أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - من خطاب تبرير الحرب إلى خطاب تبرير الخراب














المزيد.....

من خطاب تبرير الحرب إلى خطاب تبرير الخراب


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 683 - 2003 / 12 / 15 - 05:09
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لو عدنا قليلا إلى الوراء إلى شهور وأيام ما قبل الحرب وإلى الجدل الضخم في كل مكان عن الحرب القادمة والآثار  المتوقعة لها، وليس في الذهنية العربية  تقليد العودة إلى الوراء بتعبير موشيه ديان، لعثرنا على مصادفة ساخرة هي مفارقة  مخجلة في وعي المثقف العراقي النخبوي وخاصة مثقف تفسير العالم عن طريق مضمضة الكلمات بلغة السحر.

وهذا المثقف الذي كثيرا ما أتحفنا بنبوءات غريبة خلال العقود الماضية، سواء في نسخته اليسارية التي يعاد طبعها حسب الأحداث، أو المثقف (الجديد) الذي أنتجه الصراع مع الفاشية فعاش على فكر الثنائيات، به يفكر، وبه يقسم العالم إلى أخيار وأشرار، وبه يرى الحياة ونفسه، هذا المثقف في كل مرة يلحس أقواله ويلوذ بالصمت والتناسي حين تتحول هذه النبوءات والتوقعات التي عمل على تحقيقها إلى جثث وخراب لأنه يعرف أن أحدا منا لن يعود إلى ما قيل قبل ربع ساعة، كما أن أحدا لن يفكر ماذا سيحدث في الربع ساعة القادم.

لا أدري ان كان فينا من يتذكر الجدل العراقي السياسي القائم قبل الحرب حول الطريقة التي ستدار بها والآثار المحتملة وكيف كان أصحاب دعم الحرب يروجون للحرب عبر مقولات:
ـ الحرب الخاطفة.
ـ الحرب النزهة.
ـ بل أن احدهم سكب علينا  سطولا من الماء الآسن عبر مسلسلات ساخرة عن "الضحك في زمن التحرير". 
ـ حرب ضرب الدكتاتور وحده دون أن تهدم حجرة أو تسقط طابوقة.
ـ انقلاب تحت القصف وتحول سلمي هادئ الخ.
ـ   الضربة الجراحية الخ... الخ

وكان مناهضو الحرب يقدمون حججهم على أن هذه الحرب المقبلة سوف تخرب الخراب وتقضي على ما نسى الطاغية تخريبه أو ما نجا من التلف والعبث.

واليوم نسى الطرفان، وهذه سيدة المفارقات، أقوالهم، ولم يرجع أي طرف إلى أقواله السابقة كي يرى ويراجع وينظر ويعتذر حتى، مع أن هذا السلوك الثقافي لا وجود له في التقليد السياسي العراقي هنا أو هناك.

وجدل اليوم يدور كل خمس دقائق على ( حدث) جديد كأن الزمن السياسي العراقي لا صلة له بالماضي ولا علاقة له بالمستقبل، وأنه الزمن الذي يعلو على الزمن: بمعنى الزمن الخرافي الذي تكون فيه اللغة فوق التاريخ والزمان، وتتحول التوقعات التي تسفر عن دم وإهدار للمستقبل، إلى مجرد حكايات أسطورية عن بشر لا وجود لهم إلا في المقالات، وعن أحداث لم تقع إلا في الخيال...الخ.

ليس هذا فحسب بل المفارقة الأخرى الحزينة والساخرة والعجيبة أن دعاة الحرب (النظيفة الجراحية الخاطفة) التي لا تهدم حجرة ولا طابوقة قد انتقلوا، كما هو معروف عن هذا الصنف من المثقفين والكتبة من خطاب تبرير الحرب إلى خطاب تبرير الخراب وليس في ذاكرتهم  حتى ذكرى عابرة لنبوءات الأمس، ولو كانت نبوءات الأمس  مجرد أبحاث في مختبر أو محراب أو صومعة لهان الأمر، ولكنها النبوءات الأفعال  التي تحولت إلى جثث في الشوارع وإلى تهديم الكيان الوطني والدولة والمجتمع والثروة وصار المستقبل رهينة لعشرات السنوات القادمة.

إن ظاهرة الدكتاتور ليست ظاهرة شخصية وان كانت تظهر على هذا الشكل، بل هي ظاهرة سياسية وفكرية ومؤسسة، والقضاء الحقيقي على الدكتاتور هو في إحداث قطيعة فكرية وبنيوية مع الفكر السياسي المنتج له وهو فكر الحيازة للحقيقة والوطن والشرف والتاريخ وبدون هذه القطيعة سوف يظل المجتمع السياسي منتجا ومرتعا لطغاة جدد في كل حقبة، بل قد يكشف موت أو سجن الدكتاتور عن فضيحة عقلية في البناء السياسي والعقلي كله حين يكتشف الجميع،في لحظة تاريخية ما، أن ذلك( البعبع) كان صورة من صور العقل السياسي الذي يتعامل مع الجموع كقطيع.  

خطاب هؤلاء السحرة الجدد، ومعظمهم توابيت صدئة خرجت من غرف الغبار كي تنظف مساميرها وتعرض نفسها مرة أخرى على شعب عنده خبرات مريرة مع نبوءاتهم وتوقعاتهم التي حولته في كل مرة إلى قطيع شحاذين، خطاب هؤلاء يتجدد كل يوم،بل كل لحظة، ليس بمعنى إعادة النظر في جوهر الخطاب السياسي، والندامة، بل بمعنى الإيغال في الضحك على الذقون حتى لو أنتج هذا الضحك دما يوميا في شوارع  فارغة من كل شيء إلا الرصاص والغبار والموت.

ابعد من ذلك تحولوا من خطاب تبرير الحرب،  بعد لحس التوقعات، إلى خطاب تبرير الخراب، ثم انتقلوا هذه اللحظة، في مجتمع بلا مرجعيات ثقافية ولا أخلاقية ولا نقدية ولا سياسية، إلى خطاب التأثيم والوصم لخصومهم السابقين الذين حذروهم من الوهم الأمريكي بالحرية، وتحول هؤلاء (الخصوم) حسب الوصف الإنشائي الذي يبرر كل شيء، الجريمة، والتحالف مع الشيطان، وقتل الناس، وبيع مصدر ثروتهم، إلى مرضى ومعقدين ويشعرون بالحنين إلى الزمن الفاشي!

ولم نكن نعرف، قبل فكر المومياءات، اننا شعب مصاب بسادية سياسية تعشق التعذيب وترفض الحرية. وبهذه الصورة يتحول العته إلى (فكر) سياسي، وتنقلب العاهة إلى وجهة نظر، ويصبح كل شيء، حسب لغة السحر والشعوذة، قابلا للتبرير.

إن أعادة قراءة طريقة تفكير النظام السابق تكون ممكنة وواقعية من خلال قراءة أسلوب هؤلاء في التفكير، لأن السلطة ليست جيشا وشرطة فحسب، بل عقلية وذهنية ووجهة نظر ورؤية مشوهة للعالم تبرر كل شيء بما في ذلك الجريمة!



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحزان العمة درخشان
- نهرب ونسمّى منقذين،ونخون ونُعتبر أبطالا
- الحروب السعيدة
- المنشق والمؤسسة والراقصة
- سجناء بلا قضبان
- الصحافة الالكترونية وسلوك الزقاق
- آخر طفل عراقي يبكي غرناطة
- قتلى الورق أهم من قتلى الشوارع
- مكتشفو السراب
- ذهنية السنجاب المحاصر
- حين يختزل الوطن بمسميات
- رائحة الوحش
- محمد شكري وعشاء الثعالب الأخير
- الزعيم الغائب
- زمن الأخطاء الجميلة
- السياسة والشعوذة
- الكلب الأرقط النابح على العالم
- محاربو الغسق والشفق
- السياسي العراقي من الخازوق إلى المسمار
- حنين إلى حفلة


المزيد.....




- جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR ...
- تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
- جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
- أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ ...
- -نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
- -غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
- لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل ...
- ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به ...
- غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو ...
- مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - من خطاب تبرير الحرب إلى خطاب تبرير الخراب