أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العفيف الأخضر - مبرر وجود الأصولية محاربة الحداثة















المزيد.....


مبرر وجود الأصولية محاربة الحداثة


العفيف الأخضر

الحوار المتمدن-العدد: 680 - 2003 / 12 / 12 - 03:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حديث مع العفيف الأخضر
مبرر وجود الأصولية محاربة الحداثة
• هل الفكر الأصولي يؤمن فعلاً بالديمقراطية وحقوق الإنسان؟
التيار السائد في الفكر الأصولي مضاد للحداثة بما هي انتصار العقل على النقل والدولة الديمقراطية على الدولة الدينية وحقوق الإنسان على الدولة على حقوق الله على الإنسان . العقل، الديمقراطية وحقوق الإنسان هي ثالوث الحداثة بامتياز. الأصولية مضادة للعقل بما هو القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب والخير والشر حسب قوانينه وقيمه الخاصة التي تستمد شرعيتها العقلانية منه لا من مرجعية أخرى خارجية. لأن كل مرجعية أخرى هي مرجعية خاصة والعقل كلي وكوني وكذلك قوانينه وقيمه. أما الأصولية الإسلامية فتعطي القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب والخير والشر للدين.في نظر الأصولية دور العقل هو نفس الدور الذي حددته له الكنيسة في القرون الوسطي أن يكون خادماً للنص يشرحه يبرره ويدافع عنه ضد الشّكّاك وأيضاً ضد النصوص الدينية الأخرى المنافسة.
يحدد راشد الغنوشي دور العقل كالتالي:"موقف المسلم إزاء النص ليس المناقشة أي موقف الند والمحاور والمجادل وإنما يكون موقفه "سمعنا وأطعنا"، فالمطلوب هو تفهم مراده من أجل الخضوع له، فدور العقل[هو] اكتشاف معني النص والتعرف عليه من خلال الصيغ اللغوية"(الفصلية "الإنسان" ص 133 فبراير 1994، باريس) . أما قراءة النص الديني على ضوء علوم الحداثة كتاريخ الأديان المقارن أو السوسيولوجيا أو الإنثروبولوجيا أو الألسنية أو مصالح وحاجات المسلمين وتطور الأفكار والعلوم والقيم ومستجدات التاريخ وعلاقات القوى فممنوع.
بالمثل الأصولية الإسلامية، على غرار الكنيسة الكاثوليكية قبل أن تتصالح مع الحداثة، تناضل ضد الدولة الديمقراطية بما هي دولة تستمد شرعيتها من الدستور الوضعي لا من النص الديني ومن احترام حقوق الإنسان والمواطن كالمساواة بين الرجل والمرأة والمواطنين بقطع النظر عن انتماءاتهم الخصوصية الدينية، الطائفية أو القومية لا من فرض حقوق الله أي فرائضه من صلاة وصوم وحج بسيف العقوبات البدنية الشرعية كما تفعل الدولة الدينية في إيران وسودان الترابي وأفغانستان طالبان والسعودية التي تدس أنفها _ كأي دولة شمولية_ في شؤون رعاياها الخاصة أي في مشربهم ومأكلهم وملبسهم ومنكحهم فضلاً عن معتقداتهم وهواياتهم الفنية وآرائهم السياسية والفلسفية. يعرف الغنوشي هذه الدولة التي يسميها "الدولة الإسلامية" بأنها "دولة محكومة بسلطة التشريع الأعلى الصادر عن الله والقرآن والسنة والتسليم يهمها حد فاصل بين الكفر والإيمان (..) "فهي" تمنع الزواج بالفسقة والملحدين وأعداء الإسلام" (راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية ص99 بيروت 1993) وهي كلها مهام مضادة لحقوق الإنسان لا تعرفها الدولة الديمقراطية ولا تعترف بها. لأنها تعترف بالفرد الذي حررته الحداثة من القصور الأبدي فبات قادراً على اختيار مشربه ومأكله وملبسه ومنكحه وقيمه. هذا الفرد الذي هو ركيزة الديمقراطية هو ما تعاديه الأصولية التي لا تعترف، كأي اديولوجيا شمولية، إلا بالمجتمع كحَكم أعلى ومطلق في شؤون الفرد الذي عليه أن يخضع له خضوع الجثة حتى لا يناقش عاداته وقيمه البالية .. عندما أعلن الجامعي الإيراني هاشم أغاجري في محاضرة أن الجمهورية الإسلامية محتاجة إلى إصلاح ديني كالإصلاح البروتستانتي حَكم عليه القضاء الإسلامي بالإعدام .. المرأة التي "تسيء ارتداء الحجاب"تسجن 15 يوماً أو تجلد 75 جلدة ومن "يهين" الخميني أو خامناي يحكم عليه بالإعدام والزانية ‘ترجم .. وهكذا تتحكم الدولة الإسلامية الشمولية في الفرد من رأسه إلى فرجه.
الزعيم الأصولي الجزائري على بن حاج يلقي مزيداً من الأضواء على الأسباب الدينية العميقة التي تبرر بها الأصولية الإسلامية تكفيرها للديمقراطية. أهمها في نظره سببان تجريم رأي الأغلبية وتحريم تقليد اليهود والنصارى:" من جملة الأسباب التي تحملنا على رفض الديمقراطية هي أنها تقوم على رأي الأغلبية (..)أما نحن أهل السنة والجماعة فنرى أن الحق إنما ‘يعرف بالأدلة الشرعية لا بكثرة الفاعلين (..)ومن هنا كان أتباع الرسل قلة وأتباع الطواغيت كثرة" وساق آيات قرآنية لدعم قناعته. السبب الثاني _ والحاسم _هو وجوب "مخالفة الكفار" :" من القواعد الشرعية التي غفل عنها جماهير المسلمين،يقول بن حاج، قاعدة مخالفة اليهود والنصارى والأدلة الشرعية على صحة هذه القاعدة أشهر من أن تذكر واكثر من أن ‘تحصي (..) فمخالفة اليهود والنصارى من أصول ديننا" ويضيف بن حاج مستشهداً بسيد قطب بعد ابن تيمية:"الهزيمة الداخلية تجاه مجتمع معين هي التي تندس في النفس لتقلد هذا المجتمع المعين، والجماعة المسلمة قامت لتكون مكان القيادة للبشرية فينبغي لها أن تستمد عقيدتها من المصدر الذي اختارها للقيادة، المسلمون هم الأعلون وهم الأمة الوسط وهم خير أمة أخرجت للناس. فمن أين يستمدون تصورهم ومنهجهم إذا لم يستمدوها من الله؟ فهل يستمدونها من الأدني[منهم] الذين جاءوا ليرفعوهم؟" (المنقذ 8 صفر1411).
لابد من أربع ملاحظات أساسية. الأولي، احتقار الكثرة _ الجماهير _ الشائع لدي نخب أقصي اليمين الغربي والأصولية الإسلامية يعبر، كما لاحظ محلل نفسي فرنسي، عن احتقارهم اللاشعوري لأنفسهم، بسبب فشلهم في تحقيق مستقبلهم الذي حلموا به في بواكير شبابهم، وهكذا يسقطونه على الآخرين. الثانية، استغناء لسان حال جبهة الإنقاذ الإسلامية، المنقذ، عن إضافة التاريخ الميلادي الذي يعرفه جميع قرائها للتاريخ الهجري الذي لا يعلمه إلا "الراسخون في العلم" لماذا؟ لـ "مخالفة الكفار". الثالثة، تأكيد سيد قطب وعلى بن حاج على وجوب عدم تقليد اليهود والنصارى لأنهم"الأدنون" والمسلمون هم "الأعلون" وهم خير أمة أخرجت للناس.. عرض من أعراض النرجسية الدينية التي مازال التعليم وافعلام الدينيان يغسلان بها أدمغة المسلمين صغاراً وكباراً. الرابعة أشاد بن حاج في مقاله بكتاب ابن تيمية "الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم" الذي هو موسوعة للنصوص التي تكفر المسلم الذي يتشبه باليهود والنصارى في أي شيء جلّ أو قلّ. هذا الكتاب العظيم الذي عالج هذه القضية خير معالجة" كما يقول بن حاج شكل النواة الصلبة للوعي الإسلامي السلفي والفقه السلفي منذ ابن تيمية إلى بن لادن. وليس عبثاً أن فتاوى تكفير منتجات الحداثة من "البرنيطة" إلى علوم الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان خلال قرنين اتخذته مرجعاً أسمي لها وليس عبثاً أن التنظيم الانتحاري الذي اقترف جريمة الدار البيضاء يسمي نفسه باسم الكتاب" الصراط المستقيم" وليس عبثاً أن قادة الأصولية السلفية يرجعون إليه في تأكيد عدائهم للآخر وحضارته فراشد الغنوشي مثلاً يقول في كتابه "الحريات العامة في الدولة الإسلامية: مهمة الدولة "الديمقراطية الإسلامية هي التطهير [من الكفر] ومواجهة التحدي الغربي (..)لأن توجهات الإسلام هي الحرص على مخالفة الكفار حتى عدّ شيخ الإسلام [ابن تيمية] ذلك من مقاصد الشريعة" وعندما يتحدث عن الإصلاحات التونسية غداة الاستقلال يسميها لتعبئة الوعي الإسلامي التقليدي ضدها     "المتأثرة بالحداثة الغربية أو الحداثة المتغربة عن عقل المسلم"المؤثث بأوامر دينية ملزمة مثل "وجوب مخالفة اليهود والنصارى" و"التصدي لهم" و"رفض التشبه بهم" إلخ التي غدت بمثابة "إعلان باطني" publicite   subliminale  يقصف به دعاة الأصولية وعي جمهورهم كلما أرادوا تكفير فكره إصلاحية أو ليبرالية. عندما يجتر الأصوليون
"إصلاح التعليم مطلب غربي وأمريكي""إعادة كتابة القرآن بإملاء أمريكي" فإنهم في الواقع يذكرون جمهورهم بعدم نسيان "وجوب مخالفة أمة اليهود والنصارى" الذي تناساه الحداثيون الإصلاحيون والليبراليون". في هذا السياق يقول راشد الغنوشي :" مطلوب إعادة النظر في مصداقية الديمقراطية في الغرب. إننا منذ الآن مرتابون فيها وفي الأطروحات الفكرية التي صدّرها لنا الغرب من مفاهيم حول الحريات العامة وحقوق الإنسان والقانون الدولي فكلها أوهام ومخدرات .. مطلوب أن نعتمد في فكرنا المستقبلي مبدأً إسلامياً أصيلاً طالما تغافلنا عنه وهو اعتبار مخالفة الغرب أي أمة اليهود والنصارى أصلاً من أصول فكرنا وتنظيم حياتنا باعتبار أن ذلك مقصد الشريعة كما أكد شيخ الإسلام ابن تيمية" (محاضرة باريس 1991 عن كتاب "راشد الغنوشي الوجه والقناع" ص 37 تونس).

* لكن نقرأ كثيراً لبعض الأصوليين تصريحات أو كتابات لا تحمل مثل هذا العداء للديمقراطية وحقوق الإنسان في نصوص على بن حاج والغنوشي . هذا الأخير له نصوص أقل حدة في عداء الديمقراطية وحقوق الإنسان فكيف تفسرون هذا التناقض المحير؟
تتداخل عوامل معقدة نفسية وثقافية وسياسوية لدفع كمية كبيرة من القادة الأصوليين إلى سياسة الوجهين أو الخطاب المزدوج. كتب سسيولوجي جزائري أن السفير الأمريكي في الجزائر قرر الاستغناء عن استقبال محفوظ نحناح قائلاً: لا حاجة لاستقباله لأنه سيقول لي ما أريد أن أسمعه منه. وهذا ينطبق على الغنوشي أيضاً. إنه كالماء لونه لون إنائه.يغني لكل من يلتقيه الأغنية التي تطربه لأسباب سياسوية لكسب الجميع أو لأسباب فقهية التقيةالشهيرة أو لأسباب نفسية، ازدواجية الخطاب هو عوض لازدواجية الشخصية، للدكتور جيكل الطيب ومستر هايد الشرير لكنهما يتساكنان في رأس واحد عصف به الجنون .. التصريحات المضادة للديمقراطية وحقوق الإنسان هي التي تعبر عن القناعات الحقيقة لقادة الأصولية لأسباب واضحة. الديمقراطية وحقوق الإنسان لبّ الحداثة السياسية وسبب وجود المشروع الأصولي هو مقاومة دخول أو تغلغل الحداثة في المجتمع. الديمقراطية قائمة على التداول السلمي على الحكم والفقه التقليدي الذي يغذي المشروع الأصولي يرفض هذا التداول لأن الخليفة لا يعزله "إلا الموت أو الكفر البواح". تخليه عن الحكم خارج هاتين الحالتين كفر. وقد كفر الخوارج الإمام علي لأنه قبل التحكيم حقناً للدماء أي أنه قبل مبدأ اعتزال الخلافة خارج السببين المذكورين. وفي إيران يوجد وضع كاريكاتوري لا مثيل له في العالم. أغلبية الإصلاحيين التي كسبت الانتخابات في المعارضة والأقلية المحافظة التي خسرتها في الحكم لأنها بكل بساطة رفضت التداول واضعة المجتمع أمام خيار الثورة الشعبية أو الاستنجاد بالتدخل الخارجي لفرض التداول عليها.

• هل يمكن أن يغير الأصوليون موقفهم من الديمقراطية وحقوق الإنسان في المستقبل؟
المشروع الأصولي ماضوي أي أن رهانه هو العودة إلي العصر الذهبي، للخلافة الراشدة، وهي عودة مستحيلة استحالة عودة المرء إلى رحم أمه أو إلى طور الرضاعة. وهاتان العودتان التخييليتان ترمزان إلى العصر الذهبي. في لا شعور الأصولي العصابي، الحنين إلي الخلافة الراشدة هو حنينه إلى رحم أمه أو ثديها الذي انتزعه منه فطام عنيف. والمشروع الأصولي انغلاقي على الهوية الإسلامية النقية من دنس الهويات الأخرى الدينية أو الحدثية. وهذا أيضاً مستحيل التحقيق في عالم التلاقح الثقافي الكثيف واليومي الذي تعمله ثورة الاتصالات وعالم العولمة أي تدفق الرساميل والسلع والأفكار والأشخاص دون عوائق تذكر. الأصوليون في المعارضة يجدون أنفسهم في موقف مريح بعيداً عن الخيارات الحدية التي يواجهها الأصوليون الذين في السلطة. في السودان تلامذة الترابي الأوفياء يطلبون من تونس أن تعلمهم كيف حيدت الخطر الأصولي. في إيران أكثر الخمينيين ولاءً وتفانياً في الإمام، عبدي رئيس"طلبة خط الامام" الذين اعتقلوا الدبلوماسيين الأمريكيين 444يوماً جاء إلى باريس ليعتذر في قاعة اليونسكو من الذين اختطفهم، محتشمي، وزير داخلية الخميني، المسؤول عن جميع شبكات الإرهاب الإيراني في العالم، انضم لخاتمي وهو الآن في طليعة المنادين بالانفتاح على "الشيطان الأكبر".خاتمي نفسه خميني صادق وعبد الكريم شورث خميني متحمس. كلهم انقلبوا على المشروع الأصولي وانتقلوا إلى الحداثة. لكن المحافظين لم يستجيبوا لنداء الحداثة. ربما لأن جمودهم الذهني وتعصبهم الديني عميقان لدرجة أعاقت تكيفهم مع المستجدات أو لأن مصالحهم المادية _وهي هائلة _ ستضرر إذا انضموا إلى الإصلاحيين الذين يقودون الجمهورية الإسلامية إلى العلمانية. الـ300 من آيات الله الذين طلبوا بإنهاء "حكومة الفقهاء" وفصل الدين عن الدولة مؤمنون صادقون هالهم تخلي الإيرانيين عن الإسلام بسبب الزج بالدين في السياسة. بما إن المشروع الأصولي بدون مستقبل فبقدر ما يخرج العالم العربي منتصراً من أزمة الحداثة ستتفكك الحركات الأصولية. النواة الصلبة فيها ستلجأ إلى الإرهاب أما جمهورها وغالبية مناضليها ومناصريها فسينضمون إلى الحركات الديمقراطية ويعبرون ماضيهم الأصولي"غلطة شباب".

* ما يجعل في نظركم الأصولية من دون مستقبل، هل هي طبيعة مشروعها الماضوي أم طبيعة قياداتها السلفية؟
الاثنان معاً. مشروعها ليس من هذا العصر. ومعظم قادتها ذووا عقلية خرافية لا مكان لها في عالم السياسة المعاصرة. هم يؤمنون بالتدخل الرباني في التاريخ أي بالمعجزة التي تقلب موازين القوى رأساً علي عقب. واصل الخميني الحرب ضد العراق بعد انسحاب الجيش العراقي الغازي لأنه رأي الإمام الغائب في المنام وبشره بثورة إسلامية عراقية من دون احتلال الجيش الإيراني لبغداد كما تتطلب الاستراتيجية العسكرية. مصطفي مشهور مات وهو مقتنع بأن الإخوان المسلمين سيحكمون مصر بعد 30 عاماً وأحمد ياسين زعيم حماس قال إن إسرائيل ستزول حسب نبؤة التوراة والقرآن عام 2027 أي بعد اندلاع انتفاضة 1987 بأربعين عاماً .. استراتيجية حماس العسكرية قائمة على هذا التخييل الجنوني حقيقة لا مجازاً .. بالمثل الترابي يسمع الهواتف من السماء ويعتقد صادقاً أن الله يكلمه وهي حالة ‘فصامية معروفة في الطب النفسي تكون عادة مصحوبة بالهلوسات
HALLUCINATIONS   السمعية أو السمعية البصرية عندما يتخيل المريض أنه يري ملاكاً نازلاً من السماء يبلغه رسالة .. عبد السلام ياسين هو الآخر يعتقد أنه نصف نبي أي وليّ وبصفته هذه سيتدخل الله ليحل له مشاكل الاقتصاد المغربي العويصة بعد "القومة" الظافرة التي يحلم أن يحكم بها المغرب "معجزة نبي أو كرامة وليّ يدرها الله الكريم الوهاب على المؤمنين المتقين العادلين المحسنين" .. لو كان العالم العربي الإسلامي لا يمشي على رأسه بل يمشي على رجليه بفضل تعليم ديني قوامه العقلانية الدينية وسياسة سكانية تنزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني إذن فتيل قنبلة الفقر المدقع والتهميش والبطالة وأزمة السكن ومدن الصفيح والأمية والاعتقادات الخرافية .. لو كان العالم العربي بخير لكان مكان هؤلاء القادة الذين يعانون من حالات فصامية سريرية مصحات الأمراض العقلية وليس قيادة التنظيمات الجماهيرية أو الدول.

* هل الممارسة الدينية بالشكل المعمول به حالياً من طرف حكومات الدول العربية الإسلامية والمفهوم الذي تعطيه لمفهومي الديمقراطية وحقوق الإنسان هدفه المحافظة على موقفها في الحكم؟
أولاً كل نخبة حاكمة تريد المحافظة على الحكم أي على امتيازاته الرمزية والمادية الهائلة. إذا كانت نخبة ديمقراطية حاولت الحفاظ عليه بالوسائل المشروعة ديمقراطياً أي بالانتخابات النزيهة وإن كانت استبدادية حافظت عليه بجميع الوسائل أي بالحؤل والحيلة بما فيها بل في مقدمتها في المجتمعات التي تسودها العقلية التقليدية الحيلة الدينية. تعلمنا سوسيولوجيا الأديان أن الدين رهان لإستراتيجيات الفاعلين الاجتماعيين المتناقضة. الأصولية تستخدمه للقفز على غنيمة السلطة والنخب الحاكمة تستخدمه لتعويض افتقادها للشرعية ليس الشرعية الديمقراطية وحسب و التي مازالت لم تتغلغل في الوعي العام في أرض الإسلام بل شرعية الانجازات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .. المشهد كما أراه الآن هو أن الأنظمة التي تتهمها الأصولية بالعلمانية لأنها لا تطبق العقوبات البدنية الشرعية والحركات الأصولية يتنافسون على احتكار الدين. أما الديمقراطية وحقوق الإنسان فمازالت ليست موضوع رهان للفاعلين السياسيين لأنها ليست شعبية بل مازالت مطلباً نخبوياً.
الوعي الإسلامي التقليدي السائد لا يترك مكاناً هاماً للوعي الديمقراطي والإنساني. والجماهير الجائعة والعارية والحافية والأمية لا تفكر في الديمقراطية بل تفكر في الله والخبز أولاً. صحيح أن النخب العربية والإسلامية الحاكمة ترفع شعار حقوق الإنسان لكن أمام ضغط المجتمع المدني العالمي والدبلوماسية الدولية والإعلام العالمي وليس أمام ضغط شعبي داخلي. في تونس حقوق الإنسان تدرس في المدارس ووزير حقوق الإنسان في المغرب السيد محمد أوجار وعد بإدخالها إلى التعليم وهذا إنجاز هائل. لماذا؟ لأن قيم حقوق الإنسان قيم إنسانية وعقلانية وكونية كفيلة بتجديد الوعي الإسلامي التقليدي المسكون بقيمتي الحلال والحرام. وهي أيضاً رهان مستقبلي لأن الجيل الذي يدرسها هو الذي سيحتل مسرح التاريخ في مجتمعاتنا بعد عقدين وتدريسها يحصن وعيه ضد انتهاك قيم حقوق الإنسان وضد السكوت على انتهاكها ويرتفع بوعيه القيمي والأخلاقي والسياسي إلى المعدل العالمي للوعي. من هنا راهنّيهه وضرورة إصلاح التعليم والإعلام الدينيين كرهان استراتيجي على المستقبل.
في نظري استراتجيا أنصار المشروع الحداثي الديمقراطي يجب أن تركز، بالتعاون بين المجتمع المدني العالمي ومع الإعلام العالمي وأيضاً مع الدبلوماسية الدولية، على منع النخب العربية والإسلامية من ممارسة الإسلاموية بدون إسلاميين أي من سرقة مشروع الأصولية لتطبيقه بالنيابة عنها لمجرد أن تبقي في الحكم. إصلاح التعليم الديني وقوانين الحالة الشخصية ووضع الأقليات هو حجرد المحك بين النخب الحاكمة الجديرة بمساندة التيار الحداثي والديمقراطي والنخب التي ينبغي تركها لمصيرها أمام الأصولية. لأنه من الأفضل لمستقبل العالم العربي أن يطبق الأصوليون بأنفسهم مشروعهم الذي لا مستقبل له ويتحملون أمام جمهورهم مسؤولية فشله من أن تطبقه نخب متهمة بالعلمانية وتبقي الحركات الأصولية تتمتع بمصداقية المعارضة كبديل _ أو كمهدي منتظر _ هذا هو الخطر الحقيقي على المشروع الحداثي وهذا ما لم تنتبه له بعد النخب الحديثة في المجتمع المدني.

*هناك من يقول أن وزارة الخارجية الأمريكية أقنعت البيت الأبيض بالموافقة على"تتريك" العالم العربي أي تعميم النموذج التركي على المجتمعات العربية بتأمين انتخابات شفافة يفوز فيها الإسلاميون المعتدلون مثل إسلامي تركيا فكيف تنظرون إلى مستقبل هذا المشروع الأمريكي الأصولي؟
الحالة التركية خاصة. العلمانية فيها استطاعت رغم الظروف الأولية غير الملائمة أن تتغلغل في الوعي الإسلامي التركي وهي التي دجّنت أو هضمت الأصولية التركية أوردغخان لم يشارك في التشريعات لأن اللقضاء جرده من أهليته السياسية بسبب قصيده فحواها سنحول صوامعنا إلى صواريخ لمحاربة الغرب. لكن "القسر الخارجي"
CONTRAINTE   EXTERIEURE   جعلته ينفذ بدقة أوامر هذا الغرب (الاتحاد الأوربي + أمريكا). نفس الظاهرة ملحوظة في أوربا فالديمقراطية دجنت أقصي اليمين الذي وصل للحكم في إيطاليا والنمسا أي بانت من القوة بحيث تهضم أعداءها التاريخيين. انقلاب مريدو الترابي على شيخهم في السودان وانقلاب الأصولية الإيرانية على نفسها إحدى تجليات هذا "القسر الخارجي" أي أن العالم السائر بسرعة قياسية نحو الديمقراطية ومزيد من الانفتاح والتوحيد لم يعد يتسامح مع الاستثناءات الشمولية والانغلاقية. إنه "روح الحقبة" أي شبكة البني الدولية غير المنظورة وغير المشخصة والمستقلة عن إرادة الفاعلين القوميين والدوليين التي تتحكم في مجري الأمور في العالم . ما يجرى في العالم شبيه بما أسمته الفلسفة الوضعية المنطقية "المعرفة بدون ذات عارفة" قياساً على ذلك يمكن القول على مستوي شبكات العلاقات الدولية أن الأفعال وردود الأفعال تحدث بدون ذات فاعلة.
من الصعب على العقلية الأصولية ومن في حكمها المشبعة بثقافة التشخيص و"المؤامرة اليهودية" أن تستوعب هذه الحقيقة التي نري تمظهراتها في العالم حيث لم يعد بإمكان أية دولة أن تتبع سياسة داخلية أو خارجية خارجة عن قانون القسر الخرجي. هذا مسار تنميطي لجميع السياسات الداخلية والخارجية مازال في بدايته ولكنه باد للعيان كما أن هناك مساراً مماثلاً لتنميط الثقافات. وما الاحتجاج الصاخب للهويات المستهدفة بهذا التنميط إلا مقاومة بدون مستقبل أكبر الظن . التصدي للاتجاهات التاريخية لم يجد يوماً بل إنه علامة يأس أكثر مما هو علامة نضج سياسي. الاتجاه التاريخي لا ‘يصد ولا يرد تعريفاً لكنه قابل للضبط REGULAT ION   أي تخفيف أثاره الجانبية على المتضررين منه. العولمة مثلاً لن تختفي إلا إذا حدث انهيار اقتصادي عالمي أرغم الدول الكبرى على العودة إلى الحمائية . الاقتصادية أي غلق الحدود كما في أزمة 1929 لكن ضبطها على الصعيد الدولي ممكن لتلطيف آثارها على الشعوب والطبقات الفقيرة. وهذا امتحان للنضج السياسي الدولي.
باختصار الأصوليين معادون للديمقراطية وحقوق الإنسان لكن الديمقراطية وحقوق الإنسان تفرض نفسها فرضاً على البشرية بمن فيها الأصوليين. إننا في حقبة الديمقراطية  التي يمكن أن تتحقق بلا ديمقراطيين.

أجري الحوار / وريغ لحسن



#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور العامل الخارجي في إدخال العرب إلى الحداثة
- التعليم الديني اللاعقلاني عائق لدخول الحداثة
- لماذا النرجسية الدينية عائق ذهني لاندماجنا في الحداثة؟
- الجابري يكتب عن العقل ولايكتب به
- المساواة في الإرث ضرورية وممكنة
- رهانات التعليم الديني التنويري ثلاثة : رد الاعتبار للآخر ولل ...
- عوائق توطين الديمقراطية في المجتمعات العربية
- العلمانية الفرنسية ليست ضد الدين
- ردا علي الشيخ عبدالقادر محمد العماري إن الحق والرجوع إليه خي ...
- لماذا النرجسية الدينية عائق ذهني لاندماجنا في الحداثة؟
- في سبيل تعليم ديني تنويري
- الإسلاميون والمثقفون: مشروع اضطهاد
- كيف تضافر جرحنا النرجسي ونرجسيتنا الدينية علي تدمير مستقبلنا ...
- كيف نجفف ينابيع الإرهاب؟
- تجفيف ينابيع ثقافة الجهاد والاستشهاد
- الحرب الامريكية علي العراق: أين الخلل، وما هي الدروس المستفا ...
- العراق: إلغاء الجهاد من برنامج التعليم
- ساعدوا العراق علي الانتقال من قوانين الغاب إلي قوانين العقل
- محاولة لفهم دلالة الزلزال العراقي
- الديمقراطية تقتضي الفصل بين المواطن والمؤمن


المزيد.....




- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - العفيف الأخضر - مبرر وجود الأصولية محاربة الحداثة