|
الكرامة والشهامة في ميزان الحضارة
سندس جليل العباسي
الحوار المتمدن-العدد: 2204 - 2008 / 2 / 27 - 02:01
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
نظرة عصرية في مفاهيم بالية لا أنكر باني من المولعات بالقراءة ومتابعة آخر المستجدات السياسية والاجتماعية وخاصة على الساحة العراقية ومتابعة لاغلب القنوات العراقية وخاصة حين يكون البرنامج سياسي أو اجتماعي ...أدهشني كثرة الحديث الممل والمتكرر لكثير من الساسة وغير الساسة عند التعبير عن أفكارهم في تلك القنوات والإذاعات وجميعهم يرددون وكأنهم ببغاوات, بأننا شعب الحضارات والقيم والمبادى وان الفرد العراقي معروف بشجاعته وغيرته وشهامته وكرامته ...الخ من المفردات الطنانة، وان ما حصل وسيحصل من عنف وتهجير وقتل على الهوية والطائفية سببه أطراف إقليمية و دول مجاورة وقوات الاحتلال...،وان الذباحين والمجرمين و المفخخين والمرتشين والمفسدين والقتلة كلهم من قدموا من خارج العراق!! . اعرف أن ما سأقوله سيثير حفيظة و(كرامة) الكثير من القراء ..لذا تمهلوا قليلا ولا توجهوا سهام غضبكم وحنقكم ضدي وتقدموا لي الحجج المعاكسة وهي بلا شك كثيرة. أن مفهومنا لتلك المفردات الطنانة غدا مشوشا وغامضا ولا يخلو من سلبية وازدواجية قل مثيلها في معاجم الدول الأخرى.. فعلى سبيل المثال، نلاحظ أن الفرد العراقي عند حدوث مجلس عزاء لأحد الجيران يسارع ليقف مع جاره ويؤازره.. ومن جهة أخرى، بوسعنا أن نراه وهو فاقد للشهامة التاريخية في حال تعرض هذا الجار الى إرهاب مباشر من قبل مليشيات أو جماعات مسلحة إرهابية، حين سماع صراخ الجارة المنكوبة وأولادها بعد ذبح أو قتل زوجها أمام ناظريها، نراه لا يحرك ساكنا بل يقبع في بيته ينتظر انتهاء المشهد المأساوي والدموي لجاره, بل حتى وان انتهى المشهد بخروج الجارة المنكوبة صارخة تطرق الأبواب لعل الشهامة ما زالت في قلوب الأبطال التاريخيين، الأبواب تبقى موصدة ولا تفتح لها خوفا ورعبا. وبوسعك أيها القارئ الكريم أن تراه في أحيان كثيرة وهو يلتحف الأكفان والسواد ليحيي طقوس معينة.. وإذا ما تجرأت وسألته، إلا تخاف على نفسك من المفخخين أو الذباحين أو من الأمريكان؟؟ سيرفع عقيرته ويجيبك على الفور وبشهامته التاريخية بأن لاشيء في هذه الدنيا يرهبه، حتى الموت أو القتل أو الذبح وهو على استعداد لترك عائلته بلا معيل وفي مهب اليتم يلتحفون الشوارع بحثا عن لقمة عيش من أجل الشرف والكرامة و.. . أما الحديث عن (الكرامة ) لدى العربي بالذات، يبدو لي وكأنها حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة مليئة بالألغاز التاريخية والخرافة والمفاخر الأسطورية ... واليكم تلك الحكاية، في إحدى سنوات كفاحنا المزعوم ضد المحتل (الإنكليزي )، ترانا نتحدث بفخر عن أحد شيوخ العشائر الذين لم تتحمل (كرامته) شتم أحد الجنرالات له فأرداه قتيلا على الفور!! ،في الوقت الذي ننسى فيه المشهد الأخر لهذا الزعيم البطل بأنه قد قدم لمقابلة ذلك الجنرال لاستلام حصته الشهرية ومكافآته على كم أفواه رجال قبيلته، وحماية الطريق الذي يسلكه أسياده وولي نعمته.. معايير مزدوجة وسلبية واتكالية ممقوتة اتصفت بها الشخصية العربية بشكل عام والعراقية بشكل خاص ..(وهذا الموضوع أسهب فيه الدكتور علي الوردي كثيرا ولا أريد أن أضع نفسي في مقابل تلك العبقرية الكبيرة).. إما ازدواجية العربي أو بالأحرى العراقي المتدين فهي ابلغ و أوضح من ازدواجية غير المتدين ..فنراه من جهة يسجد ويركع ويخمس ويزكي امام الناس، ومن جهة أخرى نراه يمارس الغش ويحتال على زبائنه ويفسر النص القرآني والحديث بما يخدم مصلحته الشخصية ويتحدث عن الأخلاق والصلاة والصوم ويلقي المواعظ في المساجد حول حب الآخرين ومساعدتهم والاستقامة واحترام الآخرين ..إلا انه في الحقيقة يمارس سلوكا مناقضا خارقا لأهم دعائم و أسس التربية الإسلامية والأخلاقية والمتمثلة بإنكار الذات والابتعاد عن الأنانية والصدق مع نفسه والآخرين، فهو يمارس سلوكا مزدوجا ظاهره أيماني وواقعه شيطاني, ونراه يبيح لنفسه قتل وسرقة وخداع الآخر مفترضا انه ليس مسلما أو كافرا و حسب رؤيته التاريخية .. وان حالفك الحظ واستطعت أن توجه له سؤالا أو تحاججه، رد عليك بأنه إنما يتبع (الأعلم منه)، وان أردت الاستيضاح منه اكثر وبادرته بكل جرأة قائلا: وان كان ما يقول غير صحيح؟! رد عليك باتكالية تاريخية حضارية بأنه لا ذنب عليه بل على الأعلم منه ...لاحظ عزيزي القارئ الاتكالية المتجسدة في شخصيتنا منذ غابر العصور، والمتمثلة بعدم قدرتنا على تحمل مسؤولية أفعالنا، فنحن ما زلنا نبحث عن ضحية لنغطي بها عورتنا التاريخية وعن منقذ نغطي به فشلنا عبر العصور... الشخصية العراقية كما هو معروف شخصية سلبية بشكل عام، أهم ميزاتها أنها لا تستطيع أن تفعل ما تريد بحرية، وينعكس ذلك على آراء الفرد العراقي الشخصية فنادرا ما نجده مقداما أو مبادرا، فهو يكره بشكل عام الخطوة الأولى.. فاتكاليته التاريخية تجعله لا يتقدم و لا يبادر وان فعل مرة توقف مئات المرات, شخصيته مطعمة بالحجج الواهية والأعذار الجاهزة ...دائم الشكوى والاعتراض والنقد الهدام وان تحدثت أليه سرعان ما تجده منحازا لعقيدته ولذاته.. أعلم بان ما قلته ربما أثار حفيظتكم . ..ألا أنى اعلم حق العلم بأننا شعوب لا ترتضي النقد الذاتي ..شعوب تزين هزائمها بمفردات هزيلة كالنكسة والعثرة ... وتعتبر الجرائم مجرد أخطاء بسيطة.. شعوب ترفض الاعتراف بان هناك خلل أخلاقي اجتاحنا واصبح سمة من سمات شخصيتنا المضطربة..شعوب لا تعترف بان المرآة التي نرى أنفسنا بها مرآة مشروخة والوجوه التي نراها وجوه مشوهة لا ملامح فيها.. ومن كل هذا الحديث وشجونه، أرى أن أول خطوة لنا كأمم خامدة وخاوية تاريخيا، أن نتخلى ولو تدريجيا عن التبجح بالماضي وننسى حضارات لا تربطنا بها الآن سوى أطلال مترامية الأطراف هنا وهناك.. فالأمم التي تتفاخر دائما بماضيها أمم فاشلة، كما قال الفيلسوف الألماني (فخته)، علينا أن لا نتخذ التاريخ مرشدا وموجها لحياتنا الحاضرة المليئة بالعقد والسلبيات.. علينا أن نؤمن ونسعى الى أن يكون المنقذ التاريخي من داخلنا من ذاتنا، علينا أن لا نتعلم فقط كيف نموت في سبيل الله، بل أن نتعلم كيف نحيا في سبيل الله... وان لا نقتل بعضنا البعض من اجل شخصيات تاريخية نالت حقها من المجد، بل علينا أن نحيا ونساند بعضنا البعض من اجل أطفالنا ومستقبلهم ومستقبل جميع البشر...علينا أن نتعلم أن هناك شيء اسمه (الرأي الآخر) وان نبدا بتقبله، وأن نتخذ من مقولة فولتير مثال لنا في احترام الرأي الآخر حيث يقول: "قد أختلف معك في الرأي لكني على استعداد بالتضحية بحياتي في سبيل الدفاع عن رأيك"، يا حبذا لو كان هذا الموضوع منهج يدرس لأطفالنا في المدارس.. وأخيرا، علينا أن نصغي لصوت العقل لا لصوت الخرافة والشعوذة، أن ندرك أن هناك شعوبا تبني حضارتها بالعلم والمعرفة وتتفاخر بكل جدارة بما تحققه ويحققه أبناءها للأجيال.. علينا أن نؤمن بان كل شيء قابل للتغيير ونسبي وليس هناك من شيء ثابت أو مطلق إلا عندنا ...كفانا شعارات ..كفانا نواحا وندبا على أطلال الماضي ... فهل نحن متعضون؟
#سندس_جليل_العباسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من له إذنان صاغيتان فليسمع، أين حقي؟
-
كي تتعلم وتفهم
-
ابو الهول أكثر صخبا من برلمانياتنا
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|