|
-دين الله واحد أما شرائعه فمختلفة-
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 2199 - 2008 / 2 / 22 - 09:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدين الحق وخصائصه يتساءل الباحث عن الحقيقة أحياناً: ما هو الدين الإلهي الحق، وكيف نميزالأنبياء الصادقين من غيرهم؟. إنه أمر في غاية الأهمية والخطورة بالنسبة للفرد في حياته، إذ هو الصراط المستقيم الذي يفصل بين الحق والباطل. وفي الوقت نفسه سهل بسيط إذا ما استنارت عقولنا وقلوبنا بأقوال الحق جل جلاله محدداً لنا خصائص الدين الحق في كتبه المقدسة وخاصة في القرآن الكريم.في بداية مشوارنا في البحث عن الحقيقة سنستنير بالآية الكريمة التالية التي خاطب الله فيها بني إسرائيل بقوله: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون. وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً وإياي فاتقون." - سورة البقرة آية ٤٠-٤۱ فما هو ذلك العهد؟ فلنقرأ الآية المباركة التالية: "يا بني آدم إما يأتينّكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون." - سورة الأعراف آية ٣٥ أي أن عهد الله للبشرية هو إرسال الرسل هادين ومبشرين ومنذرين، وعهد البشرية مع الله هو الإيمان بهم والطاعة لأوامره من أجل راحة الإنسان ثم البشرية كافة لا من أجله تعالى لأنه غني عن العالمين. فلا طاعتنا تنفعه ولا عصياننا يضره. "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم الرسول مصدق لما معكم لتؤمننّ به ولننصرنّه قال أقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا أنا معكم من الشاهدين." - سورة آل عمران آية ٨١ وللدين الحق خصائص أخبرنا بها الله سبحانه وتعالى على لسان رسله الكرام. أولها ما جاء في الآية المباركة السابقة "وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم..." وهذا ما فعله عيسى عليه السلام في تصديقه على التوراة بدليل الآية: "مصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون." - سورة آل عمران آية ٥٠ وكذا الأمر مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بدليل الآية: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم. نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل." - سورة آل عمران آية ٢-٣ ثم إن على الله نصر رسوله والمؤمنين به على جميع مقاوميهم ولو اجتمع عليهم أهل الأرض كلها: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد." - سورة غافر آية ٥١ نخلص في هذا إلى ما يلي: ١- عهد الله مع البشرية بإرسال الرسل هادين ومبشرين ومنذرين وهو باب الرحمة الذي لا يمكن أن يغلق طالما بقي الإنسان على وجه البسيطة. ٢- عهد البشرية مع الله هو الإيمان والقبول برسله ثم طاعته والعمل بأوامره وفيه الأجر العظيم. ٣- الغلبة والنصر لدينه الحق رغم الإعراض والاعتراض. ٤- أولى خصائص الدين الحق تصديق الرسول لما سبقه من الرسل وكتبهم المقدسة.
أركان الدين الحق للدين الإلهي أركان أساسية للدلالة على أحقيته، وعلى الفرد الإيمان بها إقراراً بتواصل حلقة الديانات السماوية التي تصنع للبشرية حضارتها وتنقلها من مرحلة إلى أخرى من تطورها وازدهارها المادي والروحي معاً: "لكنِ الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجراً عظيمياً." - سورة النساء آية ١٦٢ "ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً." - سورة النساء آية ١٣٦ ولقد ترسّخت هذه الأركان في جميع الرسالات السماوية بلا استثناء: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله." - سورة البقرة آية ٢٨٥ وبعد الإيمان والإقرار تأتي الطاعة والعمل الصالح: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون." - سورة البقرة آية ٦٢ ولذلك تأتي العبادات والحدود والآحكام الإلهية لتمكين الفرد المؤمن من التقرّب إلى الله في أعماله اليومية حتى ينتظم المجتمع الإنساني في جميع شؤونه.
أركان العبادة الأساسية في الدين الحق بعد الإيمان والإيقان بأساسيات الدين الحق والتمثُّل بالوصايا العشر التي وردت في جميع الرسالات السماوية، وهي الجزء المشترك فيها ولن يتغير لأنها فضائل إلهية مكنونة في جوهر الإنسان وتظهر بالتدريج بفضل العبادات ومحبتنا القلبية الخالصة لله عز وجل لا خوفا من عقابه، نقول بعد الإيمان تأتي الطاعة بالعبادة وأهم أركانها الصلاة والصوم والحج والزكاة: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة." - سورة البينة آية ٥ وللصلاة قبلة ووضوء. وعن الصوم: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون." - سورة البقرة آية ١٨٣ وعن الحج: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً." - سورة آل عمران آية ٩٧ والدين الحق يأتي للتأليف بين القلوب: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون." - سورة آل عمران آية ١٠٣ لا إكراه في الدين: إن في الرسالات السماوية باب للرحمة مفتوح للجميع، فمن أراد فليدخله ليفوز فوزاً عظيماً في الدنيا والآخرة، ومن أعرض خسر خسراناً كبيرا. يريد الله من عباده أن يدخلوه من فرط محبتهم له وهم مدركون لتلك الآلاء والنعم: "لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم." - سورة البقرة آية ٢٥٦ فالطاغوت هو كل ما يضل الإنسان ويبعده عن الإيمان برسول الله، وهو خطاب إلهي موجه لجميع الناس من أهل الكتاب وغيرهم، ذلك لأن تأكيد إيمانهم بالله، بالنسبة لأهل الكتاب، هو ضرورة إيمانهم برسوله المرسل ثم طاعته، لأنه هو الذي سيخرجهم من ظلمات الجهل والعمى والفرقة والتشيع والأوهام والتقاليد والآراء الدخيلة على جوهر كل دين إلى نور الحقيقة الإلهية التي تنير الأبصار والعقول والقلوب وتهدي إلى الصراط المستقيم، فيتجدد عهد البشرية مع الله في الرجوع إلى طاعته بعد طول تخبط في دياجير الظلمة والضياع، وهو العروة الوثقى التي لاانفصام لها، وحلقات الأنبياء والرسل التي لا انقطاع لها: "إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً. أولئك هم الكافرون حقاً واعتدنا للكافرين عذاباً مهينا." - سورة النساء ١٥٠-١٥١ إنه حبل الله الذي يجب أن نعتصم به، وهو الحبل الممدود بين الأرض والسماء على الدوام، فمن تمسك به نجا وأَمِنَ ومن أعرض غوى وهلك: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تنبطلوا أعمالكم." - سورة محمد آية ٣٣ الدين البهائي وأركان الدين الحق إن كل منصف باحث عن الحقيقة سيجد في الآثار الكتابية البهائية جميع هذه الأركان والعبادات واضحة جليّة داعية البشرية إلى إكمال مسيرة تطورها الروحاني الذي لا يقف عند حدّ، ذلك لأن الحقيقة الإلهية المنزلة على البشر إنما هي نسبية ويأتي بها الرسول طبقاً لاستعداد البشر وقابلياتهم. فالرسول الإلهي هو المعلم للبشرية يعطيها ما يتفق ومراحل نضجها ضمن منهاج إلهي ينزل بالتدريج. لقد تكلم حضرة بهاءالله - صاحب الظهور الإلهي ومؤسس الدين البهائي- عن دور الرسل والأنبياء، وأكد على الحقيقة الإلهية للدين الإسلامي والمسيحي واليهودي وما نزّل على سيدنا موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام وما لا قاه كل منهم من إعراض واعتراض ومقاومة عنيفة. وفي إحداها كتب عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: "ومن جملة ذلك السلطنة التي ظهرت عن شمس الأحدية محمد عليه الصلاة والسلام. أما سمعت كيف أنه بآية واحدة قد فصل بين النور والظلمة، والسعيد والشقيّ، والمؤمن والكافر، وظهرت جميع الإشارات والدّلالات الخاصة بالقيامة التي سمعت عنها، من حشر ونشر وحساب وكتاب وغيره. كل ذلك قد ظهر وتحقق في عالم الشهود بتنزيل تلك الآية الواحدة. وهكذا كانت تلك الآية المنزلة رحمة للأبرار، أي للنفوس الذين قالوا حين الاستماع: ربنا سمعنا وأطعنا، ونقمة للفجار أي للذين قالوا بعد الاستماع سمعنا وعصينا... كما تلاحظ أيضاً أنه من جهة أخرى قد وصل وألّف بينهم، إذ قد شوهد أن جمعاً من الناس كان شيطان النفس والهوى قد بذر فيما بينهم في سنين عديدة بذور العداوة والبغضاء، وبسبب الإيمان بهذا الأمر البديع المنيع صاروا متحدين متفقين بدرجة كأنهم أتوا من صلب واحد. كذلك يؤلف الله بين قلوب الذين هم انقطعوا إليه... وعلاوة على ذلك كم من أناس مختلفين في العقائد ومتباينين في المذاهب ومتفاوتين في المزاج، قد لبسوا قميص التوحيد الجديد من هذا النسيم – نسيم الرضوان الإلهي وربيع القدس المعنوي وشربوا من كأس التفريد." - كتاب الإيقان صفحة ٩٢ ، ٩٣ وأشار إلى كل رسول بقوله: "لذا فكل ما يقوله كان لوجه الله لعل الناس يتطهرون عن حجبات النفس والهوى ويفوزون بعرفان الحق الذي هو أعلى مقام العرفان." - معرب عن الفارسية - منتخبات أز آثار حضرة بهاءالله – رقم ٨٤ ص وعن كتب الله من قبل كتب قوله: "طوبى لمن تفكر فيما نزل في كتب الله المهيمن القيوم. يا أحباء الله تفكروا واسمعوا بالأذن الواعية كلمة الله حتى تنالوا منه تعالى الفضل والرحمة وتشربوا زلال الاستقامة وتكونون على أمر الله ثابتين راسخين كالجبل." - معرب عن الفارسية - منتخبات أز آثار حضرة بهاءالله – رقم ١٠ ص ١٦-١٧ وعن الهدف من إرسال الرسل: "لقد أتى الأنبياء والمرسلون لمحض هداية الخلق إلى الصراط المستقيم وكان مقصدهم تربية العباد إلى حين صعودهم إلى الرفيق الأعلى بكمال التقديس والتنزيه والإنقطاع. لعمر الله إن إشراقات تلك الأرواح هي سبب ترقي العالم وأممه." - معرب عن الفارسية – منتخبات أز آثار حضرة بهاءالله رقم ٨١ ص ١٠٦ وعن وحدة الرسل كتب قوله: "وإنك أنت لو تكون من أهل هذه المدينة في هذه اللجة الأحدية لترى كل النبيين والمرسلين كهيكل واحد ونفس واحدة ونور واحد وروح واحدة، بحيث يكون أولهم آخرهم وآخرهم أولهم، وكلهم قاموا على أمر الله وشرعوا شرائع حكمة الله وكانوا مظاهر نفس الله ومعادن قدرة الله ومخازن وحي الله ومشارق شمس الله ومطالع نور الله ... كما أنهم في حقائقهم كانوا أنواراً واحدة وأسراراً واحدة، وكذلك فاشهد في ظواهرهم لتعرف كلهم على هيكل واحد، بل تجدهم على لفظ واحد وكلام واحد وبيان واحد." - جواهر الأسرار ص ٢٨ – ٢٩ وشهد حضرة بهاءالله لنفسه بقوله: "وما أنا إلا عبد آمنت بالله وآياته ورسله وملائكته ويشهد حينئذٍ لساني وقلبي وظاهري وباطني بأنه هو الله لا إله إلا هو وما سواه مخلوق بأمره ومنجعل بإرادته لا إله إلا هو الخالق الباعث المحيي المميت ولكن إني حدّثت نعمة التي أنعمني الله بجوده وإن كان هذا جرمي فأنا أول المجرمين." - منتخبات أز آثار حضرة بهاءالله رقم ١١٣ ص ١٤٧ – ١٤٨ وعن الملائكة قوله: "ستمضي أيامكم وكل ما أنتم تشتغلون به وبه تفتخرون على الناس ويحضركم ملائكة الأمر على مقر الذي ترجف فيه أركان الخلائق وتقشعر فيه جلود الظالمين. تسئلون عما اكتسبتم في الحياة الباطلة وتجزون بما فعلتم وهذا من يوم الذي يأتيكم والساعة التي لا مردّ لها وشهد بذلك لسان صدق عليم..." - منتخبات أز آثار حضرة بهاءالله رقم ٦٥ ص ٨٧ وعن اليوم الآخر قوله: "قام القيامة ونفخ في الصور وحشر كل من في السموات والأرض، والميزان نصبت والصراط وضعت والآيات نزلت والشمس أشرقت والنجوم طمست والنفوس بعثت والروح نفخت والملائكة صفّت والجنة أزلفت والنار سعّرت... " - جواهر الأسرار ص ١٧ فأركان الدين إذن ثابتة في كل رسالة سماوية وكذلك العبادات أما شعائرها فقد اختلفت وأحكامها تباينت حتى أن بعضها قد أحل ماحُرّم بدليل: "وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب. يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب." - سورة الرعد آية ٣٨ – ٣٩ أركان العبادة الأساسية في الدين البهائي الصلاة والصوم: "قد فرض عليكم الصلاة والصوم من أول البلوغ أمراً من لدى الله ربكم ورب آبائكم الأولين." - الكتاب الأقدس فقرة ١٠ الوضوء قبل الصلاة: "كذلك توضّأوا للصلاة أمراً من الله الواحد المختار." - الكتاب الأقدس فقرة ١٨ القبلة في الصلاة: "إذا أردتم الصلاة ولّوا وجوهكم شطري الأقدس المقام المقدس الذي جعله الله مطاف الملأ الأعلى ومقبل أهل مدائن البقاء... وبعد غروب شمس الحقيقة والتبيان المقر الذي قدّرناه لكم إنه لهو العزيز العلام." - الكتاب الأقدس فقرة ٦ الزكاة: "قد كتب عليكم تزكية الأقوات وما دونها بالزكوة هذا ما حكم به منزل الآيات في هذا الرق المنيع." - الكتاب الأقدس فقرة ١٤٦ حقوق الله: "والذي تملّك مائة مثقال من الذهب فتسعة عشر مثقالاً لله فاطر الأرض والسماء ... قل بذلك أراد تطهير أموالكم وتقرّبكم إلى مقامات لا يدركها إلا من شاء الله إنه لهو الفضال العزيز الكريم." - الكتاب الأقدس فقرة ٩٧ الحج: "قد حكم الله لمن استطاع منكم حج البيت دون النساء عفا الله عنهن رحمة من عنده إنه لهو المعطي الوهاب." - الكتاب الأقدس فقرة ٣٢ الدين الحق يؤلّف بين القلوب: "عاشروا يا قوم مع الأديان كلها بالرَّوْح والريحان ." - بهاءالله – لوح البشارات – البشارة الثانية "يا أبناء الإنسان إن دين الله ومذهبه لأجل حفظ العالم واتحاده واتفاقه ومحبته وألْفته لا تجعلوه سبباً للنفاق والاختلاف وعلة للضغينة والبغضاء. هذا هو الصراط المستقيم والأسّ المحكم المتين." - بهاءالله – لوح مقصود لا إكراه في الدين: "إنما ننصحكم لوجه الله إن أقبلت لنفسك وإن أعرضت إن ربك غني عنك وعن الذين اتبعوك بوهم مبين." - الكتاب الأقدس فقرة ١٨٤ من سُنّة الخلق إعراضهم عن الدين الجديد في بداية ظهوره: لا يخفى على أحد مدى مقاومة رجال الدين وأرباب السلطة في كل دور للنداء الإلهي الذي ارتفع من سيدنا موسى وعيسى ومحمد عليهم أطيب الصلاة والسلام في بداية الدعوة، ومقدار ما تحمله أتباعهم من تهديد واضطهاد وإيذاء وقتل وتنكيل بقصد ثني الناس عن الإصغاء لنداء الحق وإطفاء نور الله: "يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون." - سورة يس آية ٣٠ " ... أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذّبتم وفريقاً تقتلون." - سورة البقرة أية ٨٧ والسبب في ذلك اعتقاد أهل كل كتاب بأن الله لن يبعث من بعد رسولهم رسول حسب مفهومهم لبعض ما جاء في كتابهم، ومع ذلك فقد توالت رسل الله: "ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضاً وجعلناهم أحاديث فبُعداً لقوم لا يؤمنون." - سورة المؤمنون آية ٤٤ وعاتب الله اليهود على قولهم هذا بقوله: "وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولُعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء." - سورة المائدة آية ٦٤ فلو تحرى اليهود حقيقة رسالة سيدنا المسيح عليه السلام لاختلفت الأمور بالكلية: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين." - سورة الحجرات آية ٦ هذه دعوة الحق لمؤمنيه أمام فاسق يحمل نبأً وإلزام لهم بتحري حقيقة ما يقول فكيف بمن يدعو إلى التقوى والصلاح وعبادة الحق؟ والله يحذرنا من الوقوع في أخطاء الأقوام السابقة بقوله: "بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون. وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون. قل أوَلو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون. فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذّبين." - سورة الزخرف آية ٢٢-٢٥ "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا." - سورة المائدة آية ١٠٤ بل واتبعوا ما أمرهم به أحبارهم: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم ..." - سورة التوبة آية ٣١ "ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا. ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً." - سورة الأحزاب آية ٦٧ – ٦٨ وجاء في صحيح مسلم وصحيح البخاري المجلد الرابع تحت رقم ٦٦٢ ص ٢٠٦ ما يلي: "عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه. قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟" وأخيراً قوله تعالى في القرآن الكريم: "وهمّت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق." - سورة غافر آية ٥ فلو تفكرنا قليلاً وتساءلنا: لمن كل هذه التحذيرات وأخبار الأمم السابقة الذين صدوا عن سبيل الله بحجج وبراهين ابتدعوها، ولماذا وردت في القرآن الكريم بهذا الوضوح وهو آخر الكتب المنزلة حسب الإعتقاد؟ إنها دعوة الحق لكل فرد في كل زمان ومكان إلى تحري الحقيقة حتى لا يتحمل وزر أخطاء الآخرين يوم يقوم الحساب: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونُخرِج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً." - سورة الإسراء آية ١٣ "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون." - سورة الأنعام آية ١١٦ فقدان جوهر الدين: أليست الفرقة والتشيّع دليل على فقدان جوهر الدين، وبالتالي فقدان النور الذي به نرى؟ ثم ماذا بعد ذلك؟ "كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب، وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت." - انجيل متى الإحاح ١٢ آية ٢٥ وفي القرآن الكريم نقرأ: منيبين إليه واتقوا الله وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون." - سورة الروم آية ٣١ – ٣٢ "إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء." - سورة الأنعام آية ١٥٩ الدين الحق هو النور الإلهي: على المرء أن يكون عاشقاً للنور الإلهي من أي مصدر أضاء، وكلمات الحق يجب الإذعان إليها من أي لسان جرت، والحقيقة الإلهية يجب الإقرار بها في أي هيكل تجلت وفي أي كتاب نزلت، ولن يعمي الأبصار إلا التعصب والجهل اللذين يقودان إلى الضياع والحرمان والخسران العظيم. فلو تحرينا الأديان بكل تجرد لاكتشاف المباديء والأهداف التي تقوم عليها لوجدناها متحدة متفقة في فضائلها لأن حقيقتها واحدة وإن تعددت أسماؤها، وكلها يهدف إلى بعث الفضائل المكنونة في حقيقة الإنسان ليبدأ رحلة تقربه إلى الله بالعبادات والمعاملات التي تختلف كما قلنا لاختلاف استعداد البشر ومشاكلهم من عصر لآخر. فلا حدود لكلمات الله ولا انقطاع لها بوجود الإنسان على وجه البسيطة وهو المحتاج إلى الهدى ودين الحق دوماً. "قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفِدَ البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً." - سورة الكهف آية ١٠٩ لإن في الكلمة الإلهية حياة بعد طول موات روحاني ونور بعد طول ظلمة الفرقة والتشيع وهدى بعد طول ضياع. فهي باب الرحمة الذي لن يغلقة الله سبحانه وتعالى أمام خلقه الذين يحبهم ويحبونه وهو أرحم الراحمين. مسألة ختم النبوة: لا خلاف في مسألة ختم النبوة بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، إنما الخلاف فيما تعنيه حقيقةً حتى لا تتعارض – لا سمح الله – مع الآية السابقة. ولنتمعن في الحديث النبوي الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا قال: فوا ببيعة الأول فالأول، اعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم." - البخاري شرح القسطلاني بالجزء الثاني ص ١٥٨ في باب ما ذُكر عن بني أسرائيل من ثمارهم تعرفونهم: إن دعوة الحق هي التي تعلو وتنفذ مهما قاومتها قوى الأرض، ودعوة الباطل تزهق وتنعدم مهما دعمتها قوى الأرض: "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون." - سورة التوبة ٣٢ "له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال." - سورة الرعد آية ١٤ "ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاحزين." - سورة الحاقة آية ٤٦ وبالرغم مما لاقاه حضرة بهاءالله من حبس ونفي واضطهاد ومحن وبلايا خلال فترة حياته منذ تبلّغه الرسالة الإلهية التي امتدت نحواً من أربعين سنة من التنزيل المستمر لكلمات الله، وما عاناه أتباعه المؤمنون طيلة ما ينوف عن القرن ونصف من اضطهاد وتعذيب وقتل وتنكيل خاصة في بداية الدعوة بأبشع الصور وأقساها- يشهد بذلك المؤرخون- فقد انتشر أمر الله في جميع بقاع العالم. ويعدّ الدين البهائي ثاني الأديان العالمية انتشاراً بعد المسيحية، واستحكمت تعاليمه وأحكامه ومبادئه في قلوب الملايين من مختلف الأديان والأجناس والألوان والخلفيات، وأخذ المجتمع الإنساني ينتفع من ثماره. فالهدف الأعلى لرسالة حضرة بهاءالله تحقيق "وحدة العالم الإنساني" في ظل سلام عالمي حتى يكتمل عقد وحدانية الله ووحدة رسله بوحدة شعبه وخلقه ويتأسس ملكوت الله على الأرض. "قل قد جاء الغلام ليحيي العالم ويتحد من على الأرض كلها. سوف يغلب ما أراد الله وترى الأرض جنة الأبهى." - بهاءالله – لوح الرئيس "إن ربكم الرحمن يحب أن يرى من في الأكوان كنفس واحدة وهيكل واحد أن اغتنموا فضل الله ورحمته في تلك الأيام التي ما رأت عين الإبداع شبهها طوبى لمن نبذ ما عنده ابتغاء لما عند الله نشهد أنه من الفائزين." - منتخبات أز آثار حضرة بهاءالله رقم ١٠٧ ص ١٣٩ "إن دين الله ومذهبه قد نزل من سماء مشيئة مالك القدم لمحض اتحاد أهل العالم واتفاقهم فلا تجعلوه سبب الاختلاف والنفاق." - بهاءالله – الإشراق التاسع "إنه يدعوكم بما ينفعكم ويأمركم بما يقرّبكم إلى الله مالك الأديان." - بهاءالله – صفحة النور – ص ٧ "طوبى لبصير ما منعه الهوى عن مولى الورى ولسميع توجه وسمع نداء الله الملك العزيز الودود." - بهاءالله – لوح عندليب وجاء في القرآن الكريم: "ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أُكلها في كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون. ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء." - سورة إبراهيم آية ٢٤ – ٢٧ وأخيرا فلنتفكرعميقاً في الآيتين الكريمتين التاليتين: "ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين." - سورة النحل آية ٨٩ "فلا تحسبنّ الله مخلف وعده رسلَه إن الله عزيز ذو انتقام." - سورة إبراهيم آية ٤٧ لا حاجة لوصف أحوال العالم اليوم، فالكل مطلع وعارف، ذلك لأن المحن والآلام التي نراها تعصف بمقدرات الإنسانية خلقياً واجتماعياً وروحياً تصيب الأفراد والمجتمعات والدول وتطحن العالم باسره بأنيابها، وهي الدليل الواضح لكل إنسان عاقل مدرك على مدى حاجته الملحة إلى فهم حقيقي وعميق لمعاني الآيات الواردة في كتابه المقدس، بل وإلى يقظة روحية ليدرك بأن الإيمان بالدين الجديد هو الإيمان بتحقق الوعود الإلهية الواردة في جميع الكتب السماوية السابقة وهو ظهور مظهر إلهي عظيم في "منتهى الأيام" حتى يتوّج جهود الرسل من قبل ويوصلها ألى غايتها في نقل الإنسانية إلى مرحلة نضجها، ويكشف عن الأسرار والرموز والمعاني المودعة في الكلمات الإلهية في الديانات السابقة، ويهب الإنسانية طريقاً إلهياً لحل مشاكلها الآنية العالمية، ويضع أساساً راسخاً لبناء حضارة جديدة تلبي حاجة الإنسان الروحية والمادية في عصر جديد من السلام والازدهار تحت ظل "وحدة العالم الإنساني...
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البهائية لثقافة المعلومة
-
استمرار الظهور الإلهي
-
-كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه-
...
-
الكلمة الإلهية
-
التعاليم البهائية في الحياة بعد الموت
-
البهائية-ماذا تكون
-
جاء رب الجنود-وعاد المسيح فى مجد أبيه- وفاض النبأ العظيم- هب
...
-
المظاهر الإلهية
-
يَومُ الله
-
-هذا دينُ اللهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ...-
-
وغداً تشرق الشمس
-
النظام العالمي لحضرة بهاء الله- (البهائية)
-
البهائية والتحديات
-
الدين والتطور الإجتماعي
-
فى موكب الإنسانية
-
إنسان المستقبل
-
يوتوبيا جديدة لعصرٍ جديد
-
رجال الله
-
أمانى اليوم حقائق الغد
-
دين الله واحد-النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-المقالة(6) و
...
المزيد.....
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|