وأخيراً ضيق الخناق على الدكتاتور الصغير وحصر في رقعة صغيرة لا تزيد مساحتها عن 2×2 متر, ثم ألقي القبض عليه في جحر لا تزيد مساحته عن مساحة قبر من قبور الدكتاتوريين, ومعه ثلاثة أرباع مليون دولار أمريكي وبعض الأسلحة الرشاشة ومسدس شخصي وحفنة صغيرة من حمايته البائسة.
خبر اعتقال الدكتاتور أطلق عفوياً المظاهرات الجماهيرية في جميع أنحاء العراق دون استثناء عبرت فيها الجماهير الشعبية عن سعادتها الغامرة, فما سبب هذه الفرحة وما مغزى إلقاء القبض على الرجل الذي أذاق الشعب العراقي مرّ العذاب والهوان والموت؟
هناك مجموعة من العوامل أو الأسباب التي تدعونا إلى منح نجاح عملية القبض على صدام حسين أهمية فائقة في هذه المرحلة المعقدة والصعبة من تاريخ العراق الحديث. ويمكننا تلخيصها بالنقاط التالية:
أولاً: كانت نسبة عالية من العراقيين في الداخل والخارج تعتقد بأن الولايات المتحدة, التي نصبت صدام حسين على رأس الحكم وساعدته طيلة العقود المنصرمة إلى حين تجاوز الخط الأحمر وعدوانه على الكويت, قد اعتقلت منذ فترة غير قصيرة صدام حسين وهربته إلى الولايات المتحدة لكي لا يمثل أمام المحاكم العراقية ويفضح وشائج العمل المشترك بينه وبين الإدارة الأمريكية خلال الأربعين سنة المنصرمة وابتداءاً من كسبهم له في القاهرة في الفترة الواقعة بين 1959-1963, أو أنهم قتلوا صدام حسين ودفنوه ولكنهم لا يريدون الإعلان عن ذلك لكي تتواصل مهمة التفتيش بهدف استمرار وجودهم العسكري والسياسي والاقتصادي في العراق. والآن وبعد أن اعتقل الدكتاتور سقطت هذه الحجة كلية, وهي إشكالية نابعة من حيث المبدأ من عدم الثقة بين الطرفين العراقي والأمريكي, وهي معروفة للجميع ولا تحتاج إلى شرح طويل أو تبرير.
ثانياً: وأن اعتقال صدام حسين ومحاكمته عراقياً سترفع الشك القائل بأن الولايات المتحدة تخشى من طرح كل العلاقات التي تجمع بينه وبين الإدارة الأمريكية, إذ أن قرار تشكيل محكمة خاصة لمحاكمته عراقياً ستبعد هذا الشك. إذ أن محاكمته ينبغي لها أن تتم في العراق, وهذا لا يتعارض مع تشكيل محكمة دولية أخرى في العراق أيضاً لمحاكمته بعد الانتهاء من محاكمته عراقياً لأن جرائمه وجرائم نظامه شملت العراق وخارج العراق, بما في ذلك الحروب وعملية إفساد الموظفين في البلدان الأخرى وتقديم الرشوة للسياسيين لدعم سياساته في العراق.
ثالثاً: كان الدكتاتور عبر حكمه الفعلي الذي قارب 35 عاماً قد استطاع أن ينشر, عبر سياساته التي مارسها إزاء الشعب والمعارضة والعلاقات الداخلية والعربية والإقليمية, الرعب في قلوب الناس وعقولهم, بحيث أصبح شبح صدام حسين يقلقهم ليل نهار ويشكل كابوساً مرهقاً لهم. وبالتالي كانت هذه الخشية تدفع المجتمع باتجاهات ثلاثة سلبية, وهي:
• محاولة الابتعاد عن قوات التحالف المحتلة خشية الاتهام بالتعاون معها وتعرضها لانتقام أتباع صدام حسين, كما حصل لعدد من البعثيين الذي تعاونوا مع سلطة الاحتلال.
• محاولة الابتعاد عن قوى المعارضة العراقية التي تعرضت في الآونة الأخيرة لمحاولات اعتداءات فعلية من جانب قوى نظام صدام حسين والقوى المنسقة معها خشية الانتقام منها.
• عدم المشاركة العامة في الفعاليات الجماهيرية لنفس الخشية العامة التي برهنت على فعاليتها, وهي تجسد الخوف الشديد الذي زرعته أجهزة الأمن والقوات الخاصة والحرس الجمهوري وفدائيي صدام حسين في نفوس العراقيات والعراقيين, خاصة وأن قوى صدام حسين قد قامت بعمليات اغتيال غير قليلة, بمن فيهم عضو مجلس الحكم الانتقالي السيدة عقيلة الهاشمي, أو السيد محمد باقر الحكيم واغتيالات أخرى كثيرة خلال الأشهر الثمانية المنصرمة.
وقد جمدت هذه المخاوف المشروعة نسبة مهمة من السكان من التفاعل مع الحياة السياسية والاجتماعية العراقية وعطلت طاقاتها وشجعت على المشاركة في الأعمال الاحتجاجية التي كانت تنظم من قبل أتباع صدام حسين لاعتبارات التزلف والخلاص من احتمال تعرضها لعمليات انتقام.
رابعاً: إن اعتقال صدام حسين أسقط في أيدي جميع أتباعه في الداخل ممن كان يأمل أن ينجح صدام حسين في تعبئة الناس خلفه, وبالتالي استعادة حكم العراق. فهي قد أحبطت حقاً ونهائياً مثل هذا الحلم غير الواقعي. ولكن هذا لا يعني بأن مجموعاته الإرهابية سوف لن تقوم بأعمال إجرامية انتقامية أخرى, ولكنها سوف لن تكون أكثر من صحوة موت والغريق الذي يتشبث بقشة لن تنقذه. ولكن صحوة الموت هذه ستقود عشرات الناس إلى الموت أو التعويق, وهو أمر ينبغي أن نحسب له الحساب المناسب ونتصدى له ونفشله.
خامساً: كما أن اعتقال الدكتاتور البغيض سيوقف إلى حدود غير قليلة عمليات التنسيق التي كانت تتم في المنطقة العربية بين القوى البعثية من أتباع ميشيل عفلق-صدام حسين, وبين القوى القومية المتطرفة والقوى الإسلامية السياسية المتطرفة في بيروت لتمارس نشاط أتباعها في العراق, وخاصة حصولها على المتفجرات والعتاد من أتباع صدام حسين ولا تحتاج إلى جلبها من الخارج. ويمكن أن يساهم هذا في الكشف عن مخابئ الأسلحة التي يستخدمها الإرهابيون حالياً.
سادساً: كما أن اعتقال صدام حسين سيوقف اندفاع القوى القومية اليمينية المتطرفة في العالم العربي في مهاجمة القوى السياسية العراقية أو في دعمها لقوى صدام حسين, خاصة وأن المحاكم يمكن أن تكشف عن أوراق جديدة ذات أهمية فائقة لإدانة واسعة لقوى وعناصر كثيرة على الصعد العراقية والعربية والإقليمية والدولية.
سابعاً: إن إلقاء القبض على صدام حسين سيقلل بالحتم من العمليات الإرهابية الموجهة ضد الشعب العراقي وقوات الاحتلال وتخريب المصالح العراقية من جهة, وسيسهم في الوصول إلى مواقع أخرى للقوى المخربة من جهة ثانية, وبالتالي سيفسح مجالاً واسعاً لإنجاز مهمات مرحلة الانتقال وتثبيت السلطة الوطنية العراقية وإنهاء الاحتلال كلية, وهو ما يسعى إليه الشعب العراقي.
ثامناً: ويحتل إلقاء القبض على صدام حسين أهمية فائقة في السياسة والمجتمع في العراق. وتنبثق هذه الأهمية من مثوله ومثول بقية الطغمة التي حكمت العراق أما المحاكم العراقية بهدف الوصول إلى عدة مسائل جوهرية:
• الكشف الواقعي عن طبيعة الاستبداد والقسوة التي مارستها الطغمة الحاكمة وعلى رأسها الدكتاتور ضد الشعب العراقي وقوى المعارضة للنظام, وبالتالي إدانتها شعبياً وتشريعاً بحيث تمنع بروزها ثانية في العراق. ومن هنا يفترض أن نعطي هذه المحاكمات أهميتها الحقيقية من خلال التبشيع الواقعي للدكتاتورية والقسوة ومكافحتها تربوياً وتعليمياً وثقافياً.
• الكشف عن المسؤولين الفعليين عن تلك الجرائم التي ارتكبت في العراق, سواء تلك التي مورست ضد الشعب الكردي والأقليات القومية في كردستان العراق, وخاصة عمليات مذابح الأنفال والأهوار وانتفاضة 1991 والحروب التي أشعلها في المنطقة والمسؤولين عن المقابر الجماعية والمنفذين لها..,. الخ.
• الكشف عن الأساليب التي استخدمت في اضطهاد وتعذيب وقتل بنات وأبناء الشعب العراقي على امتداد العقود المنصرمة وفي كل أنحاء العراق.
• والكشف عن العلاقات الداخلية والعربية والإقليمية والدولية التي دعمت سياسات نظام صدام حسين ومنحته الثقة والدعم لسنوات طويلة.
• والكشف عن الموارد المالية التي نهبت من خزينة الدولة العراقية على امتداد العقود المنصرمة والعمل على استعادتها, سواء تلك التي سجلت بحسابات خاصة أم بحسابات القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في الخارج (جماعات عفلق-صدام), أم في أية حسابات أخرى والعمل على استردادها, وكذلك الموارد المالية التي وضعت أمانة لدى دول أخرى.
• الكشف عن مشاريع إقامة وتطوير أسلحة الدمار الشامل في العراق.
تاسعاً: إن إلقاء القبض على صدام حسين يمكن أن يوقف, وهو أمل كبير يفترض أن نعمل من أجل تحقيقه, محاولات شق الصف الوطني العراقي باتجاهات عشائرية ودينية وطائفية خطيرة, حاولت بعض القوى التخريبية إثارتها من خلال تفجيراتها المختلفة خلال الأشهر المنصرمة,
عاشراً: وسيشجع إلقاء القبض على الدكتاتور الأمم المتحدة في أن تفكر مجدداً في إرسال هيئاتها وموظفيها إلى العراق, إضافة إلى المنظمات الدولية الأخرى ومنها الصليب الأحمر واليونسكو وأطباء بلا حدود والمديكو ...الخ, كما سيفتح أفقاً لتعاون دولي لصالح العراق.
من هنا يمكن القول بأن تحولاً مهماً وحاسماً سيحصل في موقف ووجهة الرأي العام العراقي لصالح مزيد من التعامل والتعاون والاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي والقوى السياسية المتعاونة معه لصالح تسريع عملية إنجاز المهمات الراهنة, وهو أمر بالغ الأهمية وسيفتح الطريق واسعاً أمام تعجيل عملية إعادة إعمار العراق وتحسين مستوى حياة ومعيشة وظروف عمل العراقيات والعراقيين.
إن الفترة القادمة يمكن أن تفتح مجالاًُ واسعاً, وخاصة عند البدء بإجراء المحاكمات العلنية والقانونية السليمة والعادلة, إضافة إلى التحقيقات التي ينبغي أن تجري وفق مبادئ حقوق الإنسان, لتحقيق مسالتين مهمتين, وهما: إقناع القوى والعناصر التي ما تزال تؤمن بصدام حسين بالطبيعة الاستبدادية والعدوانية لنظامه ولشخصه المقيت من جهة, وفتح صفحة جديدة في حياة العراق الجمهوري الفيدرالي الديمقراطي الجديد الذي يسعى الشعب إلى إقامته من جهة ثانية.
إن إلقاء القبض على صدام حسين قد كسر حاجز الخوف النفسي لدى نسبة عالية من جماهير الشعب وسنعيش مساهمتها الأكبر خلال الفترة القادمة, خاصة إذا اتبعت سلطة الاحتلال, التي لعبت دوراً أساسياً ومهماً في إلقاء القبض على صدام حسين وبمعونة مباشرة من الطرف العراقي, سياسة جديدة أكثر انسجاماً مع مصالح الشعب العراقي وأكثر وعياً بطبيعة العراقيات والعراقيين وأكثر التزاماً بنقل السلطة وكل الملفات إلى الطرف العراقي.
وتقع على عاتق الولايات المتحدة ومجلس الحكم الانتقالي مسؤولية كبيرة في الوقت الحاضر بهدف الاستفادة القصوى من الوضع الجديد الذي نشأ في أعقاب إلقاء القبض على صدام حسين لصالح ما يلي:
1. تنظيم مشترك لعملية المقاومة والمطاردة للقوى الإرهابية والتخريبية التي ما تزال تسعى إلى التخريب والإرهاب. وينبغي أن لا نستهين بالقوى المخربة التي ما تزال تمتلك مئات ملايين الدولارات المخصصة لها ولعملياتها التخريبية القادمة. كما يفترض أن لا ننسى بوجود قوى أنصار الإسلام والقاعدة والقوى المتطرفة الأخرى من جماعات الإسلام السياسي الإرهابية, سواء التي جاءت من وراء الحدود أم العراقية التي ربما صدرت لها فتاوى من رجال الدين التي يتبعونها بوجوب التضحية بالنفس من خلال العمليات الانتحارية في سبيل مواجهة الولايات المتحدة في العراق باعتبار الأخيرة دولة كفار وأهلها من الكافرين!! ومن تتبع تصريحات بعض السياسيين الفلسطينيين من جماعة الجهاد الإسلامي الذي يدعون إلى العمليات الانتحارية في فلسطين والعراق لمواجهة الاحتلال, على سبيل المثال لا الحصر.
2. التعاون الوثيق مع جميع القوى السياسية العراقية التي يهمها إيقاف جميع العمليات الإرهابية وبإشراك حقيقي للجماهير الشعبية القادرة على وضع يدها على أعداء الشعب أو المغرر بهم أو المرتزقة والمسيئين لتطور الوضع الراهن لصالح الشعب.
3. التعجيل بمعالجة إشكاليات الخدمات العامة التي ما يزال يعاني من نقصها الشعب عموماً, إضافة إلى إيجاد فرص عمل لنسبة مهمة من العاطلين حالياً.
4. البدء بعملية مصالحة حقيقية بين مختلف القوى السياسية العراقية وبين أوساط الشعب التي يهمها مستقبل العراق الديمقراطي والتركيز في العقوبات على تلك القوى التي لطخت أيديها بدماء الشعب العراقي وتلك التي نهبت الثروة العراقية وجوعت الشعب وحفرت له المقابر الجماعية. إننا بحاجة ماسة في العراق إلى حكمة مماثلة لحكمة رئيس جمهورية جنوب أفريقيا السابق نيلسون مانديلا في معالجة الموقف السياسي الجديد بعد إلقاء القبض على صدام حسين.
5. ويتطلب الأمر من جانب مجلس الحكم الانتقالي والأحزاب العراقية المتعاونة في إطار هذا المجلس أو خارجه دعوة القوى القومية العربية, بمن فيهم القوى البعثية التي لفظت منذ سنوات سياسة القوى الصدامية المستبدة, في العراق إلى إعادة النظر في مواقفها إزاء الوضع في العراق, خاصة وأن الجميع يشترك في مهمة أساسية, إن كان هذا صحيحاً بالنسبة للقوى القومية بمختلف مدارسها في العراق, هي إزالة آثار الماضي المريع والصراعات الدموية واجتثاث جذور وبقايا الدكتاتورية في عراقنا الراهن لصالح الغد الديمقراطي للشعب العراقي ولمنطقة الشرق الأوسط والدول العربية. إذ أن التيار القومي, فكراً وسياسة, سيبقى موجوداً في العراق وله أنصاره ومؤيديه, وبالتالي لا بد من أخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار. إلا أن ما ينبغي تأمينه هو إقرار هذا التيار القومي في التخلي عن التآمر والانقلابات العسكرية وغير العسكرية وعن الفكر الشوفيني وإقرار الديمقراطية والتعددية والحياة البرلمانية الدستورية الحرة للعراق. وينطبق هذا الأمر على جميع الأحزاب السياسية في العراق, إذ أنها الفرصة الثمينة والفريدة للعراقيات والعراقيين وعليهم استثمارها لصالح فتح صفحة مصالحة جديدة لبناء مستقبل أفضل.
لقد حان الوقت لنضوج الأحزاب السياسية العراقية دون استثناء والتعامل من مواقع المسؤولية إزاء مصائر الشعب العراقي بكل قومياته وأقلياته القومية وأديانه ومذاهبه واتجاهاته الفكرية والسياسية, كما حان الوقت لنضوج الجماهير الشعبية والانطلاق من مواقع المسؤولية إزاء مستقبلها وحياتها الجديدة واستخدام ثروات البلاد لصالح المجتمع. ومن المفيد الكف عن طرح الشعارات الاستفزازية التي تحاول الإساءة إلى مختلف الجماعات السياسية بمن في ذلك الجماعات البعثية التي رفضت النظام. فعندما ترفع بعض القوى السياسية في الشارع العراقي شعاراً ينادي ب "صدام انلزم موتوا يا بعثية", ينبغي أن نفهم بأن هذا غير موجه لأنصار صدام حسين, بل لكل البعثيين بغض النظر عن مواقفهم, في حين أستطيع أن أدل الجميع على عدد غير قليل من البعثيين ممن وقف ضد النظام أو هرب منه وقاومه ورفض قتل الناس ...الخ. ينبغي أن نتذكر بأن صدام حسين قد قتل من البعثيين عدداً كبيراً من أعضاء ومؤيدي هذا الحزب. وما أقوله لا يقد أي صك بالغفران لكل البعثيين, بل فيه محاولة جادة لمواجهة مسألتين: إن كل البعثيين المسيئين ينبغوا أن يقدموا إلى محكمة شرعية وقانونية وأن يحاكموا محاكمة عادلة وإنسانية|, وأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته أولاً, وأن بقية البعثيين ينبغي أن يعيشوا حياتهم الطبيعية كبقية الناس في العراق ثانياً, وإلا ستصبح الحياة جحيماً على الآخرين كما كانت جحيماً على بقية الفصائل والأحزاب السياسية العراقية. ينبغي أن لا نتحول إلى جلادين بعد أن كنا ضحايا للنظام, ينبغي أن لا نأخذ مكان الدكتاتور ونمارس سياساته, فعندها لن يكون هناك أي فرق بيننا وبينه, وسيبدأ العالم كما طالب لنا بالحرية, يطالب للآخرين بالحرية. إن الشرعية الدستورية ومبادئ حقوق الإنسان والقانون الديمقراطي هو الحكم بين المسيء وغير المسيء, بين من تجاوز على هذا الشعب ومن دافع عنه. إن على الأحزاب أن ترفض مثل هذه الشعارات التي ترفعها بعض العناصر أو بعض الأوساط الشعبية وأن تهذبها من الشوائب المثيرة. ينبغي أن لا نعود إلى عام 1959 أبداً وأن نخلق الأجواء الجديدة الديمقراطية لنتنفس جميعاً الهواء النقي الذي ينعش الشعب كله ويمنحه الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة.
يقف العراق اليوم على عتبة الانتقال إلى مرحلة جديدة, مرحلة لم يمر بها في تاريخه الطويل بسبب جملة من العوامل الفاعلة في الأوضاع الداخلية والعربية والإقليمية والدولية, وعلى عاتقنا جميعاً تقع مسؤولية الاستفادة منها, فهل نحن أهل لها؟ هذا هو التحدي الذي يواجهنا عرباً وكرداً وتركماناً وكلداناً وآشوريين, وأعضاء في مختلف الأحزاب والقوى السياسية ومستقلين وجميع بنات وأبناء الشعب العراقي. يفترض أن نمتلك جرأة التسامح مع أولئك البعثيين الذين لم تلطخ أيديهم بدماء الشعب العراقي, ولكن لا معه أولئك الذين نفذوا جرائم الأنفال والأهوار وقمع انتفاضة 1990 أو الذين عذبوا المناضلين في سجون وأقبية الأمن والاستخبارات العراقية... فهؤلاء ينبغي أن تأخذ العدالة مجراها بحقهم.