حميد الحلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 2190 - 2008 / 2 / 13 - 10:41
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
منذ أربعـة عقـود ونيـف , وفي خضم التطورات السلمية من جانب والتحولات العنيفة من جانب آخر والحاصلة على الساحة الدولية آنذاك , والتي تمثلت بإشـتداد نضال الشعوب المستعمرة للخلاص من النير الذي يلف رقابها , والوجـه القبيح للإمبريالية , المتمثل بآلتها العسـكرية الجاثمة على صدور تلك الشـعوب , كنا نحن مجموعة من الشـبيبة المتنورة نوعا ما والمطلعة من خلال القراءة المستمرة للكتب والمجلات المتاحة على أسـاليب ونظم الحياة في المعسـكرين القائمين في ذلك الوقت , كنا أحوج مانكون الى إتخاذ قرار يمهـد لمسيرة حياتنا القادمة ..
فأمـا قناعة بما سطرته الميثالوجيات المختلفة والقديمة قدم التاريخ نفسه , والإقرار بحتمية البقاء في القاع كمُسْـتَغلـّيـن ْ ( من كافة القطاعات ) والإيمان المطلق بأن الفوز سيكون في الحياة الثانية بعد الموت , لبنعم قلة من الناس بكل ما في هذه الحياة من مسـرات وترف على حساب سرقة جهودنا وعرقنا , ولأن الإرادة العليا فوق السموات هي التي قضت بذلك كما يزعم وعاظ السـلاطين .
وإما الإنحياز الى ذلك المارد المتمثـل في " الشـبح الـذي يطوف أوربا " منذ نهايات القرن التاسـع عشـر , والذي يدعو الى كسـر وتحطيم هذه المورثات البالية , وبناء عالم جديد , عالم خال ٍمن إسـتغلال الإنسـان لأخيه الإنسـان , عالم ينهي الفقر والمرض والجهل , ويجعل كل مجالات الثقافة والإطـلاع متاحـةللجميـع , عالم كهذا يسـاوي مليون فردوس في العالم الآخر , عالم كهذا ولتذهب الحور العين وندائاتهن وطاقة السـبعين رجـلا ً من الناحية الجنسية الى الجحيم بدلاً من الجنـة , على هذا الأسـاس كان الإختيـار ,إنضممنا الى الجيش الذي يقوده ذلك ( الشبح ) رغم معرفتنا التامة بالمصاعب والأهوال المنتظرة , وبقـاء حلم كهـذا بعيد المنال ولآماد طويلة .
وممـا يدعو الى الفخر , إنـه خلال هـذه المسيرة الطويلة نسبياً في عمر البشر , والقصيرة في حياة الشـعوب , برزت أمثلة ناصعة هي من الشـدة والقوة في الإلتزام التام لا بل حتى المفرط , بمفردات المنظومة الأخلاقية الراقية التي رغب ويرغب ووسيظل ذلك المارد راغباً في بنائها في المجتمع .. أي مجتمع تنتشـر وتنتصر فيه أفكاره النيرة .. فكانت هناك نجوماً ساطعة في سـماء وطننـا لايمكن لأي منصف نسيانها ونسيان دور تضحياتها الجبارة في رسـم الطريق أمام المناضلين وتعبيده وتعميده بدم الشهادة ليفجر هؤلاء ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة , والتي لايمكن لقوى بعينها سـعت ولا زالت تسعى , ومهما لبسـت من أزياء وتقمصت من شـخوص ومها حاولت أن تطمس آثارهم ومحو صورهم من ذاكرة الأجيال المتعاقبة , فكان فهـد وصارم وحازم , وكان سـلام عادل والفصيلة المقدامة التي أشـتشهدت معه , مضربا ً للأمثـال .
ومما يدعو الى الأسـف ويجعلنا نشـعر بالخزي , أنه خلال هذه المسيرة , برزت نماذج عديدة , بعيدة كل البعد عن جوهر تلك المنظومة الأخلاقية , في وقت ٍ تشـبثت فيه بالقشور الخارجية لها , وتسلقت عبر سلوكيات إنتهازية الى أعلى المراكز الحزبيـة , تهاوى منها , من تهاوى وأضمحل أمام عظمة النموذج الأول من أضمحل منهم مشـبعاً ومشـيعا ً باللعنات من التاريخ ومن رفاقه , و لاأريد في هذا المجال التطرق الى أسمائهم فقائمتهم طويلة , إبتدأت من مالك سيف , ولم تنتهي حتى يومنا هذا , فأبوابها ونوافذها مشـرعة , يدخلها من هب ودب ,من أسـوأ النماذج وأشـدها إبتعادا ً عن المفاهيم التي نادت بها منظومة الأخلاق تلك .
ما أردته من هـذا المدخـل ونحن نسـتذكر بحزن وألم بالغين , ذكرى عزيزة على قلوب كل الشـيوعيين العراقيين الشـرفاء , ألا وهي ذكرى إعـدام قادتهم في الرابع عشـر من شـباط , وأنا أتصفح نسـخة من بلاغ أصدرته كتلة برزت في الآونة الأخيرة في صفوف هذا الحزب العريق الذي كنت ولا أزال أفخـر بشـرف إنتمائي إليه , رغم تقاعـدي الحالي , الذي أجبرتني عليه ظروف كثيرة وكبيرة داخل مؤسـسته التنظيمية , والتي وجـدت صدى لمعظمها مشـخا ً في فقرات ذلك البـلاغ الذي تكرم به علي أحـد أصدقائي المتقاعـدين في مقهانا المفضلة في " الباب المعظم " , هذه الكتلة , التي أطلقت على نفسـها إسـم " كتلة تصحيح المسار " وهذا الأسم هو الذي دفعني الى التسـاؤل الذي وضعته كعنوان لموضوعتي هذه .
أقول ما أردته من هذا المدخل هو الولوج الى عقر دار أولئك الفاشست الجدد من شـذاذ الآفاق ومن تبعهم من قوى الغدر والظـلام , أبناء الشـياطين المتلبسين بلبوس جند الرحمن , المتقولين بأن الأمر إنتهى إليهم ولهم , وإن زمـان النور ذاك قد ولى الى غير رجعة , فأفقأ عيونهم به , وألقم كلابهم كلها بحجر واحـد , لأنهم كلهم مجتمعين لا يسـتحقون صرف دينار واحـد عليهم في زمن شـح فيه حتى وجود الحجر , فهم كانوا وسـيظلون مهما نفخ الحواة في جرابهم , مجرد أقزام أمام سيـول النور المتدفقة من رحـم الأم الولود .
لأعود بعدها للحديث مـع قيادة الحزب الشيوعي الحالية .. وأتسـائل لماذا هذه الكتلة .. ولماذا الآن ؟
هل هم مجموعة من الطامحين والمغامرين الثوريين الذين خابت مسـاعيهم في الوصول الى مراكز صنع القرار في الحزب و " زعلوا على الحزب " , هذه العبارة التي لازلت أراها على معظم الأسـطوانات المنتجة من قبل شـركة " بيضافون " قبل خمسـة عقود من الزمن ؟
هـل هم خونـة للقضية ... مشـكوك في ماضيهم ؟
هل هم من النموذج الثاني .. نموذج مالك سيف ..وأولاده وأحفاده ؟
هل هـم .... هل هـم ... هـل .......!!
أسـئلة كثيرة ظلت تتردد في مخيلتي قبل وأثناء قرائتي لفقرات البـلا غ , لكنها كلها تتبددت عندما أكملت القراءة لأكتشـف إنهم وبتشـخيصهم لبواطن ومواطن الخلل في المسيرة , والتي دفعتني بالذات ودفعت الكثيرين معي الى التقاعد الإجباري , لأننـي وبكل صراحة أقولها , لم أكن أمتلك الشـجاعة على الإجهار بموقف كهـذا خوفـا ً من الألسـنة السـليطة التى عاشـت وما زالت تعيش بين ظهراني القيادة وكوادرها الوسيطة , والتي لم تتردد في إلصاق أبشـع التهم بحق الكثير ممن سـبقونا في هذا المضمار ( التقاعد والحديث عن الأخطاء ) , لم يكونوا من النوع محل تسـاؤلاتي التي أضعها أمامكم .
وما رسـخ القناعة التامـة لدي في هـذا الموضوع .. هو صمت القبور الذي ألتزمتموه حيال الأمر حيث لم يصدر عنكم أي تعليق عليه , في حركة مسـرحية فشـلت تماما ً في إيصال الرسـالة المرتجاة منها الى الجماهير , لكونها سلعة بائرة , وقديمة أكل الدهر عليها وشـرب وما عادت تجدي نفعا ً في ظل المفاهيم الجديدة التي بشـرتم ويؤسفني أن أقول خدعتم الكثيرين بها , عندما أتخذتم منها غاية وسيلة للتسـلق الى قمة الهرم .
ديمقراطية , تجديد , شـفافية , ......إلخ .
سـابقا ً كان يقال إن الإهمـال يقود الى الزوال , وهو يعني إنك إذا ما أهملت شـخصا ً يتقول عليك , فأنه سيذهب بعيدا ً ويختفي أثر تقولاته عليك , لا بل سـيخرج من حياتك كلها , لكن هذا الموضوع ذهب إدراج الرياح مـع التقدم الهائل في عالم الإتصالات وصار العيار الذي لا يصيب يحدث ضجيجا أكبر على مسـتوى العالم كله , ولم يعد أثر ذلك الضجيج محصوراً في منطقة واحدة وهـذا ما لم تسـتطيعون إدراكـه مع شـديد الأسف , وهنا تتضح
حالة العجز التي تنتاب بوقكم الأعلامي الذي أسـستموه لتغطية حاجة السـوق المحلية فقط .
كما يبدو لي فأن العيار الذي أطلقه هذا البلاغ قد عرف طريقه الى القلب مباشـرة فأحالكم جثة هامدة مباشرة
ولم يعطكم مجالا ً حتى للحديث عنه , وصرتم ترتدون أبهى حلة وأنتم تغادرون هذا العالم مثلما هي تقاليد أخوتنا المسيحين عندما يذهب أحدهم الى العالم الأخر , لكنه لا يملك القدرة على الكـلام .
قد يقول قائل من هؤلاء الذين أرتضوا لأنفسهم لعب دور الساكت عن الحق , إنه من باب الترفع عن الرد على مثل هؤلاء تلتزم القيادة الصمت , هؤلاء الذين حفزتني قراءة البلاغ للسـؤال عن شـخوصهم , فإذا بي أسـمع من التشـنيع والتـ " تشـليع " عليهم بالمفردة الدارجة , والتي تعني عدم ذكرهم إلا بكل الصفات السيئة التي يمتلكها البشـر , ولماذا ؟
لأنهم أنتقـدوا القيـادة ؟ بما إنهم إنتقدوا القيادة فإنهم قد سـبوا الحزب وبما أنهم سـبوا الحزب فهم لا يسـتحقون إلا السـب والشتم واللعن والطعن ..!! أهـذه هي الجدلية التي تحدث عنها ماركس ...!!!!
أهذه الديمقراطية التجديدية التي أتحفتمونا بها ...!!
وهنا لا أمتلك إلا أن أقول شـكراً لمن أصدر هـذا البلاغ الذي شـخص كل عيوبكم و وضع الحلول لها , لكنه في نفس الوقت شـجعني على كسـر حاجز الخوف , من الألسنة السليطة , ودفعني الى الكتابة لكم فاتحا ً باب نقاش أنا آآمل أن تسـتجيبوا له , خدمة لما تسوقون له من , ديمقراطية وتجديد وشـفافية ....وتحالفات مـع الشـيطان حتى ... إذا أقتضت الضرورة .
#حميد_الحلاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟