|
أديان العراق وطوائفه: عنف الحاضر وتعايش الماضي
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2193 - 2008 / 2 / 16 - 10:38
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
عاشت في العراق أديان وطوائف واثنيات ومذاهب عديدة، متقاربة ومتباعدة أحياناً، لكنها جميعها حافظت على قدر من الاحترام الضروري، لاسيما من خلال الاختلاط والتعايش، والمشترك الانساني. ولم يكن يدور بخلد من هم "غالبية" إلغاء الآخرين أو اقصاؤهم، مثلما لم يكن يخطر ببال "الأقلية" الانصياع والخضوع. فقد كان التنوّع مصدر غنىً وإثراء، ولم يكن في الغالب الأعم مصدر توتر واحتقان. وكان الكثير من المدن العراقية الرئيسية يحفل بالتنوّع الديني والمذهبي والطائفي والاثني، تلك التي خلقت لوحة فسيفسائية عراقية قومية وسلالية ولغوية ودينية وطائفية. وان كان العرب والمسلمون عماد هوية المجتمع العراقي تاريخياً. وهي الهوية التي طبعت الدولة العراقية منذ تأسيسها في العام 1921. الاّ ان الخصوصيات القومية والدينية، كانت متعايشة مع الهوية العربية - الاسلامية، في إطار الاحترام المتبادل والمشترك الانساني والثقافي!
كان الى جانب العرب، الكرد والتركمان والكلدانيون – الاشوريون وأقليات أخرى والى جانب المسلمين كان المسيحيون والصابئة المندائيون والايزيديون وغيرهم.
واختلط الصابئة المندائيون بالمسلمين الشيعة في مدن جنوب العراق وأهواره. وكانت المدن العراقية الكبرى بغداد والبصرة والموصل مختلطة الاديان والمذاهب والاثنيات احياناً. وكان أصحاب الديانات المختلفة يحتفلون بالأعياد والمناسبات العامة والخاصة في فسحة من التسامح تضيق أو تتسع، لكنها كانت تتعايش ويتم الاعتراف بالتنوّع والاختلاف والتمايز! لكن خريطة العراق الدينية والطائفية رغم غناها تعرضت للتصدّع أحياناً، فقد حدث الأمر على شكل موجات سياسية.
فبعد قيام اسرائيل عام 1948 وتشريد عرب فلسطين واندلاع الصراع العربي - الاسرائيلي، صدر القرار الرقم واحد العام 1950 القاضي باسقاط الجنسية عن اليهود أو تسهيل مهمة تهجيرهم، الأمر الذي رفد اسرائيل بالعنصر البشري وأفقد العراق كفايات وخبرات!
لقد تعايش العراقيون دون منازعات تُذكر بين المسلمين والمسيحيين واليهود او غيرهم من الأديان أو بين العرب والكرد والتركمان أو بين السنّة والشيعة، باستثناء بعض التوترات التي يعيشها أي مجتمع. وهي المسألة التي اتخذت طابع حملات تهجير وإن كانت محدودة ما قبل العام 1980 لبعض عرب العراق بزعم ان اصول بعضهم إيرانية.
لكن الامر اشتد على نحو كبير عشية الحرب العراقية - الايرانية وما بعدها.
وشملت بعض الاجراءات حملة لتغيير معالم التركيبة السكانية (الديموغرافية) لمحافظة كركوك بصدور قرارات تفضيلية لاستبدال القومية الى العربية ومنح بعض الامتيازات على حساب التركمان والكرد منذ السبعينات. واعتبرت احصاءات حكومية ان أصل الإيزيديين عرب وكذلك الصابئة المندائيون، في حين أن هناك اشارات الى أن لغة الإيزيديين القديمة كانت الكردية ولغة الصابئة القديمة كانت الآرامية. ورغم تلك المحاولات المحمومة ذات الطابع المؤدلج فإن العراقيين تعايشوا وتضامنوا في ما بينهم ولم نسمع أن مسلماً قتل مسيحياً لأنه من دين آخر، كما لم نقرأ أن عربياً اعتدى على كردي أوتركماني أو كلداني أو أرمني لأنه من عنصر آخر، ولم يسجل التاريخ أن سنياً قتل شيعياً أو العكس بسبب اختلاف المذهب. وإن كان الأمر لا يخلو من حساسيات ومناكفات وتجاوزات أحياناً، الاً أن خط التعايش كان الأوثق والمشترك الانساني كان الأكثر حميمية، ولم تقف بعض الحوادث الفردية عائقاً أمام تطوير هوية عراقية جامعة.
التعايش والمصير المشترك الذي بدا عنصر قوة تاريخياً أصبح عنصر ضعف وتوتر خلال اندلاع موجات العنف والتطهير المذهبي والاثني لاسيما بعد احتلال العراق عام 2003. وبالطبع فإن أبناء الديانات غير الاسلامية وقع عليهم الاضطهاد مزدوجاً، فإضافة الى العنف الذي يعاني منه كل العراقيين، فهناك عنف مقصود لحق بالمسيحيين والأيزيديين والصابئة على يد متطرفين ومتعصبين، مثلما لحق عنف بالسنّة مضاعفاً ومنفلتاً من عقاله، وخصوصاً بعد تفجير مرقدي الامامين علي الهادي والحسن العسكري (شباط 2006).
وتعرضت الكنائس المسيحية لاسيما في بغداد وكركوك لتفجيرات كما تعرّض المسيحيون فيها وفي البصرة والموصل الى ضغوط شتى، حين جرت محاولات لاجبار النساء على ارتداء الحجاب أو قتل رجال الدين أو إغلاق الكنائس أو صدور فتاوى زائفة من بعض رجال الدين المتأسلمين لاجبار المسيحيين على دفع الجزية (250 دولار شهرياً) مقابل السماح لهم البقاء في بيوتهم لكونهم من أهل الذمة، أو عليهم اشهار اسلامهم.
كما استهدف التكفيريون والمتعصبون، الصابئة، الى درجة أن الكثير منهم هرب الى الخارج وبلغ عدد القتلى 504 أشخاص وتم اختطاف 118 شخصاً، قسم منهم دفع الفدية وأطلق سراحه وغادر الى الخارج. وفي مدينة لوند السويدية وحدها يوجد مئات من اللاجئين، وتسنّى لي في أواخر التسعينات أن ألقي محاضرة هناك وأطلعت على أوضاعهم الصعبة، رغم أن بعضهم أسس حياة جديدة وزاول مهنة الآباء (صياغة الذهب) التي يشتهرون بها!
أما الإيزيديون فقد تعرضوا لهجمات شرسة استهدفت مراكزهم الدينية والثقافية والاجتماعية، ناهيكم عن تهديدات تطالبهم بتغيير دينهم. وخلال 2007 وحده اشعلت النار في معبد لالش المقدس لديهم (شمال العراق – كردستان) وتعرضت منطقتا القحطانية والعدنانية التابعتان لقضاء سنجار لتفجيرات مرعبة راح ضحيتها أكثر من 200 قتيل ونحو 850 جريحاً، كما تم هدم 30 منزلاً. وما زال الإيزيديون يعانون من ضياع بطاقتهم التموينية، فالحكومة المركزية تعتبر حصتهم ضمن اقليم كردستان، بينما تعتبر حكومة الاقليم أن حصتهم من الحكومة.
وكانت معاناة التركمان مزدوجة أولاً بسبب الصراع على كركوك وموضوع تطبيق المادة 140، كما تعرضوا لأعمال تفجير متكررة وبخاصة في منطقة كركوك التي يختلط فيها العنف الاثني بالطائفي في حين كان يتعايش فيها العرب والتركمان والكرد إضافة الى المسلمين السنة والشيعة والمسيحين على حد سواء، وكذلك منطقة تلعفر التابعة لمحافظة الموصل.
إن الاعتراف بالخصوصية والإقرار بالتنوّع والتعددية وحق الاختلاف والتمايز سيكون طريقاً سالكاً لاستعادة الهوية الوطنية العراقية الجامعة التي لا يمكن فرضها بالاكراه أو بإلغاء الآخر بل بالاعتراف بالحقوق لاسيما حق المواطنة والمساواة التامة، تلك التي تحتاج الى التراكم والثقافة الحقوقية والتنشئة الوطنية السليمة، العابرة للأديان وللطوائف وللمذاهب وللإثنيات!
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من يضمن حقوق اللاجئين -العراقيين-؟!
-
غاندي وروح التسامح واللاعنف
-
نفق غوانتانامو الذي لا ينتهي!!
-
الحرب الاستباقية واحتكار العدالة: حالة غزة
-
أور أو -مدينة القمر- والشبكة العنكبوتية
-
جورج حبش: الاستثناء في التفاصيل أيضاً!!
-
صورة المجتمع المدني بين التصادم والتواؤم
-
دولة مواطنة أم مواطنة دولة ؟!
-
المجتمع المدني بين الاقرار والانكار !!
-
راية الليبرالية الجديدة!!
-
العقدة النفطية في المشكلة العراقية!!
-
العلاقات العراقية- الامريكية .. والعودة الى نقطة الصفر!!
-
اللاجئون العراقيون : مسؤولية من؟
-
سيناريوهات الاجتياح التركي للاراضي العراقية!!
-
سيناريوهات الوجود أو الانسحاب الامريكي من العراق!!
-
العدالة الانتقالية وذاكرة الضحايا!!
-
شط العرب.. وصاعق التفجير!!
-
هل الديمقراطية مثالية؟!!
-
المكتب البيضاوي: انه الاقتصاد يا غبي!!
-
التنوع الثقافي والنخب الفكرية والسياسية!
المزيد.....
-
المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل
...
-
مفاوضات -كوب 29- للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة ت
...
-
إيران ـ -عيادة تجميل اجتماعية- لترهيب الرافضات لقواعد اللباس
...
-
-فص ملح وذاب-.. ازدياد ضحايا الاختفاء المفاجئ في العلاقات
-
موسكو تستنكر تجاهل -اليونيسكو- مقتل الصحفيين الروس والتضييق
...
-
وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في كييف ومقاطعة سومي
-
مباشر: قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في
...
-
كوب 29: اتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنويا لتمويل العمل ا
...
-
مئات آلاف الإسرائيليين بالملاجئ والاحتلال ينذر بلدات لبنانية
...
-
انفجارات في كييف وفرنسا تتخذ قرارا يستفز روسيا
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|