|
دمعة حزن على رحيل الصديق رجاء النقاش
سيار الجميل
الحوار المتمدن-العدد: 2191 - 2008 / 2 / 14 - 11:55
المحور:
سيرة ذاتية
رحل عّنا الصديق الرائع رجاء النقّاش اثر مكابدته مع مرض السرطان ، وهو في قمة العطاء .. اشتهر فقيدنا بكتابته الذكية التي تفتح الشهية ، وتشرح النفس ، وتزهر الحياة بلا قوالب جامدة .. رحل ورحل معه قلمه الجميل الذي كان يضيئ بوهجه حياتنا الكالحة .. رحل عنّا الانسان الذي احّبه الجميع من الاعماق .. رحل عنّا ذلك الفكر المنصف الذي كان يكافح ويشعل على امتداد خمسين سنة شموعا على طول الطريق العربي ، فقد عاش ورحل وهو عاشق للعرب والعروبة .. رحل الرجل الذي كان اسمه مثيرا للجدل دوما سواء بنقداته او بموضوعاته او بمعالجاته ومجادلاته .. وقلما جمع مثقف عربي كل الاضداد كما جمعها رجاء بكل حيويته ، واتقاد روحه ، وانفتاح فكره ، واسلوب قلمه .. كان يؤمن بمقولة للأديب الروسي تشيكوف ، ويعمل بها ، تلم التي تقول: "إن كان فى وسعك أن تحب، ففى وسعك أن تفعل أى شىء" .
رجاء النقاش من القليوبية المصرية شمالا التي ولد فيها 1934 ، والمشتهرة بطيبة اهلها ، ودماثتهم ، وحسن معشرهم ، وبحثهم عن الحرية اينما وجدت .. حمل شهادة اللغة العربية وآدابها في جامعة القاهرة 1954 ، وطفقت مهارته في النقد الادبي ، فنشر في عدة مجلات وغدت الصحافة الادبية بالنسبة اليه ، عالمه الثمين .. تولى تحرير مجلة (الهلال) العريقة بعد ان لمع دوره عند مطلع السبعينيات ، ثم حرر مجلة (الاذاعة والتلفزيون ) وازدهرت على يديه . ولبى نداء دعوة دولة قطر ، فحرر صحيفة (الراية) ، ثم توّلى تحرير مجلة (الدوحة) الشهيرة عام 1981 حتى اغلاقها عام 1986 ، وعاد الى مصر يكتب في (المصور) حتى توليه تحرير ( الكواكب ) ابان التسعينيات حتى تفرغ في سنواته الاخيرة للكتابة في (الاهرام) . ونال النقاش جائزة الدولة التقديرية بمصر عام 2000. وكرّم في يناير 2007 في حفل بنقابة الصحفيين بالقاهرة حيث نال درع النقابة ودرع مؤسسة (دار الهلال) ودرع حزب التجمع.
كنت قد كتبت عنه فصلة في كتابي ( نسوة ورجال : ذكريات شاهد الرؤية ) والتي نشرت قبل سنوات في مجلة (الاسرة العصرية ) التي كانت تصدرها مؤسسة البيان الاماراتية ، بعدها هاتفني الرجل من القاهرة ، واسترسل مستعيدا كل الذكريات الخصبة ، وشكرني وكان مهموما بمشكلة العراق .. نعم ، قلت في شاهد الرؤية : رجاء .. الانسان والاديب مثقف ، عصري النزعة ، واديب فكه العبارة ، وناقد مبرز ، وكاتب ماهر ، ومحرر بارع للصحافة الادبية يتميز باسلوبه السهل الممتنع .. مسهب في كتاباته عرفته وقد جمع صفتين ، فهو سهل وممتنع في آن واحد . كان دبلوماسي التفكير وله حيوية مفرطة في العمل .. يمتلك قدرة في نقد الاشياء بعد معرفتها جيدا واختراق هياكلها وتمييز الوانها واشكالها واحجامها عن كل محتوياتها ومضامينها وكل نصوصها ..
رجاء مثقف حقيقي من جيل عشق الكلمة ، وترّبى في واقع له تنوعاته وقيمه وافكاره الحرة .. ولعل ما يميزه التصاق مشاعره مع متطلبات اهله وشعبه .. تمتع بنزعة قيادية في التفكير الادبي والنقدي والتحرير الصحفي الشهري ويبدو انه يمزج مرونته الشخصية التي تبدو واضحة من ملامح وجهه المعبّرة عن الطيبة والوداعة ، واشتهر بابتسامته التي تبدو لي شخصيا مرآة لدواخل الرجل الطيبة واعماقه البيضاء ، ومن ابرز اعماله التي قرأتها عن كثب : نجيب محفوظ : صفحات من مذكراته ، وكتاب : محمود درويش شاعر الأرض المحتلة ، وكتاب : الانعزاليون في مصر ، وكتاب : أبو القاسم الشابي شاعر الحب والثورة ، وكتاب : ثورة الفقراء ، وكتاب : في أضواء المسرح ، ، وكتاب : ثلاثون عاما مع الشعر والشعراء .. كما واستوقفتني كتابه عن الشيخ المراغي ، والآخر لغز ام كلثوم وكتابه شخصيات وتجارب وغيرها من الاعمال المبدعة . لقد وجدت ان رجاء له منهجه البارع في التأليف ، فهو يتبنى موضوعه بكل احاسيسه .. انه يعشقه عشقا كبيرا حتى يخرجه على الناس .. ويبقى يلازمه طويلا .
كتب لي مرة في واحدة من رسائله تعليقا على مقالة كتبتها في نقد فكرة وشعار كانا قد راجا ابان الثمانينيات ، فلم يجازف في نشرها ، قائلا بأن " اسبابا قاهرة خارجة عن ارادتي حالت ونشرها دون تفصيل مني !! " عند ذاك ، ادركت كم كانت معاناته . لقد تلقيت قبل اكثر من 25 سنة رسالة رائعة من رجاء النقاش وبخط يده وكعادته في استخدامه قلم الحبر الازرق ، ولم أزل احتفظ بها بين مقتنياتي الشخصية لأعتزازي بها جدا .. اذ كان واحدا من الذين منحوني شهادة تشجيعية بالغة التأثير. ومرت السنوات سريعة عندما التقيت برجاء في واحد من المؤتمرات العربية .. ولم نكن قد التقينا من قبل .. جلست قبالته رفقة الصديق الاستاذ المحامي الكاتب اللبناني جوزيف ( جهاد ) فاضل الذي كان يجري حوارا معي ، وكان رجاء يختلس النظرات اليّ بعد ان يتيه بصره من دون ان يعرف من اكون .. وفجأة سأله جهاد : اتعرف من يكون جليسنا يا رجاء ؟ ابتسم من دون ان يعرف وهو يهز رأسه بالنفي ، فقال له : انه فلان .. فهبّ رجاء يسلّم علي سلاما حارا وتعانقنا وكأننا كمن غاب احدنا عن الاخر دهرا طويلا .. جلسنا طويلا وتبادلنا الحديث في شؤون العرب الثقافية ومجلة الدوحة الراحلة وعن مصر الكنانة ونجيب محفوظ .. توادعنا على امل نلتقي في وقت قريب ، ومضت سنوات طوال مرت على الامة فكانت الحوادث خطيرة والاهوال بليغة !
واشهد انه كان يتابعني وهو بمصر . وكنت اتابع بين الحين والاخر مقالات واعمال وكتب الاخ رجاء النقاش على صفحات مجلات وصحف عربية ومصرية ، وخصوصا مجلة الوطن العربي او مجلة الهلال وغيرهما .. ولقد فرحت جدا قبل ايام لمناسبة حفل تكريمه من قبل الهلال.. رحم الله الفقيد العزيز ، فلقد اثرى مكتبتنا العربية بأهم الاعمال . لقد خسرت الثقافة العربية واحدا من ابرز كتّابها ونقادها الاقوياء من ابناء القرن العشرين . وكلمة عزاء لكل اهله واصدقائه .. ويكفيهم فخرا ان الرجل قد غرس اثره في اعماق ثقافتنا ، وسيبقى اسمه ورسمه مع تداول الايام .
#سيار_الجميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ستشرق الشمس في بلاد الشمس
-
تقرير اتلانتيك : شرق اوسط جديد بعد العراق!
-
التدمير الخّلاق من أجل شرق أوسط جديد !
-
مكابدات تكنولوجيا الاعلام المعاصر
-
الموصل في اعناقكم جميعا مجرد اسئلة موجّهة الى المسؤولين الام
...
-
الديمقراطية : ضرورة تاريخية
-
متغيرات القوة في الشرق الاوسط
-
عبد الباسط يونس ذكرى صحفي من طراز خاص
-
هل عاد الرئيس بوش بخفيّ حنين ؟؟
-
مجتمعات الجنوب برعاية دول الشمال !
-
الفيدرالية ليست حّلا سحرياً للعراق !
-
ابراهيم الداقوقي - رحيل مثقف عراقي قبل الاوان
-
جادة حوار عراقي - مقاربات ومباعدات بيني وبين الاستاذ الدكتور
...
-
التنمية البشرية : حالات عربية حرجة !
-
جادة حوار عراقي مقاربات ومباعدات بيني وبين الاستاذ الدكتور ك
...
-
تنميّة التفكير واستعادة تشغيل العقل
-
أسرار نجاح زعيم عربي !
-
الطوباوية : بحر خيال ومتاهة اوهام
-
جادة حوار عراقي.. مقاربات ومباعدات بيني وبين الاستاذ الدكتور
...
-
التفكير الجديد : الخروج من معطف الماضي !
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|