في ذلك القبو الضيّق ، ببلدةٍ ضيقةٍ أساساً ، هي تكريت ، اعتقلَ الأميركيون أحدَ أبنائهم البررة ، بعد أن أباحوا له البلادَ والعبادَ ، عقوداً ، يميتُ من يشاء ، ويحيي من يشاء ، يُـعـزّ ويُذِلُّ ، يصول ويجول في حروبٍ لم تنته إلاّ بقرار سادته إلغاءَ مهمّـته ، وإسنادَها إلى أبناء جددٍ من أمثال علاّوي والجلبي والباججي …إلخ.
أنا أشعر بتوازنٍ ما الآن .
صدام حسين مسؤولٌ عن موت ولدي الوحيد ، حيدر ، غريباً في الفلبين .
لقد انقشعت الغيمةُ السوداءُ / الخيمةُ ، التي ظلّت مرجعيةَ الممالأةِ والمناهَـضة .
صار موقفُ الفرد العراقي ذا مساحةٍ لا يحددها الموقفُ من صدام حسين .
إنه لَـموقفٌ ذو خيارات .
الآن صار بمقدور العراقي أن يقول : " لا للإحتلال " ، وبالصوت العالي .
صار بمقدور العراقي ، الآن ، أن يقول : " لا لتنصيب عملاء جددٍ بعد صدام حسين " .
العملاء ( من أمثال صدام ) يؤتى بهم من المجهول لينتهوا إلى المجهول : نتذكر نورييجا …( من يتذكره ؟ )
وحالُـنا ، هذه الأيام ، ليست بعيدةً عن السيناريو الأول المستمرّ .
ربما صار الطاغية ، اليوم ، في قاعدة باغرام بأفغانستان ، أو غوانتانامو … للإستنطاق .
قال الأميركيون إنه كان جدّ متعاونٍ معهم في التحقيق الأولي . الأمر ليس عجيباً ، فالأبُ يستردّ ابنَــه الضالّ .
كنت أتمنى أن يحاكم قضاةٌ عراقيون أحرارٌ ، في عراقٍ حرٍّ ، صدام حسين . وإلى أن يأتي ذلك اليوم سيظل الشعب العراقي ، دهراً ، في قبضة المحتلين ، وعملائهم الذين جيءَ بهم مثل ما جيءَ بسلفهم غيرِ الصالح .
لندن 14/12/2003