|
حول وحدة الطبقة العاملة والحركة النقابية
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 2196 - 2008 / 2 / 19 - 12:24
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
ا ستمرار الاستبداد واحتكار قيادة الدولة والمجتمع ، الذي توفره آليات السلطة الأمنية المعززة بحالة الطواريء والأحكام العرفية ، والتحالفات والصفقات الخارجية الملتبسة ، والخلفية الد ستورية المتعارضة مع أبسط مباديء حقوق الإنسان ، يوهم أهل الحكم بدوام الحال إلى ما لا نهاية ( وما يقصد هنا بأهل الحكم ، هم المنضوون في أحزاب " الجبهة الوطنية التقدمية " والعاملون في الأجهزة الأمنية والعسكرية والمنتفعون من النظام اقتصادياً ومعنوياً ، وعلى رأ سهم مركز القرار الحزبي - العسكري - الأمني ) ، ويدخل في اعتقادهم ، بدرجة عالية من النفاج النفسي ، أنهم يمتلكون حق التصرف بالوطن والناس ، كما يتراءى لهم وبما ينسجم مع طموحاتهم ومصالحهم ، ويسوغ لهم ممارسة العسف ضد أي حراك معارض على أي مستوى كان ، مهما بلغ هذا العسف من تجاوز للقيم الإنسانية والأخلاقية ، وذلك دون إحساس بالمسؤولية إزاء ما تحدثه مثل هذه الممارسات من خلل وضعف في الكيان الوطني ، في وقت تتلبد فوق سماء الوطن مخاطر خارجية ، هم قبل المعارضين لهم ، يحذرون منها ، ويعتبرون الموقف منها معيار الوطنية الوحيد في السياسة السورية الراهنة . ما أدى إلى تبدل كامل ببنية وخصائص الدولة الجمهورية ، وتحولها إلى نوع من الدولة " الملكية " بحيث صارت الحكومة ومجلس الشعب والنقابات ، بالنسبة لأهل الحكم ، حكومتنا ومجلسنا ونقاباتنا ، وبذا صارت الوحدة الوطنية ووحدة الطبقة العاملة تعني أمراً واحداً هو الولاء للنظام .
على خلفية هذه الحقيقة يمكن تفسير النزق والذعر اللذين انتابا أهل الحكم من نبأ مبادرة تأسيس تنظيم نقابي مستقل معارض ، وجرى بسرعة ، دون بحث موضوعي جاد لهذه الظاهرة ، توجيه الاتهامات القصوى ضدها وضد المشاركين بها . ما عكس تماماً عقلية التملك للتنظيم النقابي كما هو الحال بالنسبة للهيئات التمثيلية الأخرى وكافة مؤسسات الدولة ، ودل في الوقت ذاته على إحساس أهل الحكم بالضعف ، رغم مظاهر القوة التي يستحوذون عليها ، إزاء مبادرات ملموسة جدية في الحراك المعارض . لاسيما إذا ما قورن حجم ووزن المبادرة النقابية المستقلة المعلنة ، سواء كانت نقابية حقاً أم ادعاء إعلامياً لاأكثر ، بحجم ووزن التنظيم النقابي الرسمي . فالمبادرون كما ذكرت بعض المواقع الإعلامية أنهم مجرد 26 " نقابياً " بينما يضم التنظيم النقابي الرسمي أكثر من عشرة آلاف كادر نقابي . جماعة المبادرة لايملكون ، تحت خطر الاعتقال والقمع ، إمكانية الاتصال المباشر بالتجمعات العمالية ، على الأقل في المستقبل المنظور ، وليس لديهم بعد حضور في أي مستوى نقابي ، وإن وجد فهم إفراد قلة لو وزعوا على مئات التجمعات العمالية في دمشق وحدها لكان تمثيلهم تحت الصفر قطعاً .
وهكذا يبدو أن وراء هذا الموقف المعاكس للمعالجة المبدئية للوضع النقابي العمالي السوري ، ليس هو الخوف من انكشاف إفلاس وفشل احتكار النقابات العمالية المتأتي عن تحويل النقابات من آليات نضالية عمالية ضد المظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى آليات سلطوية في خدمة " الحزب القائد ، الذي عبر عنه عنوان " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " في المرحلة النقابية الممتدة من منتصف السبعينات حتى الآن فحسب ، وإنما هو الخوف من أن تتحول مثل هذه المبادرات إن انطلقت فعلاً إلى حركة مؤثرة في هذا الوسط الجماهير الهام .. ويبدو من طرف آخر تلاعب متعمد بمفهوم وحدة الطبقة العاملة وتحويله إلى أداة قمع ضد النقابيين غير الخاضعين لأطر التنظيم النقابي الرسمي ، وكذلك لستر عزلة هذا التنظيم عن الطبقة العاملة وستر تخليه المبرمج عن دوره النضالي دفاعاً عن حقوق العمال ومطالبهم العادلة ، وستر الفراغ النقابي المريع في أسوأ الظروف المعيشية والاقتصادية ، الناتجة عن النهج الاقتصادي لأهل الحكم ، التي يكابدها العمال وسائر الطبقات الشعبية ، والتي يمكن إيجازها بما يلي : 1 - الخلل الفظيع في ميزان الأجور والأسعار لصالح سادة السوق والاقتصاد القدامى والجدد ، وانخفاض القدرة الشرائية للأجور أكثر من 80 % عن معدلاتها المطلوبة ، وانخفاض مضاعف في مستوى معيشة العمال في القطاعين العام والخاص إلى ما دون خط الفقر . 2 - التجميد الإجرامي المتعمد للأجور تسهيلاً لعملية التمايز الطبقي الحاد ، الذ ي جرف الطبقات الشعبية إلى مستويات إفقار لاتقارن إلاّ بزمن الاحتلال العثماني . 3 - نهب القطاع وتحويله إلى أداة تراكم مالي من قبل الطبقة السياسية الحاكمة ، وتفشي الفساد والفوضى في مستوياته الإدارية والإنتاجية . 4 - السير حثيثاً لخصخصة مؤسسات الدولة الإنتاجية والخدمية لإزاحتها كمعوق لاقتصاد السوق والهيمنة المطلقة لحركة الرأ سمال المحلي والأجنبي على مقدرات الاقتصاد والبلاد . وبرمجة رفع الدعم الحكومي عن المواد المعيشية والمحروقات . 5 - غياب وتغييب الحريات النقابية ، وفرض كادرات نقابية موالية للأجهزة الأمنية والإدارية .
ولمعالجة هذه الحال المعيشية والاقتصادية المأساوية ، لم يبادر التنظيم النقابي إلى أكثر من توجيه الرسائل والمذكرات أحياناً إلى القيادة الحزبية ليشرح فيها بإطار الإلتزام الحزبي والسلطوي وجهات نظره حول هذه المسألة الفاقعة أو تلك . وعلى سبيل المثال كانت آخر تلك المذكرات النقابية حول عدم رضى الاتحاد العام عن تأجير أو خصخصة ميناء اللاذقية . لكن تلك المذكرة لم تشر ، حسب العادة ، إلى ما هي الإجراءات التي سيتخذها الاتحاد العام في حال لم يؤخذ برأيه .. هل سيدعو عمال المرفأ إلى الاعتصام مثلاُ أو إلى التظاهر أو المقاومة بوسائل أخرى ضد هذه الخصخصة اللعينة ؟ وفي مثل هذه الحال النقابية .. هل يستوي الإلتزام بها مع المصالح العمالية الحيوية والمصالح الوطنية العليا ، وتبنى على مثل هذه الإلتزام الدعوة إلى وحدة الطبقة العاملة ؟ .
إن وحدة الطبقة العاملة لاتتحقق من خلال فرض مرجعية نقابية واحدة ، لاسيما إذا كانت هذه المرجعية مرتهنة لأوامر ومصالح السلطات البورجوازية الحاكمة . كما أن مفهوم وحدة الطبقة العاملة ليس مفهوماً مقتصراً على وحدة التنظيم النقابي القسرية ، وإنما هو أوسع من ذلك بكثير . إنه مفهوم سياسي بالدرجة الأولى مرتبط بدور الطبقة العاملة التاريخي المتمثل بانتقال الإنسانية إلى مجتمعات خالية من الاستغلال بكل أشكاله . وحسب هذا الشرط السياسي العمالي ، فإنه يتعين وجود الحزب السياسي العمالي أو تيارات سياسية عمالية متحالفة تعبر بخلفياتها النظرية وبنيتها وأهدافها عن مصالح الطبقة العاملة المرحلية والاستراتيجية ، حتى تتحقق وحدة الطبقة العاملة وحركتها النقابية .
ومن أ سف ، أن ما كان يدعى حزب الطبقة العاملة " التاريخي " الحزب الشيوعي السوري ، ا ستقال من دوره الطبقي والتحق بالنظام البورجوازي بعد قيام " الحركة التصحيحية " التي قادها الرئيس الأسد الأب عام 1970 مباشرة . وبعيد ذلك بقليل عام 1973 انفجر .. تشظى الحزب إلى أربع تكتلات " أحزاب " واستقر لاحقاً على حزبين تابعين للنظام وحزب ثالث تحول في أوائل القرن الحالي إلى حزب الشعب الديمقراطي وبدل اصطفافاته الطبقية . وإذا كان لاغنى في هذا الصدد ، من وضع عملية تفجير الحزب الشيوعي السوري في مكانها التاريخي الصحيح ، فهي تعتبر بحق من أسوأ ما لحق بالطبقة العاملة وحركتها النقابية من أذى وتشويه . ومن غرائب الأمور أن يتمسك فصيل شيوعي داخل النظام بوحدة الطبقة العاملة المحددة بالإلتزام بالتنظيم النقابي القائم ، ولا يتمسك جدياً بوحدة الشيوعيين وبمتمماتها الفكرية والسياسية ، التي تشكل العماد الأساس لوحدة الطبقة العاملة .
إن أي مناضل نقابي حقيقي ، لايمكن أن يسهم في تمزيق وحدة الحركة النقابية أو يسكت على التآمر ضدها . لكن السؤال ، أين هي الحركة النقابية بالمعنى النضالي ومن يمثلها الآن ؟ هل هي النقابات المتواطئة مع الطبقة السياسية الاقتصادية الحاكمة ، التي تعمل بعقلية وسياسة " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " وتتحرك حسب مصالح بورجوازية السلطة وتوجيهات " الحزب القائد " الذي أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه ، وتتجاهل أوضاع منتسبيها وطبقتها المعيشية والإنسانية بما فيها حرياتهم النقابية ؟ .. ألا يستدعي هذا الواقع النقابي البائس التفكير جدياً بإعادة بناء الحركة النقابية ديمقراطياً ، وبشكل يؤمن ا ستقلالها عن السلطة وعن القيادات الحزبية البيروقراطية ، ويحقق تمثيل الطبقة العاملة النقابي الصحيح لمواجهة المهمات الأساسية الصعبة في حياة العمال والمجتمع ، وفي مقدمتها المخاطر الخارجية ، وحماية وتطوير القطاع العام ، والحيلولة دون خصخصة مؤسسات الدولة الانتاجية والخدمية ودون سيطرة اقتصاد السوق ، ومن أجل توازن الأجور والأسعار والتصدي لموجات الغلاء الاحتكارية المافيوية علمياً وفعلياً ، وبناء نظام وطني ديمقراطي عادل ؟ . ومن هي الجهة أو الجهات المنوط بها تحقيق هذا التحول المتكامل ؟ .. قطعاً ليس هو النظام المسؤول المباشر الأول عن التداعيات الكارثية للاستبداد الشمولي المهيمن على الدولة والمجتمع ..
هنا يطرح الشرط الموضوعي مطلب وجود الحزب العمالي الموحد .. والتحالف السياسي العمالي .. المعبر بصدق عن مصالح الطبقة العاملة وامتداددتها الشعبية على مستوى عال من الإلحاح والضرورة ، لتحقيق وحدة الطبقة العاملة ووحدة حركتها النقابية .. ولعودة الحركة العمالية المناضلة إلى المشهد السياسي الاجتماعي ، كحامل اجتماعي طليعي في مراحل النضال الراهنة والمقبلة .
كل الظروف الموضوعية متوفرة للقيام بهذه القفزة السياسية - الاجتماعية والوطنية الديمقراطية في آن .. هناك نحو خمسة ملايين عامل في القطاعين العام والخاص .. وهناك شرائح واسعة من المثقفين الشرفاء .. وهناك ملايين الفلاحين الفقراء وجماهير فقراء المدن .. تتطلع بشغف إلى هذا الأفق المكافح ..
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المواطنة و- هيبة الدولة - والرعب
-
ليس من طريق آخر للفوز بالحرية
-
الأعزة في غزة لستم وحدكم
-
الحرية والحياة لعارف دليلة
-
السؤال الجدي في المشهد المعارض
-
دفاعاً عن الوطن والديمقراطية
-
غزة تحت حصار النار والموت
-
التحدي الديمقراطي وإرهاب السلطة
-
في التحالف ضد الاستبداد
-
مع - الحوار المتمدن - .. مع اليسار والديمقراطية والعلمانية
-
- أنابوليس - .. ورد الشعوب الثوري
-
نحو حركة نقابية مستقلة
-
سوريا على دروب الآلام
-
ستبقى منارة ثورة أوكتوبر .. شامخة .. متوهجة
-
من أجل سوريا الحبيبة
-
ارتدادات زيارة الأسد لتركيا
-
دور النضال المطلبي السياسي في التغيير
-
حصاد زمن القحط
-
- العولمة - الأميركية قيد التطبيق .. العراق مثلاً
-
جريمة حرب معلنة في غزة
المزيد.....
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
الهيئة العليا للتعداد العام للسكان تقرر تمديد ساعات العمل لل
...
-
واشنطن توسع عقوباتها ضد البنوك الروسية و العاملين في القطاع
...
-
وزارة المالية العراقية تُعلن.. جدول رواتب المتقاعدين الجديد
...
-
The WFTU statement on the recent development in the Ukraine
...
-
بيان اتحاد النقابات العالمي حول التطور الأخير في الحرب الأوك
...
-
مزارعون يغلقون ميناء في فرنسا احتجاجا على محادثات مع ميركوسو
...
-
“وزارة المالية العراقية”.. استعلام رواتب المتقاعدين شهر ديسم
...
-
السيد الحوثي: الامريكي منذ اليوم الاول بنى كيانه على الاجرام
...
-
السيد الحوثي: السجل الاجرامي الامريكي واسع جدا وليس لغيره مث
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|