يخفي قناعته المطلقة بالفكر الإسلامي وإن كان يحاول بين الحين والآخر إظهار موضوعيته تجاه تباين الآراء في قضية حجاب المرأة، موضوع البحث. البلوشي سخر الجلسة والموضوع لهدفين رئيسيين: الأول إثبات صحة كون حجاب المرأة المسلمة فرضا في الإسلام وتأكيد الضرورة الحياتية لذلك من خلال شواهده (نصوص من القرآن) وصوره (الحياة المختلطة والفساد الأخلاقي في الغرب مقابل الأسرة الإسلامية) وبالتالي تشجيع المحجبات على الاستمرار في تمسكهن بهذا الفرض (فالمرتدة إلى النار) وتشجيع السافرات للتحجب (فهو بداية الطريق إلى الجنة).. أما الثاني فهو اغتصاب أي رأي مخالف تحت حجة أن (الإسلام فقط هو الصحيح) و(نحن أصحاب الفكر الحق) و(العلمانيون كفرة ولا يحق لهم إبداء الرأي في مسائل التربية والأخلاق والدين) الى آخره.. حجج البلوشي وشواهده وآراؤه المتعصبة والرجعية ليست جديدة.. لقد اعتادت "المستقلة" على استضافته واعتدنا على سماع آرائه الانعزالية ومفاهيمه المتخلفة.. وعندما غاب البلوشي عن الظهور شخصيا في حوارات "المستقلة" استضيف هاتفيا لـ "يثري" الحوار بمقولاته العجيبة.. البلوشي يرى بأنه (ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهم) و(الشيطان يغوي) و(غوايته تقود الى الزنى حتما) و(الاختلاط خطير فالمرأة والرجل كما النار والبارود) و(المجتمع الأوروبي فاسد بسبب الاختلاط) و(سفور الاوروبيات أنجب ملايين اللقطاء) الى آخره!! .. تحدث البلوشي عن المرأة في الاسلام إذ (لم يعرف التاريخ مجتمعا أو فكرا أنصف المرأة كما فعل الإسلام).. وما جاء من(رب العالمين) هو الصحيح الذي لا يقبل التغيير وهو لمصلحة المرأة وعفتها.. فـ (المرأة كالذهب أوصانا ديننا الحنيف بالحفاظ عليها كما نـخبيء الذهب من السارقين) و(هي مطالبة بالحفاظ على ...) كي لا يغضب (سبحانه) فيذهب الرجال ضحية للانحلال الخلقي... أما عن المساواة فالاسلام (ساوى بين الرجل والمرأة!) ولكن (هناك فرقا بين المساواة الروحية والمساواة المادية التي دعى إليها الفكر الاشتراكي الساقط).. ولم يتكرم علينا السيد البلوشي بتفسير ما جاء (من السماء) يقول بأن (المرأة ناقصة عقل ودين) و (للرجل مثل حظ الأنثيين) و (ما ملكت أيمانكم) الخ .. الخ .. السهرة مع العالم البلوشي مقيتة.. أسفت مع زوجتي لإضاعة وقتنا وإثارة أعصابنا.. أسفنا أكثر لرداءة البيئة التي حشرت فيها سيدة محترمة مع متخلف معوق اتخذ من الهوس الديني منهجا وظفه لجهة مجهولة أحد أصغر أهدافها إظهار العرب والمسلمين وقد أحاطوا أنفسهم بجدران صلبة من المقولات والثوابت والمفاهيم الخاصة مما هو كاف لاتهامهم بالانعزالية والتعالي على الآخرين وتكفير من ليس مسلما وهدر دماء من (ينال من دين الله).. لم يكن في البرنامج أي متسع لحوار علمي بطريقة متحضرة.. كان الأمر مهاترة وهجوما عنيفا على الفكر العلماني، عدو العرب والإسلام. لو سألتني السيدة ناديا مثلا عن رأيي في قبولها المبارزة مع البلوشي لنصحتها بالرفض.. الحوار فن يتقنه الأكاديميون والعلميون وليس متوقعا من الغيبيين فعله مع الآخرين والمهاترة السفسطائية عمل أحمق لا يتقنه الأكاديميون والعلميون بينما يتلذذ بفعله المتعصبون وأصحاب الرؤى الضيقة والأنانية .. هل رأيتم البلوشي والكاتب وآخرين في "الحوار الصريح بعد صلاة التراويح في مواضيع السنة والتشيع" على شاشة "المستقلة"؟.. اختلف المتناظرون في كل شيء ولم يتفقوا على شيء عدا العداء لمن ليس مسلما!! كيف لسيدة علمانية مسلحة بثقافات إنسانية رفيعة أن تخوض حوارا سفسطائيا مع شخص جاء ليفرض آرائه لا ليتبادلها مع الآخرين أملا بالوصول إلى صيغ التقاء، بينما جاءت هي لتحدث المشاهدين عن وضع المرأة في ظل النظم الديكتاتورية والمستبدة واللاإنسانية وعن استغلال النظم الرأسمالية والمتخلفة على حد سواء للمرأة وجسدها ومصادرة حرية التقدميين المناضلين من أجل العدالة والتقدم الاجتماعي باستخدام كافة الوسائل من المفاهيم الدينية إلى ثقافات الاستهلاك والترويج واصطناع فرص عمل مبتذلة لا تختلف عن البطالة في شيء. البلوشي وأمثاله لا يرون الأمر إلا من خلال الدين، وحصرا كما يفتون الظواهر والأشياء على ضوء ثوابته، وبالتالي فهم نقيض جلي للعلم ولأبسط مباديء التطور الاجتماعي.. والحجاب الذي دار سجال (الهاشمي) حوله ليس سوى واحد من شروط المتخلفين على المجتمعات العربية والإسلامية كي يرضوا عنها. وما من شك أن قائمة الشروط كبيرة وكبيرة جدا .. إن أسهلها الحجاب .. عندما حاولت السيدة ناديا محمود إلقاء بعض الضوء على قضايا المرأة التي تفوق أهمية مسألة حجابها قابلها البلوشي بالمزيد من الإصرار على أطروحاته المتخلفة ومفاهيمه البالية فلم يصل المشاهد الواعي إلى شيء. المتصلون (وليس في الأمر مفاجأة) حيوا البلوشي دون الضيفة الأخرى وهنأوا خديجة بن قنة على حجابها متمنين للأمة كلها حجابا يعيد لها أمجادها المسلوبة وعزتها ورفعة شأنها.. مهزلة العرب في فكرهم !! ربما كان الحوار الأعرج قد أظهر البلوشي منتصرا، نظرا لجعجعته وصوته العالي ونبرته الخطابية، وربما تطابقت أحلامه والواقع الرديء في بلدي المنكوب، وقد انتشرت في زواياه المتعفنة وبين حطام أبنيته المنهارة فوق رؤؤس أيتامه وأرامله ثقافة الحجاب والاستسلام إلى إرادته (عز وجل).. ربما تصاعد المد الرجعي واليميني وتوسعت رقع انتشار أفكار البلوشي والكاتب وأمثالهم إضافة إلى تكريس الأفكار العدائية العربية والإسلامية للغرب ولحضارات الآخرين عبر وسائل متنوعة وقنوات تلفيزيونية مثل "المستقلة".. ولكنني أرى أن انهيار نظام صدام حسين وانهيار العقلية الانعزالية ومعها أجهزة القمع والهمجية كفيل بأن يراجع الناس حساباتهم على أسس حضارية وبمنطلقات علمية تنسجم مع مفاهيم العصر وتخرج عقولنا من جحورها الضيقة.. الحديث عن الحجاب الذي اتسع نطاقه في السنوات الأخيرة لم يأت من فراغ.. إنه نتيجة لتخوف دعاة الإنعزالية من العولمة.. لقد اتهمت العولمة الثقافية ظلما بأنها ستروج للفسق والانحلال فعاد المحافظون إلى نصوصهم يستشهدون بها على ما يرونه فرضا واجبا ورادعا يحمي به الأب أسرته من خطر مظاهر الغزو الثقافي. والإجحاف الكبير الذي أظهرته فتاوى المدافعين عن خصوصيتنا الشرقية المحافظة نال من الجوانب الإيجابية للإنفتاح الثقافي العالمي وخطط لحرماننا من تجارب الآخرين وكرس انعزاليتنا وعنجهيتنا غير المنطقية كما أنه مسخ تطلعات العرب إلى مجتمع مدني متحضر تسوده العدالة والحرية. هل يحق لأصحاب عقيدة ما أو فكر خاص أن يفرضوا على المجتمع رؤاهم ومفاهيمهم مستخدمين حججا أو مراجع أو نصوصا أعيد تفسيرها محرضين على من يخالفهم الرأي؟ لا تفرض العولمة ثقافات معينة على الآخرين بل تعرضها للتبادل فإن كان لقوم خصوصية يعتزون بها فلهم الحق بعرضها دون مصادرة حق الآخرين .. ولن يسود في النهاية إلا الصحيح إذا كانت بيئة العولمة إيجابية وتحفظ للجميع حقوقهم. أما أن أحاول فرض معتقدي بالقوة أو بهدر دم الآخرين بحجة كفرهم بها فهذا لا يجوز ولن يفلح. إن إظهار الإنتماء العقيدي بشكل يميز المنتمي جهارا هو محاولة لفرض حالة التميز عن الآخرين والإنعزال عنهم. ما رأيكم بأن يضع كل فرد على رأسه قبعة كتبت عليها جنسيته ودينه وطائفته وحزبيته؟؟!! أليس الحجاب على الرأس طريقة لإظهار الإنتماء الديني؟ هل من المقبول أن يبدي بوذيو وبوذيات الصين وجيرانها انتماءهم الديني على رؤؤسهم والهندوس والمسيحيون وآخرون من عشرات الديانات الإفريقية والهندية والمكسيكية ؟؟... ألا يخلق ذلك حالة من التمايز وبالتالي التوتر الديني والعرقي والطائفي دفعت البشرية ملايين من أبنائها ضحايا قبل أن تصل إلى مبادىء التعايش السلمي والتعاون الدولي ؟ أما أن يكون الحجاب أحد خصوصياتنا الثقافية ونريد عرضه على الآخرين علهم يرضون به ضمن مفهوم (نأخذ ونعطي) فما رأيكم في ما تخطط له إحدى دور الأزياء الباريسية في إطار برامج عولمة الأزياء يقضي بنشر تقليعات مبتكرة من أزياء خاصة بشعوب العالم على أساس سنة لكل زي.. فإذا جاء دورنا انتشر الحجاب زيا تقدم عليه نساء الكرة الأرضية وتبطل موضته بانقضاء العام!! ليت ذلك يتحقق. بعدها سنرى السيدة ناديا محمود تحاور مثقفين وسياسيين في قضايا الوطن وهمومه وفي سعادة الأطفال والصحة والتعليم وتطوير الأسرة والمجتمع وفي علاقتنا مع أشقائنا وجيراننا والآخرين.. وبعدها سنرى الدكتور نبيل سليمان في ندوة تجمعه مع شعراء وأدباء ومبدعين يتحدثون في الأدب والمسرح والفنون التشكيلية بجو هاديء ناعم وفي بيئة حوار بناء .. وسيغيب عن هذه الجلسات البلوشي وأحمد الكاتب والدمشقي والرفاعي والسباعي والقرضاوي والبنلادنيون جميعا.. ولن يضيع وقتنا جزافا في مواضيع تافهة كحوارات "المستقلة" وقريبا سنرى فتياتنا وقد أظهرن للشمس حسنهن وهن يتمخترن في شوارع السلام والمحبة وفي بيئات العمل المختلطة المحترمة والمنتجة دونما خوف أو تردد وسيشاركن الشباب في العمل والفكر والرياضة والسياسة والأدب والفن والإبداع والعمل الثوري ومناهضة الاستعمار والاستغلال وسيكون لهن الدور الأكبر في بناء الوطن وتطوير المجتمع وقبول العولمة بلا حجاب وصناعة الحضارة والسلام.. وسنرى شبابنا يخالطون الفتيات وينظرون إليهن بكل مودة واحترام وحب دون عدائية أو خوف من ضعف ذكوري اتهموا به أو لقنت بعضهم إياه برامج المتخلفين ووثائقهم.. وستثبت الشعوب العربية الحرة أنها قادرة على نبذ التخلف والعنف والسلوك الأناني وأنها محبة للسلام وللتعاون بين الشعوب وللإنفتاح على حضارات الآخرين باحترام وأنها ساعية إلى التقدم الإجتماعي والتطور العلمي وإلى التخلي إلى الأبد عن مقولات رجعية بالية وعن مقومات ومظاهر الحضارة الذكورية المتخلفة..
#عبد_الحسين_الفارسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
الموقف الإسلامي من المرأة بين الاجتهادات المغلوطة والأنانية
...
/ جمعة الحلفي
-
بدون المرأة لن تكون الثورة وبدون الثورة لن تتحرر المرأة
/ جبهة التحرر الشعبي الثوري - تركيا
المزيد.....
|