مقدمة الى ندوة "الملتقى المدني" حول دور مؤسسات الحكم المحلي ، المنعقدة في غزة –المركز الثقافي- 11/12/2003
منذ أواخر القرن التاسع عشر ، و حتى نهاية الحكم التركي عام 1918 ، و طوال مرحلة الإنتداب البريطاني ، كانت قيادة المجالس البلدية و القروية في بلادنا فلسطين ، محصورة من حيث تكوينها و أدائها في يد عدد محدود من العائلات شبه الإقطاعية ، أو كبار الملاك الفلسطينيين ، الذين تصدروا آنذاك ، قيادة العمل العام بكل أبعاده السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية ، بما في ذلك البلديات التي توزعت المسؤوليات و المناصب الكبيرة فيها على هذه العائلات حسب دورها و نفوذها في المدن الفلسطينية ، و في تلك المرحلة لم تلعب البلديات دوراً ايجابياً مؤثراً في الحياة السياسية ، إذ "لم يكن لها دور بارز كمؤسسات ، و إنما تمحور أثرها السياسي في انتخاب أو تعيين المجالس البلدية في ظل بروز الصراعات و التنافسات العائلية حول كيفية تشكيل المجالس ، و ضمان رئاستها ، فالسياسة المحلية في فلسطين خلال تلك الفترة ، لم تكن تعبر ، أساساً عن صراع أيديولوجي بين برامج سياسية مختلفة ، و إنما عن تنافس مصلحي بين العائلات المدينية المتنفذة حفاظاً على امتيازاتها الطبقية ، و لذلك أصبحت البلديات آلية سلطة في يد العائلة (أو تحالف العائلات) التي تسيطر عليها ، فكانت تستغلها مركزاً لتأمين تغلغل نفوذها و ضمان مصالحها"[1] ، و بعد نكبة 1948 استمر هذا الوضع على هذه الشاكلة في الضفة و القطاع حتى عام 1967 ، فبعد إلحاق الضفة الغربية بالأردن عام 1950 (على أثر مؤتمر أريحا) ، حرص النظام السياسي في الأردن على إلغاء دور المعارضة الوطنية الفلسطينية ، بالمواجهة المباشرة ، أو بالتطويع و الترغيب ، و من منطلق انهاء المشروع الوطني الفلسطيني و الهوية الفلسطينية برمتها وفق سياسة الأردنة ، و نظراً لطبيعة التكوين و المصالح الطبقية لقطاع واسع منها ، فقد استجابت معظم الشرائح السياسية الفلسطينية العائلية المتنفذة للسياسة الأردنية التي نجحت في إحكام سيطرتها عليهم و استيعابهم في المؤسسات التشريعية و التنفيذية (مجلس الأعيان و النواب و المناصب الوزارية) و مؤسسات الحكم المحلي أو البلديات ، بموجب قانون البلديات الصادر في أيلول 1955 ، الذي ألغى العمل بقانون الإنتداب 1934 ، و قانون 1954 شكلاً ، لكنه استرشد بالمرتكزات القانونية الأساسية للقانونين السابقين ، خاصة قانون 1934 الذي اعتبر البلديات و السلطات المحلية عموماً جزءاً تابعاً للحكومة المركزية و أجهزتها ، وفق التشكيلات الإدارية المطبقة التي أعطت للمحافظ و المتصرف صلاحيات أكبر من صلاحيات رؤساء البلديات ، مما أدى إلى حصر دور المجالس البلدية في القضايا و السلطات ذات الطابع المحلي المباشر بعيداً عن أي شكل من أشكال الممارسة السياسية لهذه المجالس التي لم تعترض على ذلك في سياق تأمين مصالحها الطبقية و الشخصية .
أما في قطاع غزة ، الذي تحددت "خارطته" على أثر اتفاقية الهزيمة الموقعة في رودس بين الوفدين الإسرائيلي و المصري بتاريخ 24/شباط/1949 ، معلنة بدء فصل جديد من حياة شعبنا الفلسطيني ، فبعد أن كانت هذه المنطقة تعرف بلواء غزة و التي ضمت أربع مدن و ستين قرية ، بمساحة تبلغ 13688 كم2 ، أصبحت تعرف باسم "المناطق الخاضعة لرقابة القوات المصرية في فلسطين" و تضمنت فقط مدن غزة و خانيونس و رفح و دير البلح و سبع قرى هي جباليا/النزلة/بيت لاهيا/بيت حانون/بني سهيلا/عبسان الكبيرة و الصغيرة/و خزاعة ، على مساحة من الأرض تبلغ 365 كم2 فقط ، و المفارقة –التي تثير الاستغراب أو التساؤل- أن الإدارة المصرية ، بعد قيام ثورة يوليو 1952 – بدافع الحرص على استمرار الطابع الفلسطيني لقطاع غزة- رغم تطبيقها لقوانين الاصلاح الزراعي و تهميش أو إلغاء دور القيادات التقليدية من طبقة الباشاوات و كبار الملاك في مصر ، حرصت على استمرار الدور الاجتماعي و السياسي لكبار الملاك و التجار ، و إبقاء الطابع التقليدي للقوى السياسية شبه الإقطاعية ، و دورها في العمل السياسي عموماً ، و في البلديات و المجالس القروية خصوصاً دون الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الاجتماعية و السياسية العميقة بعد نكبة عام 1948 ، بل إن الإدارة المصرية استمرت في التعامل مع هذه "الشرائح العليا" و العائلية ، كما كان عليه الوضع أيام الانتداب ، و لذلك نلاحظ أن كافة المجالس البلدية التي عرفها قطاع غزة منذ أول مجلس بلدي عام 1893 ، حتى نهاية القرن العشرين ، تشكلت جميعها من مجموعة من العائلات لم تتغير أسماؤها أو رموزها و كذلك الأمر في الضفة الغربية و عبر نفس الرموز رغم اختلاف طبيعة و دور ووظيفة النظام الأردني عن النظام المصري ، بل و تناقضهما المطلق فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية .
حتى عام 1967 ، لم يكن في القطاع سوى بلديتين في مدينة غزة ، و مدينة خانيونس ، و ظل قانون البلديات لعام 1934 سارياً طوال فترة الوصاية المصرية ، و بالرغم من اصدار القانون الأساسي لقطاع غزة الذي تم اقراره من رئاسة الجمهورية في القاهرة في أيار 1955 ، و طبق رسمياً في القطاع في شباط 1958 ، و تضمنت نصوصه تحديد صلاحيات السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية ، و تناوله لموضوع الانتخابات البلدية ، إلا أن أوضاع البلديات بقيت على حالها دون تغيير ، و في آذار 1962 ، صدر النظام الدستوري لقطاع غزة بدلاً من القانون الأساسي السابق ، و تم تشكيل المجلس التشريعي في القطاع كإطار سياسي جديد ، مع استمرار المجالس البلدية بعيدة عن الممارسة السياسية و في إطار تركيبها الاجتماعي التقليدي العائلي السابق ، لم يتم إجراء أية انتخابات بلدية في قطاع غزة ، طوال الفترة من 1949-حتى عام 2003 ، حيث بقيت البلديات مقيدة بقواعد التعيين التي اتبعت منذ عهد الأتراك ثم الانتداب ، و فترة الوصاية المصرية ، ثم الاحتلال ، وصولا الى أوسلو ، وقيام السلطة الفلسطينية التي لم تتوجه بقرار صريح نحو اجراء وتطبيق الانتخابات البلدية في الضفة والقطاع معا منذ 1994حتى نهاية العام 2003 رغم اقرار القوانين الخاصة بالانتخابات البلدية من المجلس التشريعي والسلطة التنفيذية معا ، وهي ظاهرة تستوجب من جميع القوى الوطنية التصدي لها و إلغائها بصورة مطلقة و نهائية إلى غير رجعة ، انسجاماً مع ارادة و تطلعات الجماهير الشعبية في بلادنا في التحرر الناجز الوطني و الديمقراطي ، و الخلاص من هذه المخلفات التاريخية العائلية الضارة من جهة والمحاسيب الجدد من أهل الثقة من جهة أخرى ، و التي يتناقض مجرد وجودها في أبسط مراكز السلطة السياسية أو المحلية ، بصورة صارخة مع معطيات العصر الراهن و استحقاقاته و تناقضاته الحادة التي لا يمكن مواجهتها إلا بالجماهير الشعبية و قيادتها ومؤسساتها النابعة من صلبها المعبرة عن شوقها للخلاص و التحرر . إذ أن مؤسسات الحكم المحلي ، و البلديات بصورة خاصة ، تعتبر "عصباً رئيسياً في البنية العامة للدول الحديثة ، فبالإضافة إلى كونها ركيزة أساسية لممارسة العملية السياسية على الصعيد المحلي للمجتمع ، تقع عليها مسؤوليات و أعباء ادارية و خدمية رئيسية تطال مختلف مجالات الحياة المجتمعية ، لذا ، فإن فعالية هذه المؤسسات و نجاعتها في أداء دورها السياسي و القيام بمهماتها المختلفة تعتبران من المؤشرات ذات الدلالة المهمة لا على نوعية و حيوية النظام السياسي داخل الدولة فحسب ، بل على قوى المجتمع التفعيلية و قدراته التنظيمية و إمكاناته التنموية"[2].
و لكن العقبة الكبرى أمام تفعيل دور البلديات ، المجتمعي و السياسي ، تكمن في أن السلطة الفلسطينية ، و رغم إقرار مشروعي قانون مجالس الهيئات المحلية الفلسطينية لعام 1997 ، و القانون الخاص بانتخاب مجالس الهيئات المحلية لعام 1996 ، رافضة حتى اللحظة ، إجراء الانتخابات البلدية –بصورة منافية لأبسط مفاهيم الديمقراطية ، عدا عن مخالفة القوانين و الأنظمة – علماً بان هذه الانتخابات لا تقل من حيث أهميتها و ضرورتها عن الانتخابات السياسية العامة التي سبق للسلطة إجراؤها في يناير 1996 .
إن استمرار تجميد الانتخابات البلدية من قبل السلطة الفلسطينية ، يعني رفض الامتثال لمبادئ ديمقراطية الحكم ، و رفض الالتزام بتطبيق المبادئ و الأسس التي تضمنها إعلان الاستقلال في الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و المساواة و سيادة القانون ، و بالتالي حصر البلديات في إطار النشاطات الخدمية بعيداً عن أي دور سياسي مؤثر سوى ذلك الدور التاريخي التقليدي ، الذي حرصت السلطة على استمراره في بعض المدن الفلسطينية الرئيسية و الذي يقوم على إحياء دور العائلات المتنفذة في سياق هيمنة "الطبقة" السائدة في السلطة ، و إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية الأكثر تخلفاً عبر توزيع السلطات المحلية باسم مراعاة التوازن الحمائلي أو العشائري في القرى و المخيمات و المناطق الفقيرة دون أي اعتبار لآفاق التطور الاجتماعي و السياسي الديمقراطي الذي تتطلع إليه جماهيرنا تعزيزا لصمودها ومقاومتها للاحتلال الصهيوني من جهة ، و دون أي اعتبار لمقتضيات العصر و ظروفه التي لفظت تلك الرموز –التقليدية القديمة والجديدة- من جهة أخـرى .
إن استمرار السلطة في إلغاء مبدأ ديمقراطية الحكم لحساب المبدأ الأوتوقراطي الفردي المركزي ، أدى إلى توليد كل مظاهر الخلل الاجتماعي الداخلي ، و عزز نمو النزعات الفردية و التسلطية في كافة الوزارات و المؤسسات و الأجهزة الى جانب مؤسسات الحكم المحلي او البلديات ، مما أنتج المزيد من مظاهر الفوضى و عدم الاستقرار و غياب القانون و النظام العام و عجزها عن ممارسة دورها – و لو ضمن الحد الأدنى – في جوانب الحياة المدنية و السياسية لمجتمعنا .
لذلك فإن الموقف الملتزم بالمطالبة بتطبيق مبادئ النظام الديمقراطي و فصل السلطات ، و تطبيق اللامركزية في كل ما يتعلق بالسلطات المحلية و غيرها ، إنما يعبر عن وعي القوى السياسية الملتزمة بدورها تجاه قضايا الجماهير ومستقبلها ، بضرورة توزيع المسؤوليات و الصلاحيات عبر الممارسة الديمقراطية ، ضماناً و مدخلاً لتطور مجتمعنا ، و تعبيراً عن حاجات و رغبات القطاعات الأوسع من جماهيرنا بما يكفل إلغاء كافة أشكال النزعات الفردية التسلطية في النظام العام و مؤسساته و أجهزته .
و انطلاقاً من هذه الرؤية ، المعبرة عن المصالح والاهداف الوطنية بارتباطها العضوي بقضايا الصراع الاجتماعي و الديمقراطي في هذه المرحلة ، فإننا نؤكد على ضرورة إعادة البناء الهيكلي الجذري للبلديات ، لأن حديث البعض من مثقفي السلطة و أصحاب المصالح الخاصة و العائلية ، عن إمكانية إصلاحها أو تطويرها مع بقاء هيكليتها و أسسها التي انبنت عليها في السابق ، لا يعني سوى الاستمرار على إبقاء البلديات صرحاً لقوى التخلف و رموز الماضي ، و مناخاً للمحسوبيات و الاستزلام بعيداً عن دورها الحقيقي في ممارسة العملية السياسية الديمقراطية و المجتمعية التي تقوم على التواصل مع الجمهور و دوره في الرقابة و المحاسبة من جهة و على استقلاليتها في مجالات اختصاصها و مهماتها و مسؤولياتها تجاه المجتمع المحلي من جهة أخرى ، و هو أمر لن يتحقق طالما بقيت قيادة السلطة الفلسطينية على موقفها الرافض لإجراء الانتخابات البلدية و المجالس القروية ، و استمرارها في سياسية تعيين المجالس المحلية ، بما يتعارض كلياً مع ما أجمعت عليه القوى السياسية و ما التزمت به وزارة الحكم المحلي ، و لذلك فإن القوى السياسية المعنية بعملية التغيير الديمقراطي ، بالقدر الذي تعبر فيه عن رفضها لهذه السياسات الضارة ، سيكون مفيداً –وضرورياً- التزامها بالعمل على تحقيق الاهداف التاليـة :
1. خطة واضحة لتطوير البلديات (إداريا و مالياً و خدماتياً و تنموياً و سياسياً) تهدف إلى التنمية و التطوير الشامل للخدمات البلدية ، و محاربة الرشوة و المحسوبية و كافة أشكال الفساد في مرافقنا و مجالسنا المحلية و الانطلاق من الأولويات و الحاجات الملحة للجماهير في تنفيذ المشاريع التطويرية تطبيقاً لشعار نحن الذين نحدد أولوياتنا و ليست الأطراف المانحة ، و ذلك باستكمال تطوير البنية التحتية (شبكات الصرف، الطرق ، المياه ، الكهرباء) لسكان أطراف المدن و الأحياء السكانية و المخيمات و القرى ، و العمل على خلق مقومات البيئة التنظيمية الخالية من التلوث ، و إقامة المناطق الصناعية بعيدا عن الأماكن المأهولة وتنظيم البناء على أسس حديثة ، و المحافظة على المناطق الزراعية ، و إنشاء الأسواق السكانية ، و التعاونيات ، و المراكز الثقافية و الرياضية و رياض الأطفال و تنظيم المرافق السياحية و تأمين المشاركة المجانية في الأماكن السياحية و شاطئ البحر لكافة المواطنين ، و تطبيق مبدأ الاعتماد على الذات و الاستفادة القصوى من الإمكانات الذاتية ، و إلغاء توظيف المحاسيب و الأقارب و محاربة البيروقراطية ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب . على أن يتم تعميم هذه الخطة و أهدافها عبر الندوات السياسية المركزية والبيانات والنشاطات الجماهيرية ، في المواقع المختلفة ، في المدن والقرى والمخيمات ، بما يؤكد على رفض إجراءات التعيينات للمجالس البلدية و القروية المؤقتة ، و تحويلها إلى مجالس دائمة عبر التأجيل المتكرر للانتخابات دون أي ذريعة أو سبب موضوعي أو قانوني .
وفي هذا الاتجاه ، لا بد من بلورة قوى جماهيرية للضغط السياسي و المطلبي الجماهيري في كافة المواقع و التجمعات على السلطة ووزارة الحكم المحلي ، للتسريع في إجراء الانتخابات و تحديد المواعيد الدورية لها بصورة واضحة و ملزمة .
2. بلورة موقف مشترك تجاه قانون الانتخابات البلدية ، و قانون مجالس الهيئات المحلية ، لعام 1997 ، و كذلك صياغة موقف جماعي حول مستوى مشاركة اللاجئين في المخيمات[3] في هذه الانتخابات و ضمان استقلالية المجالس ، و مراعاة خصوصية كل منها .
3. الضغط من أجل اعتماد تطبيق مبدأ التمثيل النسبي في العملية الانتخابية ، بما يضمن نزاهتها و ديمقراطيتها و ضمان المشاركة السياسية و الجماهيرية الواسعة فيها بعيداً عن كل أشكال الضغط و الابتزاز من ناحية ، وبما يضمن تطبيق مبدأ اللامركزية في كافة المجالس البلدية ضماناً لاستقلاليتها دون إلغاء دور الحكم المركزي من حيث الرقابة والمتابعة والاشراف من ناحية ثانية ، بما يضمن تحقيق طموحاتنا –بصورة تدريجية- صوب تحويل البلديات الفلسطينية الى مؤسسات محلية ديمقراطية قادرة –في حدود صلاحياتها ودورها- على تجسيد المشاركة الجماهيرية عبر قيامها بالتعبير عن الاحتياجات والقضايا المطلبية للجمهور في المدينة او الريف ، بما يكرس وعياً جديداً لدور هذه المؤسسات في تمثيلها الفعال للمواطن على المستوى المحلي ، ويلغي صورتها الرسمية او الحكومية التي ما زالت راسخة في أذهان أبناء شعبنا ، كذراع أو أداة مطواعة في يد هذه الحكومة او السلطة او تلك .
[1] د.علي الجرباوي –البلديات الفلسطينية من النشأة حتى عام 67 – مجلة شؤون فلسطينية عدد (221-222) – أيلول 1991 – ص57 .
[2] د. علي الجرباوي – دور البلديات في فلسطين – الدولة – مجلة دراسات فلسطينية – العدد (9) – 1992 .
[3] بالنسبة لمشاركة اللاجئين الفلسطينيين في الانتخابات البلدية ، يبدو ان القانون قد حسم هذه المسألة حينما أكد على شرط ممارسة حق الانتخاب "ان يكون مقيما ضمن منطقة البلدية او الهيئة المحلية التي أدرج اسمه في سجل الناخبين بها" وهذه الفقرة تعني عدم مشاركة اللاجئين في المخيمات باعتبارها خارج المناطق الخاضعة لاشراف البلديات ، رغم ان نسبة اللاجئين المقيمين خارج المخيمات ، ويسكنون في المناطق الخاضعة للبلديات ، أعلى من نسبة اخواننا اللاجئين المقيمين في المخيمات ، وهذه مفارقة أوليه ، أما المفارقة الثانية فهي مشاركة كل أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع –لا فرق بين لاجئ ومواطن- في الانتخابات السياسية عند انتخاب المجلس التشريعي .
في كل الاحوال ، نحن أمام قضية شائكة ومتعددة الابعاد والمخاطر ، وتحتاج الى الحذر الشديد عند عرض أية أفكار حول مشاركة اللاجئين من عدمها ، ذلك ان المخاطر المحتملة لمشاركة اللاجئين في الانتخابات السياسية (التشريعي) او البلدية ، يمكن ان تتضح في افساح المجال للعدو الاسرائيلي لكي يخترق الموقف السياسي الفلسطيني بالنسبة لقضية اللاجئين ، وحق العودة بالذات ، تحت ذريعة مشاركتهم في الانتخابات من ناحية ، وبما يتوافق –في حال مشاركتهم- مع جوهر نصوص وافكار ما يسمى "بوثيقة جنيف" سيئة الذكر التي تمهد –فيما لو تم اقرارها- الى تطبيق المخطط الامريكي الصهيوني الذي يعمل على شطب كافة قرارات الشرعية الدولية عموما ، وقراري 181 و 194 خصوصا ، من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة انسجاما مع نصوص "وثيقة جنيف" كذريعة امريكية-اسرائيلية صوب عملية الشطب المتوقعة في سياق هذا الهبوط السياسي الفلسطيني والعربي المريع .
في كل الاحوال ، لابد من التأكيد بوضوح على موقفنا الثابت الذي ينطلق من ان قضية اللاجئين السياسية لا يمكن ان تكون مسؤولية اللاجئين فقط بل هي مسؤولية كل أبناء الامة العربية وفي المقدمة منهم شعبنا الفلسطيني عبر قواه السياسية الطليعية المناضلة من اجل التحرر الوطني والنهوض القومي في سياق الحركة العربية النهضوية من اجل تغيير وتجاوز هذا الواقع العربي المأزوم والمهزوم .