|
مقالات سودانية:الإسلام كنظرية نقدية
عادل الامين
الحوار المتمدن-العدد: 2201 - 2008 / 2 / 24 - 09:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بسم الله الرحمن الرحيم الاستاذ محمود في الذكرى الثالثة والعشرين محاولة للتعريف باساسيات دعوته مدخل: بعون الله، وبتوفيقه سوف يكون الاتجاه للاحتفال بالذكرى هذا العام، محاولة للقيام بمقارنة، بين الفكرة، والأديان، والأفكار، والفلسفات المختلفة.. وسيكون التركيز بصورة خاصة على الحضارة الغربية، على اعتبار أنها الحضارة السائدة، وتمثل الواقع، والتحدي الأساسي الذي يواجه أي دين يطرح نفسه، لتغيير الواقع.. وأسلوب النقد والمقارنة، هو أفضل أسلوب، لابراز خصائص الاسلام، التي تميزه، وترشحه، لأن يكون مدنية المستقبل.. والمقارنة، بالضرورة، تتضمن نقد الآخر، الذي تجري المقارنة معه.. وعن أمر المقارنة هذا، يقول الأستاذ محمود: "و التبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشر ، من سعة العلم بدقائق الإسلام ، و بدقائق الأديان ، والأفكار ، والفلسفات المعاصرة ، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة ، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية.." المقارنة، تقتضي تقويم الأفكار التي تتم المقارنة معها، وهذا التقويم هو ما اصطلح على تسميته بالنقد.. والنقد لكي يكون نقدا موضوعيا، لا بد ان يقوم على اساس واضح، وعلى منهج، وهذا ما اصطلح على تسميته ب(النظرية النقدية).. فعلى الرغم من أن النقد، من طبيعة العقل المفكر، إلا أن النظرية النقدية، لا تعني مجرد النقد، وإنما تعني النقد المنهجي، الذي ينبنى على نظرية في المعرفة، واضحة الأسس.
الغرب والنظريات النقدية: هنالك إدعاء بأن البشرية لم تعرف التفكير النقدي، إلا مع الحضارة الغربية!! وهو إدعاء شديد البطلان، ونحن هنا لسنا بصدد التعرض لهذا الإدعاء، وتفنيده، وإنما موعدنا مع ذلك عندما نتحدث عن العقل والعقلانية.. نحن هنا، بصدد الاشارة، الموجزة، للنظريات النقدية في الغرب، كمدخل لحديثنا عن الاسلام كنظرية نقدية.. وسوف يكون حديثنا منصبا على النقد الفكري، و دون التعرض للنقد الفني. يعتبر كانط (1724 - 1804) معلما بارزا، وأساسيا، في إتجاه الفكر النقدي، في الفكر الغربي، وذلك من خلال، كتابه عن (نقد العقل الخالص)، وعند كانط العقل هو الملكة التي تمدنا بالمعرفة، ولكن وظيفة العقل ليست هي التوسع في المعرفة، وانما تطهير نفسه، والتخلص من الأخطاء ولذلك، بما ان فلسفة كانط كانت تهدف الي تصحيح المعرفة، فقد اعتبرت فلسفة عقلية نقدية .. وقد اعطي كانط للفلسفة دورين وليس دورا واحد . "الدور الأول باعتبارها محكمة العقل، أي الذات العارفة التي من خلالها، نفهم العالم ونفهم أنفسنا بشكل عقلاني.. وبناء على على هذا الدور الأولي يتحدد دورها الثاني، وهو أنها لا تستطيع أن تحكم على نتائج العلوم الأخري فقط، بل تقوم بتنظيمها أيضا وتحديد المكان الصحيح لكل منها، ومجال مصداقيتها، ومنهجها السليم" فالدور الثاني هذا، هو الجانب النقدي. لقد كان الفكر الغربي، والثقافة الغربية يقومان على أن للعقل طبيعة ثابتة في الانسان، ولقد استمر هذا التصور لفترة طويلة الى أن جاء هيجل (1770 - 1831) ليؤرخ لبداية فكر جديد، وثقافة جديدة، في الغرب، بدأ مع بداية القرن التاسع عشر.. وفي هذا الفكر حل (التطور)، و(التغيير) محل (الثبات) و(التحدد).. وقد جعل هيجل من التناقض جوهرا لفلسفته، ومنهجه الجدلي.. وواصل ماركس من بعده هذا التوجه، وإن كان على أساس مغاير.. وحسب منطق هيجل الجدلي هذا، دخل العقل في الطبيعة نفسها، وأصبح له تجلي في التاريخ.. وأصبحت العملية المعرفية، تنمو في مراحل متعددة، والوصول الى المطلق لا يكون الا في ختام هذه المراحل.. فقد هاجم هيجل المعرفة العقلية الخالصة، التي فصلت الفكر من الوجود، كما هاجم الفلسفة التجريبية الخالصة، التي أغفلت السمات العقلية للواقع. أما ماركس (1818 - 1883) والذي زعم أنه أوقف جدل هيجل على قدميه، فلم يجعل دور العقل قاصرا على التفسير، بل تخطاه الى التغيير، فمهمة العقل عند ماركس تحولت الى نقد الواقع وتغيير العالم.. وقد أثر ماركس على كل موجة النقد والتغيير التي اجتاحت كل التيارات الفلسفية التي أعقبته.. ولقد أعلن ماركس في (البيان الشيوعي) 1840 عن الحاجة الى "نقد قاس لكل شيء موجود".. وكان عمل ماركس هذا يعتبر البداية لنظرية نقدية للمجتمع.. ولقد تطورت الدراسات الاجتماعية، تطورا هائلا، في القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين.. وعندما جاء عالم الاجتماع ماكس فيبر (1864 - 1920) - وهو أحد منظري العقلانية الحديثة - ذهب الى أن التقدم التقني أفرز نوعا من العقلانية العلمية التي لها منهجها ووسائلها، وهو ما عبر عنه ب: عقلانية المنهج والوسائل من أجل تحديث غايات.. ولقد رأى فيبر أن العقلانية هي قانون العلم، إلا أنه ظل واعيا بحدود هذه العقلانية وأخطارها.. ومهمة العقل عنده هي: حساب العلاقة بين الوسائل والغايات.. وهو يرى أنه ليس في وسع البشر أن يتنصلوا عن مسؤولية اختيارهم. وعلى الرغم من ان ماكس فيبر كان عقلانيا تجريبيا، إلا أنه كثيرا ما كان يشكو من أن العقلانية العلمية، عقلانية جافة، وليست عقلانية انسانية بالقدر الكافي، إذ لم تضع في اعتبارها العلاقة الحميمة بين الانسان والطبيعة.. فالعقلانية التي كانت غايتها تحرير الانسان، وضعته في زنزانة خانقه واستعبدته بدلا من أن تحرره.. وفي تقديري هذا أهم نقد، قدمه فيبر. وقد استمر تيار النقد مع جورج لوكاتش (1945 – 1971)، وبعض النقاد الذين لهم صلة بالماركسية.. وظهرت مفاهيم، مثل (الاغتراب) و (التشيؤ) و(افقاد الواقع كليته) . وكان آرنست بلوخ (1885 - 1977) من أهم نقاد العقل، الذين أسهموا في تطور النظرية النقدية، في الغرب، ومن أهم اسهاماته، نظرته للواقع، فهو يرى أن الواقع عبارة عن حركة صيرورة لم تكتمل بعد، فهو يموج بالامكانات، وبقلق الصيرورة.. فهو يعتبر اليتوبيا حقيقة تسير جنبا الى جنب مع الواقع وتصاحبه، وهي - اليتوبيا - تتحدث بأسم الليس بعد أو المستقبل، وتحاول تشكيل نموذج لوجود حقيقي ممكن لم يتحقق بعد" .. فاليتوبيا، عنده تكشف عن كيفيات جديده في الطبيعة عن طريق العقل الخيالي، الذي يستخلص الممكن من الواقع اليومي العيني .. ولا يتم هذا إلا بالاعتراف بالواقع ورفضه في آن واحد، كما أنه ليس هناك فاصل بين الممكن والواقع لأن الواقع كان ممكنا في الماضي. وبعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت (مدرسة فرانكفورت) التي عرف أصحابها بأصحاب (النظرية النقدية) وهم أكثر من جيل واحد.. وكان ادورنو (1903 - 1969) من رواد الجيل الأول.. وهو من أهم من نقدو العقل الذي كانت حركة التنوير قد رفعت من شأنه بصورة كبيرة.. وقد أصدر مع زميله وصديقه هور كهيمر كتاب(جدل التنوير)، وهو كتاب قد تضمن فكرة التدمير الذاتي للتنوير .. فعنده الفلسفة النوعية قد أصابت التنوير بالانتكاس.. ومن أهم مقولاته النقدية هي أن العقل الأداتي غير النقدي الذي يقوم عليه العلم، اعتمد على النزعة الشكلية، فالعلم كمنهج تحليل لا يستطيع أن يضفي أي معنى أو قيمة على أي شيء غير قابل للقياس، وغير خاضع للصيغة الرياضية.. وهو يرى "أن التنوير الذي كان هدفه الأصلي هو تحرير العقل البشري من الأسطورة تحول هو ذاته الى اسطورة تخفي الهيمنة والتسلط، وتسعى الى تأييد الواقع السائد، ولم يعد يخدم قضية الحرية" .. "فالعقل الذي حرر الانسان من سلطة الطبيعة، يبرر الآن سيطرته على الانسان نفسه باعتباره جزءا من الطبيعة التي يسيطر عليها.. بل ويقوم بعملية (تكيف) مع حضارة لا انسانية.. اعتمدت على الجانب التقني فقط وهيأت (العامة) لتحمل الاستبداد وأنواع القيود التي يفرضها على الأشياء والإنسان ولم يتم هذا بفعل المناوئين للعقل بل بفعل التنوير نفسه.." وهو يرى أن التنوير صار ضد الحقيقة عن طريق التجريد الرياضي الشامل للواقع، وهو التجريد الذي صار مرادفا للحقيقة .. لقد تحول الفكر الى آلة رياضية يمكن أن تحل الآلة محله!! وهذا أدى الى عدم فهم الواقع الحي، ونفي واستبعد كل واقع فردي مباشر.. "إن اخضاع العقل للتجربة الحسية الحية بالانفصال عنها (وتكميمها)أدى الى افقار كل من التجربة والعقل معا ، وكان هذ ا مظهرا من مظاهر انتصار العقل الأداتي وسعيه للسيطرة على كل شيء بما في ذلك العقل والتفكر نفسه.. وهكذا اغترب الناس في المجتمع الشمولي الحديث - سواء كان رأسماليا أو شيوعيا، وبرزت الوحشية واللانسانية التي اراد التنوير في الأصل أن يحاربهما، فتحول التقدم الى تراجع.. وأصبحت لعنة التقدم المتواصل تعني النكوص المتواصل. وتعاظم اغتراب الجماهير التي تموضعت وتشيأت ووقعت، مثلها مثل حكامها ومديريها في الشبكة نفسها المخيفة التي تثبت الوضع القائم.." وواصل أدورنو نقده للعقلانية العلمية في كتابه (الجدل السلبي).. وهاجم المعرفة التصورية، من منطلق أن التصور يعزل الشيء عن ذاته فيلغي فرديته. في الواقع، وفي عموم الحال، يشيد الفكر الغربي بالدور الذي قام به ادورنو في نقد العقل، على اعتبار انه وضع العقل في السياق الاجتماعي كله، وأثبت ان بعض المذاهب الفلسفية، مثل البراغماتية، والوضعية، قد جعلت العقل أداة في خدمة الانتاج الصناعي، ووظفته لخدمة مصالح معينة، وعزلته تماما عن مجال القيم كالعدالة والتسامح...ألخ .. وترتب على ذلك ان العقل عندما استخدم هذا الاستخدام (الآحادي) ، نظر الى موضوعاته أيضا نظرة أحادية هي نظرة السيد للمسود، فكرس بذلك إغتراب الموضوع عن الذات، واغتراب الذات عن الموضوع. وبالطبع تعرض أدورنو للنقد وفي تقديري أن أهم نقد وجه له هو أنه خلط بين المعرفة واستخداماتها.. فتوظيف العقل لاستخدامات معينة، غير عقلانية وغير انسانية، هو اساس المشكلة، وليست المشكلة في العقل التصوري.. ومثل هذا النقد لا يلغي نقد ادورنو، وإنما يضبط التعبير عنه.. فالاستخدام الخاطيء للعقل، وتقيده بالنظرة الآحادية، هو الذي شكل العقل الغربي، وحدده بالمفهوم (الأداتي) الضيق.. والقضية الساسية التي يريدها أدورنو، ومعه معظم رواد الفالسفة الحديثة في الغرب لا تتعلق بالعقل في ذاته، وإنما تتعلق باستخدامه استخداما سيئا، خصوصا من الذين يبغون المصلحةالذاتية و الهيمنة فقط. وفي نفس اتجاه أدورنو يسير صديقه هور كهيمر (1895 - 1973) ففي كتابه (نقد العقل الأداتي) يؤكد مقولات ادورنو، ويرى أنه لا يمكن للعقل أن يعود الى الطريق الصحيح إلا إذا اعترف بانه ليس عقلا مطلقا، وإنما هو نسبي متغير، وأصبحت له اهداف انسانية تنشد الانسجام مع العالم الخارجي.. وهو يرى أن التنوير المضاد للدين والميتافيزيقيا دمر انسجام العقل، وانسجام الإنسان مع العالم الخارجي.. وأدى الى ظهور نمطين من العقل: 1. عقل تنويري وغايته التحرر والعدالة وإلغاء التشيؤ 2. عقل اداتي غايته التسلط والسيطرة، ويؤدي الى المادية والعدمية. وهو يرى ضرورة وجود وحدة واتساق بين العقلين.. والعقل الأداتي، ليس مرفوضا رفضا كليا، فهو له أهميته ومزاياه، في مجاله، ولكن فلسفات مثل البراغماتية والوضعية الحقت به الضرر .. ففي إطار هيمنة العقل الأداتي، أصبح التقدم الفكري، يعني تقدما صناعيا.. وانفصلت المفاهيم والتصورات عن مصدرها العقلي، ولم تعد قادرة علة تحقيق أهداف الحياة العليا، فالعدالة والحرية لا يمكن لهما أن تتحققا بالوضعية العلمية التي سلبت العقل كل علاقة بهما، ولم تهتم إلا بالوقاائع، وأصبحت خادمة لأدوات الانتاج الموجودة، وانفصلت عن السياق الاجتماعي فلم تثمر غير الاغتراب. أما هربرت ماركيوز (1898 - 1979) فقد قدم نظرية نقدية موجهة بشكل أساسي ضد المجتمع الصناعي - ذي البعد الواحد، والذي اصبحت فيه الاحتياجات البشرية احتياجات لا عقلانية، ومصنوعة من الخارج، من اجل زيادة العمل والانتاج، وليست من أجل مساعدة البشر.. ويرى ماركيوز، من كتابه (الانسان ذو البعد الواحد).. "أن عقلانية المجتمع المعاصر وتقدمه وتطوره هي في مبدئها لا عقلانية" ويرى بعض النقاد، أن المشكلة الأساسية تكمن في أن العقل الكمي الخاضع للقياس، الذي يفصل ماهو كائن عما ينبغي أن يكون، ويقدم نفسه باعتباره متحررا من القيمة، لا يستطيع أن يفهم الواقع.. ويمارس التسلط ويبرع في جعله غير مرئي وغير محسوس - كما يلاحظ لاندمان - ومن أبرز أعضاء الجيل الثاني لمدرسة فرانكفورت هابرماس (1929).. وأهم ما قدمه هابرماس هو مفهوم (العقلانية التواصلية) في مقابل (العقلانية الأداتية) إن النظرية النقدية، عند مدرسة فرانكفورت، والنظريات الأخرى، قد قدمت نقدا جليلا للسلبيات، ولكنها عجزت عن إقامة نسق عقلي متكامل، لا يركز على شكل واحد من أشكال العقل - الذي أثبتوا له أشكالا متعددة - وهم جميعا يسعون الى هدف واحد مشترك، هو العمل على تغيير الواقع ليصبح أكثر إنسانية، وايجاد صورة العقل التي تتناسب مع هذا العقل الانساني.. فهم برغم أنهم قاموا بتشخيص ، لسلبيات الواقع الفكري، في معظمه صحيح وعميق، إلا أنهم عجزوا كل العجز، عن تقديم البديل المتمثل في تطلعاته للعقل الشامل، الاجتماعي، والتاريخي، الذي يتجاوز محدودية (العقل الأداتي)، وسلبياته، بغرض تحقيق واقع عقلاني أكثر انسانية، لا يهمل الجانب المادي للحياة، ولكن لا يقتصر عليه، بل يوظفه من خلال اعتبار (القيم) لسعادة الانسان وحريته. أعتقد انه لا بد لنا من اشارة، ولو موجزة لكارل بوبر.. فإذا كان هابرماس، قد سعى الى جعل الفلسفة (تفكيرا نقديا)، فإن كارل بوبر، قد سعى الى جعل النقد (اسلوب حياة).. وتأتي أهمية كارل بوبر من أنه من أهم فلاسفة العلم المعاصرين، إن لم يكن اهمهم على الإطلاق.. وبوبر، وإن كان يركز على المنهج النقدي في البحث العلمي، إلا أنه يتوسع في مفهوم النقد، ويجعله خلاصة تجربة حياته كلها.. وهو بصورة خاصة يرفض مبدأ الاستقراء ويركز على التناول السلبي، الذي يقوم على مبدأ (التكذيب) falsification - انا لا ارى كلمة تكذيب هي الترجمة المناسبة، ولكنها على كل حال هي المستخدمة - ويرى بوبر أن فائدة التكذيب تكمن في أن الهدف من العلم هو محاولة الاقتراب من القضايا الصادقة، وذلك يتأتى عن طريق استبعاد و حذف القضايا الكاذبة، بعد تكذيبها بصورة مؤكدة.. وهو يؤكد أن القضايا العلمية ليست يقينية، كما أنها ليست كاذبة، فهي في البداية احتمالية وفي النهاية إما قريبة من الصدق أو من الكذب.. ومبدأ عد اليقين اصبح قضية مسلم بها عند جميع العلماء، ليس في مستوى نظرية هيزنبرج فحسب، وإنما فى مستوى، العلم، وفلسفة العلم، بصورة شاملة. أما تيار ما بعد الحداثة، فهو يمثل رد فعل عنيف، ضد عقلانية التنوير.. يقول ديفيد هارفي: "وفي الفلسفة أدى التداخل ما بين البراغماتية الامريكية التي نفخت فيها الحياة من جديد، وموجة ما بعد الماركسية، وما بعد البنيوية التي ضربت باريس بعد عام 1968، الى ما أسماه برنشتاين (موجة غضب عارمة ضد الانسانويه وتراث التنوير) وتجسد ذلك في إدانة عارمة للعقل المجرد، وكره عميق لأي مشروع يستهدف تحرير الإنسان عبر تحريك قوى التكنولوجيا والعلم والعقل".. وما بعد الحداثة، يرفض ماهو ثابت، وما هو كلي، وما هو متناسق، ويركز على التشظي، حتى أن دريدا يرى أن الكولاج/المونتاج هو الشكل الأساسي في الخطاب ما بعد الحداثي!! - كولاج تعني عندهم لتق الأجزاء أو النتف، بعضها الى بعض، من دون معيار قيمي فوقي، وهذا ينطبق عندهم على الفن والفكر والسياسة - يقول ديفيد هارفي: "إن حركة ما بعد الحداثة هي اعتراض مشروع على آحادية الرؤية الحداثية الشمولية للكون".. "وعلى نقيض ذلك، تميز حركة ما بعد الحداثة التنافر والاختلاف كعاملي تحرير في إعادة تعريف الخطاب الثقافي.. وهكذا فالتشظي، وغياب التحديد، والشك العميق في كل الخطابات الشمولية و(الكلية) كما باتت (تستعمل) هي العلامة الفارقة للتفكير ما بعد الحداثي"!! تقول الأكاديمية المصرية، عطيات أبو السعود: "وأخيرا نسأل: ماذا قدم لنا نقد العقل الذي امتد من كانط وهيغل وماركس الى أصحاب النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت عبر أجيالها المختلفة؟ ماذا قدم لنا بعد أن نزل العقل أو بمعنى آخر أجبر على النزول عن عرشه المتوج الى قلب المجتمع والتاريخ؟ وإلام أدى تطور مفهوم العقل منذ الأغريق وعصر التنوير وتطور آلياته ومناهجه المعبرة عنه حتى الآن؟ هل استطاع أن يحقق وضعا وحياة افضل للإنسان الذي هو هدف التاريخ وغايته، وهل أمكنه أن يحرره من القوى التي استعبدته عبر عصور طويلة، سواء أن كانت قوى طبيعية أو سياسية، ومن الظروف أو القيود التي كبلته على مدى تاريخه الطويل؟" .. وتقول: "وأخيرا يلح السؤال: هل استطاعت النظرية النقدية بالفعل انقاذ العقل من نفسه؟ وهل استطاعت أن تقترب من هدفها الأساسي، وهو تحرير انسانية الانسان وتأكيد فرديته المقهورة وإبعاد أشباح اللاعقلانية الزاحف عليه في عصرنا الحاضر بأشكال مختلفة؟ الواقع أن بعض أعضاء المدرسة - مدرسة فرانكفورت - مثل أدورنو وماركيوز لم يجدوا هذا الإنقاذ إلا في الفن وفيما ما عدا ذلك فقد غلب التشائم على معظم أعضاء المدرسة، ومع ذلك تظل أهمية النظرية النقدية كامنة في سلاحها النقدي، وفي تعبيرها عن صرخة العقل في مواجهة تناقضاته.. وإذا كانت هذه الصرخة قد بقيت حتى الآن - على الأقل - على مستوى الفكر الفلسفي والتأملي، ولم تستطع أن تشكل نظرية متكاملة وقادرة على توجيه العقل الإنساني على أرض الواقع، فإنها تظل تعبيرا حيا وصادقا عن أزمة العقل التاريخي والنقدي في الحياة الفلسفية المعاصرة في الغرب" وبعد، هذا مجرد عرض عام، وموجز جدا، قصدنا به أن يكون مدخلا لحديثنا عن الاسلام كنظرية نقدية.. وعلى الرغم من أننا ننطلق من إطار يختلف بصورة جذرية، إلا أن ما عرضناه يمثل الواقع، الذي ينبغي أن تخاطبه أي دعوة للتغيير، وتبني على إيجابياته وسلبياته.. وهنالك ملاحظة هامة، لابد من ذكرها، وهي أنه على الرغم من ان مفهوم النقد، مفهوم واسع جدا، وعميق وامتد لفترة طويلة، إلا أنه من الناحيه العملية حتى الآن لم يخرج من إطار صفوة المفكريين الغربيين، وهو ليس بأي حال من الأحوال - على الأقل حتى الآن - موضوع الجمهور العريض في المجتمعات الغربية.. إلا أن هذا الجمهور، يتأثر بصورة "موضة"، وليس فكرا، باتجاهات ما بعد الحداثة، خصوصا عبر مجالات الفنون في صورها المختلفة.. وأكثر من ذلك أن الحيرة، والاضطراب الذي لحق الفكر والمفكرين، هما عند عامة الجمهور أوكد، وأكثر تأثيرا على الحياة العامة، ليس في الغرب، وحسب، وإنما بحكم هيمنة الحضارة الغربية، في العالم أجمع. للمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة: 1. ديفيد هارفي حالة ما بعد الحداثة ترجمة د. محمد شيا 2. كارل بوربر بحث عن عالم أفضل ترجمة د. أحمد مستجير 3. فلسفة النقد ونقد الفلسفة من منشورات مركز دراسات الوحدة العربية مجموعة من الكتاب
#عادل_الامين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيرة الرجل الذى ناضل لكل الاجيال
-
صباح الخير عام 2008
-
الحوار المتمدن والثورة الثقافية
-
اللعنة التي حلت بالمكان
-
الفكرة الجمهورية...حياة الفكر والشعور
-
تراتيل الصحابة
-
سنت جيمس
-
مثلث حلايب والرابطة التجارية لدول البحر الأحمر
-
خيال مآتة برتبة جنرال
-
متى يعلنون وفاة الشمال
-
كن اباذر...!!!!
-
حكاية لم يروها النهر
-
قائمة السفاح(يونس محمود)
-
حب الناس العاديين
-
تداعيات الزول السوداني في اليمن
-
العلمانية هي مناة الثالثة الاخرى
-
الاتجاه المعاكس:العلمانيون والاسلاميون العرب وجهين لعملة واح
...
-
سيرة مدينة(10)عين شمس
-
دراسات سودانية:(10)الجبر والاختيار
-
دراسات سودانية(4)المدنية والحضارة
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|