|
كشف الأسرار عن سحر الأحجار
عبد الإله السباهي
الحوار المتمدن-العدد: 2188 - 2008 / 2 / 11 - 11:25
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الحلقة الأولى 1-4 كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن الأحجار الكريمة وتأثيراتها على سلوك الإنسان . وخاصة على بعض الفضائيات . وقد غلب على تلك الأحاديث عدم الدقة و الخلط أحيانا . أحاول في هذه الحلقات أن الخص الكتاب الذي وضعته حول الأحجار الكريمة والذي أخذ مني ما يزيد على الست سنين من البحث في المصادر العربية القديمة ، وما كتب في الغرب عن الأحجار الكريمة وبلغات مختلفة أهمها الروسية. وقبل الخوض في معرفة تلك الأحجار أود أن أخصص هذه الحلقة لعلاقة الأحجار الكريمة بالإنسان . الأحجار والإنسان الإنسان ومنذ بداياته الأولى في النهوض على أطرافه السفلة على الأرض ارتبط بعلاقة مميزة مع الأحجار. فقد أصبحت الحجارة أداة عمله الأولى وسلاحه في دفاعه عن نفسه وتحصيل قوته . تطورت مدارك الإنسان ونما مخه نتيجة استخدامه لتلك الحجارة وتطويره لها. وعندما أصبح الإنسان يستوعب الجمال لفت انتباهه شكل الأحجار وألوانها المتعددة و أدهشته الأشكال الهندسية لبلوراتها وألوانها وبريقها الساحر. كان الإنسان الأول مأخوذا بما حوله من سماء ونجوم ونبات وانهار وأحجار حتى انه كان يعتبرها حية تعيش مثله ومعه وتؤثر في حياته. والأحجار بألوانها الزاهية تراءت له وكأنها في المراتب العليا للاشياء المحيطة به. وظن أن لها قدرة في التحكم بمصيره فراح يراقبها عن كثب . ثم أخذ يدرسها و يقيّم علاقته بها فيما إذا كانت تفيده أم تضره . قادته المصادفة وتطابق الأحداث إلى قناعات أخذت تمر عبر مرشح الزمن والقرون المتعاقبة في حياته . وما انتقاه الزمن منها وترسب في غرباله ، وجد له مكانة خاصة في الذاكرة الإنسانية . إن تجارب الإنسان وعلاقته بالطبيعة الحية أخذت تنمو في شتى نواحي العلوم فتطورت معها معرفته بالأحجار الكريمة فأخذ يدرس بلوراتها. حدد لها صفات هندسية وفيزياوية ، من أضلاع وزوايا وأوزان وصلابة وكذلك مقدار ما تعكسه من ضوء وغيرها . وهكذا راح الإنسان يجرد الأحجار الكريمة من ملابسها البراقة ويدخل في أعماقها فيفقدها هالتها الأولى . وكلما تطور العلم تداعت وانهارت النظرة الحية للطبيعة وحل محلها جدار سميك أخذ يفصل بين نظرة الإنسان السابقة للأحجار كونها ذات طبيعة حية فعالة وبين نظرته الحالية لها كونها أداة زينة واستثمار. نظرة سريعة في متاحف العالم ومتحفنا العراقي* بالذات تكشف لنا عن مدى العلاقة الكبيرة بين الإنسان وبين الأحجار الكريمة . لقد عرف الإنسان الكثير من تلك الأحجار، وراح يوظفها في حياته الاجتماعية والدينية . وهناك شواهد على ذلك منذ نهاية العصر الحجري الحديث فأول ما يجلب انتباه زوار المتاحف هو ما تزخر به من الحلي المطعمة بتلك الأحجار و الأحراز والتماثيل الدينية المصنوعة منها . لقد تميزت حضارة وادي الرافدين بالسبق في عالم الأحجار الكريمة وتجارتها. وعرف المصريون القدماء الكثير من تلك الأحجار مثل الفيروز والزبرجد واللؤلؤ فزينوا بها معابدهم وقبور موتاهم . وعرف الهنود كذلك الياقوت والماس فقد عثر هناك على تمثال لآلهة هندية عيناها من الماس يرجع تاريخها لأكثر من ثلاثة آلاف سنة .وعرفت الحضارة الصينية النفريت واليشم وعرفتها كذلك الحضارة الإغريقية وغيرها من حضارات العالم. العثور على الأحجار الكريمة واستخراجها ليس بالشيء الهين وخاصة في تلك الأزمان حيث لم تكن هناك فسحة من فراغ لدى الإنسان ليبحث فيها عن الأحجار الكريمة . فلهاثه اليومي وراء قوته لم يترك له فرصة في البحث عن الرفاه. ولم تكن مسألة تهيئة وتصنيع تلك الأحجار كي تصبح حلي وأحراز منقوشة بالمسألة السهلة أيضا . وهنا يجب البحث عن دافع الإنسان القديم في تجشم ذلك العناء . إن عملية العثور على الأحجار الكريمة وتصنيعها في تلك الأزمان، تطلب جهودا جبارة كما قلنا وأدوات عمل ومهارات خاصة فالأحجار ذات صلابة عالية جدا فهل كان هدف التزين بها هو الدافع الأول وراء بذل تلك الجهود أم أن هناك دوافع أخرى ؟ . كانت الحلي في البداية تصنع من العظام والحصاة المصقولة، وكان الرجل هو الذي يتزين بها ليجلب انتباه حواء وذلك قبل أن تستأثر هي بالزينة وتبرع فيها . لقد وجد الأثريون تلك الحلي معلقة على أعناق الآلهة ،أو كتيجان للملوك الذين كانوا يمثلون الآلهة على الأرض . وكانت الحلي ترافق كبار الكهنة في المعابد وترحل مع الموتى إلى قبورهم. ودخلت في طقوس العديد من الأديان وعملت من بعضها أختام وأصبحت أداة للتقايض بمثابة نقود أو غطاء لها . ترى هل أن الهالة القدسية وكل الأسرار التي أحاطت بالأحجار الكريمة جاءت نتيجة لقربها من الآلهة والكهان ؟ أم أن ندرتها والجهود الجبارة المبذولة في العثور عليها وتصنيعها كانت هي السبب وراء تلك القدسية وذلك الانبهار؟ ربما هناك شيء ذاتي في الأحجار نفسها هو مصدر كل تلك القدسية وتلك الأسرار؟ . مهما كانت الأسباب فللأحجار الكريمة مكانة مميزة عند البشر وعلى مرّ العصور توارثها الناس إلى يومنا هذا وأخذوا ينسجون حولها الأساطير. فما هي الأحجار الكريمة إذا ؟ إن المليحة من تزيّن حليها لا من غدت بحليها تتزين قبل الخوض في صفات الحجارة الكريمة سواء العلمية منها أو التجارية وغيرها . دعونا نرى ما هي الأحجار الكريمة ولماذا هي كريمة وغيرها ليست كذلك ؟ ليكون الحجر كريما عليه أن يكون أولا جميلا ، نادرا ، صلبا لا تغيره عوامل الزمن والمهم أن تقبل عليه الناس. تم اكتشاف ما يقارب 2000 حجر كريم إلى هذا اليوم . ولكن لم يستخدم منها في عالم المجوهرات إلا 200 حجر وفي عالمنا العربي ربما لم نستخدم أكثر 60 نوع . الأحجار الكريمة، هي بلورات لعنصر واحد أو لعدة عناصر . تكونت في الطبيعة بأشكال هندسية مختلفة لها أوجه متناظرة تنمو أحيانا طوليا مثل بلورات التورمالين . وأحيانا بكل الاتجاهات مثل بلورات الزرقون و الكرانات . وتكون هرمية أحيانا مثل الأمتست وغيرها من الأشكال . وهي تعكس الضوء وتشتيته بنسب مختلفة. وصلابتها و أوزانها النوعية كذلك مختلفة. قد نجد تلك البلورات على سطح التربة وفي مجاري الأنهار ومنها ما تحفر المناجم ولأعماق كبيرة جدا من أجل الحصول عليها . وكلما كان الحجر نادرا والحصول عليه يتطلب جهدا أكبر كلما ارتفع ثمنه . هناك أحجار كريمة من أصل نباتي أو حيواني وكذلك وجدت وتطورت لها البدائل الصناعية. تقسم الأحجار الكريمة تجاريا إلى أحجار نفيسة وأحجار شبه نفيسة وأحجار ثمينة فقط . وهذا هو التقسيم الأكثر انتشارا و سوف تدرس حلقاتنا القادمة الأحجار الكريمة وفق هذا التقسيم . كشف الأسرار عن سحر الأحجار
* انتهيت في العام الماضي من وضع كتاب عن الموضوع بهذا الاسم آمل أن تتوفر الإمكانيات في طبعه وتوزيعه . والكتاب يشمل كل ما يهم القارئ عن الأحجار الكريمة والمعادن المستخدمة في الحلي ودورها في التاريخ والطب والأديان وعلاقتها بالسحر والأبراج .وققص طريفة عن أهمها . * المتحف العراقي من المتاحف المهمة في العالم حيث يضم آثارا تعود الى بداية الحضارة الإنسانية وكانت قاعاته تتزين بمئات الآلاف من تلك الآثار ومنها الأحجار الكريمة وذلك قبل سرقته بكامله في يوم الجمعة المصادف 11/4/2003 برعاية القوات الأمريكية والبريطانية التي احتلت بغداد في التاسع من نيسان بعد هجومها على العراق في 19/3/2003
#عبد_الإله_السباهي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أولاد المهرجان
-
هكذا تسقط الأنظمة
-
لعبة في الطبعة الأخيرة
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|