أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين - ابراهيم ابراش - الدولة الفلسطينية في المواثيق الوطنية















المزيد.....



الدولة الفلسطينية في المواثيق الوطنية


ابراهيم ابراش

الحوار المتمدن-العدد: 2200 - 2008 / 2 / 23 - 09:26
المحور: ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين
    


- الميثاق الوطني ومقررات المجالس الوطنية الفلسطينية -
مقدمة
لم يتوسع الميثاق الوطني الفلسطيني فيما يخص مستقبل فلسطين بعد التحرير، وهو وإن اعتبر فلسطين ارض الشعب العربي الفلسطيني ولم يعترف لليهود المقيمين عليها-باستثناء أولئك الذين كانوا يقيمون فيها إقامة عادية متواصلة قبل 1948- بأي حقوق ، فان ذلك يعود إلى خصوصيات المرحلة وهي مرحلة المد القومي والدعوة للوحدة العربية ، أيضا حساسية بعض الحكومات العربية من موضوع الدولة الفلسطينية بل رفضها القاطع للموضوع ، بالإضافة إلى أن بحث موضوع فلسطين ما بعد التحرير بالتفصيل يدخل في إطار المرحلة النهائية للثورة الفلسطينية وهي مرحلة معركة التحرير الحاسمة والتي قالت عنها الثورة الفلسطينية إنها لن تقوم اليوم أو غدا بل هي مهمة الأجيال القادمة وحيث أن هذه المعركة لن تكون فلسطينية خالصة بل حرب تحرير عربية، لذا لم يكن مسموحا للثورة أن تحسم بالأمر لوحدها .
كثيرة هي المؤشرات الواضحة والدالة على أن الهدف الأساس لحركة المقاومة الفلسطينية عند انطلاقتها الأولى لم يكن مباشرة معركة التحرير أو التفرد بقيادة المعركة بل استنهاض الوطنية الفلسطينية ،كما أن بعض الدول العربية لم توافق على تأسيس منظمة التحرير إلا بعد أن أعطتها هذه الأخيرة تأكيدات بأنها لن تمارس سيادة على الضفة وغزة ،كما أن الميثاق القومي –1964-أكد على أن جيش التحرير الفلسطيني سيكون ملحقا بالجيوش العربية وأن خطة التحرير ستكون خطة عربية .وحتى بعد هيمنة أنصار الكفاح المسلح على المنظمة عام 1968كان التحول هو في الخطاب الثوري السياسي نحو الوطنية الفلسطينية اكثر مما هو تحول نحو الإيمان بقدرة الوطنيين الفلسطينيين على تحرير فلسطين لوحدهم.

اصطدام الثورة الفلسطينية بالواقع ،وخصوصا بعد أحداث الأردن وسلبية الموقف الرسمي العربي، دفع بحركة فتح - اكبر فصائل الثورة الفلسطينية - إلى تحيين الهدف الوطني الاستراتيجي ووضعه موضوع التداول والممكن ولكن من خلال صياغة جديدة له اعتقدت فتح أنها ستجد استحسانا من أطراف يهودية عالمية وأطراف دولية ، بمعنى أخر ،إن فتح حاولت مبكرا البحث عن إطار للتحرك السياسي متحررا من الإطار القومي العربي المأزوم ومخففا من لهجة التحرير والكفاح المسلح. وهذه الصياغة أو الهدف هو فلسطين الديمقراطية العلمانية التي تلحظ لليهود المقيمين في فلسطين نفس الحقوق التي هي للفلسطينيين. مع أن الثورة الفلسطينية بررت تبني هذا الهدف باعتبارات إنسانية، إلا أن الواقع يدل على أن السبب هو بداية تحسس فتح بعدم جدوى المراهنة على البعد القومي العربي الرسمي لوحده وكذا بروز تيار في الساحة الفلسطينية يراهن على ما سماهم اليهود غير الصهاينة ووجود إمكانية بالاعتماد عليهم لخلق نوع من المصالحة التاريخية ما بين اليهود والفلسطينيين .
لقد شكل تبني شعار فلسطين الديمقراطية بداية مسلسل التنازلات ،بداية سياسة وضع الثوابت محل إعادة النظر، و بداية الصراع الوجداني ما بين الواقعية والطهرية الثورية ، وقد سار أصحاب هذا الحل في طريقهم وسط أجواء غير متحمسة كثيرا لهذا الطرح، بل تعرض بعضهم لتهمة الخيانة وتعرض للاعتقال كعصام سرطاوي وغيره، ولكن عَرابي هذا التيار وجدوا التشجيع والدعم المعلن والخفي بل الحماية من تيار نافذ في المنظمة وأوساط عربية وأمريكية وأوروبية وإسرائيلية في مقابل تضييق الخناق على دعاة الحل الجذري و الكفاح المسلح، حيث تعرض الآخرون لعمليات تصفيته ممنهجة ومتواصلة.
بسبب الرفض القاطع الذي قوبل به شعار / هدف فلسطين الديمقراطية ، تم التحول أو التنازل وذلك بطرح ما سمي سياسة المرحلية وفكرة السلطة الوطنية مباشرة بعد حرب أكتوبر ، وقد شرعت هذه الفكرة / الهدف المرحلي الطريق أمام وضع مسألة الدولة الفلسطينية موضع التساؤل ،سواء من حيث مرتكزات شرعيتها أو من حيث حجمها أو من حجم مكوناتها الخ . واليوم ومع نتائج طبخة كامب ديفيد الثاني وفي ظل مأزق التسوية وتفكك صلابة الصهيونية المنظِرة لمقولة إسرائيل الكبرى وتراجع الفكر القومي العربي وما يعرفه الكفاح المسلح الفلسطيني من حصار ، نتساءل عن مصير فلسطين والدولة الفلسطينية ؟، وهل فلسطين التي يتحدثون عنها اليوم هي فلسطين المرسومة في عقل ووجدان كل حر فلسطيني وقومي وإسلامي ؟.

أولا : ظروف وملابسات طرح شعار «فلسطين الديمقراطية العلمانية ».
تعتبر حركة "فتح" أول جهة فلسطينية تحدد هدف النضال الفلسطيني بإقامة دولة ديمقراطية تتعايش فيها كل الطوائف بتساو، ومع ذلك فان تفحص تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية قبل 1948 يشير إلى وجود مواقف تعبر عن نزعة إنسانية للتعايش بين جميع المواطنين بغض النظر عن الدين أو العرق، ففي الشهادة التي قدمها الفلسطينيون إلى لجنة (بيل ) عام 1937، عبر الفلسطينيون عن رغبتهم بإقامة فلسطين موحدة ديمقراطية متعددة الأديان، ونفس الموقف عبرت عنه المذكرة التي قدمها "حزب الدفاع" الفلسطيني إلى لجنة وودهيد في مايو 1938، حيث طالبت المذكرة بإقامة دولة يتعايش فيها العرب واليهود بسلام وتضمن للجميع حقوقهم الدستورية والقانونية بغض النظر عن الديانة، وتكرر المطلب الفلسطيني بفلسطين الموحدة ألا طائفية عام 1948 خلال وساطة برنادوت لحل النزاع .
إلا أن حرب 1948 والبشاعة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، ورفض الإسرائيليين لأية إمكانية للتعايش مع الفلسطينيين في فلسطين واحدة، وما لحق بالشعب الفلسطيني من عذاب وآلام ومحن على يد الدولة الصهيونية ، كل هذا خلق تراكمات من الأحقاد وآلا لام النفسية والعقلية عند الشعب الفلسطيني والعرب عامة، وهو الأمر الذي تمخض عنه بحكم الواقع والمنطق، ظهور مواقف متشنجة تجاه اليهود عُبر عنها بأشكال الرفض المتكررة لأي تفاوض أو تعايش عربي معهم بل ودفع أحيانا ببعض التيارات السياسية لان تضع كل من اليهودية والصهيونية في سلة واحدة وتطالب بالثائر منهم - حركة القوميين العرب في الخمسينات -. كما استطاعت الدعاية الصهيونية المتغلغلة في الإعلام الغربي أن توظف هذه الحالة النفسية الحاقدة ضد الصهيونية وممارساتها الإجرامية، لخدمة أغراضها الدعائية ،موهمة العالم أن الحقد العربي موجه لليهودية كشعب وكدين، وأن العرب معادون للسامية ومعادون لتطلع اليهود للعيش بسلام، ويودون "إلقاء اليهود في البحر"، وقد استطاعت الدعاية الصهيونية من خلال ذلك أن تغرر بجانب كبير من الرأي العام الأوروبي وحتى دول العالم الثالث وأن تكسب عطفهم وتأييدهم .
وفي ظل هذه الأجواء النفسية كان ولا بد أن يشوب الموقف الفلسطيني تجاه الإسرائيليين شيئا من الغموض اتسم بعدم التمييز- ولو من ناحية تكتيكية دعائية ـ بين اليهودية كدين وبين الصهيونية كحركة عنصرية فاشية تسعى لتجسيد نفسها ناطقة باسم اليهودية العالمية وممثلة لليهود في كل مكان. وبقي الفكر السياسي الفلسطيني في نظرته لمصير يهود فلسطين قاصرا عن تحديد موقف واضح، وكثيرا ما كان الحديث عن التحرير وما بعد التحرير يتسم بالغموض وأحيانا يعتبر من القضايا المؤجلة التي لم يحن الوقت لبحثها وتحديد موقف منها. وعليه كان مطلوب توضيح الصورة وتحديد موقف من يهود فلسطين بعد التحرير .
يعود الأساس والمنطلق لطرح مفهوم فلسطين الديمقراطية إلى ضرورة وضع صياغة جديدة للتصور الفلسطيني لليهود(1)، وإعادة تحديد لمعسكر الخصم ومعسكر الأصدقاء، وهذا راجع إلى طبيعة الاحتلال الصهيوني لفلسطين. فخلافا لكل أنواع الاستعمار الأخرى، حيث كانت هزيمة قوات الاحتلال تؤدي إلى خروج القوات المستعمِرة وترك البلاد لأصحابها ،فان طبيعة الاحتلال الاستيطاني الاجلائي لفلسطين كان يطرح بإلحاح إشكالية مصير اليهود في فلسطين ،هؤلاء الذين لم يكونوا مجرد عدة آلاف من الجنود بل مجموعة بشرية متكاملة أو شعب قيد التكون ، أقاموا في فلسطين وولدت أجيال فيها وقطعوا صلتهم ببلدانهم الأصلية وشكلوا أغلبية سكان فلسطين بحيث اصبح السكان الأصليين-الفلسطينيون- يشكلون أقلية ، وبالتالي كان من الصعب القول بأن التحرير يعني طرد كل اليهود من فلسطين، ذلك أن حل المشكلة الفلسطينية يجب ألا يكون على حساب خلق مشكلة يهودية جديدة ستوظفها القوى المعادية ضد الثورة وضد حركة التحرر العربية . ولأن الثورة الفلسطينية لا تخاطب فقط الشعب الفلسطيني بل تخاطب اليهود والرأي العام العالمي فكان عليها أن توضح تصورها لمصير اليهود في فلسطين بعد التحرير .
وحيث انه لم يعد من الممكن ومن المقبول أن تماطل الثورة الفلسطينية كثيرا حول طبيعة فلسطين الغد حيث كانت اليهودية العالمية تستغل هذا السكوت لمصلحة إسرائيل، فقد طُرح بشكل جدي ومسؤول ضرورة تحديد موقف، ومن هنا كلفت حركة التحرر الوطني الفلسطيني "فتح" أحد قادتها - أبو اياد - بطرح فكرة فلسطين الغد، وتم الإعلان لأول مرة عن الفكرة في مؤتمر صحفي عقده أبو اياد يوم العاشر من أكتوبر 1968، أعلن فيه أن الهدف الاستراتيجي للثورة الفلسطينية هو دعم إنشاء دولة ديمقراطية على امتداد فلسطين التاريخية، يعيش فيها العرب واليهود في وفاق دون أي تمييز عنصري.(2)
وبهذا حددت "فتح" هدفا فلسطينيا خالصا للنضال متجاوزا بذلك الغموض والالتباس السابقين، وقد أعادت تأكيد هذا الهدف بصورة أكثر جلاء وتحديدا في بداية عام 1969 معلنة :(نحن نقاتل في سبيل إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية يعيش فيها الفلسطينيون بكل طوائفهم ... مسلمين ومسيحيين ويهود في مجتمع ديمقراطي تقدمي، ويمارسون عباداتهم وأعمالهم مثلما يتمتعون بحقوق متساوية ). وتأكيدا من فتح على إنسانية الهدف استطرد نفس البيان قائلا :(إن ثورتنا الفلسطينية لتفتح قلبها وفكرها لكل بني الإنسان الذين يريدون أن يعيشوا في المجتمع الفلسطيني الحر الديمقراطي وان يناضلوا في سبيله بصرف النظر عن اللون أو الدين أو العرق)(3).
وقد أشارت كافة التصريحات الصادرة عن "فتح" بخصوص الدولة الديمقراطية على أن المكون الأساس لمفهوم فلسطين الديمقراطية، هو تأكيد الطابع الإنساني للثورة الفلسطينية، وإبطال دعاوى الحركة الصهيونية التي تسعى لوضع كل اليهود في سلة واحدة وبالتالي اعتبار أن المصلحة اليهودية في احتلال فلسطين واحدة ،ولا حل للمسألة اليهودية إلا بفلسطين اليهودية الصافية التي تمتد من النيل إلى الفرات لتتمكن من استيعاب أكبر عدد من يهود العالم،كما سعت "فتح " إلى تحطيم الفكرة الخاطئة عن هدف الثورة الفلسطينية بأنها ضد اليهودي بغض النظر عن معتقداته أو أفكاره، ووضحت "فتح" أنها ضد الصهيونية كأفكار عنصرية شوفينية، وليست ضد اليهودية كدين، كما أكد أبو إياد في مقابلة له مع صحيفة الطليعة المصرية، بان الثورة الفلسطينية تستنكر اضطهاد الإنسان، والتمييز العرقي والديني، وأبدى استعداد "فتح" لتقديم العون إلى اليهود وتزويدهم بالسلاح والقتال إلى جانبهم ضد مضطهديهم.(4)
يبدو أن فكرة التعايش بين اليهود والعرب في دولة واحدة لم تُستوعب جيدا من طرف الفلسطينيين والعرب عامة إلا بعد مرور بعض الوقت، ذلك أن الإحساس العام الفلسطيني والعربي بقي مشبعا بصور القهر والاضطهاد والوحشية التي أنزلها الإسرائيليون بالعرب، فذكرى دير ياسين وكفر قاسم وفقدان الأرض والوطن ومعاناة التهجير الخ استمرت عالقة بالأذهان، بل إن كل يوم جديد يمر يأتي معه بمزيد من الألم النفسي الدافع للحقد على الإسرائيليين والرافض لأي فكرة للتعايش معهم . وغالبا فإن المواطن العادي لا يعنيه كثيرا أو يحفل بأن يدقق في هوية الإسرائيلي صهيوني هو أم لا ....فمن يقيم على ارض فلسطين ويُشرد أصحابها ليحل محلهم هو مستعمِر صهيوني بغض النظر عن معتقداته الفكرية والأيديولوجية ، لان هويته الاستعمارية وصهيونيته العملية تكمن في تواجده في فلسطين مختارا، وبناء على هذا، من الصعب إزالة تراكمات سنين طويلة من العداء والتوتر بمجرد رفع شعار إنساني حضاري ، وخصوصا أن هذا الموقف الإنساني الفلسطيني لم يعره الطرف الآخر كبير اهتمام أو يتجاوب مع دوافعه الإنسانية بمواقف إنسانية متشابهة .
لا ريب أن طرح شعار الدولة الديمقراطية العلمانية وإن كان يعبر عن مواقف إنسانية وحل حضاري إلا أن تحويله إلى واقع بحاجة إلى تغيير جذري في المواقف والعقليات والى حدوث مصالحة تاريخية ودينية، وهو الأمر الذي وضحه ياسر عرفات في كلمته المشهورة في الأمم المتحدة عام 1974 ، فبعد أن أكد على المكون الإنساني لهدف الثورة الفلسطينية بإقامة دولة ديمقراطية بالقول :(إننا ندين كل الجرائم التي ارتكبت ضد اليهود وكل أنواع التمييز الصريح والمقنع الذي عانى منه معتنقو اليهودية)، وضح في نفس الوقت الصعوبات التي تواجه تحقيق هذا الهدف الذي يبقى كحلم بعيد المنال، حيث استطرد قائلا (فلماذا لا أحلم يا سيدي الرئيس، وآمل والثورة هي صناعة تحقيق الأحلام والآمال. فلنعمل معا على تحقيق الحلم في أن أعود مع شعبي من منفاي لأعيش مع هذا المناضل اليهودي ورفاقه، ومع هذا المناضل الراهب المسيحي وإخوانه، في ظل دولة واحدة ديمقراطية يعيش فيها المسيحي والمسلم في كنف المساواة والعدل والإخاء).
بعد نقاشات واسعة استطاعت "فتح" وبدعم من القوى الفلسطينية، أن تدمج شعار فلسطين الديمقراطية ضمن قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية ويصبح بالتالي هدفا استراتيجيا للثورة الفلسطينية.

فلسطين الديمقراطية في مقررات المجالس الوطنية الفلسطينية.
من المعلوم أن الميثاق الوطني الفلسطيني اهتم بتحديد طبيعة الصراع وأطرافه وباستراتيجية حل الصراع اكثر من اهتمامه بمستقبل فلسطين المحررة سواء فيما يتعلق بطبيعة نظام الحكم أو علاقة فلسطين ببقية الدول العربية ، إلا أن بعض مواده تطرقت إلى اليهود الفلسطينيين وأعطت لهؤلاء الحق بالعيش في فلسطين المحررة، فالمادة الخامسة حددت أولا الفلسطينيين بشكل عام بأنهم :- (المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى عام 1947 سواء من اخرج منها أو بقي فيها، وكل من ولد لأب عربي فلسطيني)، ثم عرفت المادة الموالية اليهود الفلسطينيين انطلاقا من التعريف العام للفلسطينيين بالقول:-( اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى بدء الغزو الصهيوني لها يعتبرون فلسطينيين).
ونظرا لما اعتبر نقصا آو غموضا في نصوص الميثاق فيما يتعلق بفلسطين المحررة وضح المجلس الوطني في دورته الرابعة - يوليو 1968 - بأن هدف النضال الفلسطيني هو :
1 -تحرير الأرض الفلسطينية بكاملها وممارسة سيادة الشعب العربي الفلسطيني عليها.
2 - حق الشعب الفلسطيني العربي في أن يقيم لنفسه على أرضه المجتمع الذي يرتضيه وأن يقرر موقفه الطبيعي من الوحدة العربية ...)
مع أن فكرة الدولة الفلسطينية الديمقراطية بعد التحرير ظهرت عام 1968، إلا أنه لم يتم تبنيها رسميا إلا في الدورة الثامنة للمجلس الوطني الفلسطيني في مارس 1971، ذلك أن عام 1968 كان عام انتصارات ومد ثوري بالنسبة للثورة الفلسطينية الأمر الذي كان لا يعطي أي مبرر لشعار فلسطين الديمقراطية والذي اعتبر بمثابة تنازل عن مبادئ الثورة وعن حقوق لها في فلسطين، كما أن شدة الصدام مع العدو كان يجعل أية فكرة للتعايش مع اليهود تجد رفضا لدى قطاع واسع من الفلسطينيين والعرب.
وهكذا بدأت القوى التي تتبنى هدف فلسطين الديمقراطية تعزز مواقعها داخل المجلس الوطني الفلسطيني وتؤثر على قراراته باتجاه الاقتراب من تبني الشعار المشار إليه رسميا ، ففي الدورة الخامسة للمجلس حُدد هدف النضال الفلسطيني بأنه (إقامة المجتمع الديمقراطي الحر في فلسطين بجميع الفلسطينيين،مسلمين مسيحيين ويهود)..،وفي الدورة السادسة للمجلس قدمت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مذكرة للمجلس حددت فيها أن هدف النضال الفلسطيني (إقامة دولة فلسطين الموحدة بعد إزالة الكيان الإسرائيلي وتقضي على التمييز العرقي والعنصري، وتعتمد على حل ديمقراطي للتناحر القائم يستند إلى تعايش الشعبين العربي واليهودي) وفي تقرير اللجنة السياسية والإعلامية للدورة السادسة للمجلس الوطني في القاهرة 1969 ورد بند حول الدولة الديمقراطية، إلا أنه لم يقَر من قِبل اللجنة الخاصة التي كلفت بدراسته، إلا أن البيان الختامي لهذه الدورة، أكد على إصرار الشعب الفلسطيني على (المضي في ثورته إلى أن يتم تحقيق النصر و إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية البعيدة عن كل أشكال التمييز الديني العنصري).
بسبب اشتداد الأزمة في الأردن وحاجة الثورة الفلسطينية لتكتل كل قواها وعدم إثارة أي طرف فلسطيني أو عربي، أرجأت منظمة التحرير مسألة تبني هدف الدولة الديمقراطية بشكل رسمي، ومع أن البيان الصادر عن القيادة الموحدة لحركة المقاومة في مايو 1970 وازن ما بين ديمقراطية المجتمع الفلسطيني بعد التحرير و إيمان الفلسطينيين بالوحدة العربية، إلا انه حذر بأن المجتمع الصهيوني متعصب ومتشنج ومن الصعب أن تخرج منه قوى تقدمية يمكنها أن تُحدث تغييرا في مواقفه، هذا يعني التأكيد على أن هدف الثورة الفلسطينية هو تصفية الكيان الصهيوني سياسيا وعسكريا واجتماعيا ونقابيا وثقافيا .
مع تفجر الصراع ما بين الثورة والنظام الأردني بعد سنوات من المحاولات الفاشلة لخلق نوع من التعايش بين الطرفين وهو صراع حتمي نظرا للتناقض الحاد بين الطرفين فكرا وممارسة ، بدأت الثورة تشعر أن مواقعها التي بنت عليها مجمل استراتيجيتها معرضة للانهيار والتصفية، وأن التحرير أبعد مما كانت تتصوره. هذا الأمر دفع بالإضافة إلى عوامل أخرى إلى تعزيز طرح فلسطين الديمقراطية وإلى البحث عن دعم الرأي العام الدولي وعن أنصار للنضال الفلسطيني داخل صفوف الإسرائيليين ، بعد أن ثبت أن بعض الأشقاء العرب اكثر قسوة من الإسرائيليين ! وإن كان من ضمن أسباب تردد الثورة الفلسطينية في تبني هدف فلسطين الديمقراطية أخذها بعين الاعتبار رفض التيارات المحسوبة على الأنظمة العربية لهذا الهدف، فإن سلبية الواقع العربي تجاه المجزرة التي حلت بالفلسطينيين في الأردن(5) لم يترك مبررا لمراعاة مواقف الآخرين، فالثورة انطلاقا من تقييمها الخاص للمرحلة التي تمر بها ولمصالحها، تبنت بثبات هدف فلسطين الديمقراطية ضاربة بعرض الحائط كل الاعتراضات التي انصبت على هذا الهدف "الشعار"" .
بخروج حركة المقاومة الفلسطينية من الأردن لم يبق مبرر للاستمرار في سياسة الغموض والتردد التي وسمت فكر الثورة قبل ذلك ، وأصبحت الثورة مطالبة بتوضيح مواقفها واستراتيجيتها تجاه عدد من القضايا الحيوية ومن بينها ""شعار الدولة الفلسطينية الديمقراطية ". وكانت الدورة الثامنة للمجلس الوطني فرصة لوضع النقاط على الحروف بالنسبة لعدد من المسائل، وكان أهمها تبني شعار فلسطين الديمقراطية بصورة رسمية، فتحت عنوان مستقل ""الدولة الديمقراطية الفلسطينية"" أكد المجلس الوطني بأن الكفاح الفلسطيني ليس كفاحا عرقيا أو مذهبيا ضد اليهود ولهذا (فإن دولة المستقبل في فلسطين المحررة من الاستعمار الصهيوني هي الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي يتمتع الراغبون في العيش بسلام فيها بنفس الحقوق والواجبات ضمن إطار مطامح الأمة العربية في التحرير القومي والحدة الشاملة) .وقد اعتبر أبو عمار تبني الدورة الثامنة للمجلس الوطني الفلسطيني لهدف فلسطين الديمقراطية بأنه حدث حضاري، إلا أن هذا لم يحسم الأمر بين التيارات المتعددة في الساحة الفلسطينية حيث كان هناك أعداء ومعارضون لهذا الشعار، كما تباينت الصورة حول مضمون الدولة الديمقراطية بعد التحرير وعلاقتها العربية وأيديولوجيتها الفكرية .

شكل ومضمون فلسطين الديمقراطية .
ولان "فتح" هي التي طرحت لأول مرة هدف فلسطين الديمقراطية كان عليها أن توضح مفهومها للدولة المنشودة وأن تجيب على العديد من التساؤلات والاستفسارات التي أثارها هذا الهدف الجديد. في مقالات ثلاث نشرتها مجلة "فتح" نصف الشهرية في مطلع عام 1970(6)، حاولت أن توضح مفهومها لفلسطين الديمقراطية إلا أنها في نفس الوقت أشارت إلى الصعوبات التي تكتنف هذا التحديد، والمجازفة التي تصاحب إعطاء تعريف واضح ومحدد في هذا الوقت لفلسطين الجديدة والمحررة وهي بهذا تُقر بالصعوبات التي تكتنف الوصول إلى هذا الهدف في ظل الواقع الصهيوني لدولة العدو، فقبول الصهاينة بالتعايش مع الفلسطينيين في دولة واحدة هو أمر يبقى غير معول عليه وفي عالم الغيب، ذلك أنه خلال سنوات الكفاح المسلح للوصول لهذا الهدف (هل سيزداد موقف اليهود الفلسطيني تصلبا أم أنه سيصبح أكثر مرونة وتقبلا للتغير؟) .
وحتى لا تثير فتح الأنظمة والحركات القومية والثورية العربية،وحتى لا يعتبر موقفها الجديد توددا لليهود وللغرب ،رسمت "فتح" معالم فلسطين الغد التي سيتم تحريرها وإقامة المجتمع الديمقراطي فيها،فهي فلسطين المعروفة خلال الانتداب البريطاني، وهي لن تكون جزيرة منعزلة في بحر العالم العربي ، بل أنها ستؤلف جزءا من العالم العربي وستتوحد في نهاية المطاف مع غيرها من البلاد العربية، كما أنها ستناهض الإمبريالية في المنطقة وستنضم إلى صفوف البلدان الثورية التقدمية، كما نفت "فتح" بشدة أن تكون الدولة المنشودة بديل عن تحرير كامل التراب الفلسطيني، فهي ستقام على كل فلسطين وهي بهذا ليست الضفة الغربية أو قطاع غزة المحتلتين أو الاثنين معا، ذلك أن فلسطين المحتلة سنة 1948 لا تقل أهمية عن الأجزاء المحتلة سنة 1967، كما أن "فتح" ترفض أي تفسير يمكن الاستشفاف منه القبول بدولة فلسطينية بجانب دولة الصهاينة وذلك (أن كل ترتيب يؤدي إلى تكييف مع دولة المستوطنين المعتدية هو ترتيب غير مقبول ومؤقت).(7)
وبالنسبة لحق المواطنة في الدولة الديمقراطية، حددت فتح بوضوح (أن جميع اليهود والمسلمين والمسيحيين من المقيمين في فلسطين أو المشردين عنها بالقوة سوف يكون لهم الحق بالمواطنية الفلسطينية)، وهذا التحديد كما هو واضح يعطي الحق لجميع الفلسطينيين المغتربين بالعودة إلى فلسطين كمواطنين كاملي المواطنة، كما أنه يعطي هذا الحق لجميع الإسرائيليين المقيمين حاليا في فلسطين، أو يكونوا مقيمين عند التحرير .ــ وهم أغلبية سكان فلسطين ــ إلا أنه يشترط فيهم التخلي عن العقيدة الصهيونية الشوفينية. وقد أكد أبو اياد أن المواطنة الفلسطينية (لن تكون وقفا على اليهود التقدميين والمعادين للصهيونية فحسب، بل سوف تشمل الصهيونيين الحاليين من الذين يعربون عن استعدادهم للتخلي عن أيديولوجيتهم العنصرية) . هذا التفاؤل المبالغ فيه يدخل ضمن مراهنة الثورة الفلسطينية وتحديدا "فتح" على أن الكثير من اليهود الإسرائيليين سوف يغيرون مواقفهم ويؤيدون فلسطين الجديدة في نهاية المطاف .
وتوافقا مع فكر "فتح" وتصورها الأيديولوجي، فقد تجنبت تحديد نظام الحكم وأيديولوجية المجتمع الفلسطيني في فلسطين الديمقراطية ذلك أن الفلسطينيين أثناء مسيرة التحرير وبعد إنجاز النصر (سوف يقررون نظام الحكم وطبيعة التنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي في وطنهم المحرر)، إلا أنها أوضحت بأن فلسطين الديمقراطية والتقدمية لن تكن تيوقراطية أو إقطاعية أو أرستقراطية، كما أنها ستنبذ العنصرية والشوفينية، والاضطهاد أي كان نوعه، وتعتقد فتح بأن عملية التحرير هي التي ستفرز من تلقائها المناخ المطلوب لنظام حكمها المستقبلي (أن حرب التحرير الشعبية تولد القيم والمواقف الجديدة)(8) .
ولتبعد "فتح" أي التباس أو تشويه لهدف فلسطين الديمقراطية، وحتى لا تذهب الظنون أن الدولة الفلسطينية نقيض لعروبة فلسطين، فإنها حذرت من الوقوع في خطأين قد يلصقان بمفهوم الدولة الفلسطينية الديمقراطية :-
الأول : أن فلسطين الديمقراطية اللاطائفية ليست هي الدولة المتعددة الأديان أو المزدوجة القومية، (فالمجتمع الفلسطيني الجديد لن ينشأ حول ثلاث ديانات للدولة أو حول قوميتين). فهو وإن كان يرفض التعصب الديني أو العرقي، وينفتح على جميع الأديان. فإنه (لا ينوي توزيع المناصب السياسية وغيرها من الوظائف وفقا لنسب دينية معينة).وفتح بهذا ترفض النموذج اللبناني وتعتبره نموذجا غريبا عن الثورة كل الغرابة .
الثاني : هو الاعتقاد بأن فلسطين الديمقراطية الجديدة ستكون بديلا عن التحرير، لان فلسطين هذه هي الهدف النهائي للتحرير، فهي ستأتي تتويجا للكفاح المسلح وتصفية الكيان الصهيوني ،وعليه فأنها- فلسطين الديمقراطية - تتنافى مع بعض الطروحات التي يروج لها من يسمون "يهود غير صهاينة" والذين يدعون لإسرائيل مجردة من طابعها الصهيوني أو المعقمة على غرار ما يدعو إليه يوري افنيري ._9)
"وتحذر" "فتح" أن هذه الطروحات هدفها تضليل الفلسطينيين، وأن الشرط الأساسي لفلسطين الغد هو القضاء على الجذور والأسس السياسية والاقتصادية والعسكرية للدولة الصهيونية فالدولة الديمقراطية لا تعني بأي شكل من الأشكال تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين .(10)
ونظرا لهيمنة الفكر الثوري والمواقف الجذرية فلسطينيا وعربيا واعتبار الحديث عن التسوية السلمية من المحرمات ولو كانت في إطار قرارات الشرعية الدولية ، فقد شددت "فتح" على أن فلسطين الديمقراطية لن تكن منحة من هذا الطرف أو ذاك ولن تكون محصلة حلول سلمية أو تسويات سياسية، بل أنها ستأتي تتويجا للكفاح الفلسطيني المسلح، فهي نتيجة له وهدفا في نفس الوقت، ولولا هذا النضال لما كان من الممكن فهم وبالأحرى تقبل هذا المفهوم - فلسطين الديمقراطية - ففلسطين الديمقراطية خطة قتال وتحرير، ولا سبيل لها إلا بحرب الشعب طويلة الأمد (وحتى لو تدخلت ظروف طارئة، كاجتماع عدة تناقضات في لحظة زمانية واحدة، بحيث انهار الكيان الصهيوني، ولم يكن قد اكتمل بعد طريق حرب الشعب ــ وهو احتمال بعيد ولكنه قائم نظريا ــ، فإن الذي لا احتمال غيره، هو أنه لا يمكن الوصول إلى صيغة فلسطين الديمقراطية إلا بحرب الشعب الطويلة وحدها)(11).
إلى جانب "فتح" حظي شعار فلسطين الديمقراطية كما أسلفنا بتأييد منظمات فلسطينية متعددة، أهمها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية، كما تعرض لانتقادات خصوصا من قِبل المنظمات القومية في الساحة الفلسطينية. بالنسبة للقوى المؤيدة ترى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن الدولة الفلسطينية الديمقراطية بعد التحرير تعني حرية العيش للمواطنين فيها بغض النظر عن الدين أو العرق، وهذا شيء محتم، لان كل يهودي يعيش في فلسطين مع وصول المعركة إلى نهايتها له حقوقه المتساوية والكاملة مع بقية سكان فلسطين من الأديان الأخرى، إلا أن الجبهة الشعبية في نفس الوقت تؤكد على ضرورة أن يأخذ شعار فلسطين كجزء من الوطن العربي ووحدته وحياته الاشتراكية مداه، وحذرت من إظهار فلسطين الديمقراطية وكأنها انتزاع لفلسطين من الوطن العربي، أو بناء كيان خاص ومنفصل ومزدوج القومية دون هوية عربية وذلك باسم الديمقراطية .(12)
وتولى الجبهة الشعبية اهتماما بالمكون الإنساني لشعار فلسطين الديمقراطية حيث ترى (أن مضمون هذا الشعار وترجمته العملية هي في توفير حل ديمقراطي للمسألة اليهودية في فلسطين)، وهذا يؤكد إنسانية ولا عنصرية حركة التحرر الفلسطينية، فهي غير معادية لليهود كيهود، ولا تستهدف إبادتهم أو رميهم في البحر كما تروج الدعاية الصهيونية، وإنما هدفها تحرير فلسطين من الصهيونية وإقامة مجتمع تقدمي ديمقراطي يوفر التحرر الاقتصادي والاجتماعي الكامل لكافة مواطنيه وهو بهذا (يكون قد قدم الحل العلمي.. والحل الإنساني الديمقراطي التقدمي للمشكلة اليهودية)(13).
كما أكدت الجبهة الشعبية على المضمون الأيديولوجي لفلسطين الغد التي ستحكمها المبادئ الماركسية اللينينية التي لا خيار عنها في مرحلة التحرير والنضال وفي مرحلة ما بعد التحرير، (فلسطين المحررة ستكون جزءا من مجتمع عربي ثوري جديد... إن المجتمع العربي الجديد الديمقراطي الاشتراكي سيكون قادرا بالاستناد إلى مبادئ الماركسية اللينينية على توفير الحل لكل مشكلات الفقر والتخلف والاضطهاد والاستغلال التي يعاني منها إنسان هذا الوطن... وأن اليهود في فلسطين بعد التحرر سيمارسون شأنهم شأن غيرهم كافة حقوقهم الديمقراطية كمواطنين في مجتمع ديمقراطي اشتراكي).(14)
وأكدت الجبهة الشعبية بدورها على أن الوصول إلى فلسطين الديمقراطية لن يتم إلا بالكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية ضد الصهيونية والإمبريالية والرجعية.
ومن نفس المنطلق تبنت الجبهة الديمقراطية شعار فلسطين الديمقراطية، بل كانت اسبق من الجبهة الشعبية في ذلك، ولعبت دورا مهما من أجل تثبيت هذا الشعار في مقررات المجالس الوطنية الفلسطينية، فقبيل انعقاد الدورة السادسة للمجلس الوطني في القاهرة قدمت الجبهة مشروع قرار للمجلس تحت عنوان "حل ديمقراطي للقضية الفلسطينية " دعت فيه إلى إقامة دولة فلسطينية الموحدة بعد القضاء بالكفاح المسلح على الكيان الصهيوني، واعتبر المشروع أن هذه الدولة تمثل حلا ديمقراطيا للتناحر القائم (بين الشعبين العربي واليهودي) كما تطرق المشروع إلى إعطاء الحق لليهود والعرب بتطوير ثقافتهم القومية، والجبهة الديمقراطية بذلك اختلف طرحها عن طرح "فتح" الذي يجعل التعاون بين اليهود والعرب على أساس المواطنة دون الإقرار بأي حقوق قومية لليهود.
وفي يناير 1970، أعادت الجبهة الديمقراطية، تحديد مفهومها للحل الديمقراطي وأكدت على أن الحل الديمقراطي (يرفض كل الحلول الشوفينية سواء تعلق الأمر بالتوسع الإسرائيلي أو بذبح اليهود ورميهم في البحر، كما يرفض أيضا الحل الرجعي الذي قدمه قرار مجلس الأمن ، ويوضح نايف حواتمة طبيعة الحقوق المتساوية التي ستعطي لليهود والعرب حيث سيكون (لكل منهم حرية تطوير ثقافته القومية بروح ديمقراطية وتقدمية)، وانطلاقا من هذا التصور دعا نايف حواتمة إلى الحوار مع المنظمات الإسرائيلية المعادية للصهيونية كحزب راكاح -الحزب الشيوعي الإسرائيلي- وجماعة ماتزين .(15)
أثار طرح الجبهة الديمقراطية للعلاقة بين مواطني فلسطين بعد التحرير والقائمة على الإقرار بوجود قومية يهودية كثيرا من اللغط والمعارضة داخل صفوف حركة المقاومة الفلسطينية، ذلك أن الإقرار بوجود قومية يهودية يعطي الحق لليهود للمطالبة بأن يكون لهم وطن مستقل ويتجاوز كون أن اليهودية هي دين وليست قومية كما تدعي الحركة الصهيونية ، و كان أشد المعارضين لشعار فلسطين الديمقراطية في الساحة الفلسطينية، هم القوميون، من منطلق أن فلسطين الديمقراطية وبالتعريفات التي أعطيت لها يتناقض مع عروبة فلسطين ومع القومية العربية والوحدة العربية .
ترى طلائع حرب التحرير الشعبية (الصاعقة)، بأنه بالرغم من أن البحث في هذا الموضوع سابق لأوانه، إلا أنها تبدي تحفظها تجاه الدولة الفلسطينية الديمقراطية لان (مثل هذه الدولة تتنافى مع الوحدة العربية التي تؤمن بها، فهي تسعى إلى إقامة دولة عربية واحدة لا حواجز فيها ولا حدود تفصل بين اقطارها، وكل حل للقضية الفلسطينية لا يتفق مع هذا المنطق يبقى حلا مرفوضا من الناحية الفكرية بالنسبة للطلائع)، وبينت الصاعقة أنها (ليست ضد اليهود في فلسطين كشعب) ولكنها ضد الصهيونية، والحل الذي تراه مناسبا هو الحل الاشتراكي باعتباره الحل الإنساني الذي يكفل لليهود العيش بسلام وضمن حقوق متساوية مع العرب في إطار المجتمع العربي الاشتراكي .(16)
أما موقف جبهة التحرير العربية فقد اتسم برفض صارم لشعار الدولة الفلسطينية الديمقراطية، وقام هذا الرفض على خلفية قومية وانطلاقا من تحليل موضوعي لطبيعة المجتمع الصهيوني، واستحالة نجاح أي مراهنة على نبذ اليهود لصهيونيتهم وهو الشرط اللازم للعيش في فلسطين المحررة معهم، وهي من منطلق رؤيتها للصهيونية كنفي لوجود الشعب الفلسطيني، ومن منطلق أن المجتمع الصهيوني القائم على الاغتصاب والعدوان هو مجتمع مضطهِد وظالم بمجموعة، تؤكد استحالة العيش مع هذا المجتمع، فالنقيضان لا يمكن أن تجمعهما أرضية مشتركة أو قيم واحدة.
ولم تنظر جبهة التحرير العربية نظرة جادة للمكون الإنساني وراء رفع هذا الشعارـ ولكنها أولت اهتماما بمشاريع التسوية المطروحة في الساحة العربية وربطت بين هذا الشعار وتلك المشاريع المشبوهة وخصوصا قرار مجلس الأمن رقم 242، باعتبار أن الحل الخارجي للقضية الفلسطينية من خلال هذا القرار بحاجة إلى حل داخلي و"فلسطين الديمقراطية" توفر هذا الحل الداخلي .(17)
ورأت الجبهة أن فصائل المقاومة الفلسطينية التي رفعت هذا الشعار، خضعت لضغوطات خارجية، لتطرح "بديلا واقعيا "بدلا من " "لا واقعية وخيالية" شعاراتها السابقة حول تحرير كامل التراب الفلسطيني، وفي هذا ترى الجبهة أن الإلحاح على طرح ""البديل الواقعي"" ــ وكأن هدف تحرير فلسطين هدف غير واقعي ــ (محاولة مشبوهة لاستباق الصيغ السلمية والصور الصدقة للمستقبل ودفع الثورة لتحديد مستقبلها وفق معطيات وإمكانيات لا تشكل شيئا بالنسبة للمعطيات والإمكانيات الهائلة التي ستوفرها استمرارية الثورة وديمومتها .(18)
وتنهي جبهة التحرير العربية تحليلها الرافض لشعار الدولة الفلسطينية الديمقراطية بالقول أن هذا المشروع ــ الدولة الديمقراطية ــ يمثل احتياطيا للحركة الصهيونية تلجا إليه فيما لو أعدمت الوسائل الكفيلة بوقف الكفاح المسلح والمقاومة العربية وهو لن يكون في أحسن الأحوال أكثر من تسوية تراعي فيها المصالح الاستعمارية والصهيونية، على حساب حركة الثورة العربية.(19)

مع عدم تجاهلنا لأهمية العامل الإنساني في تبني هدف "فلسطين الديمقراطية"" وعقلانية هذا العامل في إطار التعامل مع القضية دوليا، إلا أننا نعتقد وكما بينا أن الدافع الرئيسي وراء تبني هذا الشعار والهدف هو تلمس بعض العناصر القيادية في م.ت.ف. وفي فتح تحديدا التي كان لها نصيب الأسد في ممارسة الكفاح المسلح وفي التعامل مع الأنظمة العربية والتصادم معها ،تلمسهم الفجوة الكبيرة ما بين إمكانات الثورة من جهة و تحرير فلسطين عسكريا وإرجاع اليهود من حيث أتوا من جهة أخري ، كان تبني هذا الهدف الجديد بداية مسلسل التسوية، أو بداية التنازلات وهي إن كانت تنازلات مغلفة بالاعتبارات الإنسانية والدولية، ومصاحَبة بضجيج شعارات الكفاح المسلح وحرب الشعب، إلا أن المراقب الحصيف لا يمكنه إلا أن يربط ما بين تبني هذا الشعار وأحداث الأردن وسلبية الموقف العربي من هذه الأحداث، حيث كانت مجازر أيلول 1970 أبلغ رسالة للثورة الفلسطينية بأن تعيد النظر فيمن تعتبرهم معسكر الحلفاء وأن تعيد النظر بالمراهنة على الجماهير الشعبية العربية التي ستخوض حرب التحرير الشعبية .
وأن ما يؤكد ما نذهب إليه من أن تبني هدف «فلسطين الديمقراطية» كان منطلق سياسة التسوية هو أن من تشجعوا له لأول مرة ودافعوا عنه وروجوا له، هم اليوم على رأس الفريق المفاوض الفلسطيني، وهم أشد المتحمسين لنهج التسوية السياسية، وهما نبيل شعت ومحمود عباس- أبو مازن-، فنبيل شعت كان أول من كتب مدافعا عن فلسطين الديمقراطية" وأبو مازن أول من قاد وتبنى سياسة الاتصال " بالقوى اليهودية غير الصهيونية" وكان وراء تثبيت هذا المطلب في قرارات المجلس الوطني الفلسطيني، وهو الذي رعى وما زال المفاوضات مع الأمريكيين والإسرائيليين ثم مسلسل التسوية منذ مدريد حتى اليوم.
ولكن بالرغم من التنازل المتضمن في هدف فلسطين الديمقراطية، وبالرغم من كونه حلا حضاريا، فإنه لم يجد إلا كل رد ورفض من الكيان الصهيوني، الذي قام على عقيدة شعب الله المختار، و عمل ويعمل على إقامة دولة يهودية نقية خالصة، وكان لا بد من التفكير في اتجاه جديد للتسوية يأخذ بعين الاعتبار ضرورة الفصل ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن كيف يمكن الفصل بين شعبين يعيشان على ارض واحدة هذا لا يكون إلا بدولتين، والقول بدولتين يعني التنازل عن جزر من ارض فلسطين لتقوم عليها الدولة الصهيونية .
ولم يكن من اليسير تمرير هذا التنازل الجديد وأن يقبل به الفلسطينيون والجماهير العربية، إلا أن حرب أكتوبر 1973 هيئت المناخ لتمرير هذا التنازل تحت شعار مرحلية النضال، والمزاوجة ما بين الهدف الاستراتيجي والهدف المرحلي، فكيف ذلك؟

من الدولة الديمقراطية على كامل فلسطين الى السلطة الوطنية على جزء من ارض فلسطين


إذا كانت هزيمة 1967 العربية أعطت دفعة لاستراتيجية الكفاح المسلح ومنحت الثورة الفلسطينية الصاعدة الثقة بالنفس وباستراتيجيتها الكفاحية، فإن حرب أكتوبر 1973 عملت على إفقاد الثورة الفلسطينية شيئا من الثقة بقدرتها على تحرير كامل فلسطين من خلال إستراتيجية الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية، فهذه الحرب بالرغم من الانتصار العسكري الرمزي الذي حققته إلا أنها أثبتت عدم القدرة ليس فقط على القضاء على إسرائيل بل عدم القدرة على استعادة الأراضي العربية المحتلة عام 1967عن طريق الحرب ،ليس ذلك بسب منعة إسرائيل وقوتها بل أيضا لاعتبارات دولية وطبيعة وعمق علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، ومحدودية الالتزام السوفيتي بدعم العرب في حربهم ضد إسرائيل.
لقد أعادت حرب أكتوبر للجيوش والأنظمة العربية المشاركة في الحرب شيئا من الاعتبار الذي فقدته في حرب يونيو1967 ، بالمقابل فقدت الثورة الفلسطينية شيئا من بريقها ،وفي نفس الوقت جعلت هذه الحرب الأنظمة العربية اكثر واقعية في نظرتها للصراع مع إسرائيل،وأخذت تعمل على استغلال انتصارها في أكتوبر لفك ارتباطها بالقضية الفلسطينية والتخلي عن مسئوليتها-التي تعني في المفهوم الشعبي تحرير فلسطين- القومية تجاه فلسطين ، سواء من خلال التوجه مباشرة نحو الحل السلمي مع إسرائيل كما حدث مع مصر أو بطريقة غير مباشرة من خلال تهميش دور وفعالية الثورة الفلسطينية وإفقادها القدرة على التفرد بالتعامل مع الصراع مع إسرائيل ومحاولة إلحاقها بالاستراتيجية الرسمية العربية تمهيدا للدخول بتسوية تحت الوصاية العربية ، كما حدث مع سوريا واصطدامها مع الثورة الفلسطينية في لبنان.
وهكذا استبقت الثورة الفلسطينية ما كانت تعتقد انه آت ويخطط لها، وتحركت مباشرة وقبل أن تبرد فوهات البنادق على مستويين : الأول تجنب محاولات تهميشها ومحاصرتها محليا وعالميا، وذلك بالعمل على تعزيز وجودها في لبنان وربط علاقات متينة مع الحركة الوطنية اللبنانية التي لم تكن علاقاتها طيبة مع سوريا، ومن جهة أخرى تليين مواقفها السياسية أو تغيير خطابها السياسي وذلك بإرسال رسائل علنية وسرية تعبر عن استعدادها لأنصاف الحلول وذلك من خلال ما سمي بسياسة المراحل. وجدت هذه السياسة استحسانا سواء من الأنظمة العربية التي سارعت لعقد قمة عربية اعتبرت فيه م.ت.ف ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني لتتخلى بذلك الأنظمة عن مسئوليتها القومية تجاه الفلسطينيين بالزعم أن الفلسطينيين هم الذي طلبوا أن تكون المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني،هذه الخطوة مهدت الطريق أمام الأنظمة العربية لدخول سياسة التسوية السلمية دون حرج كما أنها لقيت مباركة دولية، حيث تم استقبال أبو عمار في الجمعية العامة للأمم المتحدة و قوبِل استعداده للحل السلمي بالترحاب، وكانت عبارته ( غصن الزيتون في يد والبندقية في يد) تختزل تحولا استراتيجيا في نهج الثورة الفلسطينية، واستعدادها لإعادة النظر في ثوابت سابقة، لو وجدت تجاوبا إسرائيليا أو أمريكيا آنذاك ،لأنه لا يعقل أن أبو عمار ذهب إلى الأمم المتحدة لمطالبتها بالقضاء على إسرائيل ! .
ولكن هل تمكنت المنظمة من الجمع ما بين غصن الزيتون والبندقية ؟ وهل تطور الأحداث عزز من طرح منظمة التحرير ومراهناتها ، أم أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن ؟ .



#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تصريحات بوش تغير مرجعيات التسوية وتربك النخبة السياسية الفلس ...
- حتى لا نكون شهاد زور على مؤامرة تصفية المشروع الوطني
- استنهاض الحالة الثقافية في فلسطين بين شح الامكانيات وغياب ال ...
- مؤتمر أنابولس :مؤتمر لسلامهم أم لسلامنا؟
- ضرورة تخليص السياسة من أوهامها
- غصن زيتون أبو مازن وغصن زيتون أبو عمار
- لا شرعية بل إدانة لكل عمليات عسكرية متبادلة بين حركتي فتح وح ...
- حتى لا يكون مؤتمر الخريف حلقة من مسلسل تفكيك المشروع الوطني
- في ثقافتنا الوطنية متسع للجميع
- لا يستطيع وليس من حق أحد أن يسقط الحق بالمقاومة
- لا أخجل بل افتخر لكوني فلسطيني
- سيناريوهات ما بعد الانقلاب في غزة
- استنهاض حركة فتح الفلسطينية في عالم متغير
- المرحلة الثانية من مشروع تصفية المشروع الوطني الفلسطيني
- صمت الرئيس أبو مازن: عجز أم حكمة لا ندركها؟
- : صعوبة المهمة وغموض الهدف الدور المصري الراهن في القضية الف ...
- حق تقرير المصير بين القانون والسياسة
- ماذا تبقى من المشروع الوطني الفلسطيني؟
- بعد الاقتتال في غزة :ماذا تبقى من المشروع الوطني ؟
- الأصولية والعلمانية :جدل الفكر والواقع


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- -دولتان أم دولة واحدة؟- - مناظرة بين إيلان بابه وأوري أفنيري / رجاء زعبي عمري
- رد عادل سمارة ومسعد عربيد على مداخلة سلامة كيلة حول الدولة ا ... / عادل سمارة ومسعد عربيد
- الدولة الديمقراطية العلمانية والحل الاشتراكي - مناقشة الصديق ... / سلامة كيلة
- مناقشة نقدية في حل -الدولة الديمقراطية العلمانية- / عادل سمارة ومسعد عربيد
- ماركس وحده لا يكفي لكنه ضروري - تعقيب على رد الصديقين عادل و ... / سلامة كيلة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين - ابراهيم ابراش - الدولة الفلسطينية في المواثيق الوطنية