ـ ادفع بالتي هي احسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم... القرآن الكريم
ـ من دخل بيت ابا سفيان فهو آمن.. النبي محمد(ص)
ـ أحبوا اعداءكم وصلوا من اجل مضطهديكم ، لتصيروا ابناء ربكم الذي في السماوات، لأنه
يطلع شمسه على الاشرار والاخيار، وينزل المطر على الابرار والفجار... السيد المسيح(ع)
ـ اللهم احقن دماءنا ودماءهم واصلح ذات بيننا وبينهم .. الامام علي(ع)
كثيرا ما اسيء فهم هذه الاقوال المقدسة التي تعبر عن للرؤية الضميرية والعقلانية في التعامل مع الخصوم. ان التفسير السائد يعتقد انها دعوات ساذجة غير واقعية للتسامح. لكن العارفين بالفكر الروحاني الحقيقي يطرحون التفسير التالي:
ان مسامحة عدوك ليس حبا به، بل قبل شيء حبا بنفسك انت.. لأن نار الضغينة والحقد التي تحملها في داخلك تبدأ بحرقك انت اولا قبل ان تحرق عدوك. كم من الاوجاع والقلق والوساوس والامراض ومتاعب الحياة تأتي بسبب عدم قدرتنا على التخلص من الضغينة التي نحملها إزاء امر ما.. كم من التضحيات والخسائر المجانية التي نبذلها في كفاحنا ضد الخصوم، وبعدها بزمن يطول او يقصر ندرك خطأنا ونأسف على تضحياتنا ونوافق على التصالح والعودة الى نقطة الصفر التي كن نرفضها سابقا!!؟؟ لنتخيل مثلا لو ان النبي محمد(ص) عند دخولة مكة قد رفض الصلح مع سادة قريش واعلن المحاكم والمحاسبة والعقاب والطرد والحرمان ضد خصومه السابقين.. كم من الاضطرابات والاغتيالات والانشقاقات والحروب الاهلية كانت يمكن ان تحدث في المجتمع الاسلامي الحديث التكوين؟ لكن عقلانية النبي (ص) وتفكيره السياسي البعيد المدى قد جعله يتسامح مع اولئك السادة الى حد انه إعتبر نوعا من الامان والايمان دخول بيت ابا سفيان الذي كان من اشد اعدائه الشخصيين وقاتل اعز اصحابه واعمامه. نعم ان العفو عند المقدرة من شيمة الرجال ومن خصال اهل العقل والضمير..
الديمقراطية التي تبدأ بالدم .. مصيرها الدم..
نحن العراقيون اشد ما نكون بحاجة الى التفكير بمثل هذه الاقوال التي تدعو الى التسامح والتصالح، في هذه الظروف المأساوية التي تتصاعد فيها يوما بعد يوم نيران الاحقاد والضغينة التي تدفع اكثر واكثر الى انتشار روح العنف والانتقام مما يؤجج بدوره نيران الضغينة وروح العنف والانتقام، بصورة متوالية متفاقمة لاتنتهي ابدا، ليجد الناس انفسهم يوما بعد يوم في حلقة جهنمية من الحقد ثم الانتقام ثم الحقد ثم الانتقام..
منذ اعوام كان العقلاء من العراقيين يحلمون بالحل الامثل للمعضلة العراقية: التغيير السلمي البطيء من داخل نظام البعث نفسه، بنفس الطريقة التي حدثت في الانظمة الاشتراكية، عندما تحولت من نظام الحزب الواحد الى نظام التعددية. من المعلوم ان الاحزاب الشيوعية الحاكمة نفسها تحولت بالتدريج الى احزاب اشتراكية ديمقراطية تقبل باللعبة الديمقراطية. بل ان معظم قادة هذه الانظمة الآن هم من الشيوعيين السابقين، مثال قادة روسيا، يلسين ثم بوتين. رغم ان تلك الانظمة او على الاقل بعضها، لم تكن اقل دكتاتورية ودموية من نظام البعث، لكن مع هذا حدثت التغيرات بصورة سلمية تماما، فلا محاكمات ولا تصفيات ولا عمليات انتقام ولا لعب صبيانية من نوعية نشر أسماء وصور قادة النظام السابقين في اوراق بوكر ، ولا حل الجيش والشرطة ولا حرق وزارات ولا إزاحة طوائف وطبقات باكملها بجرة قلم ، ولا عمليات تنقية عرقية وطرد آلاف العوائل من بيوتها بحجج قومية متعصبة، ولا ولا ولا.. بل كل ما في الامر إزاحة العناصر القيادية في الدولة والجيش والشرطة والمؤسسات، واحلال عناصر قيادية جديدة من المعارضين السابقين، ثم اقرار حرية الصحافة والاحزاب والتهيئة للعملية الانتخابية والليبرالية الاقتصادية التي تكفلت بالتدريج بازاحة الطبقة الحاكمة السابقة. هكذا بكل عقلانية وروح تسامح وسلام تم تغيير انظمة عتيدة جبارة متمرسة بالتعنت والتعصب والاقصاء وكتم نفوس الناس منذ عشرات الاعوام.
طيب لماذا ليس نحن.. لماذا نحن فقط من دون كل شعوب الارض قرر "سادتنا" الامريكيين ان يتخلوا عن روح الديمقراطية والتعقل والقانون التي يتباهون بها في بلادهم، لكي يطبقوا في بلادنا نفس الاسلوب البعثي الذي ادعوا محاربته، اسلوب الاقصاء والعنف والالغاء والاحكام التعسفية الطائشة!؟
مع كل تفهمنا للقائلين بأن القوات الامريكية قد حررت العراقيين من نظام جهنمي دمر العراق وخرب حياة العراقيين.. لكن ايضا يجب ان نتفهم القائلين بأنه حتى اشد الثورات العنفية في التاريخ لم تنجز من الخراب ما انجزته القوات الامريكية في العراق، وخلال فترة وجيزة لا تتعدى الاسابيع، ولا زالت حتى الآن تتخبط في خرابها. لنأخذ مثال الثورة الايرانية، التي قامت على انقاض نظام الشاه، وهي نقيض تام له بكل معنى الكلمة، لكنها مع هذا حافظت بكل عقلانية على اجهزة الدولة والجيش والشرطة وراحت بالتدريج تنظفها من الرؤس القائدة وتفرض انصارها اوتكسب العناصر السابقة الى صفوفها. حتى الثورة البلشفية الروسية لم تمارس مثل هذا الالغاء والخراب إزاء النظام القيصري السابق! ثم لتذكر تجربتنا نحن العراقيين عند قيام النظام الملكي عام 1921 حيث تفاهم الانكليز مع رجالات العهد العثماني السابق من عسكريين واداريين وتم تسليمهم الحكم الجديد، من دون محاكم ولا تصفيات تعسفية( مع إدانتنا طبعا للصفقة الطائفية ضد الشيعة التي تمت حينذاك بين الانكليز والمجموعة العسكرية العثمانية).
لنتخيل لو ان القوات الامريكية وحلفائها من العراقيين قد نفذوا السيناريو التالي بعد سقوط النظام والدخول الى بغداد:
ـ اعلان العفو العام عن كل البعثيين والعسكريين وجميع انصار النظام مهما كانت جرائمهم ومناصبهم، بشرط ان يبدوا تعاونهم التام مع النظام الجديد. كل شيء يبقى في مكانه، الجيش والشرطة والوزارات والمؤسسات.. ثم بالتدريج يتم احالة القياديين السابقين الى التقاعد واحلال قياديين جدد محلهم. ويترك لحزب البعث شرعية التواجد من دون منع وتحريم، بل فقط تسحب منه امكاناته الحاكمة. وهذا الاسلوب ليس خياليا ابدا، بل هو واقعي وحقيقي تم تطبيقه في الكثير من انظمة الحزب الواحد بعد تغييرها، ليس في اوربا وحدها بل في بلدان عربية مثل مصر والجزائر.
ـ يكون الوجود الامريكي عسكريا وامنيا فقط الى جانب قوات الجيش والشرطة العراقية المتعاونة. اما الدولة والادارات والمؤسسات جميعها فتترك للعراقيين سواء من حلفاء امريكا او من كوادر النظام السابق التي وافقت على التعاون. والكل يتعاون على اقرار الديمقراطية والتهيئة لعملية انتخابية لنظام وطني شرعي.
لو قام الامريكيون بهاتين الخطوتين العقلانيتين ، أما كانوا الآن يتواجدون في العراق بخسائر اقل بكثير الكثير من خسائرهم الحالية مع تسبيب خراب اقل بكثير من الخراب الوطني الحالي.. تراهم بكل سذاجة يتحدثون عن دور بن لادن وصدام حسين في تأجيج عمليات العنف.. بينما أي عاقل يعرف جيدا بأن الناس المحرومين هم وعوائلهم من ارزاقهم والمهددين بالاذلال والتشريد والسجن والاعدام، ليسوا بحاجة الى من يدفعهم الى التمرد والعنف من اجل الانتقام من الذي سبب لهم كل هذا..!!! لماذا نحن العراقيون يتوجب علينا في كل تجاربنا وحتى في كوارثنا ان نكون مختلفين عن جميع امم الارض .. هل هذه نعمة التاريخ ام نقمته؟!
الضحية والجلاد
ان مشكلة العراقيين، انهم من نوعية تلك الشعوب التي تعشق (دور الضحية).. لأسباب تاريخية وثقافية متراكمة في الروح والعقل منذ أيام كلكامش وتموز والمسيح والحسين، ومعها النكبات والطواعين والطوفانات والاجتياحات، ترى العراقيين، اكثر من غيرهم، قد تعودوا وقدسوا دور "الخطية المظلوم". لهذا من الصعب على العراقي ان يقبل بفكرة انه يمكن ان يكون"مسؤولا" بصورة أو اخرى عن الكوارث التي تحصل له. دائما هو" الضحية" والآخر هو " الجلاد"!! وقد وجدت هذه العقلية تعبيراتها في الثقافة السياسية الحديثة في جميع التيارات العراقية. تلاحظ جميع الاحزاب والطوائف والفئات العراقية لاتتحدث الا عن نكباتها هي وعن جرائم الآخرين ضدها. لا احد مسؤول عن كوارث الوطن لأنهم كلهم ضحايا القوى الاخرى، داخلية وخارجية: الشيعة ضحايا السنة ، والسنة ضحايا الفرس، والكرد ضحايا العرب، والعرب ضحايا الامبريالية والصهيونية، والشيوعيون ضحايا البعثيين، البعثيون ضحايا القوميين، القوميون ضحايا القطريين والشعوبيين، الحداثيون والعلمانيون ضحايا السلفيين والرجعيين، المتدينون ضحايا الماركسيين والملحدين...وهكذا دواليك في سلسة لا تنتهي من الضحايا والجلادين، بحيث تضيع الحقائق والاسباب الموضوعية حتى على اعتى الباحثين الاكاديميين.
والمشكلة ان كل طرف من هؤلاء يمتلك قائمة مقدسة بالمجازر والنكبات التي قام بها الآخرون ضده، اما خطاياه هو ضد نفسه وضد الآخرين، فهي محض إفتراءات وهو منها براء براءة الذئب من دم يوسف!
ان المصالحة الحقيقية ليست مقولة عابرة وهبة مجانية تتنتهي بنهاية الادعاء بها.. بل هي عملية روحية عميقة تقوم على اساس مكاشفة ثقافية صريحة وعملية نقد ذاتي ضميرية وجريئة. ولكي تنجح هذه المكاشفة والنقد الذاتي ، يجب ان تشترك بها جميع النخب العراقية من سياسيين ومثقفين ورجال دين من جميع التيارات والفئات والطوائف والاديان. يجب ان تقوم هذه المكاشفة على اساس المبدأ التالي:
(( ليس هنالك ضحية ولا جلاد.. بل كلنا مسؤولون عما حصل للوطن من نكبات.. وكلنا بالتصالح والتفاهم قادرون على تخطى الكوارث وبناء السلام والاستقرار لهذا الوطن المنكوب..)).
نعم جميع الاحزاب والقوى العراقية إشتركت بوعي وبغير وعي في مسلسل انحدار الوطن نحو الكارثة منذ العهد الملكي وحتى الآن.. سبق وإن قلنا ولا زلنا نكرر: ان صدام لم يكن سببا في كوارثنا بل هو نتيجة طبيعية جدا لاجيال من التفسخ والانمساخ والاحتراب بين جميع القوى العراقية. كم من الانقلابات والحروب والجبهات الدكتاتورية والتحالفات الخيانية والعمالات الاجنبية تمت تحت شعارات رنانة وطنانة وزائفة.. الجميع ، قبل ان يكون جلادا ضد الآخرين وضحية لهم ، كان اولا جلادا وضحية لنفسه ولضميره هو..!! ان المصالحة مع الآخر تبدأ اولا بالمصالحة مع الذات ومع الضمير ومع الحقيقة:
ـ يجب ان تقبل النخب العروبية والبعثية فكرة أنها دعمت بوعي وبغير وعي انظمة دكتاتورية دموية قد مارست العنصرية ضد الاكراد والتركمان والسريان، وجميع العراقيين.
ـ يجب ان تقبل النخب السنية بفكرة أنها قد دعمت بوعي وبغير وعي انظمة ورثت من الحقبة العثمانية سياسة العزل الطائفي ضد الشيعة.
ـ يجب ان تقبل النخب الدينية الشيعية فكرة انها ورثت من الحقبة العثمانية روح الخوف والانطواء من الدولة الحاكمة وفضلت الارتباط الواعي وغير الواعي بالدولة الايرانية.
ـ يجب ان تقبل النخب الكردية فكرة انها لمعانتها من السياسة العروبية العنصرية قد تبنت هي ايضا مشاريع ومعتقدات قومية انفاصلية عنصرية لاتحترم حدود الوطن وترتبط بالقوى الخارجية وتشجع روح الانعزال والعنف والحقد.
ـ يجب ان تقبل النخب الحداثية والعلمانية فكرة انها قد بالغت كثيرا بتغربها ورفضها للدين وللتقاليد وعولت اكثر من اللازم على المشاريع اليسارية والليبرالية المستوردة من اوربا والمنافية للواقع العراقي.
ـ يجب ان تقبل النخب الدينية فكرة انها قد بالغت بانغلاقها وتعصبها لافكارها الدينية الماضوية ورفضها المتطرف للاجتهاد والتحديث والانفتاح على التجديد.
نفس الشيء بالنسبة للتركمان والسريان واليزيدية والشيوعيين والملكيين وجميع الاحزاب والفئات والطوائف.. يجب ان نتحلى بروح التواضع والصدق مع الضمير من اجل نقد الذات قبل الآخر. ان روح الضحية والخطية ورمي كل الذنوب على الآخر، ليست من شيم الرجولة ولا الديمقراطية، بل هي من صفات الطفولة وقلة النضج والتعنت الاناني.. ان الطفل وحده من يعتقد بأنه كائن ضعيف لا مسؤول وان الآخرين الكبار وحدهم هم المسؤلون عن كل ما يحصل له!!
غياب الشعب اساس المشكلة
هنالك مفارقة عجيبة تهيمن على الوضع العراقي : ان جميع الاطراف العراقية، القديمة والجديدة، الحليفة والمعارضة، الحاكمة والمحاربة، كلها كلها اتفقت على تغيبب الشعب العراقي من المعادلة السياسية الوطنية وكأن العراق قد اصبح بلدا لا تقطنه غير الجيوش والاحزاب، بلا بشر معنيين بالدفاع عن وطنهم ودولتهم ومشاريعهم المستقبلية. احزاب مجلس الحكم، تقول للشعب العراقي: (( اسكت واصبر وكن عاقلا، ونحن سنحقق لك إنشاء الله كل ما تحلم به..))!! اما ما يسمى باطراف المقاومة المسلحة، فهي الاخرى تقول نفس الكلام للشعب : (( إسكت وإصبر وكن عاقلا، ونحن بتفجيراتنا العمياء وعملياتنا الانتحارية الهوجاء، سوف نحقق لك كل ما تحلم به ..))!! اما المتبقي من الاحزاب الشرعية خارج الحكم فهي مبتلشة بتحشيد انصارها بين حين وآخر ، من اجل الكهرباء والماء اولا ، او مناصرة فلان وعلان في صراعتهم الحزبية والطائفية.
والنتيجة ان الشعب العراقي مغيب تماما من الفعل السياسي الوطني.. الطريف والمحزن ان القضية العراقية منذ قبل اندلاع الحرب وحتى الآن قد حشدت من اجلها المظاهرات المليونية في كل انحاء العالم، بما فيها امريكا وانكلترا نفسهما، الا في العراق!!؟؟ نعم الشعب العراقي وحده غير معني حتى الآن بقضيته!! لقد بلغ البؤس في الحالة ان المرة الوحيدة التي حاول فيها الشعب العراقي ان يحشد المليون بعد الحرب، ليس من اجل نفسه وضد خراب وطنه، بل من اجل البكاء والاعتذار للإمام الشهيد الحسين(ع)!!!!؟؟؟
لقد آن الأوان ان تعي النخب العراقية، الثقافية والسياسية والدينية، انها بدفعها الشعب العراقي الى الاعتكاف والانتظار المتخاذل مثل اطفال في مدرسة، سوف لن تساعد ابدا على حل المشكلة العراقية. من العار علينا جميعا، ان نجعل من شعبنا عبارة عن كائنات غريزية لا تفكر إلا بالماء والكهرباء وزيادة الرواتب، متناسين قضية الوطن وحاضره الخرب ومصيره المجهول. أين هو شعب الوثبات والانتفاضات والمظاهرات الوطنية الكبرى!؟
من اجل ان نعود الى الشعب ونتمكن من حشده في النضال الوطني الجبار والطويل ، علينا ان نتخلص من انانيتنا الحزبية والطائفية والعرقية، ولتنتفق على برنامج وطني شامل تجتمع عليه مختلف القوى، سواء في مجلس الحكم او في خارجه:
1ـ تكوين لجنة وطنية عليا للاشراف على قيادة التحركات الشعبية، يكون اعضائها ممثلين لجميع المحافظات العراقية بنسب تقريبية بعيدة تماما عن التمثيل الطائفي والعرقي. ولتضم هذه اللجان ايضا جميع الاطراف العراقية بما فيها تلك التي تشترك فيما يسمى بالمقاومة وكذلك انصار النظام السابق، بشرط ان يعلنوا على تخليهم عن العنف وإيمانهم بالديمقراطية ووحدة الامة العراقية والانخراط في الكفاح الشعبي الوطني المنظم. من اجل تجنب الانشقاقات الطائفية والعرقية السائدة في الواقع السياسي العراقي، ليكن مبدأ الانتماء الى المحافظات العراقية هو المعيار الوحيد لتقاسم سلطات الدولة والاحزاب وجميع المؤسسات السياسية. قد يحدث مثلا ان يمثل محافظة الرمادي شخصا صابئيا مقيما في المحافظة منذ سنوات طويلة ويحوز على رضا غالبية السكان. وكذلك ضمن هذا السياق قد يمثل محافظة النجف شخصا سنيا..( كان هذا يحصل في العهد الملكي)، هكذا دواليك جميع المحافظات العراقية، حتى تكون المحصلة العامة ان الانتماء الى الارض الصغيرة (المحافظة) هو المعيار للانتماء للارض الكبيرة ( الوطن العراقي).
2 ـ تقوم اللجنة الوطنية بطمئنة الامريكيين على مصالحهم الاقتصادية والنفطية والعسكرية، وتجنب اشعال الحرب الطائشة والمكلفة معهم. لنتذكر ان نظام صدام السابق، رغم كل شعاراته القومية والثورجية الطنانة ومحاربته المعلنة للامبريالية والصهيونية ليلا ونهارا، الا انه مع ذلك كان اكثر الانظمة التي قدمت الخدمات الجليلة والمجانية للامبريالية والصهيونية من خلال تدمير الوطن وتشتيت الامة العراقية ومعها الامم العربية. يجب علينا التحلي بالواقعية وبعد النظر من اجل كسب الامريكيين الى جانب مشروع الوطن العراقي، ولنا في هذا تجارب امم كثيرة تمكنت من كسب القوى الاستعمارية والتحالف معها وجعلها لصالح مشروعها الوطني، مثل اليابان والمانيا والفلبين وسنغافورة وغيرها، بل هل نسينا ان كوبا كاسترو حتى الآن فيها قاعدة امريكية! لنتذكر تجربتنا شبه الناجحة مع البريطانيين في العهد الملكي. ولنا نماذج اخرى قريبة مثل السعودية، كذلك تركيا التي رغم انها عضوة في حلف الاطلسي وفيها قواعد امريكية، لكنها مع هذا امتلكت دائما حرية التمايز بل وحتى انتخاب قوى اسلامية معارضة للاشتراك في المخططات الامريكية. ان الغالبية الساحقة من الدول العربية لا توجد فيها اية قواعد امريكية، لكنها مع ذلك هي من اكثر الدول خضوعا للقرارات والسياسات الامريكية في المنطقة! ان وجود قواعد امريكية في بلادنا يمكن ان نجيره لخدمة مصالحنا الوطنية في حالة امتلاكنا الحد المعقول من الوحدة والوطنية والاساس الشعبي.. لأن الداخل هو الذي يتحكم بتأثير الخارج.. وليكن شعارنا في التعامل مع الامريكيين: لا للخنوع الذليل، ولا للتمرد الطائش.. ونعم للتعاون الواقعي والنقد الصريح والاحتكام الى شعبنا والرأي العام العالمي في حل خلافاتنا معهم.. بل نحن مع قليل من الحنكة والروح الوطنية قادرون على تكوين لوبي امريكي في نفس امريكا سوف يساندنا في الضغط على القوى الامريكية التي لا تتفق مع مصالحنا.
3 ـ الدعوة الى المصالحة الوطنية وفتح الحوار مع ما يسمى بقوى المقاومة وانصار النظام السابق وكذلك الاطراف الدينية والعشائرية السنية التي تعتقد بانها قد تضررت من التغييرات الاخيرة. وهذا يتطلب قبل كل شيء الغاء ما يسمى بـ(لجان اجتثاث البعث) وايقاف عمليات الطرد والمعاقبة والتصفيات المعاشية والبدنية، وتأجيل قضية الحساب الى المستقبل بانتظار اقرار العملية الديمقراطية وترك البرلمان المنتخب والمحاكم القانونية الحقيقية المتقيدة بحقوق الانسان هي التي تقرر مصير اعضاء الحكم السابق. وهذا التأجيل لسنوات مستقبلية حصل في جميع الانظمة التي تحولت من نظام دكتاتوري الى نظام ديمقراطي مثل اسبانيا والبرتغال واخيرا شيلي والارجنيتين..
4 ـ الدعوة الى تشكيل حكومة إئتلافية وطنية ممثلة لأوسع عدد من الاحزاب والقوى العراقية ولجميع المحافظات العراقية، حيث يكون انتماء الوزراء فيها لا على اساس اصولهم الطائفية والعرقية، بل على اساس تمثيل كل منهم لمحافظته الاصلية، على غرار اللجنة الوطنية العليا.
5 ـ الدعوة الى تشكيل لجنة وطنية ممثلة لاكبر عدد من الاحزاب والقوى الوطنية والدينية والعشائرية من اجل الاشراف على اعادة الجيش العراقي واجهزة الشرطة، من خلال دعوة جميع المنتسبين السابقين الى صفوفهم، مع عزل القياديين الكبار المتهمين بجرائم كبرى ووضع قياديين جدد من العناصر الوطنية المعروفة.
6 ـ الدعوة الى ايقاف عمليات التغيير القومي وتهجير السكان وعمليات الانتقام التعسفي من قبل الميليشيات المسلحة في المحافظات الشمالية وترك محافظة كركوك خارج الصراعات القومية وعمليات الاحتكار الحزبي، بانتظار تكوين الهيئات القانونية البرلمانية المختصة التي ستشرف على حل مشكلة المهجرين واعادة الحقوق بصورة قانونية وعادلة.
هذه مقترحات اساسية قابلة للتطوير والتعديل والحذف والاضافة، غايتها فتح الحوار الحقيقي بين جميع نخب وفئات وقوى الامة العراقية، من اجل سحب احتكار قضية الوطن من ايدي الجماعات الدبلوماسية والكواليسية المعزولة والخائفة والمشلولة بأنانياتها الشخصية والحزبية والطائفية والعرقية على حساب مصلحة الشعب العراقي. ليبادر المثقفون العراقيون قبل غيرهم الى الدعوة للتسامح التصالح، لأنهم بسكوتهم عن الخراب الحاصل والعبث الطائش يساهمون بديمومته، والساكت عن الحق شيطان اخرس.. لتبادر الدول العربية والجارة الحرصة على سلامة العراق الى الضغط على الامريكيين والاطراف العراقية المعنية من اجل التصالح.. لتبادر منظمات حقوق الانسان العراقية والعربية والعالمية وجميع اصحاب الضمائر الى إدانة القرارات التعسفية والانتقامية ضد انصار النظام السابق والدعوة الى التريث حتى اقامة محاكم ديمقراطية منبثقة من برلمان حقيقي منتخب.. عاشت الامة العراقية بجميع فئاتها، الاكراد والتركمان والسريان والعرب، والصابئة والمسيحية واليزيدية والسنة والشيعة.. عاشت روح التسامح والمصالحة والوحدة الوطنية.. عاش الانسان العراقي..