أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عـقـد مـع ســوريــا















المزيد.....

عـقـد مـع ســوريــا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 683 - 2003 / 12 / 15 - 03:36
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


المقصود بكلمة عقد في عنوان هذا المقال عقد اجتماعي جديد بين السوريين يُنجز وتستقر مواثيقه ونظمه خلال عقد من الزمان. ما نريد قوله هو ان من المرغوب، ومن الممكن، بل ومن الواجب ان تنجز سوريا خلال العُشرية الأولى من هذا القرن البازغ تجديد نظامها السياسي والاجتماعي من أجل ان تتمكن أولاً من ان تستعيد لشعبها وحدته ومعنوياته وقدرته على العمل; ولتستطيع ثانياً اعطاء معنى اخلاقي، قومي او وطني حي، لدورها الاقليمي الذي لا يمكن الحفاظ عليه من دون تغيير مضمونه و"رسالته"; ولتتمكن ثالثاً من المشاركة الايجابية الفاعلة في عملية عالمية، اقتصادية وتقنية وعلمية وثقافية، لا تترك أحداً خارجها; ولتستجيب أخيراً بشجاعة ومرونة لتحديات "عملية السلام" المحتملة او احتمالات الحرب غير المستبعدة.
 
لعل العنوان الكبير للتوجه الاصلاحي السوري يجب ان يتمثل في بناء أطر جديدة للعمل العام، الحكومي والمدني، وايجاد هياكل امتن واكثر حيوية ومرونة للنشاط الاجتماعي، وخلق مصالح جديدة للناس، افراداً وجماعات. فالاستهداف الجوهري للاصلاح الجدي هو صنع الجديد اكثر مما هو تدمير لقديم. ويبقى هذا التصور صالحاً ولا منافس له رغم ان بعض القديم، ونعني اساساً القديم الحاكم، ما زال يمثل عقبة كأداء أمام اطلاق الجديد، وتهديداً خطراً لاستقرار البلاد وتجديد هياكلها وروحها.
فالوسيلة المثلى لبعث الحياة في الروح العامة هي افساح المجال أمام الاجيال الجديدة كي تسمع صوتها، وتعبر عن ذاتها ومطالبها، وكي تبتكر منابرها وقنوات اتصالها، لا أن يُحشر هذا الصوت في المنابر الضيقة القائمة فيضيع نغمه ونبرته، ولا أن تلغى هذه المنابر الاخيرة بالطبع على علاتها. ومن الانسب ان تفتح أبواب العمل السياسي المستقل بصورة علنية وشرعية ومنظمة بالقانون، لا ان تغلق أبواب "الجبهة الوطنية التقدمية" على أهلها، على العطالة المشهودة لهذا الجهاز. وخير اسلوب لمكافحة الفساد الذي يكاد يزهق روح البلد ويفني جسده هو ضمان الرقابة الاجتماعية الحرة والشفافية وحرية النقد والاعتراض تمييزاً عن مجرد محاسبة الفاسدين، فكم بالحري الاكتفاء بتقليم بعض الفروع الفاسدة على شجرة الفساد العملاقة. ولا شك أخيراً ان خلق مصالح ومنافع جديدة للناس مقدم مبدئياً على الغاء المصالح القائمة او توزيعها على قاعدة اوسع من المستفيدين.
والرهان في كل الاحوال هو ان انطلاق الجديد الحي من شأنه اطلاق دينامية نشطة تُحفّز القديم وتجدده، او تحاصره تدريجياً وتدفعه الى الاضمحلال من دون المجازفة بخلق مناخ تشنجي عند اصحاب القديم والمستفيدين منه; وهو خطر حقيقي لا يجوز التقليل من شأنه.
هذا هو المعنى الحقيقي والاصيل للثورة. فهي اصلاح دينامي تراكمي ينشّط كل القوى الحية في المجتمع ويجتذبها ويبث فيها روح المشاركة والايجابية والمسؤولية. وهو ما يجب ان نميزه عن المعنى الثأري للثورة الذي يستغني بالغاء القديم والانتقام منه عن بناء الجديد.
في سوريا سنة 2000 بذور وجذور لكلا الخيارين المتعارضين المذكورين. ونحن نستبعد بيقين تام خيار دوام الحال أو تولي منطق الاشياء وحده القيام بالتغيير. فقد  انطلقت في سوريا منذ اشهر دينامية تغييرية لا يمكن وقفها من دون كلفة باهظة ومدمرة تمسّ مستقبل البلد ووجوده، لكن من الممكن والضروري المبادرة الى تنظيمها وضمان عمومية فوائدها باجراءات قانونية ومؤسسية وثقافية تصون فرص التحرر بقدر ما تضعف احتمالات التفجر.
هذا ما يجب ان تعيه الطبقة السياسية السورية بوضوح مطلق وبضمير مخلص. فاللعب مع التاريخ باهظ الثمن. واذا كان ثمة من يفهم من التنظيم الغاء الحرية ومن التحرير سقوطاً في الفوضى، فان الملعوب به من الآن فصاعداً هو مستقبل سوريا ووجودها شعباً ووطناً ودولة.
يتوقف مستقبل البلد اذاً على التعهد الصادق والجاد لمسار اصلاحي تدريجي وتراكمي، لكنه أيضاً علني وصريح. وسيكتسب هذا المسار قوة دفعه الذاتية بمقدار ما يثبت صدقيته ويحصّن ذاته بقوى الشعب الحية ويحيّد قوى المحافظة والجمود ويتجرأ على اعلان موت الموتى.
ان المطمح الكبير للتغيير السوري هو تحوّل سوريا الى دولة حق وقانون، والمجتمع السوري الى  مجتمع عمل وانتاج. وبقدر ما يعكس الوضع الحالي  تعارضاً واضحاً بين ضيق الاطر السياسية القائمة وجمودها وبين حجم الآمال والتطلعات، فان الاصلاح السياسي يشغل المدخل الجدي الى حلّ هذا التعارض. والاساسي في الاصلاح المأمول هو انتقال السياسة من الاحتكار الى التعاقد والمنافسة المنظمة، ومن السرية والتكتم الى العلنية والصراحة، ومن الاوامر والتعميمات الداخلية الى القرارات والقوانين المناقشة علناً على اوسع نطاق.
يحتاج المناخ الايجابي القائم في سوريا حالياً الى قوانين تضمن الحقوق السياسية والانسانية للناس، وتحررهم من الخوف الذي رزحوا تحت ظله طويلاً، وتتيح لهم التدرب على المواطنة والايجابية. ومن اجل ذلك لا مفر من ان يتحرر اولو الامر في البلد من فكرة ان ما يكسبه الناس يخسرونه هم، وان يتعلموا التمييز بين ذواتهم الشخصية وادوارهم العامة، وان يتبرأوا هم أولاً من روح التشفي والانتقام كمدخل لتخلص المجتمع من هذه الروح الشريرة المنذرة بأوخم العواقب. هل يلزمنا عقد من السنين لانجاز هذا التحول؟ عند التأمل في الامر نتبين ان المشكلة لا تتمثل في ما قد نحدده من مهلة زمنية لتوطيد التغيير بل في جدية تعهد التغيير، وفي تثبيت خطوات ملموسة مهما تكن صغيرة الى الامام، وفي ترجمة المناخ الايجابي الراهن مكاسب للناس حصينة وقابلة للقياس. فالملاحظة التي تفرض نفسها على عين المراقب لهذا المناخ الايجابي هي انه لا يزال مجرد مناخ عائم غير محدد الملامح، وتالياً لم نبلغ بعد نقطة اللاعودة الى الوراء، ولم تدوّن المكاسب المعنوية لهذا المناخ في انظمة ومؤسسات مادية، وتبقى تالياً قابلة للسحب والنكوص عنها في اي وقت.
إن رهان المجتمعات الحية في عصرنا هو تحويل التغيير الى مؤسسة اجتماعية ثابتة. فهل تطرح سوريا على نفسها هذا الرهان؟ وهل يكون العقد الحالي عقد سوريا وعقداً للسوريين مع دولتهم!
ثمة مبررات للتشاؤم وأخرى للتفاؤل. بين الاثنتين نفضل التفاؤل ولو استند الى اعتبار عام: مشكلة سوريا مشكلة سياسية وحلها بالسياسة، ولا حل غير سياسي لها
نشر هذا المقال أول مرة في 30/12/2000



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القوة الامبراطورية والضعف العربي أية استراتيجية ممكنة؟
- نهاية الدولة الوظيفية العربية
- نافذة يسارية
- خريف دمشـــــق
- بعض عناصر خطاب الحرب الأمريكي
- المهاجرون في الأرض
- ثقافة الطوارئ نقد الثقافة السياسية السورية
- الحكم العضوض والتغيير الممنوع
- نحو إعادة بناء الإجماع الوطني في سوريا
- بعد دكتاتورية صدام ديمقراطية فسيفسائية في العراق
- صدام الحضارات: صراع طائفي على الصعيد العالمي
- ماكبث بغداد...وإخوته
- أزمة الإبداع في الثقافة العربية المعاصرة
- السلطة والتبعية -تحالف- الأمير والأميركان
- الإرهاب العربي-: بعض الأصول والمحددات
- احتلال من باطن نظام إقليمي جديد في -الشرق الأوسط-؟
- ندوة حول الارهاب وعالم ما بعد 11 ايلول - المشاركون: د. صادق ...
- الشــرط الإرهــابي تمزق معنى العالم
- تغيير الأنظمة- و-إعادة رسم الخرائط
- المعارضة السورية والعلاقات السورية اللبنانية


المزيد.....




- ??مباشر: مفاوضات جديدة لوقف إطلاق النار في غزة واستمرار المخ ...
- استقالة رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية على خلفية تعاملها مع ...
- شهيدان وعدة جرحى في قصف إسرائيلي على مخيم بلاطة شرقي نابلس
- -تحول استراتيجي- في علاقة روسيا والصين.. ماذا وراء التدريبات ...
- أكسيوس: ترامب تحدث مع نتانياهو عن الرهائن ووقف إطلاق النار
- قراصنة إيرانيون يستهدفون حملتي هاريس وترامب
- نعمت شفيق تعلن استقالتها من رئاسة جامعة كولومبيا بعد أشهر من ...
- استقالة نعمت شفيق من رئاسة جامعة كولومبيا على خلفية احتجاجات ...
- رئيسة جامعة كولومبيا تستقيل بعد أشهر من الاحتجاجات الطلابية ...
- بايدن مازحا خلال لقاء في البيت الأبيض: -أنا أبحث عن وظيفة-


المزيد.....

- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عـقـد مـع ســوريــا