|
الحديث الجائرعن منظمات حقوق الإنسان الدولية في سوريا
بشار السبيعي
الحوار المتمدن-العدد: 2189 - 2008 / 2 / 12 - 10:08
المحور:
حقوق الانسان
يتبجح بعض النقاد والكتاب الذين يلبسون العبائة الأكاديمية ويهتفون بمرادفات فوقية ضد أعمال منظمات ولجان حقوق الإنسان في سوريا، ويتهمون تلك المنظمات واللجان الدولية بالتبعية للإمبريالية العظمى والمحسوبية لأموال أجنبية لإثارة الفتن الطائفية والعرقية بين أفراد المجتمع السوري. النقد اللاذع والمبطن ضد هذه الجمعيات الدولية وأعمالها النبيلة في مجال حقوق الإنسان العالمية، يلبس قناع الليربالية والحداثة مغلفاً بالوطنية المصطنعة ويتجاهل التركيبة الأمنية والإستبدادية لنظام سلطوي عائلي أصبح الفساد مستشري في عروق مؤسساته وحكوماته، يشوه الصورة الحقيقية للواقع المأساوي على الأرض التي تعيشه سوريا منذ أكثر من خمس وأربعون عاماً.
من الطبيعي أن نسمع مثل هذه الأصوات المأجورة أو المحسوبة على أنظمة الإستبداد والديكتاتورية تندد في تلك المنظمات الدولية، فبعد أن إحتكرت الحكومات العربية السلطة في جميع البلدان العربية من خلال التبعية البدوية أوالعرقية لمجتمعاتنا النامية وأخلت الساحة السياسية من كل مايشبه من أصوات معارضة لأنظمتها، لم يبقى في حلبة الصراع الأيديولوجي بين الموالاة والمعارضة إلا المؤسسات والمنظمات التي تسلط الضوء على تلك الإنتهاكات اليومية لحقوق الإنسان في البلاد العربية. فيأتي اليوم أولئك النقاد والكتاب لينالوا من تلك المنظمات ويتهموها بالحيادية والخيانة الوطنية في أعمالها المشرفة في مراقبة التعسف والإضطهاد السياسي والإجتماعي تحت أشد الظروف والإستفزازات الأمنية المفروضة عليها في سوريا وبقية البلدان العربية.
النقد المفتري في حق تلك المنظمات تجاوز الخطوط الأخلاقية إلى درجة تسمية تلك المنظمات ب "الطابور الخامس" وإتهامهم بإعطاء صورة "سلبية" عن واقع مجتمعاتنا العربية "المفكك"! وكأن جميع الأسباب التاريخية المسؤولة عن تشتت وتخلف النضوج الفكري والسياسي في مجتمعاتنا الغارقة في الإستبداد والقمع والإرهاب الذي يمارسه الحاكم ضد المحكوم أصبحت هي العامل الأساسي في خلق تلك الظاهرة الشيفونية عند الحاكم العربي، وأن تلك المنظمات هي التي سببت ذلك المرض العضالي في كرسي الحاكم العربي عامة والحكم السوري خاصة. غريب أمر أولئك الكتاب!! فإن حالف الحظ مجتمعاتنا العربية أن تقع تحت وطئة الظلم والإرهاب السياسي لحاكم مستبد جاء على ظهردبابات الجيش السوري، فهي المذنبة في نظرهم وعليها أن تتفحص أسباب ذلك الغبن والإثم السلطوي التاريخي وتراجع كل مفاهيمها الإجتماعية التي أدت بها إلى القبول بذلك الحاكم الذي أصبحت فروع أمنه المخابراتية تفوق عدد وزارات دولته وأعداد مساجين الرأي والضمير والمثقفين في أقبية زنزاناته بالمئات بينما وصل عدد المفقودين منهم إلى الألاف.
في رأي أولئك النقاد أن تلك اللجان هي المسؤولة عن أمن الدولة وصيانة سماؤها من الإختراقات الجوية لحرمة الأجواء الوطنية وليس قدرات الجيش السوري أو قياداته، فهي إن لم تندد وتهلهل في هذه الأفعال الشنيعة من قبل العدو الصهيوني ضد الوطن السوري، كانت في عداد الخونة والعملاء وهذا دليل على مدى تورطها في أشباك المؤامرة الأمريكية ضد سوريا وشعبها العظيم. هراء مابعده هراء.. فكيف لعاقل أن يكتب مثل هذا الكلام ويحسب أن هناك من سامع أو مصدق لهذا الهزل الكلامي الذي إن كان دل على شئ فهو الدليل على إحتقار الكاتب لقرائه و تسفيه الشعب السوري في قدرته على الإستيعاب وفهم ما يجري من حوله على الساحة الإقليمية والعالمية. هناك نقص في الوعي أو الإستيعاب لمهام تلك المنظمات في سوريا أو البلدان العربية عند هؤلاء النقاد عندما يطالبون تلك المنظمات بتحليل التركيبة الإجتماعية والثقافية والتاريخية والحضارية للمجتمع السوري قبل أن يقوموا في مهامهم الأساسية التي تتضمن مراقبة الأحكام العرفية الجائرة وتوثيق إنتهاكات الحقوق المدنية والإنسانية للمواطن السوري من قبل فروع أمن الدولة تحت ذريعة حكم الطوارئ الذي مازال يفتك في حقوق الشعب السوري منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن. فقبل أن يتهجم أولئك النقاد على تلك المنظمات ومهامها في رفع الظلم والإستبداد التي تمارسه الدولة ضد المواطن السوري يومياً، عليهم أن ينظروا في أعماقهم بشفافية مطلقة وإخلاص كامل عن الأسباب الحقيقة وراء هذا الظلم السياسي والفكري الذي أصبح يتناول خيرة المفكرين والمثقفين السوريين الذين كرسوا حياتهم لإحياء النضال السلمي ضد الديكتاتورية والفاشية التي تمارسها السلطة اليوم في سوريا.
سوريا اليوم تخضع لإنتهاكات حرمة حقوق مواطنيها الإنسانية والمدنية في الحرية الفردية التي أعطاها الخالق لكل كائن حي من قبل حكومة فقدت شرعيتها منذ سنوات طويلة لتصبح محتكرة من قبل عائلة واحدة تنهب خيرات الشعب وتنسف أماله وأحلامه في بناء دولة العدل والمواطنة لترتقي بسوريا لتصبح واحدة من الدول المدنية والحضارية والديمقراطية الأخرى في صفوف العالم المتحضر. فقبل أن يسلطوا أقلامهم الجائرة على منظمات ترتقي في أعمالها الإنسانية الجليلة في حقوق الإنسان العالمية، يجب على أولئك النقاد أن ينظروا نحو قصرالمهاجرين ليسألوا ساكنه أن يرفع يده الجائرة عن أعناق الشعب السوري ليفتح أبواب زنزاناته المعتمة ليطلق سراح أحرار سوريا وأبناء الوطن.
#بشار_السبيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من الرماد تأتي الحياة...عبرة لمن إعتبر
-
المعارضة السورية والأقلام المأجورة...
-
خطوة إيجابية في مستقبل المعارضة السورية...
-
هذه الأوقات التي تمتحن قلوب الرجال
-
الموضوعية في نقد الديانات الإبراهيمية
-
لما تستغرب؟ فهم لايعرفون بديل
-
الصلاة شفاء من كل داء
-
الفتاة العربية و غشاء البكارة
-
وفاء سلطان و العقل العربي الإسلامي
-
ضجيج عربي
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
هآرتس: ربع الأسرى الفلسطينيين في سجون -اسرائيل- اصيبوا بمرض
...
-
اللاجئون السودانيون في تشاد ـ إرادة البقاء في ظل البؤس
-
الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
-
الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف
...
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
منظمة حقوقية يمنية بريطانيا تحمل سلطات التحالف السعودي الإما
...
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|