|
هل يحتاج العراق الى اقامة منظومة تعاون مع ايران وتركيا ؟!
ابراهيم خليل العلاف
الحوار المتمدن-العدد: 2188 - 2008 / 2 / 11 - 11:24
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
مركز الدراسات الإقليمية /جامعة الموصل في ضوء الوضع الأمني الصعب الذي يعيشه العراق منذ الاحتلال الأمريكي – البريطاني، وسقوط النظام السابق في التاسع من نيسان 2003، فان ثمة من يستعيد ذكريات الماضي السياسي للعراق المعاصر، وخاصة في العهد الملكي (1921 – 1958)، حين كان العراق ومنذ سنة 1955، عضواً في حلف بغداد إلى جانب إيران وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة الاميركية. ولم يكن حلف بغداد لوحده الصيغة الدولية والإقليمية الوحيدة التي ربطت العراق بالأحلاف والتكتلات في الشرق الأوسط، فلقد كان هناك حلف سعد آباد الذي دخله العراق سنة 1937 فضلاً عن سلسلة طويلة من المعاهدات والاتفاقيات التي أنهت والى حد ما المطالبات التركية والإيرانية في أجزاء من الأرض والمياه العراقية. وعند الرجوع إلى صفحات التاريخ، والتاريخ القريب نجد انه قد وقر في ذهن العراقيين منذ زمن بعيد، ونتيجة لتعرضهم لخطر التحديات الفارسية والعثمانية وخاصة منذ أوائل القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) مثل شعبي يقول: "بين العجم (الفرس) والروم (الأتراك) بلوى ابتلينا.." وبقدر ما يعبر هذا المثل عن ما يسميه عالم الجيوبولتيكس المصري الراحل الدكتور جمال حمدان "نقمة المكان"، فانه يعكس طبيعة، وحجم ما تعرضت له أرض العراق ومياهه من غزوات متكررة قام بها جيرانه الشرقيين والشماليين، واستهدفت استنزاف قدرات السكان الاقتصادية والاجتماعية، وعرقلت تقدمهم ونهوضهم ردحاً من الزمن.. ولا نريد الدخول في تفاصيل الأسباب التي كانت وراء الصراع التركي العثماني – والفارسي الإيراني حول العراق وتطوره ونتائجه، لكن لابد لنا من الإشارة إلى أن من أبرز العوامل (القيمة الحضارية والاستراتيجية والاقتصادية) التي يتمتع بها العراق. وقد أدرك المؤرخ البريطاني المعروف أر نولد توينبي (توفي 1978) ذلك عندما قال ان الصراع بين الإيرانيين والعثمانيين والذي حدث على أرض العراق في القرن السادس عشر كان حلقة في سلسلة الصراعات التي دارت بين الشرق والغرب عبر العصور التاريخية المختلفة. ان موقع العراق الجغرافي، وقيمته الستراتيجية وثراءه الاقتصادي، وعمقه الحضاري، ووجود العتبات والمراقد المقدسة فيه فضلاً عن التوقد الذهني الحاد الذي يتميز به الإنسان العراقي والكبرياء العالي الذي يتسم به كلها عوامل رئيسة جذبت ليس الجيران فحسب، بل وحتى القوى الدولية كبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية – ويقيناً ان تلك القوى، سواء الإقليمية أو الدولية كانت تتستر بشعارات وبراقع قسم منها يتعلق بالدين، وقسم ثان يتعلق بحماية بعض الأقوام، وقسم ثالث يتعلق بالادعاء بتحرير مواطنيه، ونشر مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان!!. احتل الجيران، العراق لسنوات عديدة، سواء الشماليون منهم أو الشرقيون.. ودارت حروب وحروب ولم يعترف الشماليون بالعراق دولة حديثة مستقلة قائمة بذاتها سنة 1921 الا في سنة 1926 وبعد أخذ ورد وخاصة فيما يتعلق بولاية الموصل.أما الجيران في الشرق فقد تأخر اعترافهم بالعراق الحديث حتى سنة 1929 وحتى يومنا هذا يهدد جيراننا باحتلال أرضنا ومياهنا كلما حدث ما يزعجهم أو يزعج مصالحهم القومية والأدلة على ذلك كثيرة وفي متناول يد الباحثين وغير الباحثين.. المهم، ما الذي يحدث الآن؟ أي منذ بدء الاحتلال الأمير كي – البريطاني للعراق.. الذي يحدث، ان العراقيين باتوا لا يتحسسون وحسب من سياسات جيرانهم، بل وأنهم يدعون إلى أن يتوقف هؤلاء الجيران عن التدخل في شؤونهم، ونحن لا ننكر أن لهؤلاء الجيران مصالح ينبغي الحفاظ عليها لكن هذا لا يجب أن يكون على حساب العراق.. وفي الوقت نفسه، نحن نعرف كذلك بأن مصالح تركيا وايران في العراق تستند على اعتبارات قومية، ودينية، ومذهبية لها علاقة بحساسيات تاريخية ليس من الحكمة إيقاظها من الطرفين. كما أننا نعترف كذلك بالدور الإقليمي لجارتنا الشمالية تركيا.. والدور الإقليمي لجارتنا الشرقية إيران، ومن الطبيعي أن ينسجم هذا الدور مع موقعهما الاستراتيجي، وارثيهما الحضاري، ومصالحهما السياسية والاقتصادية، وعلاقاتهما الدولية، لكن ندعوهما في الوقت نفسه إلى مراعاة ثوابت الجغرافية، وحقائق التاريخ، وقواعد ومبادئ القانون الدولي، وحسن الجوار، وهذا يتطلب الإسهام ليس في (إقلاق المنطقة) بل حمايتها وتحقيق الأمن والاستقرار فيها. ان العراق يظل يحرص على إقامة علاقات متينة مع كل من تركيا وايران، بالرغم من كدمات ومشاكل الماضي والحاضر.. ويسعى إلى خلق شبكة واسعة من المصالح مع الطرفين، كما يؤكد على تغليب عوامل التلاؤم والوفاق على عوامل الفرقة والضغينة، لكن ذلك مرتبط لا بما يقرره العراق لوحده، بل وما تقرره الجارة الشرقية والجارة الشمالية من مواقف تعكس حسن النية، والرغبة في قطع مصدر تغذية كل حالة شاذة تضر العراق وتؤذي مواطنيه ولكي يتحقق ذلك لابد من جلوس الأطراف الثلاثة: العراق وتركيا وايران على طاولة المفاوضات، والوصول إلى ما يشبه (التكتل) الإقليمي أو المنظومة الإقليمية ولكن بعيداً عن ارادات وخيارات القوى الدولية العظمى.. لنستعيد الآن بعضاً من تفكير رئيس وزراء العراق المزمن نوري السعيد (1888-1958 ) في هذا الاتجاه ولاضير في أن نستفيد من ذلك (الدرس التاريخي) .. كان الرئيس جمال عبد الناصر( 1918-1970 ) ، رئيس الجمهورية العربية المتحدة في الخمسينات من القرن الماضي يدعو إلى نظرية (الضمان الجماعي العربي)، بينما دعا نوري السعيد إلى التحالف الإقليمي مع إيران وتركيا، وقد أرسل عبد الناصر الصاغ (الرائد) صلاح سالم وكان آنذاك وزيراً للإرشاد(الإعلام ) القومي إلى العراق واجتمع مع نوري السعيد في مصيف سر سنك في محاولة منه لمنع دخول العراق في اتفاق عسكري ودفاعي مع إيران وتركيا ودار نقاش طويل تمسكت مصر من خلاله بالدعوة إلى تفعيل اتفاقية الضمان الجماعي العربي في إطار جامعة الدول العربية، لكن العراق، وعلى لسان نوري السعيد قال لمصر ان الوضع بالنسبة للعراق يختلف عن وضع مصر.. انه يتطلب لكي يحقق الأمن والاستقرار والرفاهية لشعبه ان يكون على وفاق وانسجام مع إيران وتركيا وقال نوري السعيد لعبد الناصر:"ان العراق مجاور لدولتين إسلاميتين تربطهما روابط تاريخية مشتركة، وان الأوضاع تحتم على العراق التعاون معهما لأن في سلامة الدولتين المجاورتين للعراق سلامة للعراق، فإذا سلمت تركيا وايران فلا خطر على العراق..." ومن هذا المنطلق أضاف نوري السعيد لعبد الناصر في ختام لقاء معه "أين هو العالم العربي الذي تريدون مني ان اتفق معه للدفاع عن بلدي، أنا رجل واقعي ولا أحب في حال من الأحوال ان أتعلق بالأوهام بينما بلادي في خطر..". رفض عبد الناصر منطق نوري السعيد الذي ربط تحالفه مع إيران وتركيا ببريطانيا والولايات المتحدة.. قائلاً ان الأمريكان والإنكليز لايمكن ان يساعدوا العراق لسواد عينيه بل لكي يكون معهما في منظومة واحدة، تشكل إسرائيل فيها حلقة مهمة.. ونحن اليوم وبعد نصف قرن نتساءل وما الذي تغير في الموقف الإقليمي والموقف الدولي.. نعم لقد حدثت تغييرات كثيرة، منها ماهو دراماتيكي لكن الشئ المهم الذي بقي هو ان العراق لا يزال ساحةً للصراع الإقليمي والدولي وعلى أهله أن يفهموا الوضع الذي هم فيه.. ماالذي يمكن أن تفعله جامعة الدول العربية، وهاهي تعقد الاجتماعات والمؤتمرات التي لا تتمخض عن شئ سوى الكلام الجميل والادانات المستمرة.. ماالذي يمكن أن يفعله مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهو مجلس متواضع من حيث الامكانات العسكرية والأمنية.. بل وما الذي فعلته الأمم المتحدة(وقد رفضت الحرب على العراق) ثم اضطرت لشرعنة احتلاله؟! نعم لاننكر ان للجامعة ولمجلس التعاون وتهيئة الأمم ادوار مهمة يمكن تأديتها ومن الضروري القيام بها لكن لابد من القول ان على العراقيين ان يشمروا العراقيون عن سواعدهم ويعملوا لبلدهم ويفكروا في وضع سياسة خارجية عقلانية عملية مستقلة يكون في مقدمة مرتكزاتها والتفكير بإقامة منظومة تعاون مع جيرانهما في إيران وتركيا، منظومة حقيقية مبنية على شبكة واسعة من المصالح المشتركة في قضايا الاقتصاد والمياه والنقل والتجارة والاستثمار والتعليم والثقافة واحترام سيادة واستقلال كل طرف من أطراف هذه المنظومة تأخذ على عاتقها تطوير العلاقات بين العراق وتركيا وايران في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبعكس ذلك، فان العراق لن يشهد الأمن والاستقرار.. بل وقد يخرج من التاريخ، وهذا مالم يحصل أبداً ان شاء الله. ×محاضرة ألقيت في افتتاح أعمال الندوة العلمية ال26 التي عقدها مركز الدراسات الإقليمية بجامعة الموصل بعنوان (مستقبل التكتلات الإقليمية في الشرق الأوسط ) يوم 15 مايس/أيار 2007.
#ابراهيم_خليل_العلاف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبد الناصر والاكراد
-
الدكتور حسين قاسم العزيز 1922-1995 والمنهج المادي الديالكتيك
...
-
مجلة المجلة ودورها في حركة الفكر والثقافة العراقية المعاصرة
-
الثقافة والسياسة في العراق المعاصر :دار المعلمين العالية 192
...
-
الصحافة العراقية والتطور السياسي والاقتصادي والثقافي 1869-19
...
-
هياكل صنع القرار السياسي في العراق ومصادره والياته
-
مع الدكتور ابراهيم الداقوقي في رحلته الادبية والثقافية والاع
...
-
مع القاص والناقد انور عبد العزيز في مسيرته الابداعية
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|