|
نحو مصالحة سياسية عراقية
فرات محسن الفراتي
الحوار المتمدن-العدد: 2194 - 2008 / 2 / 17 - 07:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لعلي من الموقنين بأن الأزمة التي يعيشها العراق الجديد أو لنقل أزماته الآنية المختلفة، هي ذات خلفية سياسية بالأساس.. و بلا شك إن المعالجة الموضوعية لأي (مشكل كان) تستوجب معرفة السبب وراء المشكل ذاته.. لاتخاذ تدابير الحل.. كما هو الحال في الطب على سبيل المثال.. فالطبيب لن يتمكن من إعطاء أي علاج من دون معرفة سبب العلة.. ومن هنا أرى إن علة العراق أو واحدة من أهم علله أو بعبارة أخرى (أكثر يسرا) العلة الأكثر ضرراً على البلاد هي علة أو مشكل أو أزمة أو خلاف سياسي.. سمها كما شئت من دون أن تغفل إنها سياسية. أصل المشكل ليس وليد اليوم بالمطلق بل هو ذو خلفية تاريخية تستمد جذورها منذ عدة قرون سابقة..
حيث إن واقع البلاد منذ ما يقارب الأربعة عشر قرناً مضت ظل فيها العراق تحت مختلف الحكومات غير العراقية (إمبراطوريات، دول، ممالك، وغيرها) ساهمت في تغذية روحية المشكل السياسي التاريخي.. وهنا قد يتبادر للذهن إن وجود حكام أو حكومات غير عراقية على ارض العراق، صنعت أزمة قد نسميها (المواطن يحكم من أجنبي) على أساس إن الحكومات لم تكن ممثلة للشعب بل كانت معادية له اغلب الأحيان (وهذا ليس بالخطأ) ولكن المشكل الحقيقي في وجود حكومات غير عراقية كان من خلال (الفجوة بين الحاكم و المحكوم) المتسعة دوماً.. فالعراقي في بلده لم يستطع أن يشارك في رسم مسيرة بلاده أو سياساتها (بل بقي لفترات متعاقبة مسيرا لا مخيرا) وهذا السبب انعكس في الثورات و الانتفاضات وحالات العصيان التي زخر بها العراق كثيراً على مر العصور. إن الأصل التاريخي للمشكلة السياسية في البلاد متشعبة و لا احسب إن تدارسها في هذا المحل من الشأن اليسير.. ولكن اليقين و الحقائق تؤكد إن المشكل السياسي عميق التأثير وقديم الوجود وتركته لا تزال تحفر في النفسية العراقية.. وحتى لا نطيل بالسرد في الموضوع، احسب إن تناول أصل الأزمة السياسية في عراق اليوم بشيء من الاختصار يفرض علي أن أبين إن أصل المشكلة السياسية في عراق اليوم أو احدى دعائمها مع تسليمنا إن المشكل السياسي ليس الوحيد، يعود إلى مرحلة الحكم الفردي الشمولي الذي خيم على العراق طوال حكم (حزب البعث) (المحظور حالياً) بالفترة بين العامين 1968 و 2003 حيث عانت المشاركة السياسية في عراق البعث أسوأ مراحلها وأشدها ظلمة.. فحكومة البعث لم تكتف بالتفرد بالسلطة بل قمعت معارضيها بأشد الوسائل قسوة.. واعتمدت نظام الحزب الواحد ثم تطورت نحو الفرد الواحد.. ومن ثم عاش العراق مرة أخرى في مرحلة يفتقد بها المواطن مواطنته من خلال سلب حريته الفكرية خاصة، ومن ثم انتهى مصير معظم الساسة العراقيين المعارضين لفكر و توجه البعث تحت أتربة المقابر الجماعية أو في غياهب السجون حالكة الظلمة ومرة التعذيب. انفتاح العراق الجديد على حياة التعددية الحزبية و النظام البرلماني النيابي حمل في ثناياه ايجابيات كبيرة و لكن لم يخل من السلبيات.. ومن البديهي أن نتفهم إن من يقبع في حجرة مظلمة ثم يخرج على أشعة الشمس اللاهبة لن يستطيع النظر وسيغمض عينيه.. وهذا عينه ما حل بالعراق الجديد، فمن حضن الاستبداد و العزلة انطلقت البلاد إلى أوسع فضاءات الحرية و الانفتاح.. (أنها تجربة عالمية فريدة بلا شك). سلبيات الواقع السياسي الجديد تكرست في عدة ظواهر لعل أشدها تأثيراً على الشارع العراقي (حداثة التجربة) فالممارسة السياسية واحدة من معايير النجاح و الامتهان.. وعلى الرغم من إن معظم الأحزاب العراقية التي طفت على الشاطئ العراقي الجديد وخاصة المشاركة اليوم في العملية السياسية الجارية.. هي أحزاب ليست بالجديدة بل هي وليدة عقود طويلة ولها تجارب وفيرة بالعمل السياسي المعارض.. ولكن تجاربها لم تكن على أساس التعددية و الممارسة الفعلية للسلطة أو للعمل السياسي أو النيابي، بل جل دورها تمحور في العمل المعارض.. وهنا لنا وقفة.. إن السلوك السياسي المعارض هو بطبيعة الحال ليس السلوك السياسي الممارس أو الحاكم، وخاصة بالأخذ بنظر الاعتبار إن المعارضة لنظام البعث لم تكن معارضة برلمانية سياسية ايجابية بل كانت معارضة مهاجرة عسكرية احياناً وتتعامل مع احد أكثر الأنظمة العالمية قمعاً و اقتصاصاً.. كما إن الواقع الداخلي للمعارضة المهاجرة و المواجهة للأنظمة الدكتاتورية المتجبرة، ليس توافقياً أو منسجماً تحت رأي واحد.. بل على العكس تحتدم الخلافات و الآراء المتنوعة و الرؤى والطروحات الطوباوية احياناً.. على العكس من جو الممارسة الحقيقية الذي لابد له أن يكون واقعياً وجاداً ومحاوراً وتوافقياً كي ينمو ويستمر.. أو قمعياً تعسفياً كما فعل البعث أبان فترة حكمه السوداوية. أطراف معارضة الأمس (حكام اليوم)، لم يكونوا بطبيعة الحال يمثلون فكراً و توجهاً واحداً.. وان كان قاسمهم المشترك هو إيجاد نظام بديل للدكتاتورية في بلادهم إلا إن سبل البديل أو سبيل التغير أو آلية العمل لم تكن متفقة بل عند البعض لم تكن موجودة اصلاً.. ثم إن الحركات السياسية المعارضة كانت مختلفة التوجهات الفكرية.. ومتفاوتة الشعبية والنفوذ في الشارع العراقي. ومنها الوطني والقومي والديني والعلماني، اليساري أو اليميني أو حتى الوسطي منها. العراق الجديد فتح بابه على مصراعيه للجميع ولم يستثن احداً.. وشهدت الأشهر الأولى من التغيير السياسي في العراق (منذ 9 نيسان 2003) فتح عدة مقرات حزبية و تجمعات سياسية و لمختلف التوجهات و الأفكار.. كما ازدحمت عناوين الصحف على أرصفة بغداد من دون أن تجد أي (مقص رقيب) بل بكامل حريتها.. و العراقيون من هم قاطنون في بلادهم، ومن هم قدموا من الخارج بعد رحلات الغربة الطويلة..عملوا في الكثير من الأنشطة السياسية في رغبة جادة للمشاركة في حكم بلادهم.. ولتعويض حرمانهم الطويل من المشاركة.. فأزمة المشاركة السياسية في البلاد لم تكن وليدة اليوم كما قد يتفهمها البعض.. بل إنها أزمة قديمة كما أسلفت. مراحل صناعة العراق الجديد سياسياً، منذ تأسيس مجلس الحكم مروراً بالحكومات الانتقالية و المؤقتة ثم الدائمة.. شهدت احتداماً للخلافات ضمن الرغبة لولوج العمل السياسي و المشاركة فيه.. ومن ثم وجدت أزمات سياسية تقع في أعماقها تحت معيار المشاركة.. أو بعبارة أخرى هي أزمات من اجل الرغبة في المشاركة أو الرغبة في توسيع المشاركة، أو بشكل أكثر طمعاً بالرغبة في الاستئثار بالسلطة.
#فرات_محسن_الفراتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كي يستفد العراق من تجربة لبنان
-
المصالحة الوطنية اللبنانية في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف
-
إلى لجنة الرياضة و الشباب .. ليست حقوق الرياضي فقط بل أنها ح
...
-
دعوة إلى ساسة العراق ... لنضع الشماعات جانباً
-
المصالحة اللبنانية .. وتدارس الاخفاقات
-
عامان جديدان
-
دعوات المصالحة بين الرواج و الطموح
-
الأعمار ... عصا العراق السحرية
-
المصالحة الوطنية في معيار التعدد الحزبي
-
ثلوج بغداد ... نذير خير أم شر
-
مستقبل العراق السياسي في ضوء سياسة المكانة
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف
...
-
زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|