أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فلاح أمين الرهيمي - حديث الروح(1)















المزيد.....

حديث الروح(1)


فلاح أمين الرهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 2187 - 2008 / 2 / 10 - 10:59
المحور: سيرة ذاتية
    


إن أية ظاهرة بالوجود لابد أن تكمن ورائها عوامل وأسباب تمكنها من الظهور ، وهذه العوامل والأسباب هي المنابع والروافد التي تصب في تلك الظاهرة ، وتساعدها على النشوء والنمو والديمومة والاستمرارية في الحياة ، وبما إن وجود الإنسان في الحياة هو ظاهرة إنسانية تتكون من مجموعة القيم الفكرية والسجايا والميول والتقاليد والعادات والتربية البيئية التي يتميز بها إنسان عن آخر ، لذلك يصبح لكل إنسان دوره ومن خلال ما يمتلكه من القيم والنظم تتكون الحركة الإنسانية في المجتمع وتؤدي إلى ديناميكية وحركة الإنسان إلى الأمام ويؤدي إلى تقدم التأريخ وتطوره .
ومن خلال هذه المسيرة تصادفه الكثير من الذكريات منها ما تثير آلامه وشجونه ومنها ما يبعث في نفسه البهجة والأمل والرجاء وتصبح ذات طابع مميز ونكهة خاصة تختزن في ذاكرته ألتي تكونت من خلال مسيرته ومشاهداته وما مر به من إحداث fحلوها ومرها وما عبرتها من أشرعة تلك الأيام والسنين عبر بحر الحياة الزاخر بالمفاجآت،أو عبر نسائم ما هي إلا حقائق ووقائع ناصعة،وهذه الوقائع والأحداث تبقى مخزونة في الذاكرة،لتأخذ طريقها الى بطون الكتب،وليس هناك حدث أو دور الا ويكون له أثر ليكون نبراسا للأجيال القادمة،وستبقى الأيام تترى،تستعرض الأجيال أمام منصة التاريخ،وسينطق التاريخ حكمه على حركة مه الذي لا يرحم ،ويعطي لكل ذي حق حقه،فيمدح هذا ويذم ذاك.
هذه هي مسيرة الحياة الدائبة منذ بدء الخليقة،تنتقل من طور الى طور،ومن مرحلة الى أخرى،ومن خلالها تتطور المجتمعات الإنسانية،وتزدهر الشرائع والأنظمة،وتتطور الحضارات،لترتقي مدارج الرقي والتقدم،وتتحول الإنسانية من دور الى دور،وما لذلك من تأثير على حركة التاريخ وتطور الإنسان،وما يتمتع به من حضارة وعمران وتقدم ليس وليد الصدفة والعفوية،وإنما نتيجة سلسلة من التفاعلات العضوية والطبيعية،وسلسلة من التفاعل العقلي،والإدراك الإنساني،والصراع الدائب بين الإنسان والطبيعة،والإنسان وأخيه الإنسان،وهي دورة الحياة خلال ملايين السنين،ولن تنتهي أو تقف عند حد،ما زال هناك استغلال وحرمان وفقر وجوع وظلم،وستبقى طبيعة الحياة وديناميكيتها السير الى الأمام،تدفعها وتحركها المتناقضات التي تسود المجتمع،بما تفرز من صراعات وتنازع بين الطبقات الاجتماعية بما تفرزه الصراعات بين الطبقات المختلفة.
ولما كان كل فعل أو عمل ودور يقوم به الإنسان يؤدي الى تغيير اجتماعي هو من خيار الإنسان وإدراكه ومعرفته،فيصبح للاختيار قيمة لا متناهية،وفرصة فريدة للعمل الحاسم،فيجد الإنسان وجوده من خلال الاختيار والقرار،وبما أن الإنسان يولد ويترعرع ثم يهرم ليسافر سفره الأخير،فيكون الموت متمم للحياة ونهاية لها،وبهذا يكون جزء من الحياة والاختبار،ويكون متوقعا بين لحظة وأخرى،لأنه جزء من وجود الإنسان ،وتنمو هذه البذرة مع الإنسان،وحينما يمتلك الموت أنسانا ملتزما فيصبح الموت قرارا له أهميته الخاصة،وبما أنه ينهي الحياة التي يجب أن تكون كل لحظة فيها فرصة فريدة لإنجاز العمل الحاسم الذي يخلق السعادة والازدهار،وينهي عملية تغيير واقعه الاجتماعي الذي عاشه وأدركه وعمل من أجله،لذلك يعتبر الموت نهاية حياة،ولكنه بداية لرحلة مع التاريخ الذي سطرته أنامل ذلك الإنسان،ويكون حياة أخرى لمن عاش للآخرين ناكرا لذاته باندفاع وتفان من أجل المثل العليا التي كانت نورا يضيء له الطريق.
وحين مس روحي الحنين،وانتعشت بالفيض من الذكريات الذي تجلى بما ازدحم به قلبي من حب وشوق،تركت العنان لقريحتي لتقول ما تفيض به روحي من الم الذكرى،وما تراكم من الم وحسرة،كان لمرض والدتي وابتعادها عني بين حين وآخر،وذهابها إلى بغداد للعلاج،الأثر الكبير في نشأتي وتكوين شخصيتي وعاطفتي،حيث كانت علاقتي بها كأي طفل في بداية حياته هي التي تغذيه من ثديها ،فكنت حينما استيقظ من منامي ولا أراها،انظر في الوجوه باحثا عنها،وعندما لا أجدها يغزو قلبي الحنين إليها وتفيض عيوني بالألم دموعا تتساقط ونشيج مكبوت لأغفو وتحملني شقيقتي وأنا نائم إلى البيوت المجاورة لكي أرضع من ثدي الأمهات مع أطفالهن اللاتي بلغ عددهن -حسب ما علمت بعد ذلك- سبعة نساء،وحينما استيقظ من منامي وأشاهد أمرآة غريبة ترضعني ارفض الرضاعة ،فانهدت صحتي وضعف جسمي وأصاب القلق عائلتي خشية موتي وأنا الذي أتيت إلى الدنيا بعد وفاة شقيق وشقيقة فأصبحت مكسور القلب كئيب النفس لا يطفئ حنيني او يبرد شوقي إلا رؤية وجه والدتي،وأنا في وضع لا حول ولا قوة سوى الغادين والرائحين على إطلالي أنظر إليهم وأنا منكسر القلب ابحث عمن أحب وأتمنى المستحيل،وأتعبد في صلاة طفولية داعيا الرحمة التي لم تصل أبدا بالرغم من المسافة القريبة بيني وبين الله،ولكن هذه الأماني تذوب كلما أتوجه بنظري إلى الوجوه لعلي أجد وجه أمي الحنون فأعود طالبا الرحمة أما بموت يريحني أو عيش في أحضانها الدافئة،وحنانها ورعايتها حتى أصبح قلبي نهرا تطفو عليه شموع النذور،فتذكرني بأيام هاربة كأنها زبد في البحر الضارب،في جرف الشواطئ والعائد إلى لجة البحر وأمواجه وأعماقه السحيقة،فأصبح تائها بين فواصل الزمن وتقلبات الأحداث واختلاف الفصول.
وبقيت تلك الذكريات تأخذ مكانها من نفسي وتفكيري حتى هذه الساعة كئيب الفؤاد غزير الدمعة أحس فيها واشعر بها رفيقة لحياتي كلما ألمت بي حالة او حادث وحينما تعلمت القراءة والكتابة كانت الأجنحة المتكسرة وزبد ورمل لجبران وماجدولين ن والشاعر للمنفلوطي وغيرها من الكتب الرومانسية وصف لحياة وأنيس لروحي بما تعبر عن كوامن في نفس تفجرت على صفحاتها لتحكي قصتي في اللوعة والحرمان،ونشأت وترعرعت معي هذه العواطف وكان لها تأثيرها في حياتي وعلاقاتي وخاصة بعد اعتقال وسجن ذلك الإنسان الذي غمرني حبا وعاطفة وكان يجلب لي الحلوى في كل زيارة يوزع قسم منه على أصدقائي وأبناء منطقتي من الفقراء والمسحوقين والمرضى والأيتام، وحينما عرفت إن الشيوعيين يحبون الفقراء ويسعون لمساعدتهم والقضاء على الفقر والأمية والجهل والمرض انغمرت معهم منذ نعومة إظفاري.
ومن الآثار التي لا زالت مطبوعة في ذاكرتي ومحفورة في قلبي قصيدة السياب التي نظمها بعد وفاة والدته والتي ارددها مع نفسي كلما اشعر بالألم يتسلل إلى قلبي،واذرف الدموع لأنها تذكرني بتلك الأيام التي أصبحت جزء من حياتي:
أماه ليتك لم تغيبي خلف سور من حجار
لا باب فيه لكي أدق ولا نوافذ في الجدار
كيف انطلقت بلا وداع فالصغار
يولولون..ويركضون... وينظرون إلى الطريق
فيفزعون ويرجعون
ويسألون الليل عنك وهم لودك بانتظار
الباب تقرعه الرياح..فينظرون لعل روح منك زار
هذا الغريب ..هو ابنك السهران يحرقه الحنين
أماه ليتك ترجعين
وكان أصدقائي الذين أرتبط بحب ومودة معهم جميعهم من اليتامى وكنت أتحسس بأحاسيسهم واشعر بشعورهم وحينما يذهبون إلى بيوتهم ولا يجدون إبائهم او أمهاتهم كيف يصابون بخيبة الآمل والانكسار،وخاصة أولئك الذين كان أبائهم وأمهاتهم يتزوجون فيشعر ذلك الطفل بالاغتراب حتى مع أمه أو أبيه،فاليتيم هو ذلك الإنسان الضائع في متاهات الحياة يفتقد العاطفة والمحبة ،وتحل محلها العلاقة الهامشية والخوف والتردد،فكان قلبي يتضور ألما لرؤيا هم،،فأصبح معيار الحقيقة الأخلاقية هو الوحدة والعلاقة الصميمة بين أطروحات ومبادئ الذات المفكرة وممارساتها العملية.



#فلاح_أمين_الرهيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث الروح(2)
- حديث الروح(3)
- حديث الروح(4)
- حديث الروح(5)
- العراق الجديد و الإنسان المهمش
- الديمقراطية و التنمية البشرية
- من يحسم جدل نهاية التاريخ ... الاشتراكية أم صدام الحضارات ؟
- الديمقراطية والتجديد ركنان أساسيان في النظرية الماركسية
- خاتمة المطاف
- التطور اللارأسمالي والتحول إلى الاشتراكية(1)
- التطور اللارأسمالي والتحول إلى الاشتراكية(2)
- الماركسية اللينينية
- وفاة لينين
- مفهوم الليبرالية
- هل انتهى الصراع والنزاع في المجتمع حتى ينتهي التاريخ ؟
- المصالح البورجوازية وأساليبها في الاستغلال والتجديد والتغير
- هل ينتهي التاريخ بصدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي ؟
- الصعود والتطور السلمي في الوصول للسلطة للسلطة(2)
- لمحات مضيئة في رحاب الاشتراكية الخلاّقة
- الديالكتيك منطق الحركة


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فلاح أمين الرهيمي - حديث الروح(1)