أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - ما هي الأهداف الكامنة وراء قرار حصر منح العقود بالشركات الأمريكية في العراق؟















المزيد.....


ما هي الأهداف الكامنة وراء قرار حصر منح العقود بالشركات الأمريكية في العراق؟


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 682 - 2003 / 12 / 14 - 06:40
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


أصدر الرئيس الأمريكي جورج بوش قراراً جديداً حول حصر منح العقود الاقتصادية لإعادة إعمار العراق بالدول التي ساندت الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد النظام العراقي ومنعه ثلاث دول رأسمالية متقدمة من حق التمتع بتقديم عروض للحصول على تلك العقود, وهي فرنسا وألمانيا وروسيا وربما كندا عملياً رغم عدم ورود اسمها ضمن الدول الممنوعة. سأتناول معالجة هذا الموضوع الحيوي من جانبين, ثم أتطرق بالإشارة إلى مدى تأثير هذين الجانبين على الواقع العراقي الراهن وتطوره اللاحق.

أولا: سياسة الولايات المتحدة الأمريكية     

مارست الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات المنصرمة سياسة اتسمت بالرغبة الجامحة في الهيمنة على العالم  وفرض سياستها العولمية واللبرالية الجديدة على جميع بلدان العالم بعد انهيار القطب المواجه لها وكامل المعسكر الاشتراكي, وأصبحت تشكل الدولة الأعظم والقطب الأوحد. إلا أن غياب القطب الثاني فسح في المجال إلى بروز وتجلي الصراعات التي كانت قبل ذلك مستترة بينها وبين بقية الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة, وخاصة مجموعة السبعة الكبار + واحد,  والتي تتخذ شيئاً فشيئاً أوجهاً ومسارات جديدة وتخلق مصاعب جديدة للعالم, إضافة إلى احتدام الصراع بين الولايات المتحدة والدول الرأسمالية المتقدمة وبين الدول النامية التي تشكل أكثر من 80 % من نفوس العالم. ويمكن أن يلاحظ ذلك على صعد الاقتصاد والتجارة والمال والتقنيات الحديثة والبيئة والمواقف المختلفة من قضايا التسلح وفرض الحصار والعقوبات الاقتصادية والإرهاب الدولي ...الخ, وأخيراً من الحروب الوقائية أو الاستباقية التي تريد الولايات المتحدة الاستمرار في ممارستها. وكانت الحرب الأخيرة في العراق نموذجاً لها.
بغض النظر عن موقف مجموعة كبيرة من القوى السياسية العراقية التي ساندت الحرب ضد النظام العراقي وسقوط هذا النظام, والذي لم يكن رغبة منها في الاستعانة بالدول الأجنبية, بل نجم عن ثقل العبء الذي تحمله الشعب العراقي, ومعه كل القوى السياسية العراقية, طيلة 35 عاماً تحت وطأة نظام استبدادي شمولي كان لا يعرف غير لغة القتل إزاء كل المعارضين أو حتى المختلفين جزئياً معه في الداخل ومع دول الجوار, وأقام من المقابر الجماعية ما يعجز الإنسان عن وصف مأساة الضحايا التي تعد بعشرات الآلاف وعوائلهم والتي ينبغي لها أن لا تنسى بسهولة وسرعة, فأن الحرب ذاتها لم تكن شرعية وفق القانون الدولي ولائحة الأمم المتحدة أو الشرعة والقواعد والأعراف الدولية. ورغم أن العراق كان يمتلك السلاح الكيماوي والسلاح البايولوجي واستخدم السلاحين في الحرب ضد إيران, كما استخدم السلاح الكيماوي في حربه العدوانية ضد الشعب الكردي وضد سكان الأهوار, فأن الولايات المتحدة لم تعثر على هذه الأسلحة حتى الآن بعد أن تم تدميرها في سنوات العقد الأخير من القرن العشرين وقبل انسحاب أجهزة التفتيش والمراقبة الدولية على أسلحة الدمار الشامل من العراق, مما عمق من عدم مصداقية حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وأضعفا ثقة شعوبهما بهما وبالأجهزة الأمنية العاملة في البلدين. وبالتالي, فأن الولايات المتحدة التي رفضت الالتزام بالشرعية الدولية, كان عليها أن تبدأ بعملية مصالحة مع العالم الذي رفض الحرب وليس الغوص في إصدار قرارات جديدة لا تحظى بالشرعية الدولية, خاصة وأنها بحاجة إلى دعم العالم كله لما بدأته في العراق. فالعراق الذي تحقق له الخلاص من صدام حسين ونظامه الدموي بمعونة الولايات المتحدة, لم يتخلص بعد من الحرب والخراب والفوضى والتدمير والموت المستمر. وفي حقيقة الأمر ليست الولايات المتحدة بحاجة إلى دعم العالم كله فحسب, بل الشعب العراقي قبل كل شيء وبشكل مباشر بحاجة ماسة إلى دعم وتأييد ومساعدة جميع دول العالم, لكي يستطيع التغلب على التحديات التي تواجهه والمصاعب والعقبات التي تعترض طريق إنهاء النشاط الإرهابي التخريبي وإعادة بناء الاقتصاد وتأهيل المجتمع للحياة الجديدة لا في ظل الدكتاتورية أو الاحتلال بل في ظل الحرية والديمقراطية وسيادة حقوق الإنسان والاستقلال والسيادة الوطنية. ولكن استمرار الوضع في العراق على النحو الراهن سيؤثر سلباً على انتخابات الرئاسة القادمة بالنسبة إلى الرئيس الحالي وستهدده بعدم انتخابه ثانية, وبالتالي يخسر الفريق المحيط بالرئيس الأمريكي من المحافظين الجدد وأتباع التشدد في فرض سياسة اللبرالية الجديدة مواقعهم وقدرتهم في التأثير.
إن القرار الأخير للرئيس الأمريكي يعكس في حقيقة الأمر ثلاث مظاهر سلبية في العلاقات الدولية يصعب الاستمرار عليها دون أن تؤدي إلى تفاقم المشكلات الدولية, وهي:
1. إنها محاولة جادة وغير مسؤولة لفرض سياسة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم كله على طريقة الصيادين القوى والضعيف حيث قال الأول للثاني: تريد أرنباً, خذ أرنباً, تريد غزالاً خذ أرنباً.
2. إنها محاولة جادة وغير مسؤولة تريد فرض سياسة الأمر الواقع ومعاقبة من يختلف في مواقفه عن السياسة الأمريكية حتى لو كانت أكثرية شعوب ودول العالم, فالإرادة الأمريكية في ظل سياسة المحافظين الجدد واللبرالية الجديدة المتوحشة تريد أن تخضع العالم لإرادتها مهما كان الثمن.
3. إنها تعيد أجواء الحرب الباردة بين الدول إلى الساحة السياسية الدولية والتي برزت أولى ثمارها في الصراعات الأوروبية-الأمريكية بما في ذلك في إطار سياسة الحلف الأطلسي والرغبات والمصالح الأوروبية التي تختلف عن الرغبات والمصالح الأمريكية العسكرية, أو البدء بنشر الأسلحة الحديثة المضادة للصواريخ العابرة للقارات أو إقامة المزيد من القواعد العسكرية في مختلف بقاع العالم, أو محاولة الاقتراب بقواتها العسكرية تدريجاً من الحدود الروسية وإيجاد قواعد عسكرية لها في جورجيا وفي غيرها من الجمهوريات السوفيتية السابقة, أو الاقتراب من الصين الشعبية, أو إنتاج أجيال جديدة من الأسلحة النووية ذات الأغراض الخاصة ... الخ.
إن السياسات الأمريكية الجديدة تجد الرفض الواسع في العالم وستنعكس, شاء الإنسان أم أبى, على العلاقات الدولية وعلى علاقة الشعوب الأخرى بالولايات المتحدة وبشعبها أيضاً مما لا يجوز السماح به, إذ أن مصلحة العالم تكمن في سيادة علاقات الود والصداقة والسلام بين جميع شعوب وبلدان العالم, ومنها الشعب الأمريكي والولايات المتحدة.
إن قرار الرئيس الأمريكي الأخير لا يكرس خرق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي فحسب, بل يواصل ممارسة أخطاء جديدة تتعارض مع القانون الدولي. فالرئيس الأمريكي وقد اتخذ قرار منع الدول الثلاث أو الأربع من المشاركة في الحصول على عقود إعادة إعمار العراق, باعتبارها مساعدات أمريكية للعراق, لم يكن يعرف بأن القانون الدولي يمنع احتكار الحصول على عقود لدولة أو مجموعة من الدول الأخرى, لذلك قال بأن سيعود في ذلك إلى محاميه. فهل من المعقول لرئيس الدولة الأعظم في العالم أن لا يدرس قراراته من كل جوانبها قبل أن يسعى إلى فرضها على العالم. إننا بذلك نستطيع تقدير مدى الأخطاء الفادحة التي ترتكبها الإدارة الأمريكية في العراق منذ وصول القوات الأمريكية إلى بغداد بسبب عدم دراسة قراراتها بصورة جيدة وواقعية. وما الفوضى التي تعم البلاد حالياً سوى نتيجة لهذه السياسة المتعالية وغير الصائبة التي لا يعاني منها الشعب العراقي فحسب, بل قوات الاحتلال أيضاً.
إن المساعدات المالية التي قررت الولايات المتحدة تقديمها للعراق ينبغي أن :
• تكون تحت تصرف مجلس الحكم الانتقالي وليس سلطة الاحتلال. فالمساعدات المالية السنوية السخية التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية إلى إسرائيل مثلاً لا تتدخل الأخيرة في كيفية تصرف إسرائيل بتلك المساعدات المالية السنوية أو الجهات التي تنفذ المشاريع التي يراد إقامتها بتلك المساعدات, وكذا الحال بالنسبة للمساعدات السنوية التي تقدم إلى مصر أو غيرها. من الممكن أن ترفض الولايات المتحدة صرف تلك الأموال على الأغراض العسكرية أو إقامة صناعة عسكرية, ولكن ليس من حقها احتكار إقامة تلك المشاريع بتلك المساعدات لصالح شركاتها الأمريكية.
• وأن يتم الإعلان عن إقامة تلك المشاريع بصورة علنية ووفق مناقصات دولية تستند إلى القانون الدولي وقبل فترة مناسبة تسمح للمنافسة الدولية للحصول عليها.
• أن تلتزم تلك المشاريع بالمواصفات الدولية المطلوبة وبالأسعار التنافسية وليس وفق الأسعار الاحتكارية التي تفرضها الشركات الأمريكية أو البريطانية وفق اتفاقات مسبقة في ما بين تلك الشركات.
• أن تستخدم الأموال في مصلحة الشعب العراقي وفق أسس التوفير الاقتصادي والابتعاد عن البذخ والإسراف في الصرف.
• وجود رقابة عراقية, كما يمكن الموافقة على رقابة دولية من الأمم المتحدة, على أسلوب صرف المبالغ المخصصة لمساعدة الشعب العراقي من جميع الدول بما في ذلك مساعدات الولايات المتحدة. ولا تسري القوانين المحلية للولايات المتحدة الأمريكية على العلاقات والمناقصات الدولية.
• لا يجوز حرمان أية دولة من المشاركة في المناقصات الدولية ما لم ترتكب تجاوزات على القانون الدولي يحرمها من المشاركة.
ومن هنا يمكن القول بأن قرار الرئيس الأمريكي هذا غير سليم وقابل للنقض وفق القوانين الدولية. ولكن ماذا تريد الولايات المتحدة من محاولة فرض مثل هذا القرار, خاصة وان هناك معلومات تشير إلى أن المشاريع قد منحت أساساً حتى قبل بدء الحرب في العراق.
1. انسياب الموارد المالية الممنوحة كمساعدة لإعادة إعمار العراق ثانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تلك الشركات, خاصة وأن المشاريع تمنح بمبالغ عالية جداُ ومبالغ في تكاليفها, في حين توزع تلك المشاريع على شركات ثانوية بمبالغ زهيدة جداً. وعلينا أن نشير هنا إلى ما تنشره الصحافة الأمريكية من تجاوزات في سبل منح مثل هذه العقود, وخاصة تلك التي حصلت عليها الشركات الأمريكية القريبة جداً وذات العلاقة المباشرة مع نائب رئيس الولايات المتحدة ديك جيني.  
2. تصدير التقنيات الأمريكية إلى العراق وربط العراق بمستوى معين منها يشد العراق إلى الاقتصاد الأمريكي ويربط عملية إعادة الإنتاج في العراق بعملية إعادة الإنتاج في الولايات المتحدة الأمريكية بتبعية ثابتة. وستبقى عملية استيراد الاحتياطي لأغراض التصليح أو التعويض أو المواد الأولية التي تدخل في صناعة تلك المشاريع مرتبطة بالشركات والأسواق الأمريكية.
3. إبقاء العراق معتمداً على الخبرات الأمريكية والفنيين الأمريكيين لسنوات طويلة لاحقة.
4. ضمان الهيمنة الفعلية على المفاتيح الأساسية للاقتصاد العراقي وللعملية الاقتصادية بمختلف مراحلها.
5. إبعاد حقيقي للشركات والدول المنافسة في الساحة الدولية عن الساحة العراقية والشرق الأوسط بشكل عام لضمان الهيمنة الفعلية على النفط واتجاهات التطور الاقتصادي في المنطقة وعلاقتها بالاقتصاد الأمريكي والشركات الاحتكارية الأمريكية, وهو جزء من الصراع السياسي والاقتصادي على الصعيد الدولي وفق الاستراتيجية الدولية للولايات المتحدة في مرحلة تطور مسيرة عملية العولمة.

ثانياً: سياسة الدول الأوروبية وغيرها

لم تكن مواقف الدول الأوروبية الغربية وكندا وروسيا والصين الشعبية وغيرها من الدول إزاء الحرب في العراق موحدة لا من حيث الهدف أو الأغراض ولا من حيث الأساليب والأدوات التي اتبعت في معارضة ذلك, رغم اتفاقها جميعاً على رفض هذه الحرب أولاً, وفي ضرورة تدمير أسلحة الدمار الشامل في العراق ثانياً إضافة إلى مكافحة الإرهاب الدولي ثالثاً, وخاصة ذلك الإرهاب المتفاقم من جانب قوى الإسلام السياسي الإرهابية المتطرفة. إذ كانت هذه الدولة تواجه محاولات الولايات المتحدة للسيطرة على العالم وعلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من جهة وتلاحظ بأن هذه العملية تستهدف توجيه السياسة الدولية بما يخدم مصالح الولايات المتحدة بالدرجة الأولى والرئيسية من جهة ثالثة, وأنها سوف تتعرض بالمحصلة النهائية إلى محاولات التدخل في شؤونها الداخلية والهيمنة على اتجاهات تطور سياساتها الخارجية والداخلية من جهة ثالثة. كما كانت لهذه الدول في العراق وفي الشرق الأوسط مصالح كثيرة يمكن أن تتعرض لمخاطر الضياع بسبب تلك الحرب وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العراق وعلى عموم منطقة الشرق الأوسط. فليست الديون وحدها التي لها بذمة العراق, بل بحيرة النفط التي يعوم عليها العراق والشرق الأوسط, إضافة إلى المشاريع الاقتصادية التي يمكن إقامتها هناك والأرباح التي يمكن أن تجنيها, دع عنك العوامل الأخرى التي تتحكم بهذا الموقف, وبشكل خاص العلاقة مع إيران من جانب روسيا واليابان وكذلك فرنسا وألمانيا. ولا شك في أن لمناهضة شعوب البلدان الأوروبية للحرب كان له بعض الدور, وليس الحاسم في كل الأحوال, في تطوير الموقف ضد الحرب في العراق. وكلنا تابعنا الصراع حول المصالح في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والتغيرات والمساومات التي طرأت على تلك المواقف قبل وبعد والتي كانت تشير إلى دور تلك العوامل وأوزانها المختلفة على الموقف من الحرب في العراق.
إلا أن الحرب قد انتهت ووافق مجلس الأمن الدولي على الأمر الواقع واعتبر العراق محتلاً بهدف حمايته من فرض الهيمنة الكاملة من جانب الولايات المتحدة وربط الأخيرة بالمعاهدات الدولية, وخاصة اتفاقية جنيف, بهذا الصدد. في أعقاب الحرب نشأت ظروف جديدة لا بد للدول الأوروبية وروسيا والصين وكندا وغيرها أن تأخذها بنظر الاعتبار في مواجهة الواقع العراقي. فإلى جانب أهمية الإصرار على ضرورة إنهاء الحصار على العراق بأسرع وقت ممكن, كان وما يزال يتطلب الأمر المشاركة الفعلية من جانب هذه الدول في إصدار قرارات عقلانية وليس تحت الضغط الأمريكي بثلاثة اتجاهات, وهي:
• الإصرار على تحديد موعد مناسب, بحدود سنتين مثلاً, لإنهاء فترة الانتقال وخروج القوات المحتلة من العراق ورفض تمديد الفترة,
• الإصرار على تشكيل قوة دولية بقيادة الأمم المتحدة, ومعها القوات الأمريكية والبريطانية, وعدم الموافقة على بقاء الولايات المتحدة مسؤولة وحدها عن الوضع في العراق والقبول بقدر معين من التضحيات من جانب الأمم المتحدة لإحلال السلام في العراق ووضع العراق على طريق الديمقراطية والاستقلال.
• الإصرار على نقل السلطة مباشرة إلى أيدي قوى المعارضة العراقية التي ناهضت نظام صدام حسين العداء وبالتحالف مع القوى السياسية الأخرى التي كانت تعمل في الداخل أيضاً والتي لم تكن ضمن التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية. وتسليم السلطة إلى مجلس الحكم الانتقالي يعني تسليم الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية والعلاقات الدولية دون تدخل مباشر من جانب الولايات المتحدة. وهذا لا يعني عدم التعاون معها ومع الأمم المتحدة في هذا الصدد.
إلا أن كل ذلك لم يحصل بالطريقة السليمة وبدأت الدول الأوروبية تخلق المشاكل للولايات المتحدة الأمريكية والأخيرة تركب رأسها وترفض كل المقترحات الدولية بهذا الصدد, مما فسح في المجال إلى تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية إلى الوضع الذي نحن فيه اليوم. إن محاولات التضييق وإثارة المشكلات للولايات المتحدة في العراق يأتي, شاء الإنسان أم أبى, لمصلحة المخربين والإرهابيين في العراق وفي غير مصلحة الشعب العراقي. وأن قوى التخريب العالمي قوى الإسلام السياسي الإرهابية المتطرفة, وخاصة قوى القاعدة, إضافة إلى بقايا قوى النظام المخلوع, تسعى إلى تحويل العراق إلى ساحة حرب مع الولايات المتحدة وعلى حساب الشعب في العراق. وهو أمر لا يمكن قبوله في كل الأحوال. ومن يتتبع مواقف الدول المختلفة التي وقفت ضد الحرب يجد فيه ما يلي:
1. إنها ترفض إلغاء الديون التي بذمة العراق منذ فترة حكم صدام حسين, وأن جميع تلك الديون تقريباً ناتجة عن استيرادات عسكرية, سواء تلك التي لروسيا وألمانيا ( وهي ديون قديمة بذمة العراق تعود بالأساس لألمانيا الديمقراطية), أم لفرنسا أم الديون العربية, وخاصة الكويتية والسعودية, على سبيل المثال لا الحصر, التي تراكمت بذمة العراق في فترة الحرب العراقية – الإيرانية وما بعدها بقليل.
2. إنها رفضت عملياً حتى الآن المشاركة الجدية في تقديم الدعم السياسي المالي لتمويل عملية إعادة إعمار العراق, كما لاحظنا ذلك في مؤتمر الدول المانحة للمساعدات الذي عقد في أسبانيا. ولم يكن هذا الأمر بسبب نقص في قدراتها المالية بل بسبب موقفها من الولايات المتحدة ورغبتها في تقاسم المنافع في العراق مع الولايات المتحدة في أعقاب سقوط نظام صدام حسين.
3. كما أنها ترفض التعامل والتفاعل الجاد والمسؤول مع مجلس الحكم الانتقالي من أجل تسهيل حل تناقضاته وصراعاته مع القوات المحتلة ومع الولايات المتحدة لصالح العراق.
4. وهي بالتالي تساهم, شاءت ذلك أم أبت, في تشجيع القوى المناهضة للوضع الجديد في العراق ومساندة غير مباشرة للقوى المخربة والإرهابية التي تعيث في البلاد فسادا وعرقل تعجيل عملية إنهاء الاحتلال واستعادة العراق لاستقلاله وسيادته وبناء الوطن الديمقراطي المنشود.
5. وهي تريد بذلك إعاقة الولايات المتحدة عن القيام بحروب وقائية جديدة بمفردها ودون اتفاق دولي مع حلفائها في مجموعة الدول السبع الكبار + واحد.
6. ولا شك في أنها تتضمن عملياً موقفاً من الانتخابات الرئاسية القادمة, إذ أن استمرار الوضع في العراق على هذه الشاكلة سوف يعقد الأمر على الرئيس الحالي ويمنع  تجديد رئاسته. وهو ما تسعى إليه الدول المختلفة وأن لم تعلن عن هذا الموقف صراحة, إذ أن سياسة الإدارة الأمريكية الحالية تهدد العالم الرأسمالي بالكثير من الأزمات والحروب الإقليمية والمشكلات الدولية غير المبررة. 

ثالثاً: تأثيرات ذلك على العراق 

وفي الوقت الذي يقدر الإنسان أهمية الموقف الأوروبي من الناحية الدولية الذي يريد منع التجاوز على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وصلاحياتهما ولوائحهما الأساسية والقواعد والأعراف الدولية, والذي يتمنى الإنسان أن لا ينحصر في الموقف الذي حصل إزاء العراق, بل يتجلى في مواقف دولية وإقليمية أخرى, إذ أنها بذلك تمنع وقوع حروب جديدة وما تنجم عنها من كوارث إنسانية ومآس مريعة, فأن هذه المواقف إزاء الولايات المتحدة الأمريكية في العراق تؤثر سلباً على الواقع العراقي, على الاقتصاد والمجتمع ومستقبل البلاد.
يعاني الشعب العراقي حالياً, رغم التحسن النسبي الذي طرأ على مختلف المجالات بالقياس إلى فترة ما قبل الحرب أو حتى بعد الحرب لأشهر عديدة, من الأوضاع التالية كأمثلة وليست للحصر:
• عمليات انتحارية لا تستهدف القوات الأجنبية فحسب, بل المجتمع العراقي والمنظمات الدولية ودور العبادة (المساجد) بهدف إثارة الصراع الديني والمذهبي في العراق, وبهدف تأجيج المشاعر الدينية والمذهبية باتجاهات مشحونة بالتعصب والتزمت والطائفية المقيتة.
• إشاعة الخوف في نفوس الناس ومنع حركتها لتطوير البلاد من خلال التهديد بالقتل أو الخطف أو السطو وما إلى ذلك.
• نشوء اختناقات في السوق العراقية وبشكل خاص من خلال التفجيرات التي تقع على أنابيب نقل النفط أو الغاز الطبيعي لتعطيل عمل مصافي النفط العراقية وتقليص القدرة التصديرية للنفط العراق وتقليص موارده المالية لوضعها في خدمة عملية إعادة إعمار العراق والتنمية.
• منع قدوم الشركات والمنظمات الدولية للعمل في العراق وتشغيل المزيد من الأيدي العاملة العراقية بسبب عمليات التفجير التي وقعت في الأشهر المنصرمة وقتل عدد كبير من العاملين في تلك المنظمات.
• استمرار وجود بطالة واسعة في العراق, وبالتالي دفع العاطلين عن العمل إلى فعاليات ونشاطات تخريبية ضد الوضع القائم.
• تعطيل إنجاز مهمات مرحلة الانتقال والتخلص السريع من وجود الاحتلال العسكري والسياسي والإداري في البلاد واستعادة العراق لاستقلاله وسيادته الوطنية.

إننا أمام عوامل كثيرة تؤثر بفعلها على الواقع العراقي المعقد أصلاً لتزيده صعوبة وتعقيداً. وهذا الواقع يتطلب من الولايات المتحدة الأمريكية عدم اتخاذ قرارات تزيد الأمر تعقيداً, كما يتطلب من الدول الأوروبية انتهاج سياسة أكثر واقعية في المرحلة الراهنة لصالح العراق وشعب العراق. إذ أن الإصرار على مواقف معينة بحجة المبدئية سيؤثر سلباً على التطور الاقتصادي والاجتماعي في العراق.
ويتطلب الأمر من مجلس الحكم الانتقالي والوزراء العمل لتغيير القرار الأمريكي وليس التخفيف منه بحجة عدم تأثيره على العراق والدعوة إلى عدم التهويل منه.
لقد أصيبت القوى السياسية العراقية منذ عقود عديدة بعلة معروفة لنا جميعاً, مفادها: عندما يتم التحالف مع طرف سياسي آخر أكثر قوة, تنسى الأطراف الأخرى المتحالفة أو تتناسى الجوانب السلبية في سياسة الحليف الأقوى وتسعى إلى التهوين من أخطائه وسلبياته والسكوت عنها. وكانت حصيلة هذه المواقف باستمرار سلبية على الجميع. ومع أن هناك بعض المؤشرات التي تشير إلى أن بعض القوى السياسية تسعى إلى ترك هذه المواقف غير البناءة, فأن البعض الآخر ما يزال يحاول المجاملة, سواء مع القوى السياسية المحلية أم مع قوات الولايات المتحدة, وهو أمر لم يعد مقبولاً, فالجرأة على نقد الحلفاء الداخليين وقوات الاحتلال والصراحة والمجاهرة معهم تلعب دوراً مهماً في تحسين الأوضاع وفي تعبئة الناس إلى جانب الطريق الصائب وتقلل من العواقب السلبية التي تقترن بسياسات القوى السياسية المختلفة أو مع القوات المحتلة. وإلى مثل هذه المواقف الجريئة نتطلع ونتمنى على كل القوى السياسية العراقية أن تمارسها في ما بينها وإزاء الآخرين, وكذلك إزاء سلطة الاحتلال والقوات المحتلة.
إن العراق بحاجة إلى مشاركة دولية واسعة بأمل تسريع عملية إعادة البناء وتعجيل التنمية الاقتصادية والبشرية فيه, وليس من حق أحد منع أي دولة من المساهمة في هذه العملية, ونأمل أن تؤخذ وجهة النظر هذه بنظر الاعتبار, فهي لا تريد سوى مصلحة الشعب العراقي وخلاصه من الوضع الراهن وتعجيل عملة التطور والتقدم وإنهاء الاحتلال.
      
 برلين في 13/12/2003       
            



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة أولية مكثفة عن أوضاع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ...
- فهد والحركة الوطنية في العراق
- الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والتمت ...
- تقييم برنامج النشر الصحفي في صفحة الحوار المتمدن
- الهمُّ العراقي وهموم العالم!
- القوميون العراقيون العرب والأوضاع الجديدة في البلاد!
- سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني والوضع في العراق!
- موضوعات للتفكير والحوار!
- هل الديمقراطية هي السائدة حقاً في العراق, أم حرية الفوضى؟
- ما المخرج من همجية فلول صدام والقوى الظلامية والسياسات الخاط ...
- نص إجابة الدكتور كاظم حبيب عن استفتاء الزمان بشأن الدستور ال ...
- الاحتلال والصراع على السلطة والمصالح في العراق 3-4 & 4-4
- مرة أخرى مع المهمات المباشرة والأساسية لقوى اليسار الديمقراط ...
- تصحيح لخطاً وقع في الحلقة الثانية من سلسلة 1-4 حول -الاحتلال ...
- الاحتلال والصراع على السلطة في العراق وسبل معالجته 2-4 حلقات
- الاحتلال والصراع على السلطة في العراق وسبل معالجتها!1-4 حلقا ...
- من أجل التحويل الديمقراطي الحقيقي في السعودية!
- كيف يمكن التعامل مع أقطاب النظام السابق لتعميق التجربة الديم ...
- لِمَ هذا الهلع المفتعل للحكومة التركية من الشعب الكردي في كر ...
- العراق ليس فيتنام, ولكن ...!


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - ما هي الأهداف الكامنة وراء قرار حصر منح العقود بالشركات الأمريكية في العراق؟