|
حوار مع فرويد - 5
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 2203 - 2008 / 2 / 26 - 10:42
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
+ لقد وصفت عصاب القهر بأنه دين خاص مشوه ، والدين بأنه عصاب قهري عام . هل يعني هذا انك لا تؤمن بالدين ؟ . اننا حاولنا ان نحدد للدين مكانة في تاريخ تطور الانسانية ليبدو انه كسب خالد ، بقدر ما يبدو انه نظير للمرض النفسي الذي لا بد ان يجتازه الانسان المتحضر وهو يتطور من الطفولة الى سن النضج ، وكان التحليل النفسي اخر ما تصدى بالنقد للنظرية الدينية الى الكون ، اذ رد اصل الدين الى عجز الطفولة وقلة حيلتها ، كما رد مضمونة الى بقاء رغبات الطفولة وحاجتها حتى سن النضج . وهذا لا يتضمن على التحديد دحض الدين ، لكنه تهذيب ضروري لمعلوماتنا عنه على اننا لا نتناقض مع الدين الا حين يدعي انه ذو أصل الهي .
+ اذا كان تاريخ نشوء غريزتي الحياة والموت يعود ـ من وجهة نظرك ـ الى اللحظة التي نفخت فيها الحياة في المادة الجامدة . فاين يبدأ تاريخ نشوء الدين ؟ فرويد : في التصور البدائي للكون الذي ينسب الارادة للجمادات مبدأ المغالاة في تقدير اهمية الواقع النفسي، واكتشفت مبدأ ( القدرة المطلقة للافكار ) الذي يوجد بدوره في اساس السحر , ومضيت في مقارنته نقطة فنطقة بعصاب الوسواس القهري ، فبينت ان كثيرا" من مسلمات الحياة النفسية البدائية لا تزال فعالة في ذلك الاضطراب الغريب . ولكن كثيرا" ما اجتذبتني في الطوطمية ـ اول اساليب النظام الاجتماعي في القبائل البدائية ـ اسلوب اتحد فيه النظام الاجتماعي بدين ساذج ، وسيطرة صارمة لعدد ضئيل من نواهي التابو . في ذلك النظام الكائن المقدس هو دائما" وابدا" حيوان تدعي القبيلة انها انحدرت منه , ومن الدلائل الكثيرة ثبت ان كل جنس من الاجناس ايا" كانت درجة رقيه قد مر لا محالة بطور الطوطمية . كانت نقطة بدايتي هي ذلك التقابل البارز بين الامرين اللذين حرمتهما الطوطمية ، أعني ( تحريم قتل الطوطم وتحريم الاتصال الجنسي بأية امرأة من عشيرة الطوطم نفسها ) وعنصري عقدة اوديب ( قتل الاب واتخاذ الام زوجا" ) . ولم يبق الا القليل كي اقرر ان قتل الاب هو نواة الطوطمية ونقطة البداية في نشأة الديانة .
+ لنتحدث عن السياسة : لقد كان " فلهم رايش " أحد المقربين اليك ، فقد كان عضوا" في جمعية فيينا للتحليل النفسي عام 1920 . ولكنه اضطر في ما بعد الى ان ينفصل عن التحليل النفسي لأسباب سياسية ، لان ( رايش ) كان عضوا" في الحزب الشيوعي النمساوي ثم عضوا" في الحزب الشيوعي الالماني الذي قرر طرده باعتباره مضادا" للثورة . فهل لحركة التحليل النفسي موقف سياسي معين ؟. وبالمناسبة ، لقد وصفك ( براون ) بانك خير معبّر عن برجوازية فيينا ، في حين يعدّك ( رايش ) ثوريا" وناقدا" للاخلاق البرجوازية ويتفق معك في دور الجنس في حياة الانسان والتطور الاجتماعي بشكل عام فانت تعتبر الغريزة الجنسية : (( هي السيد المطاع الذي يسيطر على الافراد والامم . وكثيرا" ما يتوقف تاريخ الشعوب والأسر على الاهواء التناسلية )). وان " رايش " عزا سبب الحرب العالمية العظمى الى الحياة الجنسية غير المشبعة للقيصر وللارستقراطية . فرويد : هنا يجب ان اجيب عن ثلاثة اسئلة ، " رايش " والجنس والماركسية . في ما يتعلق بقولي أعلاه عن الجنس ، فان المعارضين لنا اعلنوا بعد انتهاء الحرب العظمى عام 1918 ، ان الاحداث تمخضت عن برهان قاطع ينفي صحة التحليل النفسي . قالوا : ان عصاب الحرب اثبت ان العوامل الجنسية ليست ضرورية في تقليل الاضطرابات العصابية . بيد ان انتصارهم كان فجأ . فمن ناحية ، لم يستطيع أحد ان يقوم بتحليل كامل لحالة واحدة من حالات عصاب الحرب. فلم يعرف اي شيء معرفة اكيدة بخصوص الدوافع، ولم يكن بوسع احد ان يخلص من هذا الجهل بنتيجة ما . وبخصوص " رايش " فقد كنت مدير تحرير المجلة الدولية للتحليل النفسي ، وكنت استلمت بحثا" له ترددت كثيرا" في نشره مع التعليق التالي الذي اضيف بأسم هيئة التحرير : ( ثمة ظروف خاصة تدعو الناشر الى ان يلفت نظر القارىء لنقطة يأخذها عادة مأخذ التسليم . ان هذه الصحيفة في اطار التزامها بالتحليل النفسي تعطي لكل كاتب من كتّابها الحرية الكاملة في أبداء رأيه الخاص ، ومن ثم فانها غير مسؤولة على الاطلاق عما تتضمنه هذه المقالات من اراء خاصة بأصحابها . ولكن فيما يخص مقال دكتور " رايش " فاننا نريد ان نحيط القارىء علما" بأن كاتب المقال عضو بالحزب البلشفي ، ومن المعروف الان ان البلشفية تفرض على البحث العلمي قيودا" وحدودا" تماثل ما تفرضه الكنيسة ) . اما الماركسية ، فان بعض القضايا في نظرية " ماركس " تبدو غريبة في نظري ، كالقول بأن تطور أشكال المجتمع يخضع لقوانين طبيعية ، وان التغيرات التي تتناول الطبقات الاجتماعية يصدر بعضها عن بعض نتيجة لعمليات جدلية ومنطقية . انهم ـ الماركسيون ـ يميلون الى ان يرجعوا الطبقات في المجتمع الى الصراع الذي يقوم ، منذ بدء التاريخ ، بين مختلف العشائر ، فقد كانت تلك العشائر يختلف بعضها عن بعض اختلافا" طفيفا" . والرأي عندي ان الفوارق الاجتماعية ترجع الى هذه الفوارق الاصيلة بين القبائل أو السلالات . اما ما كان يرجح كفة النصر فعوامل نفسية كمبلغ العدوان المجبول في النفوس ، أو درجة التماسك بين افراد العشيرة ، وعوامل مادية كامتلاك اسلحة امضى وافضل . حتى اذا ما قدر للعشائر المختلفة ان تعيش معا" على صعيد واحد ، اصبح المنتصرون سادة والمهزومون ارقّاء . وليس في كلّه ما يشير الى قوانين طبيعية والى تطور الافكار . ومن جهة اخرى لا يفوتنا ان نعترف بما لتحكم الانسان المطرد في قوى الطبيعة من تأثير بالصلات الاجتماعية بين الناس . ذلك ان الناس جبلوا على ان يضعوا كشوفهم العلمية الجديدة طوع ما لديهم من حاجة الى العدوان ، فيستخدمونها بعضهم ضد بعض . فاكتشاف المعادن والبرونز والحديد قضى على بعض عصور الحضارة وما يصحبها من تنظيمات اجتماعية . كما اعتقد في الواقع ان البارود والاسلحة النارية قلبت عهد الفروسية واطاحت بسيطرة الطبقة الارستقراطية . وان الاستبداد الروسي كان مقضيا" عليه حتى قبل ان يخسر الروس الحرب . لأن اي قدر من التزاوج بين الاسر الحاكمة بأوربا ، لم يكن يتسنى له ان ينجب سلالة من القياصرة تستطيع ان تثبت امام القوة المتفجرة للديناميت .
+ هناك من يصف نظريتك بانها تشاؤمية . ويدلل على ذلك بما جاء في كتابك ( مستقبل وهم ـ the future of an allusion ) فهل كان لفلسفتي " نيتشه وشوبنهور " تأثير عليك ؟ فرويد: ان الاتفاق الكبير بين التحليل النفسي وفلسفة " شوبنهور " لا ينبغي ان يرد الى وقوفي على تعاليمه . فقد قرأت " شوبنهور " في وقت جد متأخر من حياتي . اما " نيتشه " ذلك الفيلسوف الذي طالما تتفق تخميناته واحداسه اتفاقا" عجيبا" مع كشوف التحليل النفسي الشاقة ، فقد تجنبته زمنا" طويلا" لنفس السبب .
+ دكتور فرويد ، هل تؤمن بالأرقام السحرية ؟ فرويد : مثلا"؟
+ السبعة . فالحكماء سبعة ، وكنائس أسيا سبع ، والليالي التي اهلكت قوم " عاد " سبع ، وان " أهوار مزدا " الذي وصفه " زرادشت " ــ وانت مولع به ــ له سبع صفات : النور والعقل الطيب والحق والسلطان والتقوى والخير والخلود ، ووصايا الكنيسة سبع : اسمع القداس ايام الاحد والاعياد والمأمور بها وانقطع عن الزفر يومي الاربعاء والجمعة واعترف بخطاياك للكاهن ولو مرة في السنة وتناول القربان المقدس ولو في عيد الفصح واوف البركة وامتنع عن الاكليل في الازمنة المحرمة ، وعجائب الدنيا سبع ، والفضائل سبع ، والقناديل التي ترشد الناس الى طريق الخلاص في الكوميديا الالهية سبع ، وختم سليمان ذو رؤوس سبع ، وهنالك عادة متبعة عند قبائل البونيرو ــ وهذه تهمّك جدا" ــ تقوم على اختيار ملك زائف كل عام من عشيرة معينة بالذات وهم يفترضون انه يتقمص شخصية الملك الراحل ويباح له بذلك الاتصال الجنسي بارامله في المعبد الذي دفن فيه الملك ثم يقتلونه بعد ان يحكم سبعة أيام ، وان البقرات العجاف والسمان سبع ، وقد اعتبرت ــ في كتابك تفسير الاحلام ــ البقرات السبع السمان التي اكلتها البقرات السبع العجاف بديلا" رمزيا" لسبع سنين من المجاعة ، ولكل اله او ملك سبع ارواح ، وان سفر الرؤيا يذكر ان الله يوم القيامة يفتح كتاب الاقدار ويفض الاختام السبعة . فرويد : فيما عدا الاختام السبعة فليست لي علاقة بالرقم سبعة ، والاختام السبعة هي : انا و جونز ، اينجون ، ابراهام ، رانك ، ساكس ، وفرنتزي ، وقد اهديت لكل واحد منهم حجرا" اثريا ليرصّع به خاتما" ، رمزا" للرباط الوثيق بضم حركة التحليل النفسي .
+ وانا متفق معك بأنه ليست لك علاقة بالرقم سبعة ، ولكن علاقتك برقم سحري أخر هو ( 3 ) فهناك اكثر من ثالوث في نظريتك . فرويد : كيف ؟
+ أحسب معي لو تكرمت : لقد قسمت الشخصية الى ثلاثة اقسام هي : الأنا والأنا الدنيا والأنا العليا . ( وربما كان لهذا علاقة بــ " الله والابن وروح القدس " ) والعقل من وجهة نظرك ينقسم الى ثلاثة اقسام هي : الشعور وما قبل الشعور واللاشعور . والمناطق الشهوية في الجسم ثلاث هي : الفم والمخرج والاعضاء التناسلية . ( وبالمناسبة فانك تفحص ان كان التدخين فمّيا" لاننا نمسك السيكارة بفمنا ، أو أنه شرجي لان السيكارة تخّلف رمادا" ، او انه تناسلي بسبب شكل السيجارة ! ) ومراحل النمو الجنسي ثلاث هي : مرحلة قبل التناسلية ،ومرحلة الكمون ، والمرحلة التناسلية . وان عقدة اوديب لها ثلاث حالات : سالبة أو موجبة أو مقلوبة . والنظام والبخل والعناد صفات ثلاث للشخصية توجد معا" بانتظام . والدوافع ثلاثة اصناف : سادية ومازوخية ونرجسية . هه ، كم اصبح العدد ؟ فرويد : سبعة !
+ حسنا" لا اطلب تفسيرا" لذلك ، ولكن يصف البعض نظريتك ومنهجك في البحث كالبيت الذي كتب على واجهته : ( اهجروا كل منطق يا من تدخلون هنا ) اي ان المعايير العلمية لا تنطبق على التحليل النفسي . وبالتالي فان التحليل النفسي ليس علميا" ، بل هو خليط من احتمالات بعيدة في براعة على نحو يجعلها تبدو معقولة للبعض .. فما هو رأيك ؟ فرويد : لقد بدأ لي ان الحائل الرئيسي دون تسليم المناوئين بالتحليل النفسي ، انهم عدّوه نتائج شطحاتي الخيالية ، واصروا على الا يؤمنوا بالعمل الطويل المثابر غير المتحيز الذي ادى اليه . وحيث ان التحليل النفسي لا شأن له في زعمهم بالملاحظة او التجريب، احّلوا لانفسهم رفضه دون تجريب . في حين ان غيرهم ممن كانوا اقل يقينا" بتلك الحجة ، كانوا في مقاومتهم يصطنعون الحيلة القديمة ، واعني رفض النظر من خلال الميكرسكوب حتى يتجنبوا رؤية ما انكروه.
+ ولكنك تقول عن اعمالك ما نصه : ( ولعل بعضهم يسألني عن مدى اقتناعي بصحة الفروض التي قدمتها . وجوابي على هذا انني انا نفسي غير مقتنع بها ، ولا اطلب من الاخرين ان يؤمنوا بها . وبعبارة افضل انني لا اعرف مدى ايماني بها ) . فرويد: مع ذلك فأنني حين انظر الى ما اديته من اعمال ، اجد نفسي انني وضعت كثيرا" من البدايات . واوحيت بكثير من الامور التي سيخرج منها شيء في المستقبل ولو انه لا يسعني ان اتكهن كثيرا" ام قليلا" عما سيكون ، غير انني اعرب عن رجائي في ان اكون قد شققت الطريق الى تقدم هام في المعرفة الانسانية .
+ شكرا" دكتور فرويد.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع فرويد -4
-
حوار مع فرويد -3
-
حوار مع فرويد - 2
-
حوار مع فرويد
-
ماركس ولينين ام فهد وسلام ؟!
-
بعض الأمراض النفسية في قوى اليسار العراقي
-
البديل المنقذ لعراق مدني ديمقراطي ..وساطة لتوحيد قوى اليسار
-
البديل المنقذ لعراق مدني ديمقراطي / ملاحظات على دعوة ..ودعوة
...
-
العلم العراقي ..المقترح اقراره
-
ذكريات مع الدكتور علي الوردي
-
العراقيون ...شعب أسطوري !
-
العراقيون في عام 2020
-
كاظم الساهر..والعراقيون
-
الحوار المتمدن .. تكريم لضحايا الفكر
-
العراقيون وسيكزلوجيا التطير
-
المرأة ..والعراف
-
العراقي ..وسيكولوجيا الهوس السياسي
-
مركز دراسات المجتمع العراقي من الفكرة الى التأسيس
-
سلطة الرمز الديني في لاوعي الشخصية العراقية
-
النفاق والازدواج في الشخصية العراقية( القسم الثاني :ازدواج ا
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|