أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - من تطييف المجتمع إلى استلام الطائفية للسلطة














المزيد.....

من تطييف المجتمع إلى استلام الطائفية للسلطة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2199 - 2008 / 2 / 22 - 10:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يقتضي التحول إلى نظام ديمقراطي أكثري أو تنافسي تكون أكثرية اجتماعية سياسية حديثة، عابرة للطوائف أو عازلة لها، أكثرية مهيمنة يقوم تكوينها ذاته على حصر الروابط الأهلية في المجال الخاص. فالديمقراطية لا تفرز أكثريات وأقليات سياسية إلا لأنها تنبني سلفا على تراكم وطني تأسيسي، منتج لأكثرية وطنية هي ما نسيمها الشعب أو الأمة، أي لجماعة وطنية على درجة متقدمة من التوحد والتجانس.
الأكثرية تلك ليست غير متاحة في بلداننا المشرقية متعددة الأديان والمذاهب فقط، وإنما يقوم النمط التسلطي لممارسة السلطة على تقويض أي احتمال لتكونها، لأن من شأن قيامها أن ينازع ويفاوض على السياسة والسلطة، فيدشن زوال التسلطية. من جهة أخرى تفضي هذه، التسلطية، وما يرافقها من إفقار سياسي إلى انتظام المجتمع المحكوم سياسيا حول روابطه الدينية والمذهبية، أي ببساطة تطييف المجتمع. وما من ملاحظ متجرد إلا ويرصد المزيد من تلاشي الشعب كفاعل سياسي محتمل في بلداننا، بينما يتقدم فاعلون جدد، طوائف أو عشائر، أو بقايا متحجرة لأحزاب تجمدت في إيديولوجياتها المتقادمة حتى غدت أشبه بالطوائف.
في مثل هذه الشروط من المرجح أن يؤدي التغيير السياسي إلا إلى نقل التطييف من المجتمع إلى السلطة، أي إلى التقاسم العلني والصريح ودون شكليات وطنية وجمهورية لسلطة الدولة على أسس طائفية، ما قد يسمى "الديمقراطية التوافقية".
ويتعين الانتباه إلى أن الهياكل التسلطية لا تتكفل بوأد فرص قيام أكثرية وطنية بوسائل إكراهية كشرط لإعادة إنتاجها ودوامها هي فقط، وإنما كذلك لأن نمط التراكم المادي لرأسمالية السلطة النافذة الكلمة في أروقة الحكم العليا هو أقرب إلى ما كان يسميه ماركس "التراكم الأولي". ومعلوم أن هذا يشمل السلب والنهب والسطو والإكراه والأساليب المافيوزية كوسائل لانتزاع ثروات وملكيات كبيرة بيد طلائع الرأسماليين. ويبدو لنا أن دوام حالات الطوارئ المعمرة في بلادنا والقوانين والمحاكم الاستثنائية الدائمة، وما تعنيه من إطلاق يد نخب السلطة في حياة المجتمعات المحكومة، وتجريد هذه من أية حصانة أو قدرة على الدفاع عن النفس، يبدو هذا كله متصلا بنمط التراكم الأولي. وفي ذلك ما يحكم على المقاربات الحقوقية والسياسوية لحالات وأنظمة الطوارئ بقلة المحصول، إن لم تنفتح على تحليل أكثر اجتماعية وتاريخية لها.
وفي هذا المقام ليس ثمة أنسب من الإيديولوجية الوطنية، في شكل عداء للأجنبي ورفض "للخارج" لتسويغ نظم الطوارئ والاستثناء، ولتقنيع التفكيك الاجتماعي و"التراكم الأولي" معا.
ودون التخلي عن منطق التراكم الأولي تجنح الدول في منطقتنا نحو تحرير الاقتصاد في محاولة لتجاوز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها، وللتكيف مع العولمة، ولكن أساسا لأن لبرلة الاقتصاد أضحت أنسب لمصالح رأسمالية السلطة وتبييض أموالها وسمعتها. بيد أن تحرير الاقتصاد يسهم إلى جانب الإفقار السياسي في تأهيل بيئة اجتماعية مناسبة للتطييف. فبقدر ما تتراجع الوظائف الاجتماعية للدولة، وتتسع قاعدة الفقر والتهميش والبطالة مما هو مقترن تقليديا مع الليبرالية الاقتصاد (في مراحلها الأولى على الأقل)، فإن الطوائف والعشائر والروابط الأهلية هي المرشحة الطبيعية لملء الفراغ بعد تحطيم أشكال الانتظام الاجتماعي المدنية من أحزاب ومنظمات طوعية ونقابات مستقلة. وهكذا تتحالف التسلطية وما تتسبب به من إفقار سياسي مع الليبرالية الاقتصادية وما تتسبب به من حرمانات مادية على تغذية الطائفية وتعميمها.
وليس الاقتران بين تسلطية سياسية بلا ضوابط قانونية وليبرالية اقتصادية بلا ضوابط اجتماعية أمرا استثنائيا، بل لعله القاعدة، بما في ذلك في أوربا الغربية حتى وقت متقدم من القرن التاسع عشر. وهو الحال في مصر مثلا طوال أزيد من جيل كامل عقب "الانفتاح الاقتصادي" الذي تلا حرب أكتوبر 1973. أما ما يميز الطور الراهن في سورية فهو التفكيك المطرد لما نسميه "العقد الاجتماعي البعثي"، الذي كان يقوم على سلطة غير مقيدة لطاقم الحكم مقابل تولي الدولة وظائف اجتماعية واسعة (تعليم، صحة، تشغيل، بنية تحتية، خدمات اجتماعية..). ما يجري اليوم هو التخلي عن المزيد من وظائف الدولة الاجتماعية دون التخلي عن شيء من سلطاتها، بل إنه يبدو أن هذه مرشحة لمزيد من التركز والإطلاق.
وعلى هذا النحو يبدو تطييف النظام السياسي مكتوبا منذ الآن في التطييف المتفاقم للمجتمع، المتولد هو ذاته عن اقتران تسلطية لا تكف عن بعثرة وفرط المجتمعات المحكومة كشرط لدوامها الذاتي مع تحرير اقتصادي يجعل من الطوائف حلا وحلالا.
ونفترض أن من شأن التنبه إلى ذلك أن ينقل النقاش حول الطائفية والسلطة والتغير السياسي في بلداننا من التفضيلات والانحيازات الإيديولوجية إلى وضع الهياكل والممارسات التسلطية. فهذه من جهة غير قابلة للاستمرار لكونها تفتقر إلى آليات إصلاح ذاتية ترفع من مستوى مرونتها وطاقتها على التكيف الإيجابي، وهي من جهة ثانية منتجة لأزمات حادة داخل مجتمعاتها وفي محيطها، الأمر الذي لا يتصور معه دوامها لأمد طويل. أما النقاش الإيديولوجي الشائع في سورية، والذي يوحي بأننا في معرض للنظم السياسية نختار منه ما يطيب لنا، ديمقراطية أكثرية ضد ديمقراطية توافقية مثلا، فهو يفوت على نفسه سلامة التحليل وسلامة العمل معا. هذا رغم أننا نتشكك في إمكانية تطوير سياسة عملية فعالة ضد الطائفية في ظل البنى السياسية القائمة اليوم. والمفارقة أن شرط عمل مثمر ضد الطائفية هو ذاته ما قد يؤذن بتولي الطائفية للسلطة، أعني زوال التسلطية.
فهل التحول محتوم إلى نظام طائفية الدولة؟ الواقع أنه مرجح. ففاعلي البعثرة التسلطيين أقوى أثرا وأثبت قدما في فاعليتهم التطييفية من أي مجموعات سياسية صغيرة حسنة النية لا تكف التسلطية عن استهدافها وتمزيقها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن لتركيا أن تكون مثالا إيجابيا للسوريين؟
- من صنع إسرائيل؟ ومن هم -عملاؤها-؟
- أزمة حركات المعارضةالعلمانية العربية ... فكرية
- في نقد الثقافة السياسية السورية
- نحو شرعية الفرد لا شرعية الهوية.. ونحو ثقافة نقدية لا قومية
- إيديولوجيات السوريين وصعود الجيوسياسي
- الطائفية كحصيلة للفقر السياسي وحدٍّ له
- في النقاش السوري حول العلمانية وما وراءه
- لا عاصم من اعتقال المثقفين في عاصمة الثقافة العربية
- -وضعية علمانية-: أفكار في شأن العلمانية والإسلامية والدولة
- وجهان، ليبرالي واشتراكي، للنقد الديمقراطي
- في أصل -ثقفنة- المعارضة في سورية
- عقد من أجل إصلاح سورية
- من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية ...
- عن -مثقفي السجن- بالأحرى، لا عن سجن المثقفين - إلى أكرم البن ...
- بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية
- هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟
- ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية
- -إعلان دمشق-، إلى أين؟
- تعقيب على سلامة كيلة: كيف نفهم الطائفية وكيف لا نفهمها؟


المزيد.....




- أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج ...
- استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
- “فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
- “التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية ...
- بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - من تطييف المجتمع إلى استلام الطائفية للسلطة