|
في مواجهة الظلامية والعدمية
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2195 - 2008 / 2 / 18 - 02:22
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
يواجه المغرب وضعا سياسيا معقدا من أبرز سماته : أ ـ فقدان الثقة في الأحزاب السياسية : ويعود أصله إلى عاملين رئيسيين : أولهما تمييع الحياة السياسية بتفريخ أحزاب عديدة إما بتخطيط من الدولة في مرحلة الصراع بين الحكم وبين المعارضة ، أو بإرادة ذاتية حين يعمد فصيل/تيار إلى الانشقاق وتأسيس إطار حزبي لا يختلف في شيء عن الإطار الأصلي . وإذا كانت الدولة تتحمل مسئولية الإشراف على تفريخ الأحزاب الموالية لسياستها إلى حدود منتصف تسعينيات القرن العشرين ، فإن الانشقاقات التي تلت هذه الفترة تعود أسبابها إلى غياب الديمقراطية الداخلية وغلبة الميول الزعاماتية لدى عناصر قيادية ظلت تحجب تطلعاتها كاريزما القيادات التاريخية التي ما فتئت تثير انتقادات حادة وردود فعل متمردة داخل الأحزاب . وبسبب انسداد الأفق السياسي والتنظيمي أمام طاقات الحزب الشابة وكفاءات أعضائه المقتدرة ، يضطر أغلبها إلى اعتزال العمل الحزبي والفعل السياسي . حتى باتت الكتلة المثقفة مستقيلة وهي التي حملت ، ردحا من الزمن ، المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي الذي ناضلت من أجله شرائح المناضلين وساندتها عموم الجماهير المغربية على امتداد العقود الثلاثة التي تلت فترة الاستقلال وإلى حدود منتصف تسعينيات القرن العشرين . طيلتها تحمل المواطنون عبء النضال الديمقراطي وساندوا القوى الحية في معاركها السياسية والنضالية رغم القمع والتزوير . لكن ، ومنذ مشاركة الأقطاب الأساسية للمعارضة في إدارة الشأن العام بدأ المواطنون يفقدون ثقتهم في هذه الأحزاب تدريجيا بسبب الأخطاء وسوء التدبير . الأمر الذي انعكس سلبا على سمعة الأحزاب وشعبيتها التي تضاءلت حد السخافة . وهذا هو العامل الرئيسي الثاني . ب ـ العزوف السياسي بنسب عالية . كان هذا رد فعل طبيعي من المواطنين الذين احتضنوا أحزاب المعارضة الديمقراطية وساندوا مشروعها المجتمعي الحداثي ، لكن لما أدركوا زيف الشعارات ووقفوا على تهافت أقطاب هذه الأحزاب على الحقائب الوزارية بعد أن رموا كل شعاراتهم خلف الظهور ، أيقنوا ألا جدوى من المشاركة في الانتخابات مادامت إدارة الشأن العام في ظل حكومة المعارضة الديمقراطية هي بالسلبية ذاتها التي كانت عليها في عهد الحكومات الإدارية أو أفدح منها . والمراتب المتأخرة التي يركن إليها المغرب في مجالات الرشوة أو التنمية البشرية أو التعليم دليل على سوء التدبير . وبالتالي لم تعد المشاركة السياسية عبر الانتخابات تحفز المواطنين أو تفتح أمامهم أبواب الأمل في إصلاح الأوضاع وتغيير الواقع نحو الأحسن . وتكفي هنا الإشارة إلى إقرار الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بمسئولية هذه الأحزاب في تدبير الشأن العمومي بحيث(عندما نلاحظ ما حصل في ميدان التعليم ، عندما نسجل ما سجله البنك الدولي واليونيسكو والسيد المستشار الملكي (مزيان بلفقيه) في موضوع التعليم ، هناك مسئولية الأحزاب السياسية التي كانت تدبر هذا القطاع . فلا نقبل عزوف عدد كبير من الأسر عن بعث أبنائها إلى المدارس ، لا نقبل هذا النوع من النزيف الذي يصيب قطاع التلاميذ .. وهذا يعود إلى خلل في تسيير القطاع برمته . وطبعا أحزابنا تتحمل نصيبها في هذا المجل لأنها كانت مسئولة عن هذه القطاعات )( الأحداث المغربية 9/2/2008) . إن هذه الوضعية السياسية والاجتماعية العامة والمحجوزة لا تعكس المكتسبات التي حققها المغرب في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان ولا تنسجم مع الأهداف المرسومة في سبيل تجاوز مرحلة الانتقال الديمقراطي وإرساء أسس المجتمع الحداثي الديمقراطي المنفتح على القيم الإنسانية الكونية . إن خطورة هذه الوضعية تكمن أساسا في التالي : 1 ـ إفرازات الخطاب العدمي الذي يشيع ثقافة اليأس من جدوى المؤسسات الدستورية ويعمق مشاعر النفور من الفعل السياسي الهادف . وهذا الخطاب البئيس بقدر ما يتنكر للمكتسبات السياسية والحقوقية ، بقدر ما يتخاذل ويتخلى عن مسئولياته الوطنية في صيانة المكتسبات والانخراط الفعال في تحقيق المشروع المجتمعي الحداثي الذي يلوك شعاراته دون كلل . 2 ـ الاستغلال الإسلاموي لحالة التذمر والعزوف إما بغرض التشكيك في مشروعية الدولة والنظام ليطرح مشروع الدولة الدينية القائمة على الاستبداد والحكم باسم الحق الإلهي بديلا عن الدولة المدنية والحكم الديمقراطي ، وإما بالتحريض على الأعمال الإرهابية لزعزعة الاستقرار وترويع الآمنين . وفي الحالتين معا تزداد المخاطر التي تهدد الدولة والمجتمع . الأمر الذي يفرض الخروج من حالة التشفي والتفرج وأخذ المبادرة لإيقاد شمعة بدل الاكتفاء بلعن الظلام . وفي هذا الإطار تأتي المبادرة التي اتخذت لها اسم "الحركة من أجل كل الديمقراطيين" لتفتح بوابة الأمل في الأفق السياسي وتعيد الاعتبار للممارسة السياسية المواطنة . إنها حركة مدنية اختارت لها إطارا جمعويا مرنا ومنفتحا على كل الفعاليات السياسية والاقتصادية والثقافية المتشبعة بقيم المواطنة والديمقراطية . إن هذه الحركة لا تجعل من أهدافها منافسة الأحزاب ولا التضييق على أنشطتها . بل هي استجابة طبيعية لحاجة المجتمع إلى مبادرة شاملة ومدنية لخلق ديناميكية تشمل كل المجالات بهدف إشراك أوسع فئات الشعب في التأسيس لمرحلة سياسية تخرج المغرب من حالة الانتظار وتفتح أمامه أوراش الإصلاح الحقيقي وسبل التنمية المستدامة . لقد طال الانتظار وتعمق اليأس ، فلا بد من فعل حقيقي نابع من إرادة المواطنين ومجسد لطموحاتهم وآمالهم في الكرامة والمواطنة والمستقبل . لهذا فالمبادرة لم تأت بدعا ولا نشازا ، بل ارتكزت على دعامتين أساسيتين: + الأولى : تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية اللذين يشكلان "أرضية صالحة للتحليل والتخطيط واستشراف آفاق المستقبل". إذ لا يجوز سياسيا وأخلاقيا التنكر للمجهود القيم والجبار الذي بذل من أجل إعداد التقريرين وصياغة التوصيات للقطع مع الاستبداد والفساد . بل الواجب الوطني يستوجب استثمار نتائج التقريرين لخلق حركة مجتمعية دءوبة تتصدى للظلامة واليأس والفساد وتصون ما تحقق من مكتسبات . لهذا تعيش الحركة وتنطلق من حرقة السؤال التالي " فكيف للمجتمع، والحالة هذه، أن ينخرط في المشروع المجتمعي الذي نطمح اليه جميعا في ظل اللامبالاة وضعف الالتزام؟ وكيف يمكن تقييم تجربة البناء الديمقراطي ورصد مواطن خللها ومتطلبات تعزيزها في ظل خطاب تبخيس العمل السياسي؟ وهل ستبقى نخب البلاد "مستقيلة" في منأى عن الفضاء العام نقدا ومساءلة واقتراحا؟" + الثانية : "إن بلادنا في حاجة إلى صحوة ديمقراطية حقيقية والى تفكير عميق ورؤيا واضحة، تنبني على ما تحقق من مكتسبات وتتصدى بحزم لمواطن الخلل، وتستشرف آفاق المستقبل ببعد نظر استراتيجي". ومن أجل تفعيل الأهداف التي سطرتها الحركة ، تتوخى هذه الأخيرة "فتح حوار وطني صريح وعميق وهادئ تساهم فيه كافة القوى والفعاليات والأفراد، بمسؤولية والتزام، للنظر في التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد، وتقييم السياسات والخطط المتبعة " . إذن لا عذر للمترددين ولا مبرر للخوالف . وليطمئن الذين ناصبوا المبادرة العداء أو التشكيك ألا خوف على مراكزهم الحزبية ، فالحركة ليست حزبا ولا بديلا ، بل هي مبادرة تسعى لإطلاق ديناميكية سياسية وهبّة مجتمعية تستنهض همم المواطنين وتحسسهم بأهمية وضرورة الانخراط في عملية بناء مغرب الغد لكسب رهان التحدي ضد الفقر والتهميش والبطالة والفساد الإداري والمالي . إنها لحظة وطنية وتاريخية أن تنبثق إلى الوجود والفعل حركة منفتحة على كل الديمقراطيين هاجسها الأساس التصدي للمخاطر المحدقة ببلادنا ، وفي مقدمتها تدني الشعور الوطني بسبب توالي حلقات الإحباط واتساع مداها . فضعف العزائم وخور الإرادات هما أشد خطرا على المجتمع من أي عدوان خارجي مهما كانت قوته التدميرية . ولا يمكن استرجاع الثقة إلى نفوس المواطنين إلا بحركة جادة تنطلق من معاناتهم (= المواطنين) وتهتدي بنتائج الحوار الوطني الذي يشارك فيه عموم المواطنين ونخبهم المحلية ، باعتبارهم أدرى بطبيعة المشاكل وقائمة الأولويات ونوعية الحلول . لهذا اختارت الحركة الخروج عن المألوف ـ مَرْكزة القرار والتنظير ـ بتقديم مشروع أرضية منفتح على العموم وقابل للإثراء عبر حوار حر وهادف مع النخب والفعاليات المحلية .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حركة لكل الديمقراطيين استنهاض للهمم واستنفار للطاقات .
-
هل المشروع الياسيني يتسع للقوى الحية ؟
-
ضرورة رفع الالتباس عن وثيقة -جميعا من أجل الخلاص-(2).
-
ضرورة رفع الالتباس عن وثيقة -جميعا من أجل الخلاص-(1)
-
-هل تريدوننا أن نصبح سجناء إرهاب حتى نحصل على تلك الحقوق؟-
-
وثيقة -جميعا من أجل الخلاص- ارتماءة في غياهب الإفلاس(2).
-
تنظيم القاعدة وإستراتيجية أفغنة شمال إفريقيا
-
وثيقة -جميعا من أجل الخلاص- ارتماءة في غياهب الإفلاس (1).
-
هل ستنتقل جماعة العدل والإحسان من الأبواب المفتوحة إلى الموا
...
-
حول مراجعات المتطرفين
-
المسعى الانقلابي لجماعة العدل والإحسان .
-
هل حقا الدولة تستهدف جماعة العدل والإحسان ؟
-
الحوار المتمدن ساحة للحرية وضوء في آخر النفق .
-
من يبيع المغرب بالملايين ومن يبيعه بالملاليم .
-
محاربة الإرهاب تبدأ من عقائده .
-
الإنتربول وشروط مكافحة الإرهاب .
-
السعودية والمقاربة الشمولية لمواجهة الإرهاب .
-
المنهجية الديمقراطية إستراتيجية لم تبلغ بعد مداها .
-
الأحزاب السياسية ورهان الملكية الدستورية .
-
أية ديمقراطية لأية ملكية ؟
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|