أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - خليل اندراوس - تطور الإشتراكية من طوباوية إلى علمية: ماركس من الطوباوية إلى العلم















المزيد.....

تطور الإشتراكية من طوباوية إلى علمية: ماركس من الطوباوية إلى العلم


خليل اندراوس

الحوار المتمدن-العدد: 2208 - 2008 / 3 / 2 - 10:45
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


عبر التاريخ يحلم الناس بمجتمع يخلو من الإضطهاد والتفاوت الإقتصادي والإجتماعي وانقضت مئات السنين وزالت دول وشعوب، ولكن حلم الإنسانية، بمجتمع المساواة التامة والعدالة الحقيقية ظل يعيش في ذاكرتها، كحلم لم يتحقق.
فمنذ انتفاضات العبيد العديدة في القرون الغابرة (إنتفاضة سبارتكوس) وإنتفاضات جماهير الفلاحين المظلومين في القرون الوسطى، وشتى المذاهب الإجتماعية والدينية، كانت تعبر عن الأحلام بالمساواة الإجتماعية وبناء مملكة الحرية.
ولكن هذه الأحلام كانت غامضة جدا، وكان لا بد للبشرية أن تمر بدرجات من التطور لكي تدرك أنـّه لا يمكن التوصل إلى المساواة الإجتماعية والإقتصادية إلا بالقضاء على الطبقات.
أما القضاء على الطبقات، فقد كان يعني قبل كل شيء تصفية الأساس الإقتصادي لوجودها، أي علاقات الملكية الخامه. ولكن الظروف والشروط الضرورية لهذا الغرض لم تظهر إلا مع تطور التشكيلة الإجتماعية الإقتصادية الرأسمالية.
وقد كتب إنجلز بهذا الخصوص! فان عدم نضوج الإنتاج الرأسمالي وعدم نضوج العلاقات الطبقية قد قابلتها نظريات غير ناضجة. فإن حل المعضلات الإجتماعية الذي كان ما يزال في طيات العلاقة الإقتصادية التي لم تنضج وتكتمل قد لـُفـِّق في الدماغ تلفيقا (ماركس وإنجلز المجلد 19 ص 194)، (إنجلس الإشتراكية الطوباوية والإشتراكية العلمية). وأصحاب "هذه النظريات غير الناضجة" وشتى دروب الطوباوية قد بدأوا ينتقدون قروح وأمراض وعيوب الرأسمالية منذ القرن السادس عشر. وكثيرون منهم كانوا يفهمون بصورة صحيحة أن الملكية الخاصة لوسائل وأدوات الإنتاج هي أساس التفاوت الإمتلاكي والإجتماعي.
وقد كتب توماس مور في سنة 1516 في كتابه "أوطوبيا":
"حيث توجد الملكية الخاصة، حيث يقاس كل شيء بالنقود، من المشكوك فيه أن يكون من الممكن ذات يوم أن تجري شؤون الدولة بصورة صحيحة وناجحة.
ولهذا إنطلق كبار المفكرين من أمثال الإنجليزي توماس مور والإيطالي توماسو كامبانيلا والفرنسيين ميليه ومايلي وبابوف وأتباع بابوف (القرن السادس عشر-القرن الثامن عشر)، وفيما بعد كبار الإشتراكيين الطوباويين أوين وشان سيمون وفوريه، في مشاريعهم وتصاميمهم لبناء دولة المستقبل، دولة العدالة اإجتماعية ومملكة الحرية، على أساس تنظيم الحياة الإجتماعية على اساس الملكية العامة.
وفيما بعد إستفاد مؤسسا الشيوعية العلمية من أفكارهم وطوراها. ولكن رغم عقرية بعض الإستنتاجات والتخمينات، كانت نظرات أسلاف الشيوعية العلمية تتسم إجمالا بطابع طوباوي ولم تكن تعبر إلا عن ضرورة القضاء على التفاوت الإمتلاكي والإجتماعي. ولم تكن سبل القضاء على هذين التفاوتين ولا وسائله واضحة لهم.
ولم يفهم سان سيمون وفوريه وأوين دور البروليتاريا التاريخي.
وقد كتب إنجلس حول هذا الموضوع ما يلي: "يتصف هؤلاء المفكرون الثلاثة بصفة مشتركة هي كونهم لا يدعون بتمثيل مصالح البروليتاريا التي كانت قد تكونت تاريخيا في ذلك الوقت. وعلى غرار المنورين لا يتزعون الى تحرير طبقة إجتماعية معينة قبل غيرها، بل إلى تحرير الإنسانية بأسرها دفعة واحدة ...".
ولهذا كانوا يتوجهون على الدوام إلى المجتمع بأسره وإلى حكامه في المقام الأول، متوقعين منهم الموافقة طوعا وإختيارا على لتحويل المجتمع على أسس إشتراكية.
كذلك انعكست المحدودية التاريخية للافكار الطوباوية (القرن السادس عشر-القرن الثامن عشر) في الدفاع عن المساواة التامة في التوزيع وفي الإستهلاك وفي الدعوة إلى التقشف إلخ ....
وقد تغلبت الماركسية العلمية على جوانب الضعف في المفاهيم السابقة ولكن الشيوعية لا تزال الآن في تصور الناس الجهلة بالماركسية، عبارة عن مجتمع يعمم فيه كل شيء بما في ذلك الزوجات، وتسود فيه السوائية العامة، ولكن هذه الافكار الفظة والسوائية، والمشوهة والمبتذلة لا تمت بأي صلة إلى الماركسية العلمية.
إن مسائل غاية الإنسان ومغزى حياته قد شغلت بال ماركس منذ فتوته. وفي فترة الدراسة في المدرسة تم في الجامعة طالح الكثير، بتهم وتأمل. وقد أولى ماركس دراسة تاريخ الفلسفة قدرا كبيرا من الاهتمام. ومعلوم أن الفلسفة السابقة للماركسية كانت قد بلغت ذروة تطورها في شخص هيغل.
فإن هذا الفيلسوف العبقري المثالي إستطاع أن يبيّن أن فكرة التطور الدائم، اللامتناهي، الديالكتيكي – الجدلي، تتخلل كل تاريخ المجتمع والطبيعة.
قال هيغل: "أن لا شيء معطى مرة واحدة وإلى الابد، لا شيء ثابت ومقرر نهائيا، وأن كل شيء سواء في الطبيعة أو المجتمع، يولد وينضج ويموت بلا إنقطاع، مخليا المكان للجديد".
ولكن هيغل، لم يكن منسجما في تطبيق فكرة التطور على المجتمع البشري، فقد أعلن أن المـَلكية البروسية المعاصرة لهُ، التي كانت آنذاك من أشد الأنظمة إيقالا في الرجعية، هي نموذج كمال الدولة. بيد أن تلامذته اليساريين، الهيغليين الشباب وماركس الشاب لم يوافقوا معه.
فدراسة ماركس للفلسفة والتاريخ العالمي، وبخاصة تاريخ الثورة البرجوازية الفرنسية الكبرى في أواخر القرن الثامن عشر، ومؤلفات المنورين ديدرو وروسو وغيرهما، ومراقبة النزاعات الإجتماعية في عصره، قد حملت ماركس على أن يفهم أن التاريخ إنما يحركه صراع الطبقات وأن كل طبقة تدافع في هذا الصراع عن مصالحها. ولهذا تفقد البرجوازية، إذ تصل إلى الحكم، دورها التقدمي، الثوري. إن مصلحة البرجوازية الحفاظ على الملكية التامة، أما مصلحة البروليتاريا فهي بالعكس، في القضاء على هذه الملكية، لأنه ليس للبروليتاريا أية ملكية، وأنها لا تفعل بعملها غير أن تكثر ملكية البرجوازية وتعزز بالتالي سلطتها.
ونضال البروليتاريا من أجل تحررها يجب أن يصبح نضالا من أجل تحرير المجتمع كله، الشغيلة كلهم.
وهذا النضال تنجزه الثورة البروليتارية التي تدك وتقضي على نظام الملكية الخاصة، وترسي الأساس لأجل بناء مجتمع جديد هو مجتمع المساواة التامة والحقيقية، الكتاب المشترك الأول لماركس وإنجلز "العائلة المقدسة" صاغا فيه نظرتهما إلى التاريخ بوصفه "نشاطا" إنسانيا (ماركس إنجلز – المجلد 27 ص5. رسالة إنجلز الى ماركس عام 1844). وفي هذا الكتاب تحليل جدلي للتناحر بين البروليتاريا والبرجوازية في المجتمع الرأسمالي. إن البروليتاريا والبروازية هما عبارة عن وحدة ما، ذلك أنهما نجمتا عن النظام الرأسمالي.
وفي هذه الوحدة المتناقضة تمثل البرجوازية الجانب المحافظ لأن لها مصلحة في صيانة الأوضاع القائمة.
وكتب ماركس: "إن البروليتاريا تنفذ الحكم الذي تصوره الملكية الخاصة على نفسها بنفسها بولادة البروليتاريا مثلما تنفذ الحكم الذي يصوره العمل المأجور على نفسه بنفسه بإنتاج الثروة للغير والفقر لنفسه (ماركس إنجلس المجلد 2 – ص39).
وكتب إنجلز يقول: "سيكون المجتمع الشيوعي الذي لن تكون فيه "مصالح مختلف الأفراد مضادة بعضها لبعض، بل موحدة". ولن يكون مكان للإستئتار بالخيرات الحياتية المنتجة، وسينضبط الإنتاج "وفقا للحاجات" وهذا يعني أن أزمات فيض الإنتاج ستزول.
وهذا التطور سيكون امرا حتميا للتطور التاريخي والإقتصادي للمجتمع.
وأكد إنجلز وماركس بأنه في سياق النضال الطبقي، تدرك البروليتاريا تدريجيا ضرورة أشكال أرقى للتنظيم والتلاحم، وضرورة إنشاء حزب سياسي مستقل. ويؤكد إنجلز أن أحد الشروط الحاسمة لإنشاء الحزب وتوطيده هو الجمع بين الحركة الثورية الجماهيرية للطبقة العاملة وبين النظرية الإشتراكية، أي نظرية من شأنها أن توضح للبروليتاريا مغزى نضالها، وأهدافه وآفاقه، وتبعث فيها الثقة في إنتصارها النهائي.
بعد ذلك قام الصديقان ماركس وإنجلز بانتقاد الفلسفة الألمانية بعد هيغل، من خلال كتاب "الايديولوجية الالمانية" الذي نشر عام 1846.
في هذا الكتاب أوضح ماركس وإنجلز : "لا يمكن البتة تحرير الناس ما داموا لا يستطيعون أن يؤمنوا لأنفسهم كليا، على الصعيد الكمي والنوعي، الغذاء والشراب والمسكن واللباس".
كما كتب مؤلفا الكتاب: "في المجتمع البرجوازي تنبثق طبقة تضطر إلى تحمل جميع أعباء المجتمع دون أن تستفيد من خيراته .. وينطلق من وعي ضرورة الثورة الجذرية".
وهذه الثورة الشيوعية ليست ضرورية لأجل الإطاحة بالنظام الإجتماعي القديم القائم على إستثمار عمل الغير وعلى الإستئثار بمنتجاته وحسب، بل ضرورية كذلك لأجل تغيير الناس أنفسهم وتأمن الظروف لأجل تطور الإنسان في جميع النواحي، لن الطبقة المطيحة (أي البروليتاريا) لا تستطيع إلا في الثورة أن تخلع عنها كل الخساسة القديمة وتصبح قادة على بناء أساس جديد للمجتمع (ماركس إنجلز المجلد 3- ص 70).
الفهم المادي للتاريخ المعروض في "الأيدولوجية الألمانية" والذي يبين بصورة مقنعة ومنسجمة كيف يؤدي نمو القوى المنتجة إلى نشوء وتطور نمط حياة إجتماعية آخر، وكيفتنشأ مع نشوء الصناعة الكبيرة والبروليتاريا، المقدمات لتحويل المجتمع على أسس الشيوعية، قد اتسم بأهمية بالغة بالنسبة للحركة العمالية.
في تشرين الثاني عام 1831، فوق ليون، المركز الصناعي الكبير في فرنسا، رفعت راية سوداء طرزت عليها، كلمات حافلة بالدرامية واليأس الذي لا حد لهُ! "العيش مع العمل أو الموت مع الكفاح".
كانت هذه اول ثورة في التاريخ قامت بها البروليتاريا. حيث اضطرت الحامية العسكرية المحلية إلى التخلي عن المدينة للثوار العمال.
وبعد عشرة أيام فقط، سحقت القوات المسلحة المرسلة من باريس "فصائل العمال الثوار، وأغرقت الإنتفاضة العمالية في بحر من الدم. وانتهت بالهزيمة أول انتفاضة مستقلة للعمال في التاريخ.
فيما بعد هذه الإنتفاضة كتب الاشتراكي الفرنسي لويس بلان يقول: "نظرا لقوة الحركة التي كشفها هؤلاء العبيد المحاصرون كان من السهل التكهن بالعواصف التي ينطوي عليها القرن التاسع عشر في أحشائه".
وكتب أحد أيديولوجيي الطبقة البرجوازية الحاكمة ويُدعى مونفالكون، شاهد عيان على انتفاضتي ليون في سنة 1831 وسنة 1834 تنبأ بأن "تحول العمال إلى طبقة سياسية سيكون، وهذا سيكون، من أقرب العواقب المشؤومة لأحداث تشرين الثاني" (أي إنتفاضة العمال).
وكتب يقول: "سيظهر أناسيقولون للعمال: "أنتم لا تهرقون عرقكم إلا لفائدة الأغنياء، الصناعيون هم أعداؤكم الطبيعيون. أنتم تتشكون، أنتم تعساء، ولكنكم الأكثر تعدادا والأوفر قوة، إتحدوا".
وفقط بعد مرور أقل من عشرين عاما قام ماركس وإنجلز بكتابة البيان الشيوعي الذي رفع شعار "يا عمال العالم اتحدوا".
وفي البيان الشيوعي الصادر عام 1848 أكد ماركس على أهمية وضرورة أن يكون للطبقة العاملة حزبها السياسي الخاص.
وفي البيان الشيوعي أعطى ماركس وإنجلز تعليلا إقتصاديا لرسالة البروليتاريا التحريرية التاريخية العالمية وأوضحا قائلين: "وليس بين جميع الطبقات التي تقف الآن أمام البرجوازية وجها لوجه إلا طبقة واحدة ثورية حقا، هي البروليتاريا. فإن جميع الطبقات الأخرى تنحط وتهلك مع نمو الصناعة الكبرى. أما البروليتاريا، فهي على العكس من ذلك، أخص منتجات هذه الصناعة" (البيان الشيوعي ص 133).
وينتهي البيان الشيوعي بالكلمات الأبية، الحافلة بالحماسة الثورية والثقة في المستقبل "فلترتعش الطبقات الحاكمة أمام الثورة الشيوعية، فليس للبروليتاريا ما تفقده فيها سوى قيودها وأغلالها، وتربح من ورائها عالما بأسره".
"يا عمال العالم اتحدوا". (البيان الشيوعي ص 151) في كتاب "ضد دوهرنغ" يقول إنجلس "وكأية نظرية جديدة أخرى، لا بد أن تنطلق الإشتراكية، قبل كل شيء، من المادة الفكرية المتجمعة فيها، مع أن جذورها تمتد عميقا في الوقائع الإقتصادية" وهذا يعني التبعية الرئيسية والمحددة للقاعدة الإقتصادية الإجتماعية، والشروط النظرية من المادة الفكرية المجتمعة قبلها".
من هنا فالطوباوية كانت مشروطة تاريخيا، أي أداء مؤسسي الإشتراكية الطوباوية كانت تقابل حالة الإنتاج الرأسمالي غير الناضجة والعلاقات الطبقية غير الناضجة، تقابلها نظريات غير ناضجة.
فالنظام الإجتماعي البرجوازي في بدايته أظهر النواقص وحدها، أما واجب العقل المفكر فهو إزاحتها، فتطلب ذلك تصور نظام إجتماعي جديد أكثر تكاملا وفرضه من الخارج على المجتمع الموجود بواسطة الدعاية، أو الإقناع أو التجارب النموذجية أو الخيالات "أوطوبيا" ولذلك كان محكوما على هذه النظريات أن تبقى طوباوية.
والشيء المشترك بين الممثلين الكلاسيكيين الثلاثة للطوباوية – سان سيمون وفورييه وأوين – هو العقيدة المثالية، وبدقة أكثر هو الفهم المثالي للتاريخ.
"فمن أجل تحويل الإشتراكية إلى علم، كان من الضروري، وقبل كل شيء، وضعها على أأرضية واقعية".
ويضيف إنجلز، في تحليله عملية تكوين المقدمات النظرية للإشتراكية العلمية، إلة واحدة من أهم موضوعاته – عن الإكتشافين العظيمين لماركس.
فيقول: "إننا مدينون بفضل هذين الإكتشافين العظيمين – الفهم المادي للتاريخ، وتعرية سر الانتاج الرأسمالي بواسطة القيمة الزائدة"، الى ماركس. وبفضل هذين الإكتشافين يقول إنجلز أصبحت الإشتراكية علمية.
أولا: الأساس النظري للإشتراكية العلمية هو: 1- المنهج الديالكتيكي (الجدلي). 2- الفهم المادي للتاريخ. 3- نظرية القيمة الزائدة.
ثانيا: الاشتراكية العلمية هي التعبير النظري لحركة البروليتاريا. وتعبر عن مصالح البروليتاريا الصناعية.
ثالثا: الإشتراكية العلمية هي ناتج متميز لعصر الصناعة الكبيرة وكان ظهورها مستحيلا في أي عصر آخر.
هذه هي الممهدات النظرية والطبقية والإقتصادية للإشتراكية العلمية.
فالمادية الماركسية بإختلافها عن المادية الميتافيزيقية، لا تكتفي بالتأكيد على أن الوجود يحدد الوعي. بل أن بينهما تأثيرا متبادلا ويكون الوجود المادي وسيبقى الجانب المحدد الأول لـَهُ.
ففي كتاب "ضد دوهرنغ" وضع إنجلز صياغة جوهرية جديدة للنهج المادي للتاريخ.
وإنطلاقا من الديالكتيك المادي، يطور إنجلز في هذا الكتاب فكرة "الحرية كضرورة مدركة"، ويخرج باستنتاج يقول، إنـّه بواسطة القوى المنتجة الحديثة فقط "يصبح من الممكن، لأول مرة، التحدث عن الحرية الإنسانية الحقيقية، عن الحياة في توافق مع قوانين الطبيعة المـُدْرَكة".
ويقول: "هذه هي قفزة الإنسانية من حكم الضرورة إلى حكم الحرية".
يعني من حكم الضرورة العمياء الى حكم الضرورة المُدرَكة. يعني – الإنتقال من العفوية إلى الوعي، ومن الخضوع الأعمى لقوانين الطبيعة العمياء إلى السيطرة عليها، والإنتقال النهائي إلى المجتمع الإنساني الحقيقي. فالحرية هي ضرورة مدركة. الحرية لا تـُقصي الضرورة، بل وكأنما ترتفع فوقها كالبناء الفوقي على القاعدة.
وعندما كتب إنجلز في كتابه "ضد دوهرنغ" عن الحرية والضرورة، فإنـّه لم يكن يعرف، أن ماركس قبل ذلك يعيش سنوات وفي مخطوطة المجلد الثالث من "الرأسمال" قد طور جوهريا هذه النظرية ذاتها: "يبدأ حكم الحرية في الواقع فقط حين يتوقف العمل الذي تفرضه الحاجة".
"فالإنتاج المادي – هو حكم الضرورة الطبيعية، "والحرية في هذا المجال يمكن أن تكمن فقط في أن الإنسان الجماعي والمنتجين المتحدين يضبطون تبادل الأشياء هذا مع الطبيعة، ويضعونه تحت رقابتهم العامة بدلا من أن يسيطر عليهم كقوة عمياء .. ولكن هذا على كل حال يبقى حكم الضرورة. وفي الجانب الآخر منه يبدأ تطور القوى الانسانية الذي هو الغاية الذاتية، لحكم الحرية الحقيقية، والتي مع ذلك يمكن أن تزدهر في حكم الضرورة هذه فقط، وكأنها في قاعدتها".
ولذلك عند الإنتقال إلى مجتمع المستقبل، مملكة الحرية الإنسانية، المجتمع الشيوعي، تكون العلاقة بين الوعي الإجتماعي والوجود الإجتماعي كالعلاقة بين الحرية والضرورة، وذلك لأن الحرية بالذات هي ضرورة مدركة ومثلما يكون الوعي وجودا مدركا.
إن الوعي وبمعناه المحدد، يصبح محددا للوجود. وهذا لا يعني أن يتوقف الوجود من تحديد الوعي، وفي نهاية الأمر يبقى (أي الوجود) دوره الحاسم.
(الحرية يمكن أن تزدهر على قاعدة الضرورة فقط). ويبقى تأثيرهما المتبادل (أي الوعي والوجود) على أساس الدور المحدد للوجود، والذي يتغير هو طبيعة تأثيرها المتبادل فقط.
واستنادا إلى الحل المادي الديالكتيكي لمسألة الحرية والضرورة يتنبأ إنجلز أن الإنسان يسيطر في المستقبل ليس على قوى الطبيعة وحدها بل على قواه الإجتماعية أيضا، ويصوغ هذا الإستنتاج في أهم موضوعة ماركسية عن مجتمع المستقبل المجتمع الشيوعي: "يبدأ الناس إبداع تاريخهم بأنفسهم بكل وعي".
هكذا تطورت الإشتراكية من طوباوية إلى علمية.





#خليل_اندراوس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من -الخطر الشيوعي- إلى -الخطر الإسلامي- - خدعة الإعلام الرسم ...
- نقد يهودية الدولة من وجهة نظر ماركسية
- العراق- مذبح هيمنة رأس المال وكهنة الحرب
- الماركسية فلسفة إنسانية
- الاشتراكية الطوباوية والاشتراكية العلمية
- الأهمية العالمية لثورة أكتوبر
- بعض أقوال هيجل وفلسفته السياسية!
- نقد الهيجلية من وجهة نظر ماركسية
- الفلسفة العقلانية لكانط واليسار الهيغلي
- محدودية مادية لودفيخ فورباخ ومثالية الديالكتيك الهيغلي ونهاي ...
- الأيديولوجية البرجوازية العنصرية والعداء للإسلام
- أصول ومكونات الفكر الماركسي - تتمة القسم الاول
- أصول ومكونات الفكر الماركسي- القسم الاول
- ألدور الرجعي لتشويه وعي الذات القومي
- ألمسألة الأساسية في الفلسفة
- ألحزب الشيوعي والجبهة وتحدّيات المرحلة الراهنة
- ما أصعب أن يعيش الإنسان بدون حلم
- مداخلة في نقد الخطاب والفكر السلفي
- مداخلة حول رسالة الحزب الشيوعي التاريخية .
- مداخلة حول رسالة الحزب الشيوعي التاريخية


المزيد.....




- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - خليل اندراوس - تطور الإشتراكية من طوباوية إلى علمية: ماركس من الطوباوية إلى العلم