|
مفهوم الوحدة الوطنية
محمد جبار كاظم الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 2197 - 2008 / 2 / 20 - 07:40
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
ترتبط الوحدة الوطنية بوجود وطن واحد موحد من الشمال الى الجنوب ومن الغرب الى الشرق والأمة العراقية هي الجماعة التي تسكن هذا الوطن المتشاكلة والمتحدة في ثقافتها وتقاليدها وسائر الروابط الاجتماعية وليس لها عصبية تمنعها من الاندماج وهي تمتلك صفات وميزات وخصائص وإرادات الفت بين أطيافها وأعراقها وجعلتها ذات ثقافة وتاريخ ومطامح وآلام وجهاد مستمر ومصالح مادية ومعنوية مشتركة ، مع العلم انه ليس في العالم كله شعب او امة اشد تماسكا منها ولا أنقى دما . ان الوحدة المنشودة هي ذلك الاتحاد السليم الصحيح الذي يرمي الى توحيد الشعوب لا الى خدمة التيجان بل الى تعزيز الاستقلال والى توطيد السيادة الوطنية لا الى جعل البلاد في ايدي الطامعين والانتقاص من قيمة المواطن العراقي وإذلاله ، انها لا تعني ان نجعل البلد إمبراطورية خاضعة لرجل واحد كما في السابق بل هي نظام ديمقراطي ناشئ عن رضا الشعب ويسعى الى التحرر من جميع التركات التي خلفها النظام السابق في الداخل والخارج والى النهضة على اساس المساواة بين الافراد وازالة الفرق بين الطبقات ومكافحة المرض والجهل وتامين كل ما من شأنه رفع المستوى المعيشي للفرد العراقي . ان هكذا وحدة لا يمكن ان تقوم على خط واحد او على فكر واحد ان صح التعبير بل تحتاج الى الخطين الديني والعلماني فلا يمكن ان تبني على قاعدة التعصب الديني او الطائفي كما لا يمكن ان تبنى على العلمانية وما تدعو اليه من افكار ، ان الوحدة هي الرابط بين اطياف الشعب وطوائفه كما ترتبط اعضاء الجسم بالقلب من خلال الدم ، هي التي تكفل لنا العزة ورغد العيش وتحل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . لقد تعرضت الوحدة الوطنية مرارا وتكرار في الآونة الأخيرة للعديد من حملات التشويه والتشهير التي استهدفت تنفير الجماهير منها والتشكيك في حيثية تحقيقها وعلى الرغم من كل المحاولات والدسائس التي تعرضت لها مساعي الوحدة ومن التجارب المريرة التي مرت بها فأن الجماهير العراقية لم تتخل يوما عن هذا الامل الذي يدغدغ احلامها ويمدها بقوة خارقة على تحمل المكاره وموجهة العواصف والتغلب على الصعاب واذا كان الارهاب واعداء المسيرة الديمقراطية يريدون من الهوية الوطنية ان تكون هوية مجردة من محتواها وحسها الوطني الا ان الشعب العراقي يصر على ان يجعل منها هوية تؤكد الانتماء للوطن لان الوحدة الوطنية هي تجسيد سياسي وبعث حضاري وهي بنفس الوقت قدر العراق ومصيره . ان مصير الوحدة لا يرتبط بالنصوص الدستورية او التشريعية ولا يتوقف عليها صحيح ان توفر هذه النصوص يخول المواطن من الناحية القانونية حق المطالبة بالعمل للوحدة الوطنية الا ان غالبية السياسيين تعرف عند الحاجة وكما اثبتت الاحداث كيف تمارس سياسة التلاعب بالألفاظ والتحايل على القوانين والتهرب من كل التزام وحدوي بل ان بعض الاحزاب لا تتورع احيانا وخصوصا بعد دخولها البرلمان عن التظاهر بالخضوع لإرادة الجماهير فتعمد الى تزيين الألفاظ والشعارات بأروع العبارات الوحدوية أملا منها في امتصاص تذمر الجماهير وإلهائها بالمعسول من الكلام والنص على الوحدة الوطنية في الدستور يمكن ان يبقى هدفا اسمى يتشبث به السياسيون ويلوحون به دون الاقدام على تحقيقه وقد يقوم الساسة ببعض المبادرات التي يمكن اعتبارها صادقة لتحقيق الوحدة الوطنية ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن وقد تكون الظروف الخارجية والاحداث الداخلية لها النصيب الاكبر في احداث هذا الاخفاق . ان الوحدة هي عمل ثوري ، هي ثورة في قلب الوطن المجزأ والمهدد بشتى انواع الاخطار وشتى ظروف القهر ، والثورة كما هو معروف مسلك مخالف للدستور فهي لاتقوم اصلا الا لخرق الدستور او الغائه والتاريخ لا يزودنا بمثال عن ثورة واحدة قامت واعلنت تمسكها بالدستور ولهذا يصعب علينا تصور قيام وحدة وطنية بالاعتماد فقط على النصوص الدستورية ومما يدعو الى التأمل هو تمسك جميع الكتل السياسية بآرائها ومطالبها دون الانصهار في العملية السياسية الشاملة والمطلقة والتي تحول دون حدوث انشقاق في وحدة الصف الوطنية علما ان الجميع يدعو الى ان العراق دولة ذات سيادة في شعاراته التي يطلقها بينما نرى العمل على ارض الواقع هو القيام بمحاولة تمزيق هذا البلد ، ان الشعب العراقي يريد الوحدة ويناضل من اجلها وهذا امر لا يحتاج الى برهان فالشعب العراقي في كل بقعة من بقاع هذا الوطن يكاد لايدع مناسبة تمر دون الاعلان والتعبير عن رأيه في الوحدة وتلهفه الى انجازها وحماسته الجياشة لكل بادرة وحدوبة والمعركة التي تخوضها الوحدة الوطنية لا تجري فوق ساحة دستورية وانما فوق ساحة سياسية والخلاف ليس حول وجود نصوص دستورية او غيابها او حول تفسيرها وتطبيقها بل حول ما تقوم به الكتل السياسية والبرلمانية التي تمتلك حق اصدار القرارت السياسية القادرة على تحريك الاوضاع وتوجيهها باتجاه الوحدة الوطنية فهناك هوة بين الارادة الشعبية والكتل السياسية بسبب تجاهل هذه الكتل لرغبات الجماهير وتطلعاتها وكلما وجدت الجماهير وسيلة ما للتعبير عن رغبتها في الوحدة سارع السياسيون الى افتعال الازمات فيما بينهم ليتنصلوا من وعودهم التي قطعوها قبل الانتخابات ولعل تفسير ذلك يكمن في عدم فهم الساسة العراقيين انهم جاءوا بالانتخابات وانها ستعاد بعد اربع سنوات وان من وضعوا اصواتهم في صناديق الاقتراع قد يمتنعون في الدورة الانتخابية القادمة من تأييد هذه الحركة وذلك الحزب او التكتل وان التباعد الذي حصل بين الشعب والكتل السياسية سيتحول تدريجيا الى تنافر وهذا سيولد نزعة عدائية رافضة في طبقات الشعب واطيافه وبالتالي فان الساسة اذا كانوا اليوم يثبتون انفسهم ويتحصنون داخل اسوار المنطقة الخضراء ووجود المحتل فان هذا ليس بالأمر دائم البقاء وان نتيجته قد تكون ثورة يحترق فيها القاصي والداني من ابناء هذا البلد .....
#محمد_جبار_كاظم_الساعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلطات اليمنية:ماتتعرض له الموانئ منذ 2015 جرائم حرب كبرى ل
...
-
العفو الدولية تندد بقصف حزب الله للمدنيين في إسرائيل!
-
محكمة موسكو تصدر حكما غيابيا باعتقال عميل الأمن الأوكراني لن
...
-
إدانة 25 باكستانيا احتجوا على اعتقال عمران خان
-
إعلام عراقي: صدور مذكرة اعتقال بحق الجولاني
-
عودة اللاجئين إلى حمص.. أمل جديد بين أنقاض الحرب
-
حملة دهم واعتقالات إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية طالت 25
...
-
الخارجية الأميركية تلغي مكافأة بـ10 ملايين دولار لاعتقال الج
...
-
اعتقال خلية متطرفة تكفيرية في قضاء سربل ذهاب غرب ايران
-
تفاصيل اعتقال اثنين من النخبة الإيرانية في الخارج
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|