أنيس محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2199 - 2008 / 2 / 22 - 09:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بسم الله الرحمن الرحيم
الرسول عندما يصفه الله بأنه ( لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) فهي دلالة بينة واضحة إنه لا يستطيع الرسول التبليغ بغير ما أنزل الله إليه بالوحي , ولهذا يعرف الرسول من أنه قرآنا يمشي في الأرض , ولا أعتقد إنه متى ما سُئل من أي من البشر إنه يستطيع أن يُفتي أو يشرع !!! بل يظل في إنتظار نزول جبريل إليه ( عليه السلام ) ليفتيه بما أنزل الله من أحكام وفتاوى ربانية من السماء إلى الأرض ... وكلها بينة واضحة في معظم سوَر القرآن الكريم بالأمر الإلهي ( قُل ).
وأحببت فقط التعريف , لغرض الإستفادة وللفائدة للقارئ الكريم... في تبيين الفرق بين الرسول والنبي , من وحي كتاب الله ( القرآن الكريم )
لقوله تعالى:
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ( 129 ) وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ( 130 ) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( 131 ) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ( 132 ) البقرة
وقوله تعالى:
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ( 151 ) البقرة
وسنجد في القرآن الكريم كتشريع وكتاب إلهي , يشمل ضمن مسمياته ( الهُدى والنور والذكر والشرعة ويأتي بداخله الحكمة وهي بيان هذا الكتاب والمنهاج العلمي التوضيحي كأحكام وفتاوى من عند الله لتفرق بين الحق والباطل والهدى والظلال والنور والظلمات والإيمان والكُفر والإنسان والحيوان وهو ما يُعرف بالفرقان ).
وسنجد بوضوح الآيات إنه من بين جميع رسُل الله وأنبياؤه , فقد ميَز الله رسوله عيسى ( عليه السلام ) بعد أن أيده بروح القدس ( وهي مرتبة رفيعة من مراتب روح الله جل جلاله ) وعلم عيسى الكتاب والحكمة ( القرآن الكريم والفرقان الكريم ) ) والتوراة والإنجيل ... وأصبح حينها عيسى الرسول قادرا بإذن الله (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي ) وهي كلها من علوم وإعجازات الله جل جلاله والتي أعتبرها بني إسرائيل حينها (فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ).
لقوله تعالى:
إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ( 110 ) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ( 111 ) المائدة
وقوله تعالى:
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ( 2 ) الجمعة
فتبيَن الآيات أعلاه بوضوح إن الله جل جلاله قد بعث فينا رسول من أنفسنا يتلو علينا آيات الله ويزكينا ويعلمنا ( الكتاب والحكمة ) , والكتاب والحكمة هي ما تميز بين الرسول والنبي ... فتجد إن الرُسُل هم من يتنزل عليهم ( الكتاب والحكمة, الشرعة والمنهاج, كتاب الله وسُنة الله, القرآن والفرقان, التوراة والفرقان, الإنجيل والبينات ) , وكلها مُنزلة بالوحي من عند الله , في كتاب واحد هو ما يُسمى بالرسالة السماوية , ويطلق عليها مجازا ( القرآن الكريم , التوراة الكريم , الإنجيل الكريم ) ككتاب سماوي واحد يشمل الكتاب وبداخله يأتي بيان الكتاب كأحكام وفتاوى ربانية من السماء إلى الأرض بالأمر الإلهي ( قُل )... بالوحي من عند الله.
لقوله تعالى:
الرَّحْمَنُ ( 1 ) عَلَّمَ الْقُرْآنَ ( 2 ) خَلَقَ الْإِنسَانَ ( 3 ) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ( 4 ) الرحمن
أما الأنبياء فلا تتنزل عليهم ( الكتاب , الشرعة , الذكر , النور, القرآن الكريم, التوراة الكريم, الإنجيل الكريم ) ... بل يتنزل عليهم فقط ( الحكمة, المنهاج, سُنة الله , البينات بعلوم الله جل جلاله , الفرقان الكريم ليفرقوا بين الحق والباطل , النذير, الزُبُر , الإيمان )
وسنجد إن الأنبياء بعددهم كثيرون ... ودائما ما تتنزل عليهم بالوحي من عند الله , بعد نزول الرسالة السماوية عن طريق الرُسُل من قبلهم. .. لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرُسُل وكان الله عزيزا حكيما.
لقوله تعالى:
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ( 163 )
وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ( 164 )
رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ( 165 ) النساء
وسنجد في الآيات الكريمة أعلاه إن الرُسُل موسى وعيسى ومحمد ( عليهم السلام ) أدخلهم الله جل جلاله في الآيات أعلاه مع الأنبياء جميعهم ... ولسبب واضح وبسيط وهو إن الرُسُل هم بالضرورة أنبياء , أما الأنبياء فهم ليسوا بالضرورة حاملين للرسالات السماوية ( رُسُل ) التي تشتمل على الكتاب والحكمة معا , إلا في حدود ما آتى الله للأنبياء من حكمة وبينات وفرقان وإيمان وعلم ... والأحكام والفتاوى الربانية من وحي كتاب الله. ... بعد نزول الرسالات السماوية على الرُسُل من قبل.
لقوله تعالى:
قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ( 84 ) آل عمران
وطرق وأشكال التنزيل الثلاثة, أو الوحي الإلهي واضحة تماما ( وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا كجبريل عليه السلام فَيُوحِيَ بِإِذْنِه مَا يَشَاء الله وحده لا شريك له ) من خلال :
قوله تعالى:
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ( 51 )
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( 52 ) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ( 53 ) الشورى
ولمحاولة تبسيط الأمر أكثر , فسنجد إن الكُتُب السماوية جميعها دونما إستثناء تدعوا إلى الإسلام ( التوحيد ) تحت مسميات الهُدى والنور ... وتبرز للعالمين أسئلة ضرورية مُلحة لتأكيد هذا الإسلام بالإيمان . فنجد إنه بالحديث عن الإيمان أو الحكمة بالإضافة إلى أحكام الله وفتاويه يبرز أهمية وضرورة العقل البشري والفكر الإنساني الذي ميَز الله جل جلاله الإنسان وكرمه بالمقارنة مع باقي المخلوقات جميعا , ويقع على العقل مسؤولية البحث والتعقُل والتدبُر في خلق الله في السموات والأرض وفي خلق الإنسان نفسه , بحيث يبحث الإنسان بعقله عن أسباب التطور والنمو التراكمي وعلاجه لكل الأمراض والضرورات الحياتية لحياة كريمة أفضل. وبغياب وقمع العقل والفكر الإنساني يتحول الإنسان إلى بهيمة خرساء لا تختلف بوحشيتها وسكونها , ولا تختلف كثيرا عن الجبال والجمادات الأخرى التي لا تتخيل أو تتفكر, فالعقل هو مصدر الحكمة والإيمان الوحيد القادر على إستكشاف ما سخر الله لنا من علوم ومعارف تكون السبب الرئيسي الأول والفيصل في تقدم العلوم والحضارات الإنسانية وبالعقل والحكمة فقط تقوم الأمم والحضارات وتنتفي كل أشكال التمييز في كل الحقوق والأعراق والواجبات , وتُقاس قيمة المجتمعات الإنسانية بقيمة وحقوق الفرد فيها... وبهذا يتمحور فيها مهمة النبي الذي يؤتى حكمة وعلما ليخرج الناس بالعلم والإيمان من الظلمات إلى النور.
الكتاب السماوي هو يتمحور في التطبيق من خلال كونه دستورا أو تشريعا سماويا ومنه تنبثق جميع الدساتير والتشريعات الأرضية في أي مجتمع والتي جميعها يجب أن تقوم على الحفاظ على حقوق وحريات وكرامات وسلامة وقيمة الفرد الإنسان في هذا المجتمع الكبير. أما مسألة العلم والإيمان والحكمة التي جاء بها الأنبياء غير المعصومين جميعهم فهي علاقة مكفولة للجميع بالتساوي أمام الدستور أو التشريع الأرضي الوضعي كقيمة لهذا الفرد المُشكل للمجتمع الكبير, أما فيما يخص الولاء والإيمان بالله واليوم الآخر فهي علاقة خاصة بين العبد وربه بحسب الدستور السماوي الذي ينظم ذلك بكل الوضوح بين المخلوق والخالق غز وجل , ولا يحق لكائن من كان من غير الله وحده أن يتدخل في غيبيات الأمور والناس إلا في حدود القانون الذي يسري على الجميع بالتساوي وبحسب التشريعات الأرضية المنظمة والتي تضمن للفرد حريته وحقوقه وقيمته وكرامته دونما إكراه في الأديان والمعتقدات للناس كافة.
#أنيس_محمد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟