|
كوسوفو: إنفصال أم إستقلال؟ ... وتساؤلات اخرى!
مسعد عربيد
الحوار المتمدن-العدد: 2196 - 2008 / 2 / 19 - 12:22
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
(ملاحظات في السياق)
ليس المقصود بهذا العنوان إستفزاز أحد ولا التقليل من قدر قومية أو شعب والاعلاء من شأن شعب آخر، ولا التنكر للحقوق القومية والانسانية لالبان كوسوفو او للصرب، فقد دفع الطرفان أغلى التضحيات عبر سنوات طويلة من الحروب والمذابح.
ما نتوخاه في هذه المقالة هو محاولة لفهم تطورات كوسوفو وما آلت إليه أوضاع هذا الاقليم من خلال السياق اليوغسلافي، أي من خلال سياق تفكيك يوغسلافيا. فانفصال كوسوفو الذي نشهده اليوم، من حيث كونه حدثاً تاريخياً وتطوراً سياسياً، ليس معزولاً عن تفكيك الكيان اليوغسلافي بل هو إمتداد له. وعليه، سنعمد الى قراءة أوضاع كوسوفو من خلال الخلفيات التي مهدت لانهيار يوغسلافيا في اوائل تسعينات القرن الماضي كما مهدت لحروب داخلية وقصف أمبريالي ليوغسلافيا إنتهى بوضع كوسوفو تحت "الحماية الدولية" منذ صيف 1999. ومع الاعلان الاحادي الجانب ل"إستقلال" كوسوفو الذي أطل علينا اليوم تحت حماية حلف الاطلسي والذي طال إنتظاره للضوء الاخضر من الغرب الراسمالي، وبالرغم من الهواجس والتساؤلات التي تكتنف هذا الاعلان، فانه يمكن القول: أن المقدمات المادية، على المستويات المحلية والاقليمية والدولية، قد إكتملت لفصل الاقليم عن صربيا وإعلان استقلاله ودخوله "المجتمع الدولي" عضوا مستقلاً اسوة بغيره من الشعوب. وكالعادة في السياسة والتاريخ فان ما نشهده اليوم، لا يعدو كونه "اللمسات" الاخيرة لهذه الدراما التي تحتدم منذ سنوات، بل عقود، وقد حان الوقت لإخراجها أو تخريجها في حلتها النهائية.
ورغم أهمية هذا الاقليم الصغير والدور الكامن الذي يمكن ان يلعبه في مستقبل البلقان، فان الكثيرين لم يأبهوا باوضاعه أو مصيره. فما يهم أو لا يهم في هذه الحقبة أمران تحددهما الآلية الاعلامية في مركز رأس المال ليلحق بها، الاعلام التابع في بلدان المحيط فيعيد إنتاج الخبر والمعلومة والتحليل. أما القلة التي تتذكر كوسوفو، فتعود بذاكرتها الى عام 1999 حين وقف الرئيس الاميركي كلينتون يشرح لشعبه وللعالم تبريرات "الامبريالية الانسانية" في قصف يوغسلافيا وتدميرها "دفاعاً" عن أهل كوسوفو، الى أن كان صباح يوم 24 مارس 1999 حين إستفاق العالم على ذلك القصف البربري الذي دام 78 يوماً. (1) خصوصيات المسألة القومية في يوغسلافيا
تعقيدات النسيج القومي اليوغسلافي
لا يتسنى فهم المسألة القومية في كوسوفو والازمة السياسية في ذلك الاقليم، إلاّ من خلال قراءة خصوصيات الاوضاع القومية في يوغسلافيا خلال القرن العشرين وخاصة خلال حقبة الفيدرالية الاشتراكية في ذلك البلد.
قطنت أرض يوغسلافيا شعوب وقوميات عديدة ذات نسيج قومي واجتماعي متشابك ومعقد من القوميات واللغات والاديان والثقافات والحضارات. وقد بلغ عدد سكان يوغسلافيا لحظة إنهيارها عام 1991 ثلاثة وعشرون مليوناً و472 ألفاً، وكانت تتشكل آنذاك من ست جمهوريات (صربيا وكرواتيا وسلوفينا ومكدونيا والبوسنة والهرتسك وجمهورية الجبل الاسود) وإقليمين (كوسوفو وفويفودينا اللذان شكل كل منهما "وحدة فيدرالية" وكانا جزءً من جمهورية صربيا). وقد منح دستور البلاد كل من الجمهوريات صفة "الدولة" وحق الاستقلال أي الانفصال عن الدولة الاتحادية.
تميز موقف الحزب الشيوعي اليوغسلافي (ح ش ي ) وزعيمه تيتو من المسألة القومية بالبراغماتية والقدرة على التحرك الديناميكي والسريع لاستيعاب الاحدات وإحتواء النزاعات. وقد إستند موقف القيادة الشيوعية (التي كانت هي ذاتها متعددة الاثنية)، من المسألة القومية الى حيثيات وعوامل موضوعية أهمها:
1) قراءة نقدية وواعية لتاريخ يوغسلافيا عبر القرن العشرين وما عانته شعوبها من هيمنة اجنبية ونزاعات داخلية. ولعل العبرة الرئيسية من هذا التقييم تتلخص في ان يوغسلافيا سيكون مصيرها الفشل والانهيار من جديد إذا ما هيمنت عليها قومية واحدة وإذا ما أنكرت الدولة الناشئة الفوارق القومية القائمة ولم تعمل فوراً على التخفيف منها وإزالتها وتحقيق المساواة بين تلك القوميات. 2) خبرات ودروس مرحلة حرب التحرير الشعبية. 3) ضمان الوحدة والتآخي بين شعوب وقوميات يوغسلافيا كي يتسنى تحقيق المهمة الملحة والعاجلة لإعمار الوطن الذي دمرت النازية والانطلاق نحو البناء الاشتراكي وإقامة المجتمع الجديد. 4) حرص الحزب على الاحتفاظ بالسلطة، وهو الحزب الذي قاد حرب التحرير بينما تساقطت الحكومة الملكية وخانت القوى الاخرى وتعاملت مع الاحتلال. إضافة الى انه، أي الحزب، صاحب مشروع السلطة في إقامة دكتاتورية البروليتاريا والتنمية الاشتراكية.
تيتو ولعبة التناقضات
إستطاع الحزب الشيوعي اليوغسلافي بقيادة تيتو طيلة سنوات حكمه (1945 ـ 1980)، في معالجته للمسألة القومية وضبط الاوضاع الداخلية في يوغسلافيا، ان يقيم توازناً دقيقاً ومستديماً، وإن لم يخلو من خروقات كثيرة ومتكررة، إذ حظي تيتو بحيز كبير من المناورة ظلّ متاحاً له خلال فقرة حكمه وحقبة الحرب "الباردة" بين المعسكرين وما إتسمت به من توترات ومزاحمة بينهما.
إتبع تيتو في معالجة الازمات القومية سياسة تراوحت بين قمع المعارضة أو الحركات الانفصالية من جهة، وتلبية مطالبها (او البعض منها) من جهة اخرى. أي أن هذه السياسة جمعت بين الحزم والقمع من جهة وتقديم التنازلات والمهادنة من جهة اخرى. فبعد ان يكون قد قمع الطرف المتمرد نراه يعمد الى منحه المطالب التي تمرد من أجلها أو بعض منها. على سبيل المثال بعد أن قمع حركة التمرد الالبانية في كوسوفو في أوائل سبعينات القرن الماضي والتي كانت تطالب بانفصال الاقليم نراه يمنح الاقليم حقوقا دستورية وسياسية واسعة تكرست في التعديلات الدستورية لعام 1974.
وبغض النظر عن التفسيرات المعادية ليوغسلافيا والاشتراكية، وهي كثيرة، والتفسيرات الغربية المستدخلة على أوضاع يوغسلافيا وتاريخها المعاصر، فان هذه المرونة في معالجة المسألة القومية تفسر قدرة النظام الحاكم على ضمانة وحدة البلاد وتوجيهها بثبات نحو درب التنمية التي قطعت منها يوغسلافيا أشواطاً طويلة وبسرعة فائقة مقارنة ببلدان البلقان واوروبا الشرقية الاخرى. كما تفسر هذه المرونة قدرة النظام في الرد، من خلال الاصلاحات المتتالية، على التوترات التي احتدت في كل مرحلة وأدت الى فقدات التوازن السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وفي هذا السياق تتضح أيضاً خطورة قرار تجريد إقليمي كوسوفو وفويفودينا من الحكم الذاتي الذي أقدم عليه ميلوشوفيتش عام 1989.
إلا ان سياسية تيتو هذه وإدارته للازمات على هذا النحو، أفضت في كثير من الاحيان الى إشعال فتيل التطرف القومي (ولعل ما حصل في كوسوفو وكرواتيا دليل على ذلك) كما ساهمت، وربما من حيث لا يدري، في تلميع صورة قادة المعارضة في عيون البعض وإظهارهم بمظهر "الابطال الوطنيين".
مفردات الخطاب القومي في يوغسلافيا
منعاً للالتباس، يجدر بنا التوقف لدى بعض المفردات لتوضيح دلالاتها في السياق اليوغسلافي حيث أنها تأخذ دلالات مختلفة عما هو دارج في الخطاب السياسي والقومي العربي.
جهد الدستور اليوغسلافي وتعديلاته المتتالية في معالجة إشكاليات وخصوصيات قومية ظلت تؤرق يوغسلافيا والحياة السياسية فيها طيلة القرن العشرين. وتتمثل المركبات الاساسية لهذه الاشكاليات في عنصرين أساسيين:
• ضمت يوغسلافيا جماعات قومية لم تجتمع بكافة أجزائها أحياناً، لاسباب تاريخية، على بقعة جغرافية واحدة، أي أن حدود الوحدات (المكونات) السياسية التي تكونت منها الفيدرالية اليوغسلافية (الجمهوريات الست والاقليمين) لم تتطابق تماماً مع الحدود الاثنية (مثال، الصرب يقيمون في صربيا ولكنهم أيضا يقيمون في كرواتيا).
• كما ضمت جماعات قومية لها أوطان ودول قومية خارج يوغسلافيا (مثل البان كوسوفو ودولة البانيا أو الهنغاريون في اقليم فويفودينا ودولة هنغاريا). لذلك جاءت التعديلات الدستورية لعام 1974 لتميز بين مفهومين أساسيين في التركيبة القومية ليوغسلافيا: (1) "الشعب" narod و (2) "القومية" narodnost . ولعل تطورات العقدين الاخيرين في يوغسلافيا تؤكد إستباقية هذه الرؤية للشيوعيين اليوغسلاف.
عرّف الدستور مصطلح "الشعب" ليعني المجموعة القومية التي تقوم على أرض وتمتع بدولة واستقلال وسيادة وطنية أي حيث تتطابق الحدود الجغرافية، بشكل أو بآخر، مع البقعة الجغرافية والتاريخية التي يعيش هذا الشعب على ترابها، وهو ما يمنحه حق إقامة دولته أو جمهوريته في الاتحاد الفيدرالي اليوغسلافي (مثل صربيا، كرواتيا، سلوفينيا، مكدونيا، والبوسنة والهرتسك وجمهورية الجبل الاسود). وعليه تكونت يوغسلافيا من ستة شعوب هي الصربي والكرواتي والسلوفيني والمكدوني ومسلمو البوسنة والهرتسك وشعب الجبل الاسود.
أما مصطلح "القومية" فقد نحته ذلك الدستور إنسجاماً مع مبادئ الحزب الشيوعي اليوغسلافي تحت رعاية تيتو وطبقاً لرؤيته في حاضر البلاد ومستقبها. والمقصود ب "القومية" هو الجماعة القومية التي تنحدر من شعب يتمتع بدولة مستقلة ذات سيادة وطنية خارج حدود الاتحاد الفيدرالي اليوغسلافي. فالالبان في إقليم كوسوفو لهم دولة ألبانيا، والهنغاريون في إقليم فويفودينا لهم دولة هنغاريا. وعليه، وهنا بيت القصيد، لا تتمتع هذه الجماعة بحق إقامة دولة أو جمهورية مستقلة في إطار الاتحاد الفيدرالي. ومن هنا تتأتى أهمية منح إقليمي كوسوفو وفويفودينا الحكم الذاتي ولكنهما لم يحظيا ب"دولة" أو ب"جمهورية" مثل الشعوب الست الاخرى.
ضمن هذا الفهم جاء التمييز بين الجنسية (المواطنة) اليوغسلافية (وهي الجنسية الوحيدة المتاحة لكل اليوغسلاف) من ناحية، والانتماء لقوميات متعددة ومتنوعة من ناحية اخرى، وهي قوميات متساوية في الحقوق القومية والثقافية والدينية والسياسية الجمعية في إطار نظام فيدرالي واحد. لذا التحمت في يوغسلافيا لغات رسمية متعددة ومدارس وإنشطة ثقافية (صحافة وطباعة ونشر وجامعات واكاديميات) تعبر عن هذه الثقافات والقوميات المختلفة. وقد سعى الدستور الى تعريف المستويات القومية (التي قسمها الى شعب وقومية كما ذكرنا) بهدف حمايتها وصيانة حقوقها.
وهنا تجدر ملاحظة ان الدستور اليوغسلافي في كافة تعديلاته منذ نشوء الدولة الاشتراكية في أعقاب الحرب العاليمة الثانية، وعلى خلاف ما نشهده في الواقع العربي وغيره من أجزاء العالم، حرص على تفادي مفردة "الاقلية القومية" حيث رأى الشيوعيون اليوغسلاف ان في ذلك شيء من الدونية أو التقليل من شأن هذه الجماعات ولما قد تجلبه، حاضراً أو مستقبلاً، من إنتقاص او مجازفة بحقوق هؤلاء الافراد والجماعات.
(2) إشكالية القومية الالبانية في كوسوفو
في الخلفية التاريخية
لم تلقى دعوة القومية الالبانية بين البان كوسوفو تجاوباً ولا زخماً خلال فترة الحكم العثماني. فلم تكن المفاهيم القومية آنذاك قد تطورت آنذاك (ضمن رؤيتها وتطورها في اوروبا القرن التاسع عشر)، إضافة الى ان البان كوسوفو عاشوا كمسلمين في إنسجام وظروف مؤاتية ولم يواجهوا ما يعيق تطورهم في ظل الحكم العثماني المسلم. ويذهب بعض المحللين الى أن إحياء القومية الالبانية في كوسوفو جاء، في العديد من جوانبه ولحظاته السياسية، كردة فعل على المطالب والاطماع السياسية والجغرافية الصربية واليونانية التي تعاظمت عقب إنهيار الامبراطورية العثمانية.
قامت دولة ألبانيا عام 1912 عقب حروب البلقان (1912 و1913) وانهيار السيطرة العثمانية. وقد قامت هذه المملكة بدعم القوى العظمى آنذاك وخاصة الامبراطورية النمساوية ـ الهنغارية التي كانت الحافز الرئيسي لانشائها خشية توسع الدول البلقانية وخاصة صربيا والتي كانت تنظر اليها تلك الامبراطورية بعين الريبة.
إلا أن الدول البلقانية وترسيمات الحدود السياسية التي جاءت نتيجة حروب البلقان حملت الى تلك المنطقة مستجدات ديمغرافية زادت من تعقيد التركيبة الاثنية والدينية والاجتماعية والسياسية في ذلك الجزء من العالم كما شهدت عليه تطورات القرن العشرين. والمقصود هنا بالتحديد، ان بعض هذه الدول، كانت موجودة بالاصل وقبل ان ترتسم حدودها السياسية في أعقاب حروب البلقان، وكانت هذه الدول تضم في بعض أجزائها مجموعات ألبانية كبيرة شكلت في بعض الحالات أغلبية سكانية في المناطق التي كانت تقطنها، إلا أنها كانت في الوقت ذاته "أقلية قومية" نسبة الى القومية الرئيسية في تلك الدول. سنحاول فيما يلي إيجاز أهم مكونات هذه الاشكالية:
ـ في حين شكل الالبانيون، الذين عاشوا لفترات طويلة خارج حدود الدولة الالبانية حديثة النشأة، "أغلبية سكانية" في تلك المناطق (إقليم كوسوفو مثلاً)، نرى أنهم شكلوا في الوقت ذاته "اقلية قومية" في هذه الدولة أو تلك (صربيا على سبيل المثال).
ـ إضافة الى ذلك، فقد أقام هؤلاء الالبان على أراض ليست ألبانية بقيت لقرون عديدة في ظل الحكم العثماني، كما أنها لم تدخل في حدود الدولة الالبانية المذكورة التي إرتسمت حدودها في مطلع القرن العشرين وفي سياق التسويات السياسية الناجمة عن الحرب الامبريالية الاولى (1914 ـ 1918).
ـ وإذا شئنا ان نطبق هذه المستجدات على صربيا والتي كانت قائمة كدولة قبل أن ترسم الدول العظمى الحدود الجديدة، فاننا نجد ان الالبان في صربيا كانوا (1) الاغلبية السكانية في كوسوفو (الاقليم الصربي الواقع خارج ألبانيا)، (2) كما شكلوا نسبة صغيرة من تعداد السكان في صربيا ولاحقاً في يوغسلافيا (التي أصبحت مملكة عام 1918 في أعقاب الحرب العاليمة الاولى)، و(3) كانوا، من الناحية الإثنية، يعتبرون "أقلية قومية" نسبة الى القوميات السائدة في صربيا ومن ثَمّ في يوغسلافيا.
وقد زاد من تعقيد هذه التركيبة الاثنية والديمغرافية ما تلى الحرب الامبريالية الاولى من تغييرات سكانية حيث شجعت الحكومة اليوغسلافية (مملكة يوغسلافيا آنذاك) هجرة وتوطين الصرب ومواطني الجبل الاسود في كوسوفو وبالمقابل سهلت نزوح الالبانيين الى خارج ذلك الاقليم. وقد أدت هذه السياسات والتغيرات الديمغرافية، بالاضافة الى عوامل الهيمنة السياسية والثقافية واللغوية الصربية في ظل مملكة يوغسلافيا (1918)، الى شعور الالبان بالاستلاب وغذت فيهم الرغبة في الانفصال عن صربيا وضم الاراضي التي يسكنونها الى مملكة البانيا.
العامل السوفييتي وألبان كوسوفو
مع نشوء الدولة اليوغسلافية الجديدة، طرح ستالين إقامة فيدرالية تتكون من دولتين: واحدة يوغسلافية والاخرى بلغارية ظناً منه بان ذلك سيسهل على الاتحاد السوفييتي السيطرة على كليهما. أما رؤية تيتو لبلاده وللبلقان فقد كانت مغايرة حيث قامت هذه الرؤية على إنضمام البانيا وبلغاريا الى الجمهوريات اليوغسلافية في دولة إشتراكية بلقانية. وكان الخلاف بين هاتين الرؤيتين أحد الاسباب الجذرية للصدام الذي إحتدم لاحقاً بين تيتو وستالين وصولاً الى القطيعة التامة بينهما عام 1948. ألا أنه مع ظهور الحرب الباردة بين المعسكرين، لم يرى أي من هذه المشاريع النور إضافة الى القطيعة اليوغسلافية ـ السوفيتية، وكذلك التوترات التي شهدتها العلاقات اليوغسلافية ـ الالبانية آنذاك.
في هذا السياق، نذكر ان القطيعة مع ستالين والتخلي عن مشروع الدولة البلقانية أديا الى قمع ألبان كوسوفو الذين إنتفضوا ضد النظام اليوغسلافي الجديد. وقد كان لهذه التطورات دوراً كبيراً في حسم الوضع القانوني لاقليم كوسوفو لاحقاً ومنحه حكماً ذاتياً (اوتونوميا) تابعاً لجمهورية صربيا، إذ جاء قرار الحكم الذاتي هذا نتيجة لتوافق مصالح ألبان كوسوفو وصربيا وتلبية لإحتياجات كل منهما: • رغبة صربيا وحاجتها الى إستمرار الترابط التاريخي والسيكولوجي مع هذا الاقليم لما يمثله من إهمية ورمزية للماضي الصربي وكمهد للملكة الصربية خلال القرون الوسطى. • حاجة البان كوسوفو الذين، شكلوا الاغلبية السكانية في ذلك الاقليم، للاعتراف بوجودهم القومي والسياسي والتاريخي هناك.
البان كوسوفو خلال الحقبة الاشتراكية
تغيرت أوضاع الالبان في كوسوفو تغيراً جذرياً مع مجيء يوغسلافيا الاشتراكية بعد الحرب الامبريالية الثانية (1939 ـ 1945)، بفضل سياسات الحزب الشيوعي اليوغسلافي ورؤية تيتو للمسألة القومية. وكانت يوغسلافيا قد إستعادت أراضيها وحدودها الجغرافية التي كانت قائمة قبل تلك الحرب، إلاّ أن تيتو لم يسمح بعودة أعداد كبيرة من الصرب الذين ارغموا على النزوح من إقليم كوسوفو خلال فترة الحرب.
شهدت أوضاع البان كوسوفو في تلك الحقبة تحسناً ملحوظاً: فقد تم الاعتراف بهم كجماعة قومية متميزة وأصبحت لغتهم أحدى اللغات الرسمية في يوغسلافيا وأخذوا يقطفون ثمار حريات وحقوق قومية وثقافية واسعة شملت كافة المجالات وخصوصاً التنمية الثقافية (إنشاء جامعة تدرس باللغة الالبانية في عاصمة الاقليم بريشتينا وإصدار الصحف باللغة الالبانية وغيرها من الانشطة الثقافية والاكاديمية). وقد حظيت هذه الترتيبات السياسية والادارية التي رسمها الحزب الشيوعي اليوغسلافي برضى الكثيرين من ألبان كوسوفو. إلا انه كان هناك الآخرون الذين طالبوا بان يصبح كوسوفو "جمهورية مستقلة" داخل الاتحاد الفيدرالي اليوغسلافي أسوة بصربيا أو كرواتيا على سبيل المثال، في حين طالب البانيون ب "الجمهورية المستقلة" لتكون خطوة على درب إقامة "ألبانيا الكبرى" والتي ستضم في دولة قومية موحدة دولة ألبانيا إضافة الى المناطق الواقعة خارج ألبانيا حيث عاش الالبان وشكلوا نسبة سكانية عالية.
حفل عقد السبعينات من القرن الماضي بالعديد من الانجازات في اقليم كوسوفو بما حقق الازدهار والمشاركة النشطة لسكانة من ذوي الاصول الالبانية في كافة مرافق الحياة. فأصبح البان كوسوفو، مع نهاية هذا العقد، يشكلون ثلثي الاعضاء في عصبة شيوعي الاقليم (الحزب الشيوعي الحاكم) وأجهزة البوليس وحفظ الامن إضافة الى نفوذهم الواسع في المجالات الثقافية والادارية.
(3) مقدمات الانفصال
يحتل إقليم كوسوفو مكانة خاصة في تطور الهوية القومية الالبانية. ففي أحضانه تأسست عام 1878 عصبة بريزرين Prizren والتي تعتبر مهد الانطلاقة القومية الالبانية. وبالمقدار ذاته، يعتبر إقليم كوسوفو، في الوعي والتاريخ والثقافة الصربية، من أكبر الرموز التاريخية والدينية للصرب. ففي هذا الاقليم كان مهد المملكة الصربية في القرون الوسطى، إضافة الى انه يضم العديد من المعالم التاريخية للكنيسة الارثودكسية الصربية.
بلغ تعداد الالبان في يوغسلافيا عام 1981 (7،1 ) مليون أي ما يعادل (7،7) من مجموع سكان الاتحاد الفيدرالي، قطن معظمهم كوسوفو حيث شكلوا (85%) من ذلك الاقليم. كما سكنت جماعات إلبانية كبيرة جمهورية مكدونيا والجبل الاسود وجنوب صربيا. وفي عام 1991 (بداية انهيار يوغسلافيا) بلغ تعداد الالبان ما يقارب 9% من سكان يوغسلافيا.
بالرغم من الانجازات الكبيرة والهامة التي أحرزها اقليم كوسوفو منذ الحقبة الاشتراكية، فان التيارات والنشاطات القومية الالبانية النازعة نحو الانفصال عن صربيا ويوغسلافيا لم تتوقف منذ تأسيس الدولة اليوغسلافية الاشتراكية. إلاّ أن هذه الحركات والتيارات بقيت، طيلة السنوات الاولى من البناء الاشتراكي، ضئيلة وعاجزة عن التطور.
أخذ البان كوسوفو بالمطالبة "بجمهورية مستقلة" لهم في اقليم كوسوفو منذ عام 1968 مما دفع القيادة اليوغسلافية الى قمع هذه المحاولات. ففجاءت التعديلات الدستورية لعام 1968 لتتصدى لهذه المطالب، فقدمت للاقليم المزيد من الصلاحيات والحريات ضمن بقائه حكما ذاتيا (إقامة جامعة في العاصمة بريشتينا حيث يتم التدريس باللغة الالبانية والسماح برفع العلم الالباني). تم إعتقال العشرات من القيادات القومية الالبانية في منتصف السبعينات بتهم تعريض إستقلال الفيدرالية اليوغسلافية ووحدة أراضيها للخطر. أما دستور عام 1974 فقد جاء ليستحدث تعديلات تنص على الاعتراف باقليمي كوسوفو وفويفودينا ومنحهما العضوية الكاملة في الفيدرالية اليوغسلافية وحق التمثيل المتساوي بالجمهوريات اليوغسلافية الست. أي أن هذه التعديلات وضعت هذين الاقليمين ذوي الحكم الذاتي على قدم المساواة مع الجمهوريات المكونة للفيدرالية مثل صربيا وكرواتيا وغيرها، كما ضمنت لهما الحقوق الكاملة اسوة بالجمهوريات اليوغسلافية بما فيها حق النقض (الفيتو) ضد الرئاسة الفيدرالية ومجالسها. ويكمن القول، بعبارة اخرى، أن إقليمي كوسوفو وفويفودينا أصبحا، من الناحية الدستورية والسياسية، بمثابة "شبه ـ جمهورية"، كما أن هذا الدستور عرّف البان كوسوفو ك"قومية" حسب المفاهيم والمعايير القومية التي اشرنا اليها.
مع حلول ربيع 1981 (بعد عام على وفاة تيتو) وصلت النزاعات الانفصالية والشوفينية في كوسوفو حد الصدام المسلح حيث إندلعت التظاهرات الجماهيرية الكبيرة وعمّت العاصمة بريشتينا وغيرها من مدن كوسوفو مطالبة بمنح الاقليم وضع "الجمهورية المستقلة" كي تصبح إحدى مكونات الفيدرالية اليوغسلافية، كما رفعت في بعض تلك التظاهرات شعارات تطالب بالانفصال والوحدة مع البانيا. على إثر هذه التظاهرات، تم إعلان حالة الطوارئ في الاقليم وتدخل الجيش الفيدرالي وتم إعتقال ما يقارب 2000 ألباني. واصبح جلياً ان المجموعات الشوفينية الانفصالية في الاقليم قد حققت إنشاراً واسعاً.
لم يشكل فشل تظاهرات ربيع 1981 إغلاقاً لملف المطالبة ب "الجمهورية المستقلة"، حيث إتجه بعض هذه المجموعات الى العمل المسلح والسري لتحقيق أهدافهم ، إلاّ أنهم وبحسب اكثر التقديرات، ظلوا أقلية لم تلعب دوراً هاماً في الاقليم وحياته السياسية والعامة، في حين ظلت أغلبية ألبان الاقليم تعمل على تحقيق هذه الاهداف بالاساليب السلمية.
هواجس الانفصال والمعالجة الدستورية
مع وعيها لهذه المخاطر، بذلت القيادة اليوغسلافية جهوداً كبيرة في تلبية الطموحات القومية والثقافية لالبان كوسوفو شريطة الحفاظ على الاوضاع السياسية والادارية القائمة وإحترام التقسيمات المرسومة لكافة جمهوريات وإقليمي يوغسلافيا. كما وقفت هذه القيادة ضد الاهداف الانفصالية لالبان كوسوفو ورأت ان إقامة مثل هذه "الجمهورية المستقلة" يعني تفكيك وإنفصال أجزاء هامة من الجمهوريات الثلاث التي ضمت على اراضيها تواجداً ألبانياً اي جمهوريات صربيا ومكدونيا والجبل الاسود. كما رأت في هذه النزعة الانفصالية خطراً وتهديداً لوحدة الفيدرالية وتماسك حدودها وسيادتها الوطنية. ومن هنا جاء حرص الدستور اليوغسلافي على سن تقييدات وحواجز دستورية تحول دون مطالبة الجماعات القومية التي تنتمي الى دول خارج الوطن اليوغسلافي (مثل الالبان في إقليم كوسوفو والهنغاريون في إقليم فويفودينا الواقع شمال صربيا)، باقامة جمهوريات مستقلة لها ضمن الاتحاد الفيدرالي اليوغسلافي والتي قد تكون الخطوة الاولى والتمهيدية للانفصال عنها والانضمام الى "الدول القومية" لهذه الجماعات أي ألبانيا وهنغاريا في مثالنا هذا. وليس ما يحدث اليوم في كوسوفو سوى شاهداً على الهاجس والوعي المبكر لدى تيتو والقيادة اليوغسلافية آنذاك والذي كان الدافع لمعالجة دستورية وحاسمة لهذه المعضلة منذ عام 1974 وقبل ذلك أيضاً.
(4) الاقتصاد السياسي لتفكيك يوغسلافيا
بعد عقود من الازدهار، شهد عقد الثمانينات إهتزاز الركائز الاساسية للنظام الاشتراكي والفيدرالي في يوغسلافيا والتي تمثلت في: • تحقيق حياة أفضل للمواطنين وتوفير الخدمات الاساسية التي أقرها دستور البلاد ك"حقوق" دستورية للمواطنين. • ضمانة المساواة بين الشعوب والقوميات وإزالة كافة أشكال التمييز والاستغلال.
أخذ إستقرار يوغسلافيا يتزعزع منذ بدايات ثمانينات القرن الماضي حين أخذت السياسة الاميركية تجاه ذلك البلد (وتجاه المعسكر الاشتراكي برمته) تتغير لتسير نحو حسم الصراع مع الاشتراكية وتدميرها. ففي ظل إدارة الرئيس الاميركي ريغن، أخذت السياسية الاميركية تنحو بوضوح نحو إستهداف الاقتصاد اليوغسلافي بهدف إنهاكه وربطه بالسوق العالمية. وفي هذا السياق أصدر مجلس الامن القومي الاميركي عام 1984 وثيقة بعنوان "سياسية الولايات المتحدة حيال يوغسلافيا" جاء فيها ان أهداف هذه السياسية تشمل مضاعفة الجهوم لتعزيز "ثورة هادئة" للاطاحة بالحكومة والاحزاب الشيوعية بينما يتم دمج دول اوروبا الشرقية في فلك السوق العالمية".
أما تغيير السياسة والقيادة السوفيتية في منتصف الثمانينات فقد كان كبير الأثر على يوغسلافيا حيث ساهم إندفاع جورباتشيف نحو إنفراج العلاقات مع الولايات المتحدة الى إضعاف يوغسلافيا وأبطال موقعها وموقفها بين المعسكرين.
واجه الاقتصاد اليوغسلافي بعد وفاة تيتو مشكلتين أساسيتين ومترابطتين في آن واحد: • الوهن البنيوي على المستوى الداخلي؛ • والازمة الاقتصادية العالمية على المستوى الخارجي.
عانى الاقتصاد اليوغسلافي، بعد وفاة تيتو وعبر عقد الثمانينات وصولاً الى الانهيار، من المشكلات التالية: • ديون أجبنية هائلة بلغت 20 مليارد دولار؛ • شحة المواد الخام وضعف في الانتاج الصناعي مما أدى الى تدني الانتاج القومي وإعتماد البلاد على السلع المستوردة؛ • إستمرار العجز التجاري؛ • إزدياد العجز في ميزان المدفوعات والتي زاد من تفاقمها إرتفاع أسعار النفط مما أدى الى تدهور الاوضاع؛ • التضخم الذي وصل ما يقارب 1500 بالمئة عام 1989.
وقد تمحور الصراع الاساسي داخل القيادة الفيدرالية آنذاك حول إشكالية الاصلاح الاقتصادي: فهل كان المطلوب من الاصلاح الاقتصادي أن يعيد البلاد الى إشتراكية التسيير الذاتي التي إنتهجتها يوغسلافيا منذ ستينات القرن الماضي كالنمط الذي إختارته في البناء الاشتراكي، أم ان الهدف من الاصلاح كان جرّ البلاد الى إقتصاد السوق؟
جاءت الاصلاحات لصالح إقتصاد السوق بفضل "نصائح" وتوصيات صندوق النقد الدولي التي شجعت الاصلاحات الداعمة للسوق الحرة والانفتاح الاقتصادي وإزالة الرقابة الحكومية عن الاستثمارات. وقد جلبت هذه الاصلاحات نتائج وخيمة تسبب في تردي اوضاع المواطنين، نوجزها في العناوين الرئيسية التالية: ـ توقف الحكومة عن دعم ودفع حصتها في أسعار المواد الغذائية عام 1982؛ ـ إرتفاع أسعار الاحتياجات الاساسية مثل النفط والوقود والمواد الغذائية؛ والمواصلات بما يعادل الثلث عام 1983؛ ـ إرتفاع معدل البطالة بشكل متسارع خصوصاً بين الشباب وسكان المدن؛ ـ إزدياد التضخم وهبوط المداخيل؛ ـ إستنفاذ المدخرات لما يقارب من 80% من السكان.
تعاظمت الضغوط الخارجية على يوغسلافيا وأخذت آثارها المدمرة تنعكس على الاقتصاد اليوغسلافي والاوضاع الداخلية للبلاد. وقد فاقم من آثار الانهيار الاقتصادي ذلك التوتر وإحتدام النزاعات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الجمهوريات: ـ رفضت الجمهوريات دفع التزاماتها الى الحكومة الفيدرالية في بلغراد لتسديد الديون الدولية وذلك بسبب الخلافات التي قامت مع الحكومة المركزية حول تسديد هذه القروض. ـ رفضت الجمهوريات الانصياع لسياسات التقشف التي تبنتها الحكومة المركزية آنذاك. وقد اصبح هذا الرفض اكثر تشدداً حين شرعت الحكومة الصربية باصدار الاوراق النقدية اليوغسلافية لسد إحتياجاتها كجمهورية صربيا. وساد الشعور بان المساهمة في تسديد هذه الديون يعني دفع الاموال الى الخزية الصربية لتمويل إحتياجاتها بما فيها الجيش الذي أصبح يشكل تهديداً ضد الجمهوريات الاخرى. ـ كانت الجمهوريات الغنية (مثل سلوفينيا وكرواتيا) تعقد الآمال بان إنفصالها عن الفيدرالية اليوغسلافية سيضمن قبولها في المنطقة الصناعية الالمانية والاتحاد الاوروبي. ولم تكن هذه مجرد آمال أو أحلام، بل إستندت الى إتفاقيات ووعود ومخططات مرسومة بدقة وخصوصاً مع المانيا ذات الدور المعروف والذي تجلي بوضوح فور إنفصال هاتين الجمهوريتين في صيف 1991.
كانت الغاية من هذه الضغوط التعسفية هي تعميق الازمة الاقتصادية والسياسية المنفلة في بلد نخرت الديون الخارجية إقتصاده ودمرت برامج "التقشف" الاجرامية مستوى المعيشة فيه وإرتفعت نسبة البطالة والتضخم الى معدلات عالية في حين هبطت الاجور الى مستويات متدنية.
كوسوفو والتنمية المستعصية
يؤكد تاريخ الشعوب، والشعوب اليوغسلافية بشكل خاص، على أن المشاكل الاقتصادية وتفاقم البطالة وتعميق الفوارق الاقتصادية توفر التربة الخصبة للتطرف القومي الشوفيني. وفي هذا السياق تبرز أزمة إقليم كوسوفو في التاريخ الحديث كواحد من أفضل الامثلة على الدور الحاسم الذي تلعبه الازمات الاقتصادية وتداعيات العامل الاقتصادي على الاوضاع الاجتماعية والسياسية، (مع عدم التنكر لاهمية ودور الابعاد الاثنية والدينية والثقافية ولا لدور العوامل الخارجية والاقليمية والدولية). وهنا تجدر ملاحظة أن اوضاع هذا الاقليم (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية) ظلت على مدى عمر الفيدرالية اليوغسلافية قبل تفكيكها (1945 ـ 1991)، مرآة تعكس الاوضاع الاقتصادية في الاقليم وفي يوغسلافيا بشكل عام. ومع أن المقدمات المادية لمثل هذا الاستنتاج كانت مكتملة وبادية للعيان خلال الحقبة التيتوية (1945 ـ 1980)، إلا أنها تجلت بوضوح بعد رحيل تيتو ثم أخذت تزداد حدة خلال عقد الثمانينات الذي حفل بالازمات الاقتصادية والسياسية التي عصفت بالبلاد.
ظل إقليم كوسوفو من الناحية الاقتصادية، رغم الموارد الهائلة التي إستثمرت فيه، قابعاً في تخلفه حيث ظلت أغلبية الالبان تعمل في الزراعة على أراضٍ صغيرة المساحة وقائمة على اساس ملكية الاسرة. أما البطالة فقد إستفحلت حيث بلغت عام 1984 نسبة تقارب 29% في حين كانت معدل البطالة للفيدرالية للبطالة حوالي 12% وفي جمهورية سلوفينيا 1،8%، إضافة الى ان 70% من العاطلين عن العمل كانوا دون سن الخامسة والعشرين. ظلت البطالة تنخر إقتصاد كوسوفو رغم ثروة الاقليم الكبيرة في مناجم الفحم الحجري والمعادن المختلفة والتي إستنفذت رؤوس أموال كبيرة دون أن تستوعب سوى القلة من الايدي العاملة.
إلا ان التركيز على تدهور الاوضاع الاقتصادية في كوسوفو الى هذا القدر، رغم أهميته، يجب ألاّ يعمينا عن حقيقتين بالغتي الاهمية: 1) مخصصات الدعم الهائلة التي ضخها صندوق التنمية الفيدرالي اليوغسلافي في هذا الاقليم من أجل تنميته وتحسين أوضاع سكانه الاجتماعية والاقتصادية. 2) في هذا الصدد، يجدر بنا الاّ نغفل أيضاً، انه رغم تردي الاوضاع الاقتصادية في يوغسلافيا مقارنة بباقي أجزاء يوغسلافيا، إلا أن سكانه تمتعوا بمستوى معيشة أفضل مقارنة بسكان ألبانيا انفسهم.
كوسوفو بين الازمة الاقتصادية والتوترات القومية
مع تردي الاوضاع الاقتصادية في كوسوفو وتفاقم البطالة، أخذت العلاقات بين سكان الاقليم من البان وصرب تتأزم حيث شحت الموارد واحتدت المزاحمة على العمل ولقمة العيش.
شهد إقليم كوسوفو عام 1981 إنتفاضات متتالية إحتجاجاً على الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهور وحملت قيادة الاقليم البيروقراطية جزءً كبيراً من المسؤولية بسبب الفساد وسوء الادارة في إستخدام الدعم الاقتصادي الكبير الذي يتلقاه هذا الاقليم من الصندوق التنمية الفيدرالي. وإشتدت التوترات بين الاغلبية الالبانية والاقلية الصربية بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وتردي الاوضاع إضافة الى الصدامات الثقافية والسياسية بين أصحاب النزعات القومية بين الإثنيتين اللتان لم تندمجا.
بدأ صرب كوسوفو، عبر ثميانينات القرن الماضي، ينزحون عن الاقليم متذمرين من الاضطهاد وسوء المعاملة التي كانوا يلقونها من الالبان هناك والذين اخذوا يضغطون عليهم وعلى سكان الاقليم ذوي الاصول المكدونية للرحيل عن الاقليم بحجة الحفاظ على "التجانس الاثني" في كوسوفو.
وفي ظل التغيرات الديمغرافية وتفاقم الازمة الاقتصادية، أخذ كوسوفو يحتل حيزاً أكبر في هموم بلغراد والسياسة الصربية. وأصبحت مسألة كوسوفو الشرارة التي تشعل لهيب القومية الصربية وأخذت التطورات تنحى بعيداً عن التيتوية ومعالجتها للمسائل القومية والنزاعات بين الاثنيات.
ففي اكتوبر 1986 أصدرت الاكاديمية الصربية للعلوم والفنون مذكرة عبرت فيها عن مشاعر الاستياء والحنق لدى الصربيين حيال الاوضاع في إقليم كوسوفو وعن مناوئتها الشديدة لتقسيم صربيا وإنفصال كوسوفو عنها وعن يوغسلافيا مشيرة الى "الهزيمة الكبرى" التي مني بها النضال من اجل الحريات في صربيا والى أن 200 ألف من صربيي كوسوفو قد نزحوا من ذلك الاقليم خلال العقدين الآنفين هرباً من القمع والاضطهاد اللذان لقياها من البان الاقليم. كما تملكت الصرب مشاعر الغضب والنقد لتيتو وسياسياته التي رأى الكثيرون انها دافعت عن كافة القوميات اليوغسلافية باستثناء القومية الصربية. وبلغ الامر الى ان قدم 60 الفاً من صربيي كوسوفو عريضة يشكون فيها تعرضهم للابادة عرقية في ذلك الاقليم.
وتحت وطأة هذه التطورات، ومع رحيل تيتو وغياب دوره وفي ظل تفاقم الاوضاع، أخذت صربيا ترتد عن منح كوسوفو هذا "القدر" من التمثيلية والحقوق التي وصفها بعضهم ب"دكتاتورية الاقلية" و"حقوق مبالغ فيها" و"خرق لسيادة صربيا فوق أراضيها". وفي عام 1989 جرّدت الحكومة الصربية تحت قيادة ميلوشوفيتش إقليمي كوسوفو وفوفويدينا من الحكم الذاتي (اوتونوميا) وتم تعيين مسؤولين سياسيين ممن ينصاعون لسياسات الحكومة الصربية ويأتمرون بامرها.ا (5) معالم المشهد في أواخر الثمانينات
مع نهاية عقد الثمانينات وصلت الازمة الاقتصادية ذروتها ووصلت معها يوغسلافيا الى الطريق المسدود. وبالاضافة الى الازمة الاقتصادية، ألمت بالبلاد أزمة سياسية تمظهرت في: ـ تفشي البيروقراطية والفساد في الحزب الشيوعي الحاكم؛ ـ عودة التوجهات القومية الشوفينية الى الظهور والاستقواء داخل الحزب وخارجه وهي توجهات كانت قد خبت في أعقاب حملات القمع والاعتقالات عبر عقد السبعينات.
تعددت وجهات النظر في أوضاع البلاد ولعله من المفيد عرضها ولو بشكل سريع:
1) رأى الكثيرون ان مشروع يوغسلافيا "التيتوية" قد أشرف على نهايته ولم تعد هناك اية إمكانية لحمايته والحفاظ عليه. 2) رات سلوفينيا، والى حد كبير كرواتيا ايضاً، ان يوغسلافيا قد أضحت عبئاً إقتصاديا لا قدرة لها على حمله. ويدرك كل من عايش الاوضاع الاجتماعية في يوغسلافيا ان السلوفينيين كانوا يتوقون دوماً الى اللحاق باوروبا والغرب مما يفسر القول المنسوب لهم:"من الافضل لك ان تكون آخر انسان في المدينة من أن تكون أول انسان في القرية"، والمقصود "بالمدينة" هنا اوروبا في حين ان يوغسلافيا هي "القرية". وتعود هذه النزعة لللحاق باوروبا، بالاضافة الى الدواعي الثقافية والتفوق الاقتصادي والتكنولوجي الذي حظيت به تلك الجمهورية، الى الدعم الغربي لسلوفينيا (وكرواتيا أيضاً) والروابط الوثيقة بينهما وما تضمنه من تعهدات وضمانات المانية التي أصبحت الشريك التجاري الأكبر والمستثمر الاول في سلوفيينا اليوم. 3) أما كرواتيا فقد شاركت سلوفينيا بالتذمر من الاعباء الاقتصادية في سبيل دعم المناطق الفقيرة وأقامت علاقات واتفاقيات مع ألمانيا وغيرها في الغرب تمهيداً للانفصال. كما كررت كرواتيا المعزوفة القديمة ذاتها بان يوغسلافيا في جوهرها معادية للكيان الكرواتي وشكواها من "الاستغلال" الصربي و"هيمنة المركز الصربي" على موارد وثروات الشعب الكرواتي. وبالطبع فان تواجد مؤسسات الحكومة المركزية في بلغراد ساهم في تعزيز مثل هذه المقولات. 4) أما الصرب، فقد ذهب الكثيرون منهم مع تفاقم الاوضاع الاقتصادي الى ان الازمة جاءت نتيجة العداء للصرب والتمييز ضدهم مما عمّق شعور الصرب بالظلم وأيقظ في ذاكرتهم الشعور بالغبن وكأن هناك "تحالفاً" ضد صربيا في السياسة الفيدرالية ليوغسلافيا. وقد صبّ هذا في الاطروحات الصربية الشوفينية التي رأت ان العداء لصربيا بل والانتقام منها كان دوماً موقف الحزب الشيوعي اليوغسلافي (ح ش ي) كما كان موقف الكومنترن الذي إعتبر يوغسلافيا (آنذاك مملكة يوغسلافيا في الفترة بين الحربين العالميتين والتي هيمنت عليها السلالة الملكية الصربية) "سجناً للشعوب" وكما إعتاد ح ش ي ان يردد في أدبياته وحسب القول الذي نُسب لتيتو:"صربيا الضعيفة تعني يوغسلافيا القوية".
رافق وهن الحكومة الفيدرالية والشلل الذي أصابها، وتعاظم قوة "الجمهوريات"، هبوط معنوي وأخلاقي لا يقل أهمية، شمل تساقط القيم الاشتراكية والجمعية والتنكر للمصالح المشتركة والرفض للمصير المشترك بين الشعوب والقوميات والذي كان أحد الركائز الاساسية للمشروع اليوغسلافي. ثم جاء إنهيار عصبة الشيوعيين اليوغسلاف (الحزب الحاكم) في يناير 1991 نتجية للخلافات السياسية العميقة مما أدى الى إنشقاق الحزب الى عدة أحزاب توزعت جغرافياً حسب الجمهوريات التي تواجدت فيها. الفيدرالية في جدلية الفقر والوحدة
تعود التوترات بين الجمهويات الاكثر نمواً (الأغنى) وتلك الفقيرة الى ستينات القرن الماضي وقد تجلت تعبيراتها في النقاشات التي شغلت الاقتصاديين حول إشكالية التنمية في يوغسلافيا بين التخطيط المركزي و"إشتراكية السوق". كما إحتد الخلاف حول مسألة "معدل النمو" في المناطق الغنية مقارنة بالمناطق الفقيرة وكيفية سد الفجوة في الفوارق الاقتصادية والاجتماعية. وفي حين دعا بعض الاقتصاديين (عام 1965) الى "السوق الاشتراكية" وإستطاعوا إدخال بعض مفاهيمها، نحى آخرون أن البلاد ككل، ستحقق نمواً أكثر تسارعاً اذا ما اتيح للجمهوريات الاكثر تطوراً الاستمرار بنموها المتسارع. وعليه، طالب أصحاب هذه الرؤية بازالة المركزية في إدارة الموارد وإرخاء آليات إعادة توزيع الثروات والموارد.
ظلت التزامات الجمهوريات الغنية (سلوفينيا وكرواتيا) حيال تمنية المناطق الفقيرة، عبر عقود الحقبة الاشتراكية، مصدر تذمر ومعارضة دائمة حيث إدعت هاتان الجمهوريتان بأن اموالهن ومواردهن تنساب الى خارج حدودهن لدعم أجزاء اخرى من الفيدرالية اليوغسلافية على حساب تنمية وتحسين أوضاع الشعبين السلوفيني والكرواتي. وبالرغم من ان الفجوة بين الاغنياء والفقراء كانت تزداد عمقاً، فان هذا لم يمنع الاغنياء من الاستمرار في شكواهم بانهم "يحرمون" شعبهم من مستوى معيشي أفضل حين يرصدون بعض مواردهم في تنمية الاجزاء الفقيرة في الفيدرالية. وقد أصبح هذا أحد الاسباب الرئيسية لانفصال هاتين الجمهوريتين عن الاتحاد اليوغسلافي عام 1991 منذراً ببداية تفكيك وإنهيار يوغسلافيا. وبالفعل توقفت هاتان الجمهوريتان عن دفع مخصصاتهن للصندوق الفيدرالي مما أدى الى نسف آلية الاندماج الاقتصادي في يوغسلافيا وأشعل فتيل النزاعات القومية والاحتراب بين شعوبها كما شهدنا في عقد التسعينات. ولم تتوقف سلوفينيا وكرواتيا عند ذلك بل رفضتا المساهمة في تسديد القروض الدولية وشرعتا بالدفع نحو الخصخصة مما أدى الى تصادم المصالح بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الجمهوريات. طالب الكروات والسلوفينون بخصخصة الشركات والمشاريع لتصبح ملكية للجمهوريات بدل ان تبقى في يد الحكومة الفيدرالية، كما كانوا يسيرون نحو الانضمام الى السوق الاوروبية وقطع كافة الصلات التي تربطهم بالجمهوريات الفقيرة التي رأوا فيها "عرقلة" لتوجههم نحو تلك السوق.
في الخاتمة
جاء، مضمون وشكل الحكم الذاتي لاقليم كوسوفو، في سياق الدولة اليوغسلافية منذ نشوئها حتى إنهيارها، مرتبطاً بتطور النظام الحاكم في يوغسلافيا وفي صربيا خاصة. وليس ما شهدناه عبرعقد التسعينات وتفكيك يوغسلافيا، وما نشهده اليوم من اعلان كوسوفو لانفصاله، سوى تأكيداً على هذه الحقيقة. لذا قلنا في مطلع هذه المقالة ان المقدمات المادية لهذا الانفصال قد إكتملت. والحقيقة ان الوضع الدستوري (والسياسي) لالبان كوسوفو، مع ما ألمّ بيوغسلافيا من هزات سياسية وتفكيك وتدمير، إضافة الى سياسات مركز راس المال في تفكيك كيانات المحيط، كان ينذر بما هو قادم: الانتقال من "الحكم الذاتي" الى الاقرار "بحق تقرير المصير" ثم ترجمته الى "دولة مستقلة". فالفاصل بين "القومية" و"الشعب"، كمفاهيم قومية وكما عرفناها في سياق تطور النظام في يوغسلافيا، لم يظل وفياً لما رآه الشيوعيون اليوغسلاف ضمن رؤية الاشتراكية والتآخي بين الشعوب، كما انه لم يكن مجر فاصل زمني ولا مجرد تطور في النضال الوطني، بل هو فاصل بين حقبتين مختلفتين على كافة الاصعدة المحلية والدولية، فاصل بين "يوغسلافيا" و"ما بعد تفكيكها". فعلى المستوى الداخلي هو فاصل بين "القومية" الالبانية في كوسوفو وتمتعه بالحكم الذاتي من ناحية، والارتقاء بهذا الوضع الى الاعتراف بهذه القومية "كشعب" ومن ثم تأهيله لدولة مستقلة، من ناحية ثانية. إلا ان هذا الفاصل لم يكن ليتحقق لولا التحولات والتغيرات العميقة في المشهد الداخلي والتي أودت الى تدمير المشروع الاشتراكي في يوغسلافيا (الازمة الاقتصادية وأنفصال الجمهوريات والحروب الدامية وآثارها الاجتماعية الرهيبة) والمشهد الاقليمي والاوروبي (تطورات الاتحاد الاوروبي ودور اوروبا الغربية وخاصة المانيا في تفكيك يوغسلافيا)، وأخيراً، على المستوى العالمي (إنهيار المنظومة الاشتراكية وإستفراد القطبية الراسمالية بالنظام العالمي الجديد).
تساؤلات قلقة
ـ يسود الاعتقاد بان إنفصال الاقليم هو إستمرار منطقي وإمتداد تاريخي و"طبيعي" لانفراط الفيدرالية اليوغسلافية وهو شأن اصبح "بدهية" في خطاب الغرب الراسمالي المغرض، شأنه في ذلك شأن إنهيار المنظومة الاشتراكية وتفتيت مكوناته السياسية والقومية وحتى الدينية، و"موت الاشتراكية "، ونهاية التاريخ وغيرها. ويقيم بعضهم المماثلة الخاطئة بين أنفصال كوسوفو وانفصال كرواتيا وسلوفينيا عام 1991، إلا أن كوسوفو أمر مختلف من حيث الخصوصيات التاريخية والسياسية والقومية والثقافية في حياة البانه وصربه وفي سياسة صربيا وروسيا وعموم المنطقة.
ـ وعليه، يخطئ من يحسب اننا أوشكنا على إغلاق ملف كوسوفو. كما أن ملف يوغسلافيا، بالرغم من إنفراط مكوناتها الفيدرالية، لم يغلق بعد وما زالت تلك المجتمعات تحتقن بالعديد من التناقضات. فلا تفكيك يوغسلافيا يضع حداً لتلك التناقضات ولا إنفصال كوسوفو ينهي أزمة ذلك الاقليم، وإن أوهمتنا الحقبة الراهنة بان الغرب الراسمالي يملك المفاتيح السحرية بحلوله الاقتصادية بترسيماته لحدود الدول ومصير الشعوب.
ـ ولّت يوغسلافيا الفيدرالية كما ولى الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، وها بنا نحن نقف على ابواب مشهد آخر من تفكيك صربيا، إلا انه ليس المشهد الاخير. ويبدو أن مستقبل صربيا لن يتوقف عند الازمات التي واجهتها في العقدين الاخيرين بما فيها إنفصال كوسوفو، بل ما زالت حبلى بالمزيد من التعقيدات والمخاطر الكامنة.
فمن يدري متى سيبدأ الاقليم الآخر والأخير المتبقي في صربيا، إقليم فويفوينا Vojvodina الواقع في شمال الجمهورية معزوفة "الاستقلال"؟ وحينها سيهرع الغرب الراسمالي ليشن حملته دفاعاً عن حقوق الانسان والديمقراطية وعندها يصبح هنغاريو فويفودينا خلفاء البان كوسوفو، وسيدفع الغرب، من فرط "سخائه" الذي تجسد في قرون من نهب موارد الشعوب وإستعبادها، بالمعونات الاقتصادية والوصفات النيوليبرالية الى فويفودينا وستملأ المنظمات "غير" الحكومية كل فضاءاته ولن تبقي على شيء من إقتصاد وثقافة وديمقراطية وحرية المرأة و..و..
وما الذي يمنع إقليم فويفودينا ان يحدو المثال الكوسوفي والمطالبة بالانفصال وإقامة دولة مستقلة، مع الاقراربالفوارق الهامة بين الاثنين؟ إذ ليس هناك موضوعياً، خاصة بعد إنفصال كوسوفو وبهذا القدر من الدعم الغربي، ما يحول دون تكرار التجربة ذاتها في إقليم فويفودينا وهو ما تشي به التطورات في ذلك الاقليم رغم السكون الظاهر.
ـ هل يخدم إنفصال كوسوفو مصالح جماهير الالبان وتحسين أوضاعهم وتنمية إقليمهم، أم جاء تلبية لمصالح نخبة طبقية مرتبطة بالغرب الراسمالي وبمشروعه في تفتيتت يوغسلافيا والمنطقة عموماً، إستخدمت القومية والدين والثقافة كغطاء لتحقيق مصالحها، في حين تبقى الجماهير على جوعها وفقرها (تنص إتفاقية رامبولي على أن "أقتصاد كوسوفو سوف يسير حسب مبادئ السوق الحرة" وتحرير التجارة وحركة رأس المال).
ـ توافينا الاخبار بان كوسوفو "جاهز" للاستقلال، فهل الاقليم قادرعلى ادارة الدولة الجديدة وإقتصادها وإشكاليات تنميتها في هذه الحقبة القلقة؟ ام أن "الدولة المستقلة" ستبقى في ظل الحماية الغربية وإحتضان الغرب الراسمالي؟
ـ يتسائل المرء عن "الدولة المستقلة والسيادة الوطنية والتنمية الاقتصادية"؟ فقد ظل الاقليم يواجهه صعوبات اقتصادية جمّة لعقود طويلة رغم إمداده بكميات هائلة من الاستثمارات والدعم الفيدرالي اليوغسلافي. فاي مستقبل يراه القائمون على الدولة المستقلة الجديدة؟ وهل هناك سوى وصفات بنك النقد الدولي وسياسياته النيوليبرالية في إقامة إقتصاد تابع ومحتجز؟
ـ هل جاء الانفصال وألبان كوسوفو جاهزون، أم أنه في حمى الانفصال وباي ثمن لم تكن هناك بدائل اخرى؟
ـ ماذا عن صرب كوسوفو البالغ تعدادهم 120 ألفاً؟ ما هو مصيرهم، من منهم سيبقى، ومن سينزح، ومن منهم سيهجر قسراً؟ ومن سيحمي من يتبقى منهم ويصون حقوقهم وكيف؟
ـ ماذا عن رد صربيا؟ وإذا كانت صربيا غير قادرة على الرد في الوقت الراهن، فهل من أخطار مستقبلية كامنة؟
ـ هل يكون إنفصال كوسوفو خطوة على طريق الوحدة مع البانيا؟
ـ هل يؤدي هذا الانفصال الى فتح ملفات الجماعات الالبانية المتواجدة في مكدونيا وجمهورية الجبل الاسود للمطالبة بالانفصال؟ وماذا عن ملفات قوميات عديدة في تلك المنطقة وفي العالم (جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة مثلاً)؟
ـ ماذ عن موقف روسيا والصين في مجلس الامن؟ وهل تستخدم روسيا الفيتو في وجه قبول الدولة الجديدة عضواً في الامم المتحدة؟
أهم المراجع:
باللغة الكرواتية: "تاريخ كرواتيا الحديث". Dusan Bilandzic, Hrvatska Moderna Povijest, Golden Marketing, Zagreb Croatia, 1999.
Catherine Samary, Yugoslavia Dismembered, translated by Peter Drucker, Monthly Review Press, New York, 1995.
Kate Hudson, Breaking the South Slav Dream: The Rise and Fall of Yugoslavia, Pluto Press, London, 2003.
#مسعد_عربيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفاتيكان في خدمة رأس المال: البابا بندكت السادس عشر نموذجا
-
قراءة في كتاب -مانيفستو: ثلاث مقالات كلاسيكية في تغيير العال
...
-
روزا لوكسمبرغ: قراءة متجددة في سياق العولمة
-
التوظيف السياسي للدين: الولايات المتحدة نموذجاً
-
إشكاليات الاغتراب الثقافي العربي: مناقشة في كتاب -الاغتراب ا
...
-
العرب بين اللوبي الاسرائيلي ولوبي رأس المال الجزء الثالث
-
العرب بين اللوبي الاسرائيلي ولوبي رأس المال الجزء الرابع وال
...
-
العرب بين اللوبي الاسرائيلي ولوبي رأس المال الجزء الثاني
-
العرب بين اللوبي الاسرائيلي ولوبي رأس المال
-
ماذا تبقى من تشى غيفارا؟ الجزء الرابع والأخير
-
ماذا تبقى من تشى غيفارا؟ الجزء الثالث
-
ماذا تبقى من تشى غيفارا؟ - الجزء الثاني
-
ماذا تبقى من تشى غيفارا؟ الجزء الاول
-
نيبال: الثورة المنسية
-
العرب الاميركيون والانتخابات الاميركية: مفاهيم وخلفيات
-
العرب الاميركيون والانتخابات الاميركية: إشكاليات وتحديات
-
الانتخابات الاميركية ـ الرئيس الاميركي: نموذجاً أم استثناءً؟
-
مشاهدات مغترب في إشكاليات الانتخابات الاميركية ـ الحلقة الاو
...
-
بين ناصر ولينين تأملات في الموت المبكّر وإغتيال الحلم
-
الانتفاضة الساباتية بعد عشرة اعوام: مرحلة جديدة أم خيار بين
...
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|