|
اللاطهر الستاليني -2 حملة الشتاء 1939 (الحرب السوفيتية- الفنلندية)
ميشيل الشركسي
الحوار المتمدن-العدد: 2197 - 2008 / 2 / 20 - 11:54
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
نقاشات بلا طائل مع آخر الستالينيين (الأستاذ فؤاد النمري نموذجا)
حفزني الأستاذ فؤاد النمري لإعادة استخراج عدة مواضيع قديمة كنت أعددتها للنشر عن الحقبة الستالينية، وهي مواضيع موثقة من الأرشيفات السرية السوفيتية التي فتحت للجمهور وخاصة (الأرشيف المركزي للجيش السوفيتي)، ووضعتها على الرف لإعتقادي الخاطئ أن الموضوع "قٌتل" بحثاً وتمحيصاً.
في رده على مقالتي الأولى والتي التزمت فيها بكل معايير الإحترام وعدم التعرض الشخصي للكاتب، يصفني الأستاذ فؤاد النمري بالدعي لأن اسمي لم يعجبه، وكوني أيضاً يسارياً ديمقراطياً مستقلاً لم يعجبه كذلك (لأنّ اليسارية والديمقراطية خلطتان مختلفتان لا تلتقيان كما ذكر) ثم يجتزأ بعض ماكتبت ليصنفني في خانة المطالبين بنسيان الإشتراكية التي كانت في الإتحاد السوفيتي!! المطالبين من الإنسانية أن تكون بلا تاريخ!! يا للهول!!
أنا مصرّ ومقتنع تماماً وأكرر أننا إذا أردنا السير إلى الأمام دون أن نلوي أعناقنا، فعلينا القطع مع الزوايا المظلمة من الماضي (وليس نسيان الماضي برمته)، وخاصة مع القضايا النظرية والممارسات العملية للتجربة السوفيتية بأفقها الستاليني الشمولي. إن ثورة اوكتوبر 1917 وقيام الإتحاد السوفيتي غيّرا وقلبا العالم القديم وأطلقا الجنّي من القمقم، و لا أحد يستطيع أن يحذف بجرّة قلم ماقدمته ثورة اوكتوبر وبلاد السوفييت للبشرية من أمل ودعم وعزيمة جبّارة للتقدم باتجاه إنشاء عالم بدون مستغلين على مدى سبعين عاما، ولكننا الآن وبعد انهيار التجربة الإشتراكية السوفيتية ومعسكرها الشرق أوروبي ومقلديها في "العوالم الثالثة"، نستطلع الأسباب التي أدت إلى ذلك نقديا وديمقراطيا ونتلمس النتائج، لنمضي إلى الأمام في سبيل عالم أكثر عدالة خال من خداع الشعارات الخشبية، في سبيل الحرية السياسية بأفقها الليبرالي الحقيقي، المدخل الوحيد للإنفكاك من عبودية الإستبداد الروحي والعقلي.
في هذه المقالة سأتعرض لأحد فصول "اللاطهر" الستاليني بمنطقه في التعامل مع دولة صغيرة وشعب صغير مسالم وجار للإتحاد السوفيتي هي فنلندا.
كانت فنلندا حتى قيام ثورة اوكتوبر في روسيا 1917 مستعمرة وخاضعة للحكم الروسي القيصري، وبعد الثورة مباشرة وقع لينين عام 1918 مرسوم استقلال فنلندا، لتصبح دولة مستقلة صديقة للدولة السوفيتية مع أفضل العلاقات الإقتصادية، هذا ما فعله "المهاتما" لينين مطبقا بشكل عملي حق الشعوب في تقرير مصيرها، قبل أن يأتي ليل ستالين المظلم بالنسبة لحل المسألة القومية في الإتحاد السوفيتي.
في 28 آب- أغسطس1939 في موسكو وقع الإتحاد السوفيتي وألمانيا (النازية) معاهدة عدم إعتداء مدتها عشرة أعوام، وقع المعاهدة وزيرا الخارجية مولوتوف وريبنتروب، وحضر حفل التوقيع ستالين شخصيا كما توضح الصورة سروره بالحدث.
ولكن معاهدة عدم الإعتداء المذكورة كان لها ملحق سري للغاية (بروتوكول) فيما يلي ترجمة نصه الكاملة:
البروتوكول السري الإضافي لمعاهدة عدم الإعتداء بين الإتحاد السوفيتي وألمانيا الموقعة بتاريخ 28 آب- أغسطس 1939
بمناسبة توقيع معاهدة عدم الإعتداء بين ألمانيا وإتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفيتية، فإن ممثلي الطرفين الموقعين على المعاهدة قد بحثوا خلال جلسات بالغة السرية موضوع تحديد مناطق النفوذ بينهما في منطقة شرق أوروبا، وتوصلوا إلى الإتفاق التالي:
1- عند حدوث تغييرات حدودية وسياسية في المناطق التابعة لدول حوض البلطيق (فنلندا- لاتفيا- ليتوانيا- استونيا)، فإن الحدود الشمالية لليتوانيا تعتبر الخط الفاصل بين منطقتي نفوذ الإتحاد السوفيتي وألمانيا، مع اعتراف الطرفين بمصالح ليتوانيا في منطقة "فيلنو".
2- عند حدوث تغييرات حدودية وسياسية في المناطق التابعة لدولة بولندا، فإن منطقتي نفوذ الإتحاد السوفيتي وألمانيا تتحددان بشكل تقريبي عند خطوط أنهار "ناريف"، "فيسلا"، "سان"*.
إنّ المصير النهائي لبقاء بولندا كدولة مستقلة ضمن حدودها الحالية سيتحدد خلال مسير التطورات السياسية المستقبلية، وستحل الحكومتان هذه المسألة بأية حال عبر الإتفاق الودي بينهما.
3- بخصوص جنوب شرق أوروبا، فإن الطرف السوفيتي أبدى اهتمامه البالغ بمنطقة "بيسارابيا"**، أما الطرف الألماني فثبّت عدم اهتمامه السياسي نهائياً بهذه المنطقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أي أن ستالين أعطى الضوء الأخضر لهتلر ليقضم بولندا وبقية أوروبا مقابل
استيلاء ستالين على دول البلطيق الأربع ومنطقة "بيسارابيا".
** منطقة "بيسارابيا" هي الآن منطقة ضمن جمهورية مولدوفا المستقلة (إحدى جمهوريات الإتحاد السوقيتي السابقة)، وقد استقلت "بيسارابيا" أيضا عن روسيا القيصرية عام 1918 وانضمت إلى رومانيا إلى أن احتلتها قوات الجيش الأحمر السوفيتي عام 1940 كنتيجة للبروتوكول السري لمعاهدة عدم الإعتداء بين الإتحاد السوفيتي وألمانيا.
في 30 تشرين الثاني- نوفمبر 1939 قامت حشود جرّارة قدّر عددها بمليون جندي سوفيتي بمهاجمة فنلندا مدعومين بالدبابات والطائرات وجنود مشاة البحرية، كان الموضوع محسوما (مجرد نزهة لن تتجاوز 10-12 يوماً) بالنسبة لستالين الذي قرر غزو هذا البلد الصغير الجار بشعبه المسالم إثر اتفاقه السري مع هتلر على اقتسام مناطق النفوذ في أوروبا، ولكن الشعب الفنلندي الذي لم يتعدى 3.5 مليون (أي مايوازي عدد سكان لينينغراد آنذاك)، كان مستعداً للحرب ومتوقعاً إياها، وقد قام الجنرال الفنلندي "مانيرغيم" بتحضير وبناء خط دفاعي على طول الجبهة مع الإتحاد السوفيتي بمساعدة من بريطانيا وفرنسا، محصن ومجهز (سيدخل تاريخ العلوم العسكرية فيما بعد باسم خط "مانيرغيم")، قام الجيش الفنلندي الصغير والمتطوعون من كافة فئات الشعب (ومن ضمنهم الشيوعيون الفنلنديون) بمقاومة الجيش الأحمر مقاومة باسلة وجرّعوهم الغصص.
انتهت الحرب في 13 آذار- مارس 1940 (دامت 104 يوما)، وكانت خسائر الفنلنديين حوالي 25 ألف قتيل و 45 ألف جريح مع خسارة 40 ألف كم مربع من أراضيهم التي احتلها الإتحاد السوفيتي وضمها إليه بشكل نهائي، أما خسائر السوفييت فكانت حوالي 200 ألف قتيل و 350 ألف جريح و 6000 أسير، 650 طائرة و 2500 دبابة (منها 650 دمرت نهائيا)، وذلك حسب معطيات الأرشيف المركزي للجيش السوفيتي.
خسر الإتحاد السوفيتي الحرب الفنلندية عمليا وخاصة على الصعيد المعنوي، وأظهر لألمانيا (هتلر) وللغرب الرأسمالي مواضع ضعفه العسكرية، كانت حربا بلا طائل شنّها ستالين إرضاءً لنزعته الإستعلائية الإمبراطورية المريضة (كقاطع طريق سابق في شبابه) ضارباً عرض الحائط حتى بكون لينين هو الذي وقع على مرسوم استقلال فنلندا، ممرغاً سمعة الإتحاد السوفيتي بالتراب، وستظل أسرار تلك الحرب وتفاصيلها لسنوات طويلة عصية على الجمهور السوفيتي والعالمي تماما وبالغة السرية.
مايعنيني أولاً وأخيراً من هذه الفصول إنما هو الكشف عن الجوانب المظلمة من الفكر الستاليني الأحادي الشمولي للقطع معه نهائيا، دون انحياز أو مستبقات عقائدية، مع الإستعداد دوماً لتقبل التكفير من الأضداد والنقائض في أي مسألة نختلف عليها، وكما يقول معلمي الراحل "هادي العلوي":
(إنّ العقيدة هي شر ما يملكه أهل العلم وهي الرقيب الداخلي الذي لا يقل سوءاً عن الرقيب الرسمي، والمسئولة عن تكوين الوجدان القمعي للأفراد ومصادرة حرية الضمير، وهي إذا كانت مفيدة لتحريك الجمهور في منعطف تئريخي معين يجب أن تبقى في منأى عن العقل الباحث لئلا تكون كما يقول الغزالي حجاباً يمنع من النظر إلى حقائق الأشياء).
ميشيل الشركسي / يساري ديمقراطي مستقل - روسيا
#ميشيل_الشركسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقاش ورد على كتابات الأستاذ فؤاد النمري - اللاطهري ستالين
-
الخضر في أوروبا يتبنون مطالبة رفاقهم في روسيا حول رفض إقامة
...
-
تقاسيم على سفر التوبة - إلى الدكتور سيد القمني
-
ينصر (دينك) يا عبد الرزاق عيد
-
رسالة ورد
-
ليس في اسطنبول تورد الابل ، بل في ساحات دمشق ! عن الضعف والت
...
-
سلفادور أليندي - شهيد التحرر والاشتراكية
-
اليمن السعيد يلتفح بالسواد
-
رسالة الى العفيف الأخضر ، نداء بالتأني
-
لمصلحة من هذا الانبطاح أمام السلطة الديكتاتورية في سوريا يا
...
-
لماذا كل هذا الاجتهاد في صبّ الزيت على النار ؟ نظرة الى تغطي
...
-
مرّة أخرى حول 41 عاماْ على قانون الطوارئ والأحكام العرفية في
...
-
نهاية الديكتاتور الجرذ ، وانتحار الصدّاميين على أسوار بغداد
-
الى الحوار المتمدن في عيده الثاني ، ورود وتمنيات
-
غيفارا قائداْ ورفيقاْ وشهيدا ، في الذكرى 36 لاغتيال تشـي
-
الذكرى العاشرة لقصف البرلمان الروسي من قبل الرئيس يلتسين
-
تحية النضال الى حزب العمل الشيوعي في سوريا في انطلاقته الثان
...
-
الى الأستاذ أحمد منصور/ برنامج شاهد على العصر
-
المهاتما - لينين
-
الشيشان من مناضلين في سبيل الحرية الى ارهابيين !
المزيد.....
-
صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
...
-
الدفاع الروسية تعلن إسقاط 8 صواريخ باليستية أطلقتها القوات ا
...
-
-غنّوا-، ذا روك يقول لمشاهدي فيلمه الجديد
-
بوليفيا: انهيار أرضي يدمّر 40 منزلاً في لاباز بعد أشهر من ال
...
-
في استذكار الراحل العزيز خيون التميمي (أبو أحمد)
-
5 صعوبات أمام ترامب في طريقه لعقد صفقات حول البؤر الساخنة
-
قتيل وجريحان بهجوم مسيّرتين إسرائيليتين على صور في جنوب لبنا
...
-
خبير أوكراني: زيلينسكي وحلفاؤه -نجحوا- في جعل أوكرانيا ورقة
...
-
اختبار قاذف شبكة مضادة للدرونات في منطقة العملية العسكرية ال
...
-
اكتشاف إشارة غريبة حدثت قبل دقائق من أحد أقوى الانفجارات الب
...
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|