|
تأمل في تمثال عبد الكريم الخطابي
أحمد الخمسي
الحوار المتمدن-العدد: 2190 - 2008 / 2 / 13 - 10:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
في بحر أربع وعشرين ساعة، ومن غير تنسيق، عندما انهيت هذه الحلقة الأولى من الرأي حول نقل مقاومة الريف من أدغال الذاكرة إلى ذاكرة الحاضرة، أحضرت حكيمة نسخة من كتاب للأستاذ علي الأدريسي حول "التاريخ المحاصر" وتوصلت من عبد الواحد المرابط بنسخة من برناج "البحث في الذاكرة والتاريخ للجهة الشمالية/الريف لسنوات 1952-1962"، علما أن فريقا من القناة الثانية انطلق من طنجة نحو تطوان والحسيمة والناظور مع ربط الصلات بباريس ومدريد للبحث عن مناجم الذهب ولتجفيف الدم من الجروح المتبقية على جبين الذاكرة.
I
نستبق الذكرى 44 لغياب الزعيم عبد الكريم الخطابي بأسبوع. فيوم 6 فبراير1963، توفي عبد الكريم الخطابي في القاهرة. ونحن في الأسبوع الأخير من يناير، بيننا وبين الذكرى فسحة زمنية لإعمال الرأي. لإعمال العقل. لبناء الرأي بترسانة من المعطيات الخام الميدانية وكذا القاموس الملائم لمجال التحليل، بعدما طال استهلاك رأس المال العاطفي الناتج عن انتشار المشروع القومي والوطني في السابق. كنا نردد المعطيات العسكرية المنتمية للانتصار العسكري في ما قبل أنــوال وما بعدها. عبارة عن نتف مشتتة. والحال أن السقف الواطئ في حرية التعبير ببلدنا لم يكن ليوفر للقاموس المتداول بين الناس في مجال الرأي العام، أية خبرة تحليلية في أنواع المعارك ومسارات الحروب وتكنولوجية الاسلحة المستعملة. فالحديث عن الانتصارات ذات المنحى الشعبي كانت على طرفي نقيض، بين التخويف أو التحريض. أما التأمل المتأني في صناعة التاريخ السياسي من البوابة العسكرية الكبرى كما جرى في شمال المغرب بزعامة عبد الكريم الخطابي، فيقتضي الانطلاق من مدرسة التواضع مع الألف والباء كما يلي:
مراحل المقاومة الريفية 1882= الميلاد بآيت خطاب ببني ورياغل 1917= اعتقل من طرف السلطات الاستعمارية 1919= الانشغال ب"السياسة الكبرى" من الباب الواسع، خصوصا بعد ما راج من العجرفة الاستعمارية عند الملك الاسباني وقائده العسكري سلفستري 1920= التقدم العسكري لحوالي 100 ألف عسكري اسباني 1921= في ابريل الرد المقاوم على بناء موقع اسباني متقدم وقتل 179 جندي اسباني في يوليوز: الهزيمة العسكرية الاسبانية نتيجة لرداءة القيادة العسكرية الاسبانية أكثر منها نتيجة تراكم في الخبرة العسكرية المغربية الريفية. 1922-1926= التنظيم الإداري المستقل في مناطق الريف بشمال المغرب 1926-1927= الحملة الفرنسية للقضاء النهائي على المقاومة الريفية 1927-1947= عشرون سنة من المنفى السحيق بجزيرة الريونيون، (من 45 عام إلى 65عام من عمره) 1947= النزول بالقاهرة عن سن يصل 65 عاما 1952= سنة الثورة المصرية يصل عبد الكريم سن 70 عاما 1956= سنة استقلال المغرب عمره بلغ 74 عاما 1962= الإعلان عن الاختيار الثوري من طرف الجناح اليساري في الحركة الديمقراطية بلغ سن 80 عاما 1963= حرب الرمال التي عرفت التوتر بين المغرب والجزائر، كانت مبررا لقطع الجسور السلمية المدنية السياسية لقوة الاختيار الثوري في الجزائر من الكرونولوجيا السابقة يمكن استخراج بعض العناصر لنحكم عما إذا كانت الحركية السياسية والعسكرية في الريف مقاومة أم ثورة. إن التدقيق في المصطلح السياسي بمثابة استعمال العقل السياسي العلمي لقياس درجة الزلزال السياسي الذي أحدثته حركة عبد الكريم الخطابي.
فالكلام عن المقاومة لا يلغي الاعتبار بحجم الخسائر العسكرية الاسبانية، وحجم الخسائر العسكرية الاسبانية قد تعني الانهيار في العناصر الداخلية للنظام العسكري الاسباني الموروث عما تبقى من النظام الاستعماري العتيق الاستقراطي الاقطاعي المنفجر في المواجهة مع الجيش الامريكي في كوبا والفيليبين سنة 1898. أكثر من اعتبار عبقرية تنظيم عسكري محلي مغربي بلا تكوين عصري ولا تراكم في التداريب ولا اصطفاف في التحالفات الجهوية ولا تكامل مع حركات التحرر الوطني. ولا تحديث في الايديولوجيا.
ومن الكرونولوجيا السابقة نستخرج قضاء عشرين سنة في المنفى (1927-1947) في أوج العمر المنتج لعبد الكريم ورفاقه (45 عاما-65عاما) دون الحصول على مؤلفات ولا على مذكرات على الأقل لسنوات المقاومة أو الثورة. إن الثوريين الذين جاءوا بعد الثورات الهولندية والانجليزية (القرن 17) والأمريكية والفرنسية (القرن 18)، لم يعد في مستطاعهم تقدم مجتمعاتهم والانتماء لعصرهم، دون الوقوف والانطلاق من عقلنة السياسة في مختلف المجالات. فأحد صناع الثورة الفرنسية سان جوست، ألف كتابين حول قضايا الثورة ومؤسساتها في فرنسا والامتداد الأوربي. لذلك، يمكن اعتبار الزلزال السياسي العسكري الريفي المغربي ضد الاسبان لم يمتلك عناصر التحول من مقاومة وطنية ضد الاحتلال إلى مستوى الثورة الممتدة في المهام السياسية من المراحل الدفاعية عن مجرد الوجود المستقل ببنياته القائمة إلى المراحل التحول تحت سقف المقاومة إلى نظام سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي مغاير.
ومن الكرونولوجيا السابقة، يمكن التقاط توقيت بدء المنفى (ماي1927)، عندما أفرز ترتيبا في السلطنة المغربية (وفاة يوسف بن الحسن الأول 18/20 نوفمبر) وتوقيت الخروج منه عند النزول في القاهرة مباشرة بعد خروج محمد بن يوسف عن الطوق الاستعماري في زيارة وخطاب طنجة، التي أتت في سياق قومي ناهض تقسيم فلسطين واقتضى الوضوح السياسي. فكأنما كان توقيت النزول بالقاهرة مرونة فرنسية لخلق تنافس مغربي داخلي بين الشرعيات السياسية الناشئة خلال الربع قرن الأخير (1921-1947)، أي بعد اتفاقيات فيرساي (1919) ومالطا (1945)، المؤسسة للوضع الدولي قبيل قيام الحرب الباردة.
لقد ترعرع الوعي القومي لما بعد ذلك، في ظل مكوث الزعيم بن عبد الكريم بالقاهرة ما بين 1947 و1963، أي ستة عشرة سنة. في ظل تناقضات عديدة ما بين الزعامة القومية الناصرية وبين حركات التحرر الوطني. أول التناقضات: رفع الزعامة القومية الناصرية شعار "لا حزبية بعد اليوم" وهو ما كان يحرج موضوعيا "مكتب تحرير المغرب العربي" في القاهرة. ويتركه أعزلا من سلاح التنظيم، مقارنة مع الأحزاب اليسارية؟ كم كان أطر مكتب تحرير المغرب العربي؟ ماهي الأجهزة التي ضمنت تطبيق سيادة الشعب في أنوية السلطة الثورية تلك إن كانت تحمل تصورا للمشروع المجتمعي في رحمها؟ أم كانت الكاريزما وتقديس الزعيم وصل حد إيمان الجمهوريين بتحويله إلى أمير دون الالتفات إلى التناقض في نظام الحكم بين الإمارة وبين الجمهورية؟ ما هي التيارات التي كانت تخترق مكتب تحرير المغرب العربي؟ إلى أي تيار كان ينزع الأمير عبد الكريم الخطابي؟ أم كان منسجما مع مؤثراته الأولى (جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا)؟ والحال أن الجواب البسيط بين كتابته الرسائل بالتاريخ الميلادي دون الهجري قد يفيد ببصيص حجة. لكن محاولته ارتداء اللباس العسكري العصري دون العودة إليه ولا الظهور به حجة معاكسة، في الوقت الذي تقابل فيه انتصار مصطفى كمال أتاتورك على الغرب، ونهوض الحركة الأصولية للرد عليه في نفس سنة 1928، سنة طي الصفحة الشرقية من تاريخ تركيا الكمالية؟؟؟ في الأسبوع المقبل الفقرة (II) من التأمل أمام تمثال الزعيم عبد الكريم الخطابي
#أحمد_الخمسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(II)أحلام من الخيال العلمي تأمل في تمثال الزعيم
-
قراءتين في -كتاب الأمير-
-
سطحية السياسة المغربية في الصحراء وفي السياحة سواء
-
حديث الروح
-
هل يدشن التقرير الإصلاح الشامل في الاتحاد الاشتراكي؟
-
شروط الانتقال من الزوبعة في الفنجان إلى التغيير
-
حتى لا نصب الغاز على نار زيارة خوان كارلوس للمدن المغربية ال
...
-
موقع النقد الذاتي في بنية العقل السياسي المغربي
-
الدرس من مكناس أو العقد الاجتماعي المرتقب
-
مسؤولية المفكرين في ثقب طبقة الأوزون الإيديولوجي
-
عندما سحقت الدولة المعنى النبيل للسياسة
-
تشكيل الحكومة وزيت العزوف المسمومة
-
وداعا أيتها السنونو
-
من المسؤول عن ملوحة الماء في النهر الانتخابي
-
حسب توقيت الرماد
-
-غير بالتاويل- مع نتائج الانتخابات
-
لموت الصري وموعد الانتخابات هل دقت ساعة القطيعة مع سياسوية ا
...
-
بمناسبة عيد ميلادك أيتها الجميلة
-
سيف الصيف
-
الجسد الذي تحول إلى طائرة مروحية
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|