عمر الإنسان العربي(سيرته الذاتية )

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 2202 - 2008 / 2 / 25 - 10:03
المحور: سيرة ذاتية
    

جلس بينه وبين نفسه جلسة القرفصاء, وحين تعب ذهب إلى غرفة نومه وأسند رأسه إلى وسادة من خيالاته ووسواسه , وبدأ يتذكر تاريخه الحلو والمر منه كله , وحين أعياه التعب يئس من حياته وتأكد من أنه طوال السبعين عاما التي عاشها لم يعمل أي شيء يفيد به الإنسانية أو يخلد ذكر إسمه كما يخلد العظماء , فأولاده سيخلدون إسمه لجيل واحد أو لجيلين وبعد ذلك ستنساه الناس ولن يطرى ذكر إسمه في الباصات ومحطات النقل وفي الصحف والأندية الثقافية والصالونات الثقافية والسياسية كما يطرى العظماء والعباقرة .

ولكن ماذا فعل حتى تنساه الناس؟
وتأكد أنه ليس وحده المنسي فهنالك ملايين من البشر الذين دخلوا التاريخ وخرجوا منه دون أن يلحظ أحد وجودهم , فهم لم يخترعوا شيئا يفيد البشرية ولم يكتبوا يوما قصيدة يغنيها الناس حتى في ظروفهم المحزنة والمقلقة جدا .

وهذا التاريخ المنسي له هو يشبه تاريخ شخص دخل على جماعة وهم يتحدثون وخرج وهم يتحدثون دون أن يشعروا بجلوسه معهم أو بخروجه من بينهم ولم يحدث أي ضوضاء تلفت الأنظار وتلتفت لها العقول والقلوب .
وحين حسب عمره وهو نائم على وسادة من خيالاته ووسواسه وجد أنه :
خلال سبعين عاما من عمره عاش منهن 15 خمسة عشر عاما في الطفولة وهذه المرحلة ليس مطلوبا منه بها أن يفعل شيئا .
وبذلك يتبقى من السبعين عاما 55خمس وخمسون عاما , فأضاف إليها , عدد الدقائق التي قضاها في الكلام الفارغ مع الأصدقاء والأصحاب فوجد نها تبلغ 10 عشرة أعوام, وبهذا تأكد أنه أضاع عشرة أعوام من عمره في المصخرة وعدم المبالاه أو اللامبالاه.
وبهذا يتبقى من الخمس وخمسين عاما , خمسة وأربعون عاما .
وحين بحث عنها تبين له أنه قضا منها مايقرب من 20عشرين عاما وهو نائم في الفراش ليلا نوما طبيعيا كي إنسان آخر , وبهذا يتبقى من عمره خمس وعشرون عاما لم يدر حتى اللحظة أن ذهبت هذه السنون من عمره .

ولكنه حين دخل الحمام (التواليت) وخرج منه بعد 15خمسة عشر دقيقة تأكد أنه لو ضرب الخمسة عشرة دقيقة في كل يوم مرتين لوجد أنه قضى من حياته في التواليت كل يوم نصف ساعة على أقل تقدير فهو غالبا ما يجلس في التواليت ( الحمام -بيت الراحة )أكثر من نصف ساعة كل مرة ولكنه تنازل عن نصف العمر المفترض , ثم قام بحساب الأيام التي عاشها فتأكد أنه قضى في الحمام من عمره ما يقرب الخمسة أعوام 5على الأقل وبذلك يتبقى له من الخمسة وعشرين عاما عشرون عاما20 .

وتعب من تلك الحسابات اللعينة وخرج من منزله ووقف على ناصية الشارع ينتظر السرفيس لكي يذهب إلى السوق فوقف في إنتظاره أكثر من نصف ساعة وحين صعد السرفيس إنتظره حتى يمشي نصف ساعة إضافية , وحين عاد من السوق إلى منزله تكررت تلك العملية الحسابية مرة أخرى ...فصاح وجدتها :
إنني قضيت من حياتي في الباصات ومحطات النقل كل يوم ساعتين2 وهذا يعني أنني عشت في الباصات ومحطات النقل في حياتي ما يقرب من 5خمسة أعوام بالتمام والكمال , هذا إن لم تكن أكثر قياسا مع الدقائق التي قضيتها في التواليت , ولكنني سأراعي محطات النقل والحكومة في هذه المسألة وأسامحهم بخمسة 5أعوام من عمري .

وبهذا تبقى له من عمره عشرة أعوام , فوصل منزله متعبا من السفر ويكاد أن يسمع أصوات عصافير بطنه من الجوع وهي تزقزق , فوجد الغداء جاهزا فجلس لكي يأكل طعامه وإذا بطعامه يستهلك كل يوم من وقته أكثر من 3ساعات بين الفطور والغداء والعشاء وشرب الشاي والقهوة بداخل المنزل وخارجه فحسبها بعدد السنين وإذا بها تقارب العشرة أعوام المتبقية من حياته , وهذا يعني أنه عاش :
-عاش سبعون عاما .
_الطفولة 15خمسة عشر عاما .
-كلام فارغ 10 عشرة أعوام.
-عشرون عاما نائم في الفراش20.
-خمسة أعوام5 وهو جالس في التواليت.
-خمسة أعوام5 في زحمة المواصلات والباصات والسرافيس ومحطات النقل.
-عشرة أعوام10 وهو يأكل ويشرب دون أن يفكر بقراءة كتاب أو كتابة كتاب أو تأليف كتاب أو نشر مقال أو , أو البحث عن شيء مهم ’ لذلك ستنساه الناس ولن يتذكره أحد .
وإنني هنا إذ أحسب عمره وأعماله إستثنيت منها كل يوم عدد أوقات الوضوء والصلاة , مراعاة له وتجنبا لأي موضوع يقال به عني أنني أتهكم على الدين وعلى العبادة,فإذا عدت وحسبتها فإنها خمس سنين على الأقل , وإستثنيت أوقات الذروة وهو يمارس الجنس لإنها تبلغ 5خمسة أعوام يكون بها قد إستوفى السبعون عاما 70 , وكذلك إستثنيت عدة أعوام وهو يبحث عن عمل له يقتات منه هو وعياله , وهذا أيضا مراعاة مني لظروف الحكومات العربية .
إذن بإختصار شديد هذه هي حياة الإنسان العربي الذي يعيش 70 سبعون عاما من عمره .يا حرام ...من المأكد أنه مدين لنفسه بخمسة أعوام على أقل تقدير إن لم يكن بالعمر كله .

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات