|
احزاب اليسار العراقي ومعضلة سم خياط المنصب(نظرة تقييمية)
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 2195 - 2008 / 2 / 18 - 08:32
المحور:
ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع
بادئ ذي بدء ، لا بد من تثبيت الحقيقة التالية : الاحزاب السياسية التي تتخذ من الماركسية قاعدة ايديولوجية لعملها الحزبي وجهدها السياسي ، ليست بالضرورة تمثل الماركسية او الشيوعية، وان مثلت بعض مظاهرها. وعليه ، فان تجربة احزاب اليسار في المنطقة العربية ،يقف العراق في مقدمتها بتأسيس الحزب الشيوعي العراقي الذي يقترب عمره اليوم من منتصف عقده الثامن . وعلى حفافي هذا الحزب المعمر ، نشأت تنظيمات يسارية اخرى ،وعلى مراحل متتابعة ، سواء من اتخذ منها الفلسفة الماركسية كقاعدة نظرية - ايديولوجية او او سواها من باقي النظريات . ورغم تعدد اشكال ومسميات احزاب اليسار العراقي ،والشيوعية منها على وجه الخصوص ، منذ عقد ثمانينات القرن الماضي (الذي شهد التصفية النهائية لنشاط الحزب الشيوعي العراقي من قبل الشوفينية البعثية ) الا ان مجموعة من العوارض ظلت تحكم اساليب عمل هذه الاحزاب ،حتى باتت سمة او دمغة تميز نشاطها الحزبي وادائها السياسي وهي : 1- هيمنة الروح البيروقراطية على قيادات هذه الاحزاب وتفردها ،كاشخاص ، بعملية صناعة القرار التنظيمي والسياسي ؛ وفصل نشاطها ، كهيكل اداري ، عن قواعد الحزب او تنظيماته الصغيرة (الخلايا) . 2- النظرة الاستعلائية الهرمية لمن دون ، التي تتملك قيادات هذه الاحزاب بمجرد وصولها الى المراكز القيادية واستحواذها على مناصبها . 3- نهج العزل التسلطي الذي تمارسه قيادات هذه الاحزاب ضد قواعدها التنظيمية من خلال احتكارها للحقيقة وتفردها بمعرفة كل الاجابات التي تلطم العناصر الادنى في التنظيم وتمنعها من الادلاء بآرائها النقدية او التقويمية لاداء قيادة الحزب ،باعتبار ان تبوئها للمراكز القيادية ينزهها عن الخطأ . 4- النهج الدكتاتوري الذي يسود الهياكل القيادية لهذه الاحزاب في عملية رسم سياسات ومواقف الحزب تجاه القضايا الحساسة (المواقف الدولية على وجه الخصوص) ومستجدات الاوضاع السياسية والتكتيكات المرحلية التي تفرضها الاوضاع الشاذة على الصعيد المحلي . 5- الروح والسلوك البورجوازيين اللذين يحكمان تصرفات واساليب تعامل قيادات هذه الاحزاب ، وهي غالبا مناصب مؤبدة للعناصر المؤسسة للتنظيم ، وذلك لابتعاد هذه الاحزاب عن تكريس النهج والروح اليمقراطية في حياتها الحزبية اولا ، ولا نصراف هذه العناصر ، بعد سيطرتها على قيادة التنظيم ، الى بناء الامجاد الشخصية والثروات الخاصة ثانيا . في رأيي ان نفور اغلب شرائح المجتمع العراقي من الاحزاب الشيوعية ،لا يقتصر على خصوصية ثقافة هذه الاحزاب و مواقفها من الدين والتقاليد والموروث الاجتماعي ونزعتها التحررية ،وما يرافقها من سوء فهم وتحريض ،الطبقة التي تمثل اليمين ، (دينية - اجتماعية) ،وانما هو ايضا بسبب النهج الدكتاتوري التسلطي والقمعي الذي ما رسته انظمة التجارب الشيوعية في العالم ، منذ نجاح الثورة البلشفية عام 1917 وحتى سقوط الاتحاد السوفيتي السابق ... واعتقد ان مثال الدكتاتورية الصينية وشقيقتها الكورية الشمالية هما خير مثال على ما اقول . طبعا انا لا اخلط بين النظريات اليسارية - الماركسية وغيرها - وبين سلوك الحكام الفردي ، ولكن (وهذا مما يؤسف له) السيرة الشخصية لمن حكموا او ادعوا الحكم باسم الماركسية ، هي التي اشاعت هذه الصورة وعمقت في النفوس اثر هذا المثال . واذا ما استثنينا المثال الذي يطرحه اليوم ، صاحب الكرش المنتفخ والخدود الموردة ،بدولارات الامبريالية العالمية (حميد مجيد موسى) للحزب الشيوعي العراقي ، وهو اسوء مثال - ان لم اقل انه وصمة العار في تاريخ ونضال هذا الحزب الذي لم يبقي منه حميد مجيد ومفيد الجزائري غير الاسم - فاني استطيع ان اشخص الشواهد العامة التالية : 1- عمق فرقة احزاب اليسار العراقي - الشيوعية منها على وجه الخصوص - واختلاف اجتهاداتها التي افرزت عشرات التنظيمات على الساحة السياسية ، تحت تبريرات او تفسيرات واهية ،فرضتها في اغلب الاحيان ، نزعة الهيمنة القيادية وحب المراكز ،لا موجبات فكرية او سياسية حقيقية . 2- الابتعاد عن النهج الثوري في العمل الحزبي والاداء السياسي ،واستبدال تأسيس القواعد الثورية لنضال الحزب الجماهيري بالقيادات الفردية للتنظيمات الفرعية .. بمعنى التركيز على بناء القيادات الشخصية (الكارزمات) لا القواعد الثورية ذات القيادة الجماعية . 3- هذا الشاهد ،وهو الذي يأتي كنتيجة للشاهد السابق ،يتمثل في قطع الصلات التنظيمية بين القيادات العليا لهذه الاحزاب وقواعدها المحلية ،من خلال اعتمادها على تقارير قيادات الاشخاص المحلية ،والتي غالبا ما تكون تقاريرها توفيقية وارضائية ولا تنقل الصورة الحقيقية لتساؤلات واعتراضات الاعضاء غير القياديين ، حرصا من قيادات الفروع على نيل رضى وقبول قياداتهم العليا . 4- تخلف الاداء الاعلامي لاغلب هذه الاحزاب ،بسبب فهمها الخاطئ لدور الاعلام ،من خلال اعتمادها على الدور التبشيري للاعلام ،انطلاقا من مفهوم : مادمنا حزبا يساريا ونناهض جميع الاعيب ومخططات اليمين والرجعية البورجوازية ومخططات الامبريالية العالمية ،فما على الناس سوى اتباعنا واعتناق افكارنا التي يجب ان يقدمها اعلامنا على شكل جرعات تعبوية مضاعفة عن طريق المنشورات السياسية وبيانات الاستنكار ،وهذا وحده هو دور الاعلام ،في فهم احزاب اليسار! ولكن ، وفي هذه اللحظة بالذات من عرضي السريع هذا، اجد لزاما علي الاشارة - وبكل احترام - الى موقف اغلب هذه الاحزاب - باستثناء الاحزاب التي انساقت خلف المشروع الامريكي - غير المساومة من قضية الاحتلال الامريكي للعراق ووقوفها بحزم بوجه المشاريع التقسيمية لوحدته وشق صف تعايش مواطنيه .. ولكن ، وفي رأيي هذا هو المهم فيما يخص مستقبل وجود واستمرار فاعلية هذه الاحزاب : ما قيمة اثر وفاعلية احزاب وقوى تدعي اليسارية لنهجها ،وهي في حقيقة الامر ،ليست اكثر من هياكل قيادية (مجاميع شخصيات صالونية) بلا قواعد تنظيمية حقيقية فاعلة وتمتلك ايمان وفعل التغيير والعمل عليه في حياة المجتمع وقواه الجماهيرية ، قبل الخارطة السياسية ونهج طبقتها (التي فرضها الاحتلال خلال هذه المرحلة) وزودها بكامل ادوات ووسائل الهيمنة المادية والسياسية والقبول الاجتماعي ،وخاصة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق ،والتي تشهد اشد هجمات الامبريالية العالمية والرجعية المحلية ؟ اعتقد ان قيادات قوى اليسار ،فيما لو تصدت بجد واخلاص للاجابة على هذا السؤال لاستطاعت العودة بتنظيماتها الى حضن الشارع وقوى جماهيره التي تمثل الحلقة الاولى والاهم في عمل اي قوة او حزب سياسي .
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تراجيع نذوري المسفوحة على مذبح الريح
-
ثنائية الحكومة واللحم الابيض
-
الرغبة عند درجة الاستواء
-
وشم على ذاكرة البحر
-
عن الوجع ... وزينب
-
قلب يتوضأ بجدل البحر
-
كركوك في مقاسات الحلف الثلاثي
-
طاعن في خط الافق
-
الشاعر بعد منتصف اللوح
-
نيسان يتهالك على قارعة القدر
-
صعلوك في فخ ال ....
-
أزمة وزارية أم أزمة أجندات ؟
-
انهم يغتالون المطر
-
حجة توبة المالكي الى مشهد المقدسة
-
الاخوان المسلمون في العراق
-
عندما يتكلم صاحب العصمة الامام المشهداني
-
يوما الوحدة الوطنية العراقية
-
مستقبل العراق بين العمامة الشيعية والسدارة السنية
-
جائزة محمود المشهداني للعجائب والغرئب الدولية
-
صفحة جديدة من سجل ايران التوسعي
المزيد.....
-
في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً
...
-
مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن
...
-
مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة
...
-
ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا
...
-
كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة..
...
-
لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
-
صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا
...
-
العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط
...
-
الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير
المزيد.....
|