أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عادل الخياط - حكاية رجل الأنترنت الذي فقد عقله















المزيد.....


حكاية رجل الأنترنت الذي فقد عقله


عادل الخياط

الحوار المتمدن-العدد: 683 - 2003 / 12 / 15 - 03:15
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 تلك الحكايه حدثت في بلاد الإغتراب البعيده .. البعيده التي لا تتكلم لغة بني يعرب ... وفي تلك البلاد النائيه لا شك ان الغربة تختلف إختلافا جوهريا عن البلاد التي تربطك بها قواسم مشتركه كاللغه والتقليد الإجتماعي والدين وغيرها - واللغه هنا بالنسبة للإنسان العربي هي الأهم - حيث إنها مفتاح المعرفه بالعالم الجديد ... وبطبيعة الحال انها تحتاج زمن قد يمتد شهور وربما سنين , حسب المقدرة على الإستيعاب , وهذا الأمر أكثر إحتمالا لإناس أتو مُثقلين بهموم عذابات طويله ... وبعد حصولك على رصيد ما من هذه اللغه تحتاج أيضا الى زمن لتفهم واقع هذا العالم الجديد : ثقافيا وإجتماعيا وإقتصاديا وقانونيا .... والجانب الإقتصادي لا شك هو الأهم  ..
وأعني به هنا - هو كيفية ترشيد دخلك وسط عالم إستهلاكي  محض
وهذا الأمر أيضا سوف يكون أصعب بخصوص لاجئين ومهاجرين أتو من دول تختلف جذريا في أنظمتها الإقتصاديه - ما أعنيه ان شخصا يأتي من سوريا مثلا أو مصر أو العراق وغيرها من الدول التي على نفس الشاكله , الى استراليا أو السويد أو أمريكا .. هذا الشخص غير الآخر الذي يأتي من ايطاليا مثلا الى مثل هذه الدول .. الذي مثلنا عليه أن يفهم ذلك بالضبط أو إنه سوف يتعرض الى منغصات كثيره ... وبالنسبة للعراقيين لا  ريب ان الأمر أصعب .. ففي زمن " الحصار " صار لزاما عليك مساعدة " أهلك " في العراق وعائلتك في بلاد الغربة إذا كانت عندك عائلة ...
وعملية ترشيد الدخل تذكرني  بقول لهؤلاء القوم الذين أعيش بينهم .. قول يقول : إنك تعمل لأجل أن تدفع الفواتير : التلفون , وكيبل التلفزيون , والأنترنت , وتأمين السياره , وأجار البيت , وكراج السياره , والكهرباء وأحيانا الماء ... وغيرها من الفواتير .. بالطبع تضف إليها الأكل والشرب والملابس وإذا كنت تدخن السجائر .. ليأتي آخر الشهر - أو منتصف الشهر , لأن هنا كما تعلمون , الأغلبيه " تقبض " كل إسبوعين - أجل يأتي " الجيك " القادم وجيبك فارغ !!
بطل حكايتنا إستطاع أن يُسيطر على كل تلك النفقات , بل إن ترشيده يُعبر عن عقل إقتصادي كبير , بغض النظر عن إنه خالي الوفاض من  المساعدات المرسلة الى العراق , فهو حسب إدعائه ليس صاحب مسؤوليات في هذا الجانب .... لكن تلك السيطره لم تأتي من فراغ , فهو كاتب ومثقف وصاحب تجربة مأساويه, كذلك هو يمتلك خبرة طويله في بلاد المهجر ... لقد جاءت إستطاعته من خلال برمجته للدخل الذي يتقاضاه مع نفقاته , ومن خلال ذلك إستطاع أن يجمع بعض المال ليُحقق أُمنيته ... كان طموحه الأول أن يشتري كومبيوتر , لأنه كما قلت كاتب ويحتاج الى الإتصالات الألكترونيه مع دور النشر والصحافة والكتاب والمثقفين ....لكن طموحه هذا كان يصطدم دائما بطموح زوجته التي كانت ترغب في شراء " ستلايت " , فهي كانت ترغب في مشاهدة الفضائيات العربيه وما تحتويه من أفلام وتمثيليات وبرامج عربيه , كما إنها كانت تريد أن تُعود " أُذن " إبنتها الصغيره على اللغه العربيه .. عليه فحين جمعا المال الكافي لشراء أي من الجهازين - حدث شجار بينهما , وقد كان رجل الأنترنت أكثر تعنتا وتشبثا برأيه وطموحه غير المحدود , كان يقول لها : ألا تفهمين يا إمرأه , مليون مرة قلت لك إن الأنترنت بالنسبة لي أشبه بالماء للسمكه , هل تستطيع السمكه الإستغناء عن الماء , أنا نفس الحالة إذا لم أحصل على الأنترنت فسوف أُصاب بسكتة دماغيه! هل ترتضين لي أن أموت وتدفنينني بيدك وتظلين تنوحين علي أنت وإبنتك وتتيتم إبنتنا بسبب ذلك .... فقالت له وأنا وإبنتك  , ألا تفكر فينا .." فإلتهبت أعصابه وأخذ يزعق قائلا : لاأستطيع .. لا أستطيع ... وإزداد زعاقا .. ثم شق قميصه قبالتها وهو يقول : يا إمرأه لا أستطيع الإستغناء عنه.. ليس عندي قدرة على البقاء منعزلا يجب الإتصال بالمواقع,   نحن ليس في زمن الحزب الواحد .. لسنا في زمن الجريدة المركزية الواحدة .. ولى ذلك الزمن .. نحن الآن في زمن الأنترنت .. مئات .. آلاف .. ملايين المواقع ... " وعلى اثر صراخه حظر الجيران وفي ظنهم ثمة شيء قد حدث , وزوجته تحاول تهدئته .. وعلى أثر ذلك وافقت الزوجة المسكينة على شروطه وتنازلت عن الفضائيات العربية وبرامجها الحلوة .....
وإشترى الكمبيوتر  مُشتركا مع شبكة الإتصال التي ربطته مع الأنترنت .... ومرت الأيام والشهور وهو يراسل المواقع والصحف ويتصل بالمثقفين والكتاب .. والمسكينة زوجته يوميا يصاب رأسها مع إبنتها بالدوار من رطانة التلفزيون بتلك اللغة الغريبة , فينامان من شدة الصداع ..
لكن ذات يوم فتح رجل الأنترنت بريده , أعني صندوق بريده وليس بريده الأنترنيتي .. فتحه فوجد فاتورة الإتصالات , وحين دخل بيته وفتحها وجد مبلغا يُعادل أو أكثر من فواتيره السابقة بحوالي عشرة أضعاف مع تحذير إنه إذا لم يدفع الفاتورة خلال ساعتين فسوف يُقطع عليه الأنترنت .. فإندهش .. وداهمه الخوف , بل أخذ وجهه يتلون بمختلف الألوان .. ثم أخبر زوجته بتلك الصاعقة التي حلت عليه , لكن زوجته لم تكترث وإنصرفت عنه , فصاح عليها أين ذاهبة , تعالي شوفي هذي المصيبة التي حلت علينا , يريدون عشرة أضعاف المبلغ ." .. فقالت : وماذا أفعل ؟" .. فقال : لا أعرف , فكري معي ." .. فقالت له : بيع الكمبيوتر وسدد , - وأضافت- قلت لك ستلايت , هذي شارتي , الله ما يضرب بعصا ".. فقال لها بعصبية: أية شارة يا مُتخلفه, ثم ماذا  تقولين أبيع الكومبيوتر , ابيع حُلم حياتي ." .. فقالت وماذا تفعل ؟ " .. فقال : لا أدري , والمشكله بعد ساعتين يريدون المبلغ , والمشكلة الأخرى سيقطعون كل شيء التلفون والكهرباء ." .. فصاحت : ماذا ؟ .. فقال : نعم , لأن شركة الإتصالات هي نفسها شركة الكهرباء .. " .. فأخذت تلطم على وجهها وتصيح : يا مصيبة الأنترنت .. يا مصيبة الثقافه , منين طلعتنه الثقافه.. " .. فصاح عليها : اسكتي .. اسكتي , ولا كلمه , أنا مصيبتي معك مثل مصيبة " سقراط مع زوجته .. وأضاف : رحمة الله على روحك يا شوبنهاور على قولك : الأغبياء فقط يقولون إن المرأة هي الجنس اللطيف , لأن القول المناسب لها هو : انها الجنس الذي لا يعشق الفن . " ...... ثم طرأت عليه فكرة الذهاب الى الشركه لسؤالهم عن سبب الزياده , لأنه ربما هناك خطأ ما ... فخرج متوجها الى مقر الشركه .. وحين سألهم عن السبب , تبين - ان ثمة إتفاقا بينه وبينهم  حول الميزانيه , ويستند هذا الإتفاق على دفعْ مبلغ محدد وبإستخدام الأنترنت لساعات طويله , لكن الواضح انه لم يفهم الإتفاق بصورة دقيقه , فصحيح ان تلك الميزانية ساعاتها كثيره , ولكن محدده في نفس الوقت , فإذا تجاوز عدد الساعات سوف يُحسب عليه وقت إضافي , وإذا إستخدم أقل من ساعات الميزانيه فسوف يتحتم على الشركه جمع كُلفة الساعات الغير مستخدمة ثم إرجاعها إليه , لذلك فإن المبلغ الذي يجب دفعه والمضاعف عشرة مرات أكد أستخدامه الغير طبيعي للأنترنت .... فرجع مُنكسرا , يُجرجر خطواته وقد إحتواه اليأس المطبق لا يدري ماذا يفعل .. وزوجته تندب حظها قائلة : ماذا نفعل , حتى الطعام سيفسد في الثلاجه . " .. وقامت له وقالت بقوة : لازم تبيع الكومبيوتر , سوف نموت من الجوع , ماذا أفعل , لا ذهب عندي أبيعه ولا فضه , وحتى التلفزيون إشتريناه مُستخدم ولو بعناه سعره لا يأتي بشيء, قلي , جاوبني , ماذا نفعل ؟ " ........... لكنه ظل صامتا , ولم يستطع حتى على الإيماء ... المشكله انه حتى لا يستطيع أن يأخذ دينا من البنك لأنه لا يعمل - حيث انه يعيش على نفقات الدولة الإجتماعيه - والبنك يريد ضمانة للقرض .... إذن ما العمل , الوقت يمضي ويجب حسم الأمر .. لكن قبل نهاية الوقت بقليل زاره أحد معارفه ... وحين شاهده على هذا الوضع إستغرب وسأله عن المشكله .. فاجابه بما جرى , ثم إستعطفه أن يُقرضه المبلغ , كذلك تدخلت الزوجه لدى ذلك الشخص لحل المشكله , فوافق ولكن أن يُسدد المبلغ في الوقت المحدد .. وجلب له المبلغ وإنتهت الأزمه ... لكن يبدو ان القدر المشؤوم كان بالمرصاد له .. لم تطل فرحته .. فقد إقتحم كومبيوتره فايروس قاتل وإنسد عليه الإتصال بالأنترنت ,فأخذ يندب حظه مرة أُخرى .. ثم حمل الجهاز لنقله إلى الشركه لتصليحه .. لكن في الساحة المواجهة لمبنى الشركه حدث ما لم يكن في الحسبان ؟ .. فحين أنزل الجهاز من سيارة الإجره ووضعه في أحدى العربات الصغار لنقله الى داخل مبنى الشركه , مسك هو مقود العربه وزوجته وضعت يديها على الكومبيتر مخافة أن يسقط من العربه , أثناء ذلك  خرج أحد الزبائن من مبنى الشركه وهو يحمل جهاز ستلايت , فأخذت زوجته تنظر إلى الستلايت  , إالى ذلك كان هناك صوت صبي يبيع الصحف قد أخذ يرتفع تدريجيا : إقرأ آخر الأخبار .. صحف اليوم .. إقرأ أخبار العراق ... " ..
وأستمرت زوجته تنظر إالى الستلايت , فأخذ ينبهها : إنتبهي يا إمرأه , الجهاز, إنتبهي إلى الجهاز . " .. فأخذت تنتبه تارة , وأُخرى عينها ملهوفة  على الستلايت .. وإزداد تنبيهه .. ومر صاحب الستلايت من جانبها , وتجاوزها , فظلت عيناها مشبوحة حتى نسيت يديها المُركزه على  الجهاز في العربه فسقط الجهاز على الأرض بقوة وتهشم وقد تزامن مع سقوطه صرخة عظيمه من رجل الأنترنت لالالالالالالالالالالالالالالا.. وهبط عليه حاضنا إياه وهو ينوح .. متناغما مع صوت الصبي بائع الصحف الذي إقترب منه وهو يصيح : إقرأ آخر الأخبار .. إقرأ ..... ثم وقف بقرب رأس المفجوع المطأطأ .. فرفع رأسه ونظر إلى الصبي  والدموع تهطل من عينيه وسأله : تخص من هذه الصحيفة ؟ ..... فصاح الصبي : إقرأ آخر الأخبار .. هذه صحيفة الحزب الشيوعي المعارض .. " .. فإنتفض رجل الأنترنت صائحا مهرولا ممزقا قميصه وهو يقول لالالالالالالالا  لا لصحيفة الحزب الواحده .. لا لمركزيةالصحيفة الواحده..  نحن في زمن الأنترنت .. مئات المواقع .آلاف المواقع.. ملايين... لالالالالالالالالالالالالالالالا



#عادل_الخياط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شجرة السلطان


المزيد.....




- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عادل الخياط - حكاية رجل الأنترنت الذي فقد عقله