|
عقلانية الحلول وتجميع القوى ! المصالحة لتحرير اوطن اولا
باقر ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 2206 - 2008 / 2 / 29 - 11:04
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يعرف التاريخ في تطوره، دولاً قوية كثيرة، ازدهرت ثم تلاشت، لتتجزأ، أو لتخلفها دول أخرى، ويمكن الاستنتاج، بأن أطول الدول عمراً وأكثرها رسوخاً، تلك التي استطاعت ان تحقق الأزدهار الحضاري، والتي اقترنت قوتها كدولة بعدلها بين الناس. فان ازدهار المجتمعات وتطورها، يرتبطان ليس بالقوة وحدها، اقتصادياً وعسكرياً، بل كذلك بالفكر المبدع. والفكر المبدع، لا ينمو إلا في أجواء الحرية. وحين نتحدث عن مجتمعنا العراقي، فقد أنعم الله علينا، إضافة إلى توفر الغالبية العربية والإسلامية، بتركيبة متنوعة ومتجانسة، قومياً ودينيا وطائفياً، وأبداعا فكرياً. فتاريخنا يعرف، ان مكونات الشعب، تلازمت وتآخت في حياة مشتركة، طيلة قرون طويلة، فكانت نموذجا للتنوع والوحدة. ودائما كان رواد التغيير والتطور، يسعون بوعي، لتعزيز هذه الوحدة، ويحذرون من نزعات الهيمنة والتمييز، ودائما كان الغزاة والطامعون في بلدنا، وفي خيراته، يسعون إلى تفتيت تلك الوحدة، والنفاذ من تشققاتها. لقد ورثت أنظمة الحكم، التي تعاقبت على العراق الحديث، الكثير من مخلفات المحتلين الأجانب، ومنها سياسات الاضطهاد، والتمييز على أسس قومية أو دينية او طائفية، بين مكوّنات العراق. بالطبع، كان بمقدور الكفاح الوطني العراقي، الداخلي، أن يضع الحلول المرضية، للتغلب على علله، ثم لمعالجتها. بينما استغل ذلك الإرث تحديداً، ومن قبل غزاته الجدد، ليكون عنواناً لعراق مقسّم ومهشّم ومتناحر، وبالتالي لإلغاء العراق الموحد. عند إستعراض المآثر المجيدة، في أدوار القوى الطليعية التي تصدرت، في تاريخ العراق الحديث، لمهمات تحريره من الهيمنة الأجنبية، وبلوغ نظام دولة عادلة، ديمقراطية، فقد كانت معاناة الشعب، من صراعات تلك القوى، كبيرة أيضاً، لدرجة تنافست في أذاها وآلامها، مع ما تسبب به الغزاة الأجانب والطغاة المكشوفون. ومؤخراً، رأينا، أن الطغيان المكشوف المترافق مع طلائع الغزو الأجنبي، قد استثمر الخلافات والنزاعات الداخلية، لتسهيل إختراق الدفاعات الوطنية، ثم لأدامة الأحتلال المباشر، أو بأشكال غير مباشرة او مكشوفة وكان ماهو أكثر أذى، ومدعاة للاستغراب أيضاً، أن تتحول بعض الفصائل الطليعية، المكافحة من أجل التحرير والتقدم بالأمس، إلى حالة التواطؤ مع الطغاة الجدد، من الغزاة الأجانب. لم ينحصر ذلك الأرتداد، بموقف براغماتي أو عابر، أو مبررات طارئة كحكاية "الصدفة التاريخية" التي جمعت المرتدين بالغزاة، بل استند إلى التنظير بحصول تغيرات في طبيعة وفي أهداف الغزاة، الذين ماكان يحفزهم للغزو، بالأمس واليوم وغداً، سوى أطماعهم في ثروات العرب وشعب العراق. ثم راحت تلك الأطراف والشخصيات المرتدة، تبشر بعدم جواز الجمود على المعطيات القديمة، كالعداء للأمبريالية والصهيونية وترى فيها مسلمات فات أوانها! ومن بين ابرز ما تلتقي عنده جميع تلك الأطراف والشخصيات المرتدة، عداءها المشترك لاصالة العراق العربية والأسلامية، ولرابطته التاريخية بعالميه العربي والأسلامي، مستعيضةّ عن تلكما الخيميتين، بخيمة العولمة الأستعمارية الجديدة. لكن قناعات بسطاء الناس، وخاصة، بعد معاناتهم للعام الخامس، المآسي المروّعة للأحتلال، إتضحت وتوثقت، لتؤكد لشعبنا وللعالم كله، من جديد، ان الدعاوي بتخليص الشعب من الأستبداد، واستهداف تحقيق الديمقراطية وحقوق الأنسان، والأعمار، لم يكن ليجمعها جامع، مع حقيقة التواطؤ مع غزاة الوطن في عدوانهم عليه، ونهبهم ثرواته. *** حين نبحث عن أهم الأسلحة، للفوز في معركتنا القاسية الراهنة، فأن واقعنا يشير إلى أن في مقدمة تلك الأسلحة، هي وحدة قوى الشعب الساعية لخلاصه. ولكن، من المفيد أن نتوقف أيضاً، عند الأسباب التي تقف وراء تباطؤ، أو تعويق تحقيق الرغبات الشاملة لأنجاز تلك الوحدة، طيلة خمس سنوات مضت على مآساة العراق، ورغم اقرار الجميع، بأنهم يهدفون إلى تحقيق الوحدة. فمن بين المشاكل المعقدة التي عانت منها قوى التحرير والتغيير في العراق، عند سعيها بالأمس، للعمل المشترك، واقامة الجبهات الموحدة بينها، التسابق بضراوة من أجل الأمساك بالسلطة السياسية، او من أجل الحفاظ عليها، أو على قيادة الشارع، أو قيادة الجبهة الموحدة، بوسائل إحتواء الاخرين أو ألغائهم عن طريق القمع القاسي. ومن معوقات توحيد قوى النضال الشعبي أيضاً، الطروحات التي تركز الآن، على الخلافات الثانوية- وما أكثرها- على حساب التضاد الرئيسي مع اعداء الوطن، او طرح الشعارات وتحديد الأهداف التي تقلص جبهة النضال الشعبي، بينما توسع دائرة الأعداء والخصوم. لكن فشل تلك الطروحات والتجارب، وأخفاقها في الحفاظ على الوحدة الشعبية اللازمة لتحقيق برامج التغيير المعلنة، كما للتصدي لاخطار العدوان الخارجي، يفترض ان تقدم الآن بدائل جديدة، من شانها ان تضع قوى التحرير والتغيير على اسس أقرب إلى تحقيق العدالة والمساواة وتغليب العلائق الديمقراطية والمباراة السلمية بينها، إلى جانب حرصها الدائم على الحفاظ على وحدة المجتمع والوطن. إذا لخصنا تجربتنا بإنجازاتها ومرارتها، فنحن ملزمون بتصحيح نظرتنا وفهمنا للقوى الرائدة وللشخصية الطليعية في المجتمع. فهذه القوى والشخصيات القادرة على تحريك المجتمع وقيادته، هي تلك التي لديها القدرة والتي تبدي الأستعداد الدائم لمواجهة متطلبات الحاضر، وكذلك مخاوف المستقبل وتطلعاته الزاهرة، وكأنها لم تتحقق بعد.. وهذا يعني نبذ نزعة الرضى بما حصل، والأعتداد به والأنشداد إليه، يعني أيضا الثقة بأن بلوغ الأفضل هو عملية كفاح دائم لاينقطع. وما يعزز ثقتنا بالحاضر والمستقبل، ان الساحة العراقية تشهد الآن، وهي ستشهد أكثر فأكثر، قوى وتيارات وشخصيات، وتعبّر عن أتجاهات النضال المعروفة سابقاً، وتلك الجديدة التي تدخل اليوم بقوة إلى ساحته. فهذه القوى والشخصيات، بصمودها وأبداعها وفكرها الرافض، وكلا بمفهومه الخاص، وبأساليبه الخاصة، قدّمت العراق كقدوة وكنموذج للصمود والقدرة على تحمل مآسي الأستبداد الداخلي، بالأمس، ثم مآسي الحصار والحروب والأحتلال الراهن، بما يعزز الأمل بقدرة العراقيين على قهر الهيمنة الجديدة المستوردة إليهم. ونستطيع، من تجربتنا العراقية، خلال العقود الأخيرة الماضية، أن نخلص إلى ضرورة التلازم بين الوفاق الوطني، بين الأطراف والشخصيات العاملة على تحرير الوطن وتقدمه، الوفاق الذي يتمثل بالجبهة الوطنية الموحدة وببرنامجها وألتزاماتها، وبين صندوق الأقتراع الديمقراطي، والمنافسة الحرّة، بين جميع مكونات المجتمع السياسية والقومية والمذهبية، دون تمييز او أقصاءات. لقد ورث العراق، تركة مؤذية من مآسي الأمس التي وصفناها، تسببت في سعة القاعدة الأجتماعية للجهات والقيادات والشخصيات التي إنجرفت للخطأ. ومن هنا فأن المسعى لبلوغ الهدف، الواضح، وهوتحرير العراق من الاحتلال اولاً وتحديد القوى المخلصة، الكفيلة بالوصول إلى ذلك الهدف، ينبغي ان يتجنب المزيد من الأنتقام، ويستهدف المصالحة والاصلاح معاً، بما يساعد على تعزيز لحمة الشعب والوطن. واذا كانت مأثرة القائد الأفريقي الجنوبي، نيلسون مانديللا، قد إستأثرت بأعجاب شعوب كثيرة، فأن العراقيين بسبب طول معاناتهم، أكثر شغفاً بأستلهام دروسها. فمأثرته، انه ختم قيادته لشعبه، بعد دهر طويل من معاناة القهر الأستعماري والأستيطان، وعند أنتصار، قوى التحرير، وأعادة بناء المجتمع الجديد، برفع شعاره المأثور ( سامح وإنس: forgive and forget )، وقصد بذلك العلاقة الجديدة بين القاهرين والمقهورين. لانملك في العراق ( نيلسون مانديللا ) معترف به، ولايحسن بنا أن نظل ننتظره كي يقودنا إلى شاطىء الأمان والوحدة. لكننا في العراق، كما في عالمي العروبة والأسلام، حينما تقترن عندنا ارادة النضال العادل، بعقلانية الحلول، وتجميع القوى، فأن العراق فيه، وأن عالمي العروبة والأسلام فيهما، من القيادات المخلصة المقدامة والواعية، المتنوعة الأتجاهات، أكثر من ألف نيلسون مانديللا!
#باقر_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرتدون عن الشيوعية وعن الوطنية ذيليون دائمون للأسياد الكبا
...
-
شيوعيو العراق : أين حقيقتهم ؟ في الحديقة السوداء أم بمأثرة ا
...
-
العراق المقاوم وحديث صريح عن أخطار الفرقة
-
اعادة تأسيس الجيش العراقي مهمة وطنية اولى
-
نظرة لمستقبل العراق: من توازن الرعب الي توازن الحل العقلاني
-
الفرقة 17 خانت بغداد
-
تحت رماد الخذلان يستعر جمر المقاومة
-
قيادة الشيوعي العراقي تنكّرت لوطنية حزبها
-
آخر صرعات العولمة: شيوعية الاحتلال
-
مجلس حكم ام مجلس وطني لمقاومة الاحتلال؟
-
مناهضة الاحتلال المعيار الاول للوطنية العراقية
-
الاحتلال وثقافة البيعة
-
الوحدة الاسلامية والوطنية سلاح العراق لمقاومة الاحتلال
-
الطيبون يخلدون وداعا علي كريم
-
وداعا شهيد اليمن , شهيد العرب جارالله عمر
-
الديمقراطية ودولة القانون رهن بصد العدوان الامريكي
-
العراق بعد العفو العام مبادرة إلى الانفتاح الديموقراطي
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|