|
علاقة صندوق النقد الدولي بالمؤساسات الاقتصادية الدولية
عزو محمد عبد القادر ناجي
الحوار المتمدن-العدد: 2188 - 2008 / 2 / 11 - 11:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
علاقة صندوق النقد الدولي بالمؤساسات الاقتصادية الدولية و أثر ذلك على الدول الافريقية مقدمة من المسلم به أن أحد دوافع الإنـــسان والمجتمعات البشرية هو الطموح والرغبة في اللحاق بمن سبقوهم في سلم التقدم الاقتصادي والعلمي، ومن هنا نجد انه عندما ولجت الدول الافريقية الناميةميدان التنمية الاقتصادية والتخطيط من اجلها ، وضعت مستويات المعيشة الغربية كهدف تصبو إلى تحقيقه ، وارادت أن تحقق ذلك بأقصى سرعة ممكنة، ولا غبار على هذا الاتجاه من حيث المبدأ ، إلا أن هذا الطموح قد تسبب، خلال حالات كثيرة في سوء تخصيص المواد المتاحة لدول العالم الافريقية ، ومن ثم لم تحقق الأهداف الطموحة خيبة أمل تدفع إما إلى الاستسلام والرضا بمجهودات محدودة في مضمار التنمية. واما أن تدفع إلى طموح اكبر قد ينجع في حل مشاكلها وقد يفشل فيزيد من درجة تخلفها وبعد الشقة بينها وبين الدول المتقدمة صناعيا. كما أن التقدم التكنولوجي الذي يتم في الغرب الآن يميل نحو الادخار في استخدام الأيدي العاملة وزيادة كثافة رأس المال، و يكون هذا الاتجاه ضرورياً بالنسبة لبعض المنتجات التي تتطلب درجة كبيرة من الدقة الآلية التي يتحقق فيها وفر في التكاليف للإنتاج الآلي إلا أن التقدم التكنولوجي لا ينبع جمعية من هذين السببين ـ ولكنه يتأثر في ذلك من نقص الأيدي العاملة وارتفاع معدلات الأجور في الدول الغربية لذلك قد يؤدي نقل التكنولوجيا الغربية إلى زيادة حدة المشكلة الاجتماعية التي تواجه الدول الافريقية الناميةوقد يكون من شأنها استنفاذ المتاح لديها من رأسمال دون تسهيل عملية التنمية الاقتصادية كما كان متوقعاً من ادعاء مزايا الدخول متأخراً في ميدان التنمية. ونتيجة لإبطاء الدول الافريقية النامية في مجال التنمية تحملت عبء الزيادة السكانية مما تسبب في البطالة وتردي الأحوال المعيشية التي تتدنى إلى اقل من المستوى الأمي وانتشار الجهل والمرض والجوع، واغلب الظن إنها ما كانت تقع في هذا المأزق لو لم تتأخر في التنمية الاقتصادية وبالصورة العلمية العملية لاستثمار ما هو متاح من إمكانات داخلية وخارجية... إلا أن العكس يحدث فتصبح دولاً استهلاكية وذات مديونية كبيرة. أبرزت بعض الآراء الاقتصادية المزايا المتاحة للدول الافريقية الناميةحالياً نتيجة لوصولها متأخرة إلى بداية مضمار التقدم الاقتصادي والرغبة في رفع مستويات معيشة شعوبها. وتستند هذه الآراء أساسا إلى أن الإبطاء يتيح لها المعرفة التكنولوجية التي توافدت لدى الدول المتقدمة الصناعية طول مسيرتها على درب التقدم الاقتصادي والصناعي، وهذه المعرفة تضع بين يدي الدول الافريقية الناميةفرصة تحقيق نمو اقتصادي سريع وتحسين الأحوال المعيشية للشعب بدرجة أسرع في فترة زمنية أقصر من تلك التي استغرقتها الثورة الصناعية في البلاد المتقدمة اقتصادياً الآن، ومن ناحية أخرى قد تستفيد من ازدياد عدد الدول المتقدمة عن طريق ما تقدمه هذه الأخيرة للدول الافريقية الناميةمن رؤوس أموال ومساعدات ومصدر للطلب على منتجاتها.
وليس بخافٍ أن بعض القوى الاستعمارية الأوروبية السابقة -وعلى رأسها فرنسا- قد شعرت بالقلق إزاء التغلغل الأمريكي الجديد في القارة الأفريقية، وهو الأمر الذي دفع إلى إعادة تقويم السياسات الأوروبية تجاه أفريقيا، فالحكومة الفرنسية مثلا تسعى إلى انتهاج سياسة أكثر قارية وهو ما تمثل في اجتماعات القمة الفرنسية-الأفريقية التي أضحت تضم دولاً غير ناطقة بالفرنسية ، وإذا أُخذ بعين الاعتبار مساندة الاتحاد الأوروبي لفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية التي لها مصالح مباشرة في أفريقيا من خلال التنسيق بين السياسات الخارجية والأمنية للدول الأعضاء يتّضح لنا بجلاء أننا أصبحنا أمام منافسة أمريكية أوروبية جديدة على مناطق النفوذ والتجارة في أفريقيا، وبناءا على ذلك نجد أن هناك ثمة مصالح أوروبية في القارة الأفريقية تتمثل في( ): -البحث عن أسواق لتصريف السلع الأوروبية المصنعة. -الحصول على المواد الأولية اللازمة لتنمية الصناعات الأوروبية. -الوصول إلى الموارد الطبيعية الاستراتيجية التي تمتلكها أفريقيا، ولا سيما اليورانيوم والذهب والماس. ومن المعروف أن المخزون الإفريقي من هذه المواد كبير مقارنة بالمخزون العالمي.
وقد عملت الدول الرأسمالية في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، وبالتحديد في أول يوليو سنة 1944م في مؤتمر" بريتون وودز " بولاية "نيوهامبشر" الأمريكية ، على إنشاء ثلاث منظمات اقتصادية : الأولى تهتم بالقضايا النقدية وهي صندوق النقد الدولي ، والثانية تهتم بالقضايا التنموية وهي البنك الدولي للتعمير والتنمية ، والثالثة تهتم بالقضايا التجارية لكنها لم تخرج إلى حيز الوجود إلا بعد زهاء خمسين عاما من ذلك التاريخ بمسمى منظمة التجارة العالمية ( ). وهذه المنظمات الثلاث اصطلح كثير من الكتاب على تسميتها بمنظمات أو مؤسسات العولمة الاقتصادية ؛ بدعوى أنها تخطط لهذه العولمة وتنفذها في الوقت نفسه بدعم من الدول الصناعية الغربية التي أنشأتها وسيطرت عليها ، تحقيقا لمصالح شركاتها وبخاصة الشركات متعددة الجنسية . فهي سلسلة مترابطة ، فالشركات تضغط على حكوماتها والحكومات تضغط على تلك المنظمات لكي تخطط وتنفذ مشروع العولمة، وتضع السياسات التي تحقق أهداف العولمة الاقتصادية الخفية . فرصية الدراسة : " توافقت سياسة صندوق النقد الدولي مع المؤسسات الاقتصادية الدولية الأخرى تجاه الدول الافريقية خلال الفترة (1989-2006) " .
التعريفات الاجرائية صتدوق النقد الدولي : صندوق النقد الدولي هو هيئة يصل عدد أعضائها الى 184 عضواً، ويدير شؤونها سبعة منهم الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا . نادي باريس : هو مجموعة غير رسمية من الدول الدائنة ليس له تاريخ تأسيس, ويبلغ عدد أعضـائه (19) عضوا دائما هم: النمسا وأستراليا وبلجيكا وكندا والدا نمارك وفنلندا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا وإيطاليا واليابان وهولندا والنرويج وروسيا الاتحادية وأسبانيا والسويد وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. ويبلغ عدد الدول المدينة له أكثر من(77) دولة في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا الجنوبية, وتلتقي فيه الدول الدائنة من 10 إلى 11 مرة في العام للتفاوض أو التباحث فيما بينها بشأن موقف الديون الخارجية للدول المدينة أو القضايا المنهجية الخاصة بديون الدول النامية، وتعقد هذه الاجتماعات في باريس, وعقد أول اجتماع له عام 1956 عندما وافقت الأرجنتين على الاجتماع بدائنيها العموميين في باريس. عقد في عام 2004 فقط خمسة عشر اتفاقاً لشطب و/أو إعادة جدولة الديون المدينة له كان العراق احدها فضلاً عن ثمان دول من أفريقيا وأربعة من أمريكا الجنوبية.
إعادة جدولة الديون : تعني تأجيل سداد أقساط الديون المستحقة، وإطالة فترتها مع تسديد الفوائد المستحقة في مواعيدها. التنمية : زيادة الدخل القومي في الدولة و تتحقق من خلال عدة أمور أهمها : وجود سياسات اقتصادية مناسبة ،وإعادة هيكلة الاقتصاد، وتصحيح الاختلالات في الموازين التجارية ، وفي ميزان المدفوعات ، والسيطرة على التضخم ، وإجراء إصلاح إداري وتشريعي ، وتشجيع الاستثمار، وتأمين مصادر داخلية وخارجية بحيث يتحقق نمواً في المؤشرات الاقتصادية يفوق نمو المؤشرات الديمغرافية ويحسن من شروط الحياة والعمل( ).
المؤسسات الاقتصادية الأخرى : و يقصد بها نادي باريس ، و البنك الدولي للانشاء و التعمير ، ومنظمة التجارة العالمية (الجات ) .
مشكلة الدراسة : تتمثل مشكلة الدراسة في البحث في طبيعة العلاقة التي تربط صندوق النقد الدولي مع المنظمات الاقتصادية الدولية و الدول الغربية تجاه إفريقيا ، وعلى ذلك تتمثل المشكلة في الإجابة عن عدة تساؤلات هي : • هل للدول الغربية علاقة بصندوق النقد الدولي تجاه الدول الافريقية ؟ • هل لصندوق النقد الدولي علاقة بالبنك الدولي للانشاء و التعمير تجاه إفريقيا ؟ • هل لصندوق النقد الدولي علاقة بنادي باريس تجاه إفريقيا ؟ • هل لصندوق النقد الدولي علاقة بمنظمة التجارة العالمية (الجات) ؟ .
مناهج الدراسة : • المنهج المقارن : بمقارنة العلاقات بين صندوق النقد الدولي و المؤسسات الاقتصادية الأخرة في تأثيراتها على الدول الأفريقية . • المدخل الإحصائي : من خلال استخدام الباحث للبيانات الإحصائية في فهم طبيعة العلاقة التي تربط بين الصندوق و المؤسسات الاقتصادية الأخرى تجاه إفريقيا .
حدود الدراسة : المدى المكاني : يتناول حالة الدول اللإفريقية على اعتبار انها موضع الدراسة المدى الزماني : ويشمل مابعد انتهاء الحرب الباردة وحتى عام 2006 حيث عقد آخر لقاء بين الدول الافريقية و االأوربية في القمة الأفروأوربية عام 2006 ، لبحث مشكلة المديونية الافريقية تجاه الدول الغربية .
الفصل الأول دور الدول الغربية في المديونية الافريقية
من المعلوم أن أهم مشكلة تعاني منها الدول الأفريقية هي مشكلة المديونية ، كما أنه من المعروف أن دول المركز الرأسمالي تسعى لزيادة تبعية هذه البلدان لها ، فماهو الدور الذي لعبته الدول الغربية في استمرار و زيادة تخلف البلدان الافريقية ، هذا ما سيوضحه هذا الفصل من خلال مبحثيه ، حيث تناول المبحث الأول مشكاة المديونية في افريقيا ، وتناول المبحث الثاني علاقة صندوق النقد الدولي بالدول الغربية .
المبحث الأول مشكلة المديونية في الدول الافريقية
تعتبر المديونية إحدى العقبات الكبيرة أمام التنمية في افريقيا ، ومشكلة المديونية الافريقية هي مشكلة سياسية بالدرجة الاولى ، وهذا ما نلاحظه في علاقة الدول الافريقية بالمؤسسات الاقتصادية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي . فمن أخطاء السياسات التنموية الافريقية اعتمادها على الاستدانة لتمويل برامج التنمية المختلفة دون مراعاة لإمكانية تسديدها ، ومن المعروف أن آلية اشتغال النظام المالي الدولي الذي تديره وتشرف عليه المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يقود المدين إلى مزيد من الاستدانة ،ومن ثم الرضوخ إلى شروط الدائنين الذين يمثلهم نادي باريس ، وبالفعل فإن أغلب الدول الافريقية قد وقع في فخ المديونية ورضخ بالتالي لشروط المؤسسات المالية الدولية وقبل وصفاتها المعروفة للإصلاح الاقتصادي، ومنها من يفاوض نادي باريس لإعادة جدولة ديونه( ). قبل الدخول في تفاصل المديونية الافريقية وما يترتب عليها من أثار اقتصادية واجتماعية وسياسية لا بد من الإشارة إلى أن مفهوم المديونية الافريقية ليس واحدا جامعا،بل تختلف دلالته من بلد افريقي لأخر،بصورة عامة يكن التمييز بين المديونية الهيكلية والمديونية العائدة إلى نقص في السيولة ، فالمديونية الهيكلية تنطبق على الدول الافريقية ذات الموارد القليلة التي يُشك في قدرتها على الخروج من فخ المديونية الذي أوقعت نفسها فيه وذلك من خلال الاستمرار في نهجها التنموي السابق، أما المديونية العائدة إلى نقص في السيولة فتشمل جميع الدول ذات الموارد الكبيرة وهي ناجمة بالدرجة الأولى عن الحروب الأهلية والإفراط في الاستهلاك الأمني. وتنقسم المديونية الافريقية إلى مديونية داخلية ومديونية خارجية.المديونية الداخلية تشمل جميع الالتزامات المالية التي في ذمة الدولة والهيئات والمؤسسات العامة تجاه الاقتصاد الوطني ،أما المديونية الخارجية فتشمل الالتزامات المالية التي في ذمة البلد ككل تجاه الخارج والتي تكفلها الدولة.
المديونية الداخلية( ) تشير البيانات المتوفرة أن حجم الديون الداخلية لجميع الدول الافريقية أمام هذا الوضع الخطير والمتفاقم للمديونية الداخلية الافريقية كان لا بد من التساؤل حول كيفية إدارتها بما يخفف من أعبائها الاقتصادية والاجتماعية.غير أن الجواب عن هذا التساؤل لم يكن واحدا في جميع الدول العربية.ففي حين لجا المغرب إلى تحسين إدارة الدين العام وتطوير أسواقه ووضع ضوابط تنظم عملية التداول في الأسواق الثانوية،لجأ لبنان إلى زيادة حصة الدين بالعملات الأجنبية وتخفيض حصة الدين بالعملة المحلية ،وتفضيل القروض الميسرة،والعمل على تطوير إدارة الدين العام بما في ذلك آليات حفظه وتسويته.أما مصر وتونس واليمن والأردن فقد لجأت إلى الأسواق الثانوية لأدوات الدين العام وعملت على تنشيطها ،وبصورة خاصة تطوير أسواق إعادة الشراء والحفظ المركزي لعمليات تداول السندات الحكومية. كما أن نهج التنمية التضخمي الذي تبنته الحكومات الافريقية بناء على نصائح المؤسسات المالية الدولية كانت له منعكسات اجتماعية سلبية عديدة تجلت في تراجع القوة الشرائية للمداخيل النقدية مما تسبب في تدني مستويات المعيشة.ويدرك الاختصاصيون في الشؤون الاقتصادية أن تدني متوسط الدخل الحقيقي للفرد هو تعبير مكثف عن تدهور الاقتصاد ونمو التخلف وتراجع مؤشرات الحياة.وإذا كانت هذه هي حالة جميع الدول الافريقية وخاصة الفقيرة التي تتجلى فيها أزمة غذاء وأزمة سكن وأزمة صحة وأزمة تعليم وأزمة مواصلات،وتزايدا في معدلات الوفيات وانخفاضا في متوسط العمر ..الخ. من جهة أخرى أخذت البطالة في الدول الافريقية تسجل معدلات عالية بحيث وصلت إلى 15-20 بالمئة متحولة بذلك إلى أزمة هيكلية ، فلم تعد تتناسب أعداد اليد العاملة المتزايدة مع توفر العوامل الاقتصادية الأخرى مثل الموارد الطبيعية ورأس المال والتنظيم الجيد للنشاطات الاقتصادية.
أسباب المديونية ( ) . أن هناك عوامل خاصة عديدة ساهمت بصورة مباشرة في استمرار نمو وتفاقم المديونية الافريقية .من هذه الأسباب يمكن الوقوف على العوامل التالية( ): 1 -تمويل عوامل التنمية عن طريق الاستدانة من الخارج وخصوا استيراد التكنولوجيات المتقدمة وبراءات الاختراع ومستلزمات تشغيل المنشآت الاقتصادية الحديثة. 2- الخلل في السياسات الاستثمارية المتبعة وسوء إدارة الاستثمارات الممولة عن طريق القروض الخارجية،فبدلا من التركيز على تنمية قوى الإنتاج المحلية والتصنيع وتصدير السلع الجاهزة، كما فعلت الدول المتقدمة، لجأت الدول الافريقيةإلى استيراد السلع الرأسمالية الجاهزة بأسعار عالية وتصدير المواد الخام بأسعار منخفضة.هذا النوع من التخصص الإنتاجي أبقى الدول الافريقية في مهب الأزمات الاقتصادية الدولية. 3- فساد الأجهزة الحكومية و نمو ظاهرة الاستهلاك الترفي شجع كثيرا على نهب الاقتصاديات الوطنية بما في ذلك نهب القروض الخارجية وتهريبها إلى الخارج. 4 -انخفاض أسعار المواد الخام في الأسواق الدولية مقابل تزايد معدلات الفائدة على القروض الخارجية. 5-استنزاف الثروات الافريقية في الحروب والصراعات الافريقيةالافريقية أو مع الخارج وكذلك في الصراعات الداخلية، وتلبية متطلبات الاستهلاك الأمني وخصوصا شراء الأسلحة التي لم تؤد خلال أكثر من نصف قرن إلا إلى مزيد من التدهور الأمني وعدم الاستقرار الخارجي والداخلي. أن الديون الإفريقية تشكّل تحديًا كبيرًا؛ سواء لهذه الدول ، وخاصة أن هذه القارة تعدّ من أغنى قارات العالم بثرواتها وأسواقها الواعدة، علاوة على امتلاكها احتياطيًا كبيرًا من معادن وخامات وسلعًا إستراتيجية، مثل الذهب والبترول والقطن والمنجنيز واليورانيوم والكروم ). فالشعوب الإفريقية لا تنعم بها بسبب تراكم الديون التي تتجاوز 350 مليار دولار؛ حيث تضاعفت نسبة هذه الديون مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي للقارة من 38% عام 1980 ليصل إلى 66% عام 1998، في وقت زادت خلاله نسبة الدين الإجمالي مقارنة بالصادرات الإفريقية للخارج من 16% إلى 3.3% لعام 1998 مقابل 2.5% عام 1992 وأرجع هذا الاختلال لتراكم الديون وأعبائها على اقتصاديات القارة ودولها( ).
المبحث الثاني علاقة صندوق النقد الدولي بالدول الغربية
وأن من أسباب تراكم الديون الافريقية : اختلال موازين التبادل التجاري لدول الإفريقية مع العالم الغرب ، لكن تراجع حجم الصادرات الإفريقية من 125 مليار دولار عام 1996 إلى 117 مليار دولار عام 1998، في الوقت الذي تزايد خلاله حجم وارداتها من 121 مليار دولار إلى 129 مليار خلال نفس الفترة، واعتبر أن الزيادة السكانية الإفريقية وتفاقم مرض الإيدز مع انخفاض متوسط العمر أحد المشكلات الضخمة التي تواجه دولها؛ حيث يموت 1200 طفل أسبوعيًا في دولة مثل زيمبابوي ).
وإلى جانب ذلك.. فإن القارة الإفريقية تعاني مشاكل التصحر والفقر، في وقت تفتك بها النزاعات المسلحة، حيث تسبّبت مشكلة التصحر في إلحاق خسائر ضخمة باقتصادياتها بلغت 9 مليار دولار، وهو ما كشفه تقرير للأمم المتحدة الذي حذّر من أن إفريقيا سوف تفقد 25% من أراضيها القابلة للزراعة بسبب تآكل التربة بها مه نهاية القرن الـ20، وبعد أن تضرّر نحو 300 مليون أفريقي من زحف الصحراء عليها.
ويعيش 59% من الأفارقة تحت خط الفقر رغم ما تنعم به قارتهم من ثروات ضخمة، فيما تصنّف 21 دولة إفريقية من بين 52 هي إجمالي عددها تحت بند الدول التي تفتقر إلى الأمن الغذائي في العالم من بين 37 دولة في العالم تصنّف تحت هذا البند. كما أنه من بين 34 دولة في العالم توصف بأنها الأقل نموًا يوجد من بينها 24 دولة إفريقية، وبالتالي.. تستأثر القارة بأكبر عدد إحصائيات من فقراء العالم، وربما أشدهم فقرًا، علاوة على استحواذها النصيب الأكبر من الكوارث التي تجتاح العالم. ومع شيوع الفقر والمرض وانتشار الأمية و تتصاعد الحروب والنزاعات المسلحة في إفريقيا حيث تجاوز عددها منذ عام 1960 تاريخ استقلال أكثرية دولها وزوال الاستعمار عنها لأكثر من 25 نزاعًا مسلحًا حتى عام 1995، إلى جانب وقوع أكثر من 100 انقلاب عسكري بها خلال تلك الفترة، ورغم ذلك.. لم تحظ هذه الحروب والنزاعات باهتمام الإعلام الدولي، خاصة الغربي بمثل ما حظيت به نزاعات حدثت في أوروبا أو تيمور الشرقية. وتزداد محنة إفريقيا والأوضاع؛ سواء بها مع احتضان تربتها لأكثر نسبة من الألغام المتواجدة في العالم من مختلف الحروب المختلفة؛ حيث تقدر هذه الألغام 30 مليون لغم تتواجد في 18 دولة إفريقية من بين 110 مليون لغم في 64 دولة على مستوى العالم.
ولا تقلّ محنة اللاجئين التي تعاني منها إفريقيا شأنًا عن تلك المشاكل؛ حيث تأتي القارة في المرتبة الأولى بين قارات العالم من حيث عدد اللاجئين والمشردين؛ إذ يبلغ تعدادهم وفقًا لإحصائيات مفوضية اللاجئين، حوالي 7 ملايين لاجئ و15 مليون مشرَّد من إجمالي 21 مليون لاجئ على مستوى العالم، فيما تقول تقارير التوصية العليا: إن لاجئي القارة الإفريقية يستحوذون على 300 مليون دولار من إجمالي 900 مليون دولار هما حجم الميزانية المخصصة للاجئين على مستوى العالم، علاوة على أن هؤلاء اللاجئين الأفارقة ينتشرون في 16 دولة إفريقية ).
كما ان العلاقة بين الدول الافريقية النامية و المتقدمة ليست بين أطراف متكافئة، بل يحكمها قانون التطوراللامتكافئ وعلاقة الأطراف بالمراكز، وهي علاقة غير عادلة تصب دائما في خدمة المركز . أيضا فإن البلدان الافريقية تعيش أزمة اختلالات اقتصادية وديموغرافية، و نقص في العمالة الفنية والمهنية في بعض البلدان، وتكدس لهذه العمالة وفي بلدان أخرى أراض صحراوية شاسعة ، وأراض خصبة مخملة في أقطار أخرى ينقصها المالوالمقدرة على إعادة زراعتها ، ويفتقد كثير من البلدان الافريقية النامية القدرة على استبدال الوسائل الزراعية التقليدية بالطرق الحديثة، ومكننة الإنتاج بسبب نقص في الخبرات والأموال، في حين تهدر ثروات بعض هذه الدول ، في بلدان أخرى، في مشاريع لا طائل ولا عائد من ورائها( ).
فعلى سبيل المثال تسعى الدول الافريقية الموافقة على شطب جزء كبير من المديونية الخارجية المستحقة على إفريقيا؛ والتي تبلغ نحو [280] مليار دولار، وهي تشكل عبئًا ثقيلاً على مشروعات النهضة والتنمية الأفريقية-تقديم يد العون للدول الأفريقية من أجل مكافحة الفقر ومحاربة الأمراض ولا سيما الإيدز والملاريا؛ والتي تؤثر سلبًا على جهود التنمية الأفريقية( ) ، فلليس بخافٍ أن أوروبا لها تاريخ استعماري في أفريقيا، وأنها حافظت على علاقات وثيقة بمستعمراتها السابقة، وذلك في سياق تجمعات مثل: الفرنكفونية ( الناطقة بالفرنسية) والإنجلوفونية (الناطقة بالإنجليزية) واللوزيفونية ( الناطقة بالبرتغالية). كما تم صياغة اتفاقية "لومي" عام 1975 لتحكم علاقات المساعدات والتجارة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي ومستعمراتهم السابقة في أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي. وخلال سنوات الحرب الباردة انشغلت الولايات المتحدة باعتبارات ومقتضيات حالة الاستقطاب الدولي الأمر الذي ترك الميدان الأفريقي وكأنه شأن أوروبي خالص. على أن السياسة الأفريقية لأوروبا خضعت لعملية تمحيص وتقويم في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وذلك لإعادة ترتيب أولوياتها وأهدافها. ولا يخفى أن عملية التمحيص والتقويم تلك دفعت إليها مجموعة من العوامل والمتغيرات لعل من أبرزها ( ): -من الواضح أن الإطار المؤسس للعلاقات الأوروبية-الأفريقية المترتب على اتفاقية "لومي" قد تم صياغته ليتلاءم مع المصالح البريطانية والفرنسية على وجه الخصوص، برز ذلك مع دخول أطراف أوروبية جديدة مثل: اليونان وأسبانيا والبرتغال في الثمانينيات، والسويد والنمسا وفنلندة في التسعينيات. لقد شعرت إسبانيا على وجه التحديد بأن إطار "لومي" لم يراعِ مصالحها وروابطها التقليدية في أمريكا اللاتينية.
وأيا كان الأمر فإن تطور الاتحاد الأوروبي نفسه وازدياد عدد أعضائه دفع إلى ضرورة إعادة التفكير حول منظومة علاقاته بالدول النامية، فمع بداية أعوام التسعينيات ارتفعت نسبة المساعدات الأوروبية الموجهة إلى أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفيتي السابق لتصل إلى نحو (25%) من إجمال المساعدات الأوروبية الخارجية، في نفس الوقت انخفضت نسبة المساعدات الموجهة إلى أفريقيا جنوب الصحراء لتصل إلى أقل من (40%) بعدما كانت تشكل نحو (70%) في أعوام السبعينات. [على الرغم من المزايا التجارية الذي تحدث عنها اتفاق لومي Lome فإنها لم تطبق على أرض الواقع كثيرًا، وليس أدل على ذلك من أن نصيب أفريقيا والكاريبي والباسفيكي من التجارة الأوروبية قد انخفض من (7%) عام 1980 ليصل إلى (3%) فقط عام 1997].
-لقد تعرضت السياسة الاقتصادية لمجموعة لومي لمخاطر حقيقية بفعل متغيرين أساسيين أولهما: توقيع اتفاقية الغات وظهور منظمة التجارة العالمية. وثانيهما: توقيع اتفاقية "ماسترخت" عام 1992 والتي تضمنت النص على ملامح سياسة التنمية الكونية لدول الاتحاد الأوروبي [طبقاً للمادة (1304) من اتفاقية ماسترخت Maastricht فإن السياسة التنموية للاتحاد الأوروبي ينبغي أن تدعم جهود التنمية المستدامة في الدول الأكثر تضررًا في العالم، وتشن حربًا على الفقر، وتعمل على ادماج الدول الافريقية النامية بشكل تدريجي في منظومة الاقتصاد العالمي]، عليه لم تعد اتفاقية "لومي" بمثابة الإطار الملائم لتنمية علاقات التعاون بين أوروبا ومناطق أفريقيا بفعل المتغيرات الداخلية في أوروبا، ناهيك عن التغيرات التي شهدها النظام الدولي منذ انهيار حائط برلين عام 1989 وأقول حقبة الحرب الباردة والتي أفسحت المجال واسعًا أمام هيمنة نموذج الديمقراطية اللبرالية على الصعيد الكوني، وظهور ما يسمى بالمشروطية السياسية عند منح المساعدات للدول النامية.
-منذ بداية التسعينيات وحتى جولة الرئيس كلينتون الأفريقية عام 1998 وإعلان الشراكة الأمريكية الأفريقية شهدت أفريقيا مدًا أمريكيا واسعًا وسريعًا، إذ لا يخفى أن المتغيرات الدولية الجديدة التي سارت باتجاه العولمة الأمريكية أفضت إلى إعادة توجيه السياسة الأمريكية نحو أفريقيا من خلال التركيز على دبلوماسية التجارة كأداة للاختراق، بالإضافة إلى دعم جيل جديد من القادة الأفارقة الجدد مثل: "ميليس زناوي" و"أسياس أفورقي" في القرن الأفريقي و"يوري موسيفني" و"بول كاجامي" في منطقة البحيرات العظمى. وهكذا فإن التدفقات العائدة للمديونية الخارجية الطويلة الأمد هي سلبية للغاية إذ بلغت ما يقارب 9 مليار دولار، أي ما يوازي 1,1% من الناتج القومي الإجمالي(أنظر الجدول14).
وهذا يعني أن المديونية الخارجية تؤدي إلى اقتطاع الموارد المتوفرة في المنطقة بدلاً من أن تزيد منها فقد بلغت في أفريقيا جنوب الصحراء (9 مليارات دولار) عند زيادة الهبات المكونة من مساعدات فنية عينية ومبالغ الديون الملغاة وتبلغ الموارد الخارجية لأفريقيا جنوب الصحراء 141 مليار ).
الفصل الثاني السياسة الاقتصادية لصندوق النقد الدولي ودوره في جدولة الديون الافريقية من خلال نادي باريس
لابد أن هناك علاقة تربط بين نادي باريس الدي يختص بجدولة الديون المستحقة على الدول النامية ، و بين صندوق النقد الدولي الذي يعطي القروض لهذه الدول ، فماهي طبيعة العلاقة الرابطة بينهما ، هذا ما سيوضحه هذا الفصل الذي قسم بموجب الدراسة إلى مبحثين ، حيث تناول المبحث الأول السياسة الإقتصادية للصندوق ، و تناول المبحث الأخر جدولة الديون الافريقية المستحقة للصندوق من خلال نادي باريس . المبحث الأول السياسة الاقتصادية لصندوق النقد الدولي
ما سيجري ادعاءه من تحويل صندوق النقد الدولي الى مؤسسة "ديمقراطية" هو في الحقيقة طريقة لضمان أن تستمر غالبية فقراء العالم بلا كلمة مسموعة، فرغم أننا نلمح في أكثر ديكتاتوريات العالم قوة بادرة تغيير، وتبدو الإصلاحات، شأنها في ذلك شأن معظم تنازلات الأنظمة الدكتاتورية، مهندسة لا لإحداث المزيد من التغيير، بل لمنع حدوثه، إذ يأمل النظام عن طريق زيادة طفيفة في أسهم (ومن ثم سلطات تصويت) الصين وكوريا الجنوبية والمكسيك وتركيا، شراء واسترضاء وتمتلك بريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان 22% تتقاسمها فيما بينها، ولكل واحدة مقعد دائم في مجلس الإدارة وبترتيبات غريبة تسمح للدول الثرية بالكلام نيابة عن الدول الفقيرة، تمتلك كندا وإيطاليا سيطرة فعالة على 8% إضافية، البلدان الأوروبية الأخرى قوية بشكل ملحوظ أيضا، مثل بلجيكا على سبيل المثال، فهي مخولة بنسبة 2,1% من الأصوات وسيطرة غير مباشرة على 5,1%، أكثر بضعفين من حصة الهند أو البرازيل• وتشكل حصص أوروبا واليابان وكندا والولايات المتحدة ما مجموعه 63%، وفي مقابل هذا يتقاسم 80 بلدا هي الأفقر في العالم فيما بينها 10% فقط( ) • هذه الحصص المخصصة (الكوتا) لم تعد تعكس حتى المساهمات المالية الحقيقية لإدارة الصندوق: إنه يحصل على الكثير من رأسماله من دفعات تسديد القروض من قبل دوله الخانعة، ولكن الدول الكبرى السبع ما زالت تتصرف كما لو أن الصندوق من مقتنياتها، فهي تقرر من يديره (مدير الإدارة أوروبي دائما ونوابه أمريكيون دائما) وكيف تصرف الأموال•
البلدان السبعة -مع روسيا- في صندوق النقد الدولي وعدت بحماية العالم في قمة الدول الكبرى الثماني في العام 2005، وتحتفظ عصبة السبعة بسيطرتها بالإصرار على أن كل دولار يشتري صوتا• فكلما كبرت كانت الحصة المخصصة للبلد أكبر، كلما كان لديه المزيد مما يقوله بشأن إدارة الصندوق، وهذا يعني أن الصندوق تديره البلدان الأقل تأثرا بسياساته( ) ويتطلب قرار كبير 85% من الأصوات، وهو ما يضمن للولايات المتحدة، مع نسبة %17، صوتا مهيمنا على شؤون الصندوق الجوهرية•
حيث أن هذه السلطة، من حيث المبدأ، من المفترض أن يوازنها شيء ما يدعى "الصوت الأساس"، وهي 250 سهما (تمنح حق تصويت بقيمة 25 مليون دولار) مخصصة لكل عضو، ولكن في الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة حصص البلدان الثرية منذ تأسيس الصندوق في العالم 1944، فإن الأصوات الأساسية لم ترتفع، بل انحدرت من %11,3 جملة الى %2,1 • وتظهر ورقة متسربة أوصلتها الى منظمة باهرة تدعى "مشروع بريتون ودوز" (كل شيء نعرفه عن صندوق النقد الدولي يجب أن يكون تسريبا) إن الصندوق ينوي أن "يدمقرط" نفسه "على الأقل بمضاعفة" الصوت الأساس، وهذا يرتب كل شيء، وعندئذ سيكون 80 بلدا من البلدان الأكثر فقرا في العالم قادرة على حيازة نسبة 0,9% مقسومة بينها، وحتى هذا التنازل المثير للشفقة لم يحدث إلا بعد أن أقدم الأعضاء الأفارقة على مخاطرة سياسية بأن عارضوا علنا عروض الصندوق• ولا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيد حاليا النظر في مكانتهم التجارية( ) • وتحدث توليفا بين كل هذا عملية سياسية داخلية تبدو كما لو أنه تم اختراعها في كورية الشمالية وليس في واشنطن، فليس هناك تصويت رسمي ، بل مجرد "عملية إجماع" يسيطر عليها القادة الأعزاء لمجموعة الدول الكبرى السبع، والقرارات التي تتخذها كل دولة عضو لا يمكن أن تكشف علنا، ولا تكشف أيضا محاضر اجتماعات مجلس الإدارة و"أوراق العمل" التي قامت على أساس إصلاحاته الداخلية، وحتى تقارير محقق شكاوى صندوق النقد الدولي (مكتب التقييم المستقل) يخضع لرقابة الإدارة، ويتم تغيير ما يتوصل اليه لنقل اللوم عن إخفاقات الصندوق وإلقائه على زبائنه من الدول( ) ، ولا حاجة الى القول إن الصندوق يصر على أن الدول التي يقرضها يجب أن تلزم نفسها، بحكومة صالحة و"شفافية" إن كانت ستتسلم نقوده•
ولا شيء من هذا سيكون ذا شأن كبير لو أن الصندوق التزم بتفويضه الأصلي، أي ضمان استقرار نظام النقد الدولي، ولكن منذ انهيار اتفاقية "بريتون وودز" في العام 1971، فقد الصندوق على أقل تقدير رسالته في الحفاظ على سعر الصرف، وبدأ يبحث عن دور جديد• فحين نقح مواد نظامه، كما تظهر دراسة للبروفيسور دانيال برادلو، في العام 1978 كانت عائمة وبالغة الضبابية الى درجة أنها سمحت لصندوق النقد الدولي بالتدخل تقريبا في أي جانب من جوانب الحكم في أي بلد، وفقد الصندوق تأثيره على سياسات الدول الكبرى السبع الاقتصادية، وأصبح بدلا من ذلك نائب العالم الثري، المسيطر بتوصياته وأوامره على الأمم الأفقر، وبدأ بإدارة أدق تفاصيل اقتصاداتها من دون الرجوع الى الشعب، أو حتى الى حكومات، ومنذ ذلك الوقت، لم يحتج أي بلد ثري الى خدماته، وقلة من البلدان الفقيرة استطاعت الإفلات منه ( ) • رغم أن الصندوق قد ساعد اقتصادات شرقي وجنوبي آسيا المضطربة في العام 1997، إلا أنه قام بتخريبها نيابة عن أموال الصفقات الأمريكية وشركات الاستثمار ، لذلك قررت بعض الدول مثل الصين وكوريا الجنوبية أنها لن تطلب مرة أخرى أبدا خدمات صندوق النقد الدولي، وعلى ذلك تعتبر سياسة الصندوق غير عادلة من حيث نظمها ، ومن حيث الثغرات الملازمة لتكوين الصندوق ( ) ، فعلى سبيل المثال لم يتعامل الصندوق مع الباكستان إلا بعد أن فرض عليها شروطاً في تصحيح إقتصادها( ) .
كما إن انخفاض سرعة عملية التنمية في افريقيا فيها يعود إلى إن الدول الغريبة تتحكم في نشاطات المؤسسات المالية في العالم ومنها صندوق النقد الدولي الذي يضع قيوداً صارمة على قروضه للدول الافريقية النامية كنصائحه التي تتضمن( ): 1ـ تخفيض العملة الوطنية. 2ـ تحرير التعامل في الصرف الأجنبي أو العمل على الاقتراب من هذا الهدف. 3ـ الحد من الاستيراد. 4ـ رفع سعر الفائدة المحلي لتشجيع الادخار والحد من التضخم المالي. 5ـ الحد من الإنفاق الحكومي عن طريق إلغاء الإعانات للمستهلكين. 6ـ زيادة الضرائب على المداخيل والسلع. 7ـ وفي بعض الأحيان تجميد الأجور وربما رفع الرقابة على الأسعار.
هذه السياسات الكلاسيــكية أصبحت عنواناً تضعه المؤسسة الدولية على كل طلب يقدم من أي دولة نامية أيا كانت أوضاعها الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية ويعتقد خبراء الصندوق أن اتباع الدول لنصائحهم السابقة سوف يحقق زيادة في الصادرات وبالتالي زيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي، كذلك خفضاً في الواردات، وبالتالي مدفوعات الدولة من هذا النقد والنتيجة أن ما سبق سيحقق نقصاً في عجز ميزان المدفوعات و تعادلاً في هذا الميزان، ، فالنسبة لميزان المدفوعات فأن الهدف من تخفيض العملة لزيادة الصادرات، وخفض الواردات الضرورية للحياة كلاهما غير مرن ولن يستجيب على الإطلاق، فالإنتاج الزراعي بطبيعته إنتاج غير مرن على الأجل القصير، وفي معظم الدول الافريقية الناميةوهو إنتاج غير كاف، لمواجهة الاستهلاك المحلي، وبالتالي لن يلعب دوراً كبيراً أو صغيراً في زيادة الصادرات، واعادة التوازن لميزان المدفوعات( ). والإنتاج الصناعي ـ أن وجد ـ في الدول الافريقية فانه رغم ضآلته نسبة إلى الإنتاج القومي، فهو من حيث النوعية والتكلفة لا يستطيع المنافسة الدولية والنزول للسوق العالمي بل أنه ما كان ينمو في كثير من الحالات دون حماية جمركية عالية.. كذلك فان زيادة الصادرات منه.. لو أمكن معالجة ما سبق تحتاج في كثير من الأحيان إلى واردات من المواد الخام، والمعدات، وقطع الغيار والمعرفة التكنولوجية، وكلها أصبحت بعد خفض العملة الوطنية اكثر تكلفة بل واكثر ندرة في الحصول على موارد النقد الأجنبي.
وإذا انتقلنا إلى قطاع التصدير التقليدي للبلاد، الذي يتمثل غالباً في منتج زراعي، أو منتج حيواني، أو منتج تحديثي وحيد، فان تخفيض العملة الوطنية إزاء العملات الأجنبية لا يشجع على زيادة الصادرات فبجانب أن العرض غير مرن كما ذكرنا فان الزيادة في حجم الصادرات ـ إن حدثت... لن تؤدي إلى زيادة موارد النقد الأجنبي للبلاد كما كانت عليه قبل التخفيض ،فمثلاً عندما اضطرت الصومال إلى خفض عملتها من 25/6 شلن للدولار من اللحوم لم تتضاعف مرتين ونصف لتحافظ على مواردها السابقة من العملة الأجنبية. بل أن هذه الموارد نقصت عما قبل واضطرت البلاد إلى قبول تخفيضات أخرى بلغت ثلاث مرات في خلال سنتين فقط وبالطبع أدى التخفيض كما هو متوقع في الصومال ـ وغيرها ـ إلى تزايد الأسعار ومضاعفتها اكثر من تخفيض العملة (وبين ليلة وضحاها ارتفعت أسعار تذاكر الطيران والإقامة بالفنادق إلى نحو 3 أمثال ...) فتخفيض العملة الوطنية عموماً لا يؤدي إلى زيادة تكلفة استيراد الضروريات، كما أن تجميد الأجور وخفض الإعانات للمستهلكين مما أضاف أعباء إضــافية على أصحاب الدخل المحدود لنقص دخولهم الحقيقية ولا يخفى ما لذلك من مساوئ اقتصادية تعيق من رفاهيتهم الاجتماعية وتؤثر على وضعهم بالنسبة للطبقات الأخرى، ومساوئ سياسية نتيجة للاضطرابات والإضرابات والقلاقل التي يمكن تتعرض لها بل وتعرضت لها دول كثيرة أخذت باقتراحات صندوق النقد الدولي ( )،
وبالنسبة إلى رفع سعر الفائدة على المدخرات المحلية بهدف زيادتها والحد من التضخم النقدي، فأن المدخرات الشخصية (أي الفردية) بسيطة في الدول الافريقية النامية فضلاً عن أن الانكماش يقع عبئه على المشروعات الوطنية التي لن تواجه فقط بارتفاع تكلفة التمويل لندرته، بل وأيضاً بارتفاع في تكلفة المستورد من راس المال (تمويل) ومعدات ومواد خام، مما قد يؤدي إلى الحد من نشاطها وإلغاء أي خطط للتوسع في إنتاجها مؤدي ذلك أن الادخار الفردي وادخار قطاع الأعمال كلاهما يتأثر سلبياً وليس بالزيادة كما يعتقد خبراء الصندوق. إن من ينتهز هذه الفرصة هو رأس المال الأجنبي للشركات المتعددة الجنسيات، لو كانت البلاد لديها قطاع تعدين للتصدير ـ حيث يصبح مشروع استغلال الموارد التعدينية اكثر ربحا لانخفاض العملة الوطنية وبالتالي التكلفة المحلية للمشروع، بما ذلك الاداوات الحكومية، كما تنتهز هذه الشركات وغيرها الفرصة للتوسع من صادراتها لداخل البلاد حيث أن ما تدفعه البلاد نقداً أو عيناً لوارداتها اصبح اكثر من ذي قبل.. كما أن المشكلة تزداد بالقول بأن احتمال دخول رأس المال الأجنبي مستمر في البلاد إذا توافرت الشروط التي يتطلبها وهي... الاستقرار السياسي وتحويل الأرباح للخارج، وتزايد الأرباح يكون لصالح المستثمر الأجنبي حيث يأخذ هو بالعملة الصعبة أما أبناء البلد فيحصلون بالعملة الوطنية0
وتجدر الإشارة هنا أن زيادة الإنتاج المحلي بسبب هذا الاستثمار لن يكون بديلاً للواردات، إذا كان قطاع التعدين هو القالب كما انه لن يكون بديلاً للواردات بنسبة 100% ولو حدث انه تم في نشاطات أخرى، والخلاصة انه من الأجل المتوسط و الطويل أن لم يحدث تحويل لرأس المال الأجنبي إلى ملكية وطنية فان مشكلة ميزان المدفوعات تتفاقم اكثر من أن تحل وهناك ما أشرنا إليه المديونية للدول الغنية للدول الافريقية طريق وعر محفوف بالمشاكل الاقتصادية الضائعة دائماً( ) .
كما أن هناك علاقة بين صندوق النقد الدولي، ومسألة الديون وإعادة هيكلتها أو إلغائها، والنسبة المئوية من المساعدات التي قررتها الدول الصناعية الثمان لدعم الدول الافريقية الناميةبالنهوض باقتصادياتها والقضاء علىالفقر، لكن أي مشروع جدي لمواجهة ظاهرة الفقر لن يكتب له النجاح ما لم يدرس حالة كل دولة على حدة، ومن ثم يتصدى ضمن مشروع إقليمي جماعي لمواجهة هده الظاهر ة. فأسباب الفقرفي الدول الافريقية النامية ليست متماثلة في كل الدول ، وقد تسببت هذه مشاكل في زعزعة الاستقرار في بعض تلك البلدان . وارتبطت كثيرمن تلك المشاكل بمشاريع التقشف التي فرضها البنك الدولي على الحكومات المعنية بالمديونية، والتي شملت رفع الدعم الحكومي علىالسلع الغذائية والإستراتيجية والوقود للتصدي لظاهرة الفقر، ومن ثم تسوية مشكلة الديون، وعدم تدويرها، بما يضاعفها ويصل بها إلى أرقام فلكية بسبب تضخم المبالغ وتضاعف نسبة الأرباح عليها. وفي موضوع الآليات أيضا، فإن المطالبة بإعادة هيكلة الديون، هي مطلب البنك الدولي للتنمية، وينبغي أن لا يكون مطلبا للشعوب، لأن هذه الهيكلة سوف تؤدي إلى استمرار هيمنة المؤسسات المالية الدولية على الاقتصاديات المحلية، وسترهن الاستقلال والتنمية، في البلدان الافريقية النامية، وتضخ إلى خزينة الدول الغربية مبالغ طائلة من الممكن استثمارها في قضايا التنمية المحلية ، ومن جهة أخرى،فإن المطالبة بإلغاء الديون، دون تصور للمهام التنموية المرتبطة بالمرحلة التي تلي عملية الإلغاء، لن تؤدي إلى تغيير حقيقيفي المستوى المعيشي، بل ستكون أشبه بمعالجة موسمية سرعان ما يتلاشى أثرها لتعود من جديد الحاجة إلىالمديونية في دورات متعاقبة تتجه أن صعودا إلى الأعلى فرغم مصر تمكنت من الحصول على إعفاء من المديونية بلغ ما يقارب الخمسة مليارات دولار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٩٠ ،كمكافأة لها على مشاركتها في حرب الخليج الثانية، ولكن ذلك لم يحل المشكلة بشكل نهائي، واضطرت مصر إلى العودة من جديد لصنادق التسليف الدولية لتعالج مشكلاتها المحلية ، ومن هنا فإن المطالبة بالإلغاء يجب أن يترافق مع بروز متصور عملي للخروج نهائيا من محاجر المديونية إلى عالم تنمية حقيقية وفاعلة. النقطة الثانية، هي الموقف من المساعدات الدولية، فهذه المساعدات في الغالب ليست نزيهة، ولا ترتبط بعمليات تنموية حقيقية، وإنما هي تعبير عن الرضا على هذا النظام ا لسياسي أو ذاك ، ولذلك فهي ليست موجهة أصلا للمساعدة في بناء القدرة الذاتية، وهي في النهاية وجه آخر لتبعيةالبلدان الافريقية الناميةلاقتصاديات الدول الرأسمالية، وخضوعها لسياساتها واستراتيجياتها ، ومن هنا فإننا نلحظ تسارعا في تقديم المساعدة المالية للأنظمة الصديقة، ونأيا عن تقديم ما قررته الدول الصناعية الثمان حين لا يكون النظام السياسي القائم مواليا للدول المانحة ،
لقد فشلت جميع النماذج الاقتصادية التي تم تطبيقها في إفريقيا في تحقيق أهدافها، فالسياسات التنموية التي انتهجتها النظم السياسية الإفريقية على اختلاف توجهاتها الأيديولوجية أفسحت المجال بشكل تدريجي أمام سياسات التكيف الهيكلي. ومع ذلك فإن برامج التكيف ليست دواءً سحريًا؛ حيث إن كثيراً من الدول التي طبقت تلك البرامج عانت من الكساد الاقتصادي، وتكريس وضعية التخلف وعدم الاستقرار السياسي والصراع الاجتماعي. ومع اشتداد حدة الفقر انتشرت عمليات تعاطي المخدرات والدعارة في كثير من أنحاء القارة وارتفعت معدلات الجريمة وانتشار مرض الإيدز. لقد انتُقدت سياسات التكيف بشكل حاد في الدول الإفريقية وذلك من عدة نواحٍ: أولها: أنه إذا كانت هذه السياسات تهدف إلى إقامة نظام اقتصادي يعتمد على السوق الحر -وهو ما يتضمن تقليص دور الدولة- فإن ذلك لا يتلاءم مع الواقع الإفريقي، فعملية الانتقال نحو الحرية الاقتصادية بمفهومها الرأسمالي تتطلب وجود دولة قوية وجهاز بيروقراطي كفء ونظام مصرفي فعال، وهذا ما لا يتوافر في إفريقيا. ثانيا: فإنه على الرغم من إضفاء الطابع الفني والتقني على سياسات التكيف الهيكلي وتصويرها على أنها تخلو من أية مصالح وأهداف أيديولوجية معينة فإنه لا يخفى على أحد أن المؤسسات المالية الدولية تسعى بجهد دءوب نحو تدعيم وتعزيز نظام رأسمالي عالمي، حتى ولو كان بغير مضمون حقيقي. وثالثًا: من الواضح أن سياسات التكيف قد أضرت إضرارًا بالغاً بالتنمية البشرية في إفريقيا، ولم تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والإنسانية للتكيف.
المبحث الثاني جدولة الديون الافريقية المستحقة للصندوق من خلال نادي باريس
تسعى الدول الأعضاء في نادي باريس إلى إيجاد الحلول الملائمة للصعوبات التي تواجهها الدول المدينة في سداد ديونها عبرإعادة الجدولة للديون الخارجية من خلال تغيير أساليب سداد الديون المستحقة لهم وبما يحقق مكاسب لكلا الطرفين. يتمكن الدائنون وفق هذه الاتفاقية الحصول على أموالهم لاحقا بدلا من التوقف النهائي للدولة المدينة عن الدفع، في حين تتمثل مكاسب الدول المدينة باستغلال فترة التأجيل لترتيب أوضاعها المالية والتجارية، إذ عليها معالجة العجز المالي الذي يسبب اللجوء إلى التمويل الخارجي وتنمية صادراتها للحصول على الموارد المالية اللازمة لسداد ديونها المؤجلة. ويجتمع النادي بالدول المدينة التي تحتاج إلى دين عاجل يشترط عليها التزام وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحسين وضعها الاقتصادي والمالي وفق اشتراطات يقترحها صندوق النقد الدولي ) ، ومنذ عام 1956 أبرمت الدول الدائنة الأعضاء في النادي ما يزيد على 386 اتفاقية تتعلق بـ80 دولة مدينة، بلغ مجموع الدين المغطى في هذه الاتفاقيات ومنذ عام 1983 ما يقرب من 468 مليار دولار ). وحيث إن النادي مجموعة غير رسمية فانه لا يملك أية قوانين تشريعية، مما جعل الدول الدائنة الأعضاء فيه تمتلك مرونة كبيرة في مواجهة المواقف الخاصة لكل دولة مدينة تواجه صعوبات في سداد ديونها. ورغم ذلك فقد وضعت الدول الدائنة عددا من القواعد والمبادئ المفيدة لتأمين أي اتفاق يتم إبرامه بينها وبين الدول المدينة ، وهذه القواعد والمبادئ مقبولة من قبل الأطراف كافة وتشمل اتخاذ القرارات لكل حالة على حدة، والإجماع والظرفية والتضامن وقابلية المقارنة للمعاملة ).
ولا يوافق نادي باريس على إعادة الجدولة للديون إلا إذا استفحل العجز في ميزان مدفوعات الدولة المدينة أو ازدادت متأخرات ديونها، فهو يشترط إذن وجود حالة عسر شديد تعرقل الوفاء بالالتزامات المالية. وتبرم الاتفاقات بعد تطبيق البرنامج الإصلاحي الذي يقترحه صندوق النقد الدولي على الدولة المدينة، ويرمي هذا البرنامج إلى توازن الميزانية العامة والميزان التجاري لأن ضبط العجز المالي يحد من التضخم ومعالجة العجز التجاري تقود إلى تقليل الاعتماد على التمويل الخارجي. ولتحقيق ذلك يتناول البرنامج جميع أدوات السياسة المالية والاقتصادية ) ، و هذا ما انتج مخاطر كبيرة في اعادة الجدولة ) التي تستلزم موافقة الدول المدينة على شروط وطلبات صندوق النقد الدولي لتحقيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يطلبه والمتمثلة بخفض الدعم الحكومي للسلع الاستهلاكية الضرورية وزيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة وخصخصة القطاع العام وتخفيض قيمة العملة الوطنية، ولكن برامج الصندوق وإعادة الجدولة تؤدي إلى مشاكل كثيرة منها ): 1- تنصل القطاع العام عن دوره في إيجاد فرص عمل جديدة رغم استفحال البطالة وتقلص الدعم الحكومي للسلع الاستهلاكية الضرورية للمعيشة وازدياد الضرائب المباشرة وغير المباشرة من اجل معالجة العجز المالي . ) 2- اعتمدت إصلاحات صندوق الدولي بموجب تلك البرامج على تخفيض قيمة العملة الوطنية وتحقيق التوازن في ميزانيتها وزيادة نسبة الضرائب, كذلك معالجة عجز الميزان التجاري وبالتالي تقليص الاعتماد على التمويل الخارجي فتخف أزمة المديونية، إما الدول المدينة المعنية فترى إن هذه العملية تمزق برامجها الاجتماعية المهمة وتلغي هدفها في بلوغ الاستخدام الكامل وتمس شريحة كبيرة من أصحاب الدخول المنخفضة وتحدث ردود فعل داخلية عنيفة جراء تفاقم مشكلة البطالة وإلغاء البرامج الاجتماعية.
الفصل الثالث علاقة صندوق النقد الدولي بالبنك الدولي وبمنظمة التجارة العالمية (الجات) تجاه الدول الافريقية
تعتبر كل من منظمة التجارة العالمية (الجات) و البنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ، توائم نشأت في فترة مابعد الحرب العالمية الثانية ، و رغم ظهور الصندوق والبنك بموجب اتفاقية بريتون وودز عام 1949 ، إلا أن منظمة التجارة العالمية (الجات ) لم تظهر إلا بعد انتهاء الحرب الباردة ، فما طبيعة العلاقة بين هذه المؤسسات تجا إفريقيا ، هذا ما سيوضحه هذا الفصل ، من خلال مبحثيه ، حيث يتناول مبحثه الأول علاقة الصندوق بالبنك الدولي تجاه افريقيا ، ويتناول مبحثه الثاني علاقة الصندوق بمنظمة التجار العالمية (الجات) .
المبحث الأول علاقة الصندوق بالبنك الدولي تجاه افريقيا
صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يعملان باجتهاد لتحقيق مصالح الدول الدائنة، التي تمثل أكبر المساهمين بهما، وعملهم هذا بسيط للغاية: "ضمان أن الدين مخدوم"، وهكذا فإن الهدف الأساسي من إدارتهم الاقتصادية هو: تجميع العملة الصعبة الكافية لضمان مستوى معين من المدفوعات (كالتي ذكرناها من قبل)، ولتجميع العملة الصعبة فإنه يتعين على أي دولة زيادة الصادرات وتخفيض الإنفاق. ولن نشرح هنا كيف تستطيع الدول أن تقوم بذلك، لكننا فقط سنذكر أن الدول المدينة ملزمة -كي تكون حرة للارتباط ببرامج إصلاحية- أن تدفع ما عليها من ديون ) ، فقد زادت ديون منطقة إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 133% خلال نفس الفترة، وبصفة عامة ارتفع عبء الدين للدول الأكثر فقرًا، والتي يطلق عليها الدول منخفضة التنمية إلى 110%. ) .
إن السياسات الاقتصادية المفروضة على الديون لم تعالج أي شيء على الإطلاق، بل على العكس فقد سببت معاناة أسوأ للبشرية؛ إذ قامت بتدمير شامل للبيئة والأوضاع الاجتماعية، وأدت إلى نضوب موارد الدول الافريقية الناميةمما يجعلها كل سنة أقل قدرة على سداد خدمة دينها السنوي، فما بال استعادة مواردها البشرية والاقتصادية؟! المسئولون عن برامج الإصلاح الهيكلي في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لا يمكنهم إرجاع فشل هذه البرامج لعامل الوقت، فهم لا يستطيعون الشكوى بأن برامجهم لم تُعطَ الوقت الكافي كي تعمل وتحقق أهدافها.
فعلى سبيل المثال إن أي مدير لجمعية عامة أو مكتب خاص محلي من الممكن أن يطرد لسوء الخدمة (الأداء)، ولا تطبق هذه المسألة على البيروقراطيين العالميين الذين يعملون دائمًا لمصلحة الحكومات الدائنة، فالمتحكمون في إدارة الديون العالمية لا يخضعون أبدًا لمحاكمة من ضحاياهم، وردهم الوحيد يكون لرؤسائهم الذين لا يخضعون أيضًا لأي نوع من المسائلة، فهم في أعلى شجرة البيروقراطية ).
كما أن المتحكمون في إدارة الديون يطالبون بزيادة الصادرات وتخفيض النفقات العامة وهم بالتأكيد لا يشعرون بآثار البطالة، والتخفيض الشديد للرواتب، وآثار تقليل الخدمات العامة التي تتبع تطبيق هذا المطلب، وحتى اللامركزية التي يطبقونها لا تفيد الاقتصاد، وسيصعب عليهم للغاية إثبات غير ذلك؛ عندما تم تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي في المؤسسات المحلية والعالمية في البلاد المدينة زادت أرباح هذه المؤسسات، لكن ذلك كان نتيجة أن هذه البرامج كانت تخفيض المرتبات وتطبيق اللامركزية ، وبالنسبة للكثير من البنوك العالمية فإن مدفوعات خدمة الدين بفائدة كبيرة جدًا في أواخر الثمانينات ساعدت في تمويل سجلات الربح ولسنوات عديدة؛ لذا فإنه من منظور هذه البنوك قد نجح البنك الدولي نجاحًا منقطع النظير.
ولم ير علية القوم في دول العالم الثالث أي سبب للشكوى، فلقد نجحوا في اجتياز عقد الثمانينات بسهولة نسبية، وقد ربحوا الكثير من الأموال واستفادوا من هبوط المرتبات، وأموالهم في مأمن خارج البلاد بالدولار الأمريكي أو الفرنك السويسري. وفي كل مرة يطالب الصندوق الدولي بتخفيض العملة المحلية لتشجيع التصدير فإن أولئك الذين يحتفظون بالعملة الأجنبية يصبحون أغنى وبطريقة أتوماتيكية وهم في منازلهم.
إن برنامج الإصلاح الهيكلي برنامج فاشل، بل وأصبح يمثل كارثة، لكن ذلك لا يردع أبدًا صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي. ويمكن تفسير مثابرتهم -ولو جزئيًا- بالتشجيع الصريح الذي يتلقونه من جهات معيّنة، والحكم على نشاطات البنك الدولي وصندوق النقد يعتمد اعتمادًا تامًا على الذين يخدمون كهيئة المحلفين. وعلى الناحية الأخرى فإن عدم اتحاد الدول المدينة سيؤدي وبالتأكيد إلى استنزاف اقتصادهم، وإلى استمرار تدفق الثروات من الجنوب إلى الشمال
هناك أوجه اتفاق وأوجه افتراق بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتعمير والتنمية ، وأهم أوجه الاتفاق هي كما يلي ( ): 1ـ أن الصندوق والبنك يتفقان في أن المشكلة في الدول الافريقية الناميةهي تراكم أخطاء داخلية في تلك الدول ، أدت إلى تفاقم كل من العجز الداخلي والخارجي . ومن ثم فهما يستبعدان العوامل الخارجية تماما. 2ـ يعمل الصندوق مع البنك جنبا إلى جنب لتحقيق أهدافهما، حيث يعقدان اجتماعاتهما بصفة مشتركة في مكان وزمان واحد ، بل وصل التضامن بينهما أن البنك الدولي ، لا يقدم قروضا لدولة نامية ، حتى تحضر له خطابا من صندوق النقد الدولي ، يبين فيه أن تلك الدولة قد خضعت لسياسات الصندوق ، ونفذت كل ما فيها. 3ـ أن معظم الدول المؤسِّسة للصندوق والبنك ، هي الدول الغربية ، وعلى رأسها دول الحلفاء : الولايات المتحدة الأمريكية ، وبريطانيا ، وفرنسا ، التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية ، وقد استحوذت تلك الدول على نصيب الأسد في تمويل المؤسستين ، ومن ثم تمكنت من السيطرة عليهما ، وتوجيههما الوجهة التي توافق مصالحها ومبادئ النظام الرأسمالي الغربي ، الذي يراد له أن ينتشر في العالم ، مما يسهل للدول الغربية ، السيطرة والتحكم وبخاصة فيما يتعلق بالدول الافريقية النامية. فإذا نظرنا إلى حصص الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي ، التي عدة مرات كان آخرها التعديل الحادي عشر عام 1998م ، حيث وافق مجلس المحافظين على زيادة حصص الدول الأعضاء في الصندوق ليصل إجمالي الحصص إلى 212 مليار وحدة من حقوق السحب الخاصة ، نجد أن نسبة حصص خمس دول تمثل نحو 38% من مجموع حصص الدول الأعضاء البالغة 182 دولة ! وهذه الدول الخمس حسب تعديل عام 1998م هي كما يلي: أ ـ الولايات المتحدة الأمريكية وتبلغ حصتها أكثر من سبعة وثلاثين مليار وحدة حقوق سحب خاصة بنسبة 5 ,17% . ب ـ ألمانيا واليابان وتبلغ حصة كل منهما أكثر من ثلاثة عشر مليار وحدة حقوق سحب خاصة ، بنسبة 6% لكل منهما . ج ـ المملكة المتحدة وفرنسا وتبلغ حصة كل منهما أكثر من عشرة مليارات وحدة حقوق سحب خاصة ، بنسبة 4 % لكل منهما . إن هذا التوزيع للحصص ، يفسر سبب هيمنة الدول الصناعية الغربية على سياسات الصندوق ، بل ويفسر التزام الصندوق بالفكر الاقتصادي الرأسمالي ، وحرصه الشديد على تنفيذ ذلك الفكر في الدول الافريقية ، دون النظر إلى خصوصياتها وأوضاعها الدينية والاجتماعية ، تحقيقا لأهداف العولمة الاقتصادية المتمثلة في جعل العالم كله يسير وفقا للنموذج الرأسمالي الغربي ويرتبط به ارتباطا عضويا . 4ـ يرتبط نظام التصويت في الصندوق والبنك ارتباطا كبيرا بحصة البلد العضو وهو ما يسمى بنظام التصويت المُرجِح ، بمعنى أن اتخاذ القرار يتناسب مع مقدار الحصة ، فقد جاء في اتفاقية الصندوق والبنك أن لكل عضو مئتين وخمسين صوتا يضاف إليها صوت واحد عن كل مئة ألف وحدة حقوق سحب خاصة من حصته. مثلا : حسب الاتفاقية تتخذ قرارات الصندوق بأكثرية الأصوات المدلى بها. إلا أن نظام التصويت المُرجِح يقلل من إمكانية صدور القرارات بالأغلبية . فالقرارات ذات الأهمية في تحديد سياسات الصندوق حدد لها نسبة عالية هي 85% من مجموع الأصوات . وهذا بطبيعة الحال، جعل باستطاعة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى استعمال حق الاعتراض (الفيتو) على قرارات الصندوق، ولا شك أن هذا ينعكس أثره في نشاط الصندوق ، وتبقى السياسة المالية له محكومة برغبة الدول ذات الأصوات الكثيرة ، حيث تتعطل القرارات باعتراض دولة واحدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، أو بعدد قليل من الدول الكبيرة ، وهكذا تزول مزايا مبدأ الأغلبية، وكأن العمل يتم على أساس مبدأ الإجماع أو قريب منه. وتوضيح ذلك ، أن الولايات المتحدة الأمريكية لو اعترضت على قرار معين ، فإنها ستقتطع نسبة 17,5 % من إجمالي نسبة التصويت ، فلا يبقى إلا 82,5 % ، مما يعني أن القرار لا يمكن أن يحصل على النسبة المطلوبة وهي 85% حتى ولو وافقت عليه بقية الدول الأعضاء . أما أوجه الافتراق فيمكن إيجازها فيما يلي ( ): 1ـ يهتم الصندوق بالقضايا النقدية وتوازن موازين المدفوعات ، ومراقبة العناصر الإجمالية أو الكلية في الاقتصاد كالدخل القومي وكمية النقود ونحو ذلك ، أما البنك الدولي فمجال نشاطه التطوير الاقتصادي والاجتماعي ، وتنصب اهتماماته على عائد المشروعات الاستثمارية للوحدات الاقتصادية الجزئية كالزراعة ، والطاقة، والصحة ، والنقل . 2ـ أن برامج الصندوق قصيرة الأجل ـ عادة ما بين 3ـ 5 سنوات، أما برامج البنك فهي تكمل مهمة الصندوق ؛ فهي قروض طويلة الأجل تمتد من 5ـ 10 سنوات وبخاصة برامج التكييف الهيكلي ، التي تهدف إلى إعادة صياغة وتشكيل السياسات والتوجهات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الافريقية النامية، وتكييف هياكلها بما يلائم الاقتصاد الرأسمالي . 3ـ الهدف الرئيس للصندوق هو الإشراف على النظام النقدي الدولي ، ومساعدة الدول الأعضاء في التغلب على مشكلاتها النقدية قصيرة الأجل. أما الهدف الرئيس للبنك فهو تحقيق النمو الاقتصادي طويل الأجل في الدول الافريقية الناميةالأعضاء ، من أجل الارتفاع بالمستوى المعيشي فيها ومكافحة الفقر والبطالة بتنشيط التمويل الموجه إلى التنمية . 4ـ ما يقدمه الصندوق للدول الأعضاء إنما هو تسهيلات ائتمانية إلى الدول التي تفتقر إلى مبالغ كافية من العملات الأجنبية لتغطية التزاماتها المالية قصيرة الأجل ، فهي معاملة صرف أو مبادلة عملة بعملة ، وقد يتوسط في ترتيب حصول الدولة العضو على قروض من جهات رسمية أو تجارية بعد موافقة البلد المعني على برنامج الصندوق الإصلاحي . أما ما يقدمه البنك كقروض للدول الافريقية الأعضاء التي تفتقر إلى الموارد المالية لتمويل المشروعات التنموية فيها ، وقد تكون تلك القروض من موارد البنك ، وبخاصة من حصيلة السندات التي يصدرها ويطرحها للتداول في الأسواق المالية العالمية .
وقد انتقد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعته ـ بما في ذلك الرابطة الدولية للتنمية ـ بأن ما يدفعه من قروض للدول الافريقية إنما هو لتحقيق المصالح الاقتصادية والسياسية للدول المسيطرة عليها وهي الدول الرأسمالية الغربية ، وأما الدوافع الإنسانية أو تحقيق الأهداف المعلنة لتلك المنظمات فهو شيء يسير يستعمل للدعاية فقط ، صحيح أن تلك المنظمات قد تحقق مصالح للدول الفقيرة ، لكن عند التعارض بين مصالح تلك الدول ومصالح الدول الكبرى وهو الغالب ، فإن مصالح الدول الكبرى تكون هي الراجحة .
ولا شك أن هذا الانتقاد قوي جدا ، ويوافق ما سبق ترجيحه بشأن سعي منظمات العولمة الاقتصادية لتحقيق أهداف خفية للعولمة تخدم مصالح الدول الغربية الكبرى وشركاتها وبخاصة متعددة الجنسية منها . وقد جاءت منظمة التجارة العالمية في حال أفضل من الصندوق والبنك وتضمنت اتفاقاتها بعض الميزات للدول الافريقية مثل : 1ـ بعض الإعفاءات فيما يخص الدول الأقل نموا ، وبعض الاستثناءات فيما يخص الدول الافريقية النامية. 2ـ اشتملت على مبدأ التعويض عن الضرر وإمكانية مقاضاة الدولة التي يبدر منها الضرر أمام جهاز فض المنازعات ، وهذا يمكن أن تستفيد منه الدول الافريقية كثيرا . 3ـ نظام التصويت فيها بتوافق الآراء أو الأغلبية في بعض الحالات ، وهو أكثر عدالة من نظام التصويت المرجح . وقد أعطيت هذه المنظمة هالة إعلامية ضخمة عند إنشائها ، وفي الوقت نفسه أخذ عليها مآخذ كثيرة ، سواء من بعض الدول النامية، أم من بعض شعوب الدول الصناعية الغربية نفسها. ويذكر الدكتور محمد العصيمي أن مما أخذ عليها ما يلي ( ): 1ـ هناك نظر في الأسس التي بنيت عليها المنظمة والأهداف التي تصبو إلى تحقيقها . فمثلا تدعي المنظمة أن هدفها هو تحرير التجارة العالمية ، ولكن ليس من المتوقع تحرير تجارة الدول الغربية ولا فتح أسواقها ، ولا تمكين العمال من دخولها . 2ـ يقال إنها منظمة تريد منافسة عادلة بين المنتجين وليس بين الحكومات. لكن ليس من العدالة ترك المنافسة بين خصمين متفاوتين تفاوتا كبيرا : خصم قوي جدا وخصم ضعيف جدا . 3ـ يقال إنها تريد ترسيخ مبادئ قانونية وأعراف دولية في المجالات التجارية . والسؤال : من وضع تلك القوانين وأقر تلك الأعراف ؟ إنها الدول الكبرى ، ولا يراد للدول الافريقية إلا الإذعان لها وفتح أسواقها أمام المنتجات الغربية . 4ـ يقال إنها منتدى للحوار بين الدول ، وكيف تحاور دول ضعيفة دولا قوية متمكنة ؟ بل كيف السبيل إلى ذلك بين الشركات دعك من الدول، إذا علمنا أن موازنة بعض الشركات الأمريكية الكبرى يفوق موازنة عدة دول نامية مجتمعة ؟! 5ـ من يضمن حياد المنظمة في التحكيم بين الأطراف المتنازعة ، وفي فهم وتفسير الاتفاقيات الموقعة ، وفي الرقابة الدورية على التجارة المحلية وقوانينها المستجدة ، ومن يضمن حياد الخبراء الذين يؤدون تلك الأعمال وجلهم من الغربيين ؟ وهذا لا يعني عدم حيادية الأسس التي قامت عليها المنظمة ، إنما يعني أن القوي سيستفيد من حياديتها أكثر من الضعيف . 6ـ إلى أي مدى تتحمل الدول الافريقية التغيرات الكبيرة التي ستنقص من سلطاتها ؟ وإذا كانت زيادة الضرائب المحلية هو بديل تخفيض الرسوم الجمركية ، فكيف تواجه الآثار الاجتماعية الضارة لهذا البديل ؟ 7ـ لماذا تواجه الدول التي تريد الانضمام إلى المنظمة بشروط وضغوط قاسية لأجل تحقيق مطالب ليست تجارية كحقوق الإنسان ؟ ما علاقة هذا بهذا ؟ ولا شك أن هذه المآخذ تصب في خانة ترجيح الأهداف الخفية للعولمة الاقتصادية وتشكك في صدق الأهداف المعلنة لها .
المبحث الثاني علاقة الصندوق بمنظمة التجار العالمية (الجات)
وإذا أردنا أن نوازن بين بمنظمتي بريتون وودز هما : صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتعمير والتنمية ، نسبة إلى المدينة الأمريكية التي اتفق فيها على إنشاء المنظمتين المذكورتين وبين منظمة التجارة العالمية، فإننا نجد أن هاتين المنظمتين توافقان منظمة التجارة العالمية في أمور منها : 1ـ الأهداف وبخاصة : رفع مستوى الدخل الفردي والوطني ، والعمل على زيادة التجارة العالمية وتحريرها ، وأهمية التشاور في الأمور المشتركة . 2ـ تضع منظمة التجارة العالمية سياسات ومبادئ تطالب الدول الأعضاء بالالتزام بها تتفق في الاتجاه العام والسياسات الاقتصادية التي ينفذها الصندوق والبنك في الدول الافريقية ، وهو اتجاه الإصلاح وتحرير السياسات، وفقا لضوابط اقتصاد السوق ، وحرية التجارة ، وإعطاء الاهتمام اللازم للتصدير ، وإلغاء الدعم .
ويفترقان عنها في أمور منها ما يلي ( ) : 1ـ نظام التصويت المعمول به في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مبني على نظام التصويت المرجح ـ كما تقدم ـ بحيث يكون لبعض البلدان أصوات أكثر من غيرها ، أما منظمة التجارة العالمية فتنص اتفاقيتها على أن اتخاذ القرارات في المنظمة يكون بتوافق الآراء ، أو أغلبية الأصوات إذا لزم الأمر ، ويكون لكل بلد صوت واحد ، ولا شك أن جعل نظام التصويت في منظمة التجارة العالمية بهذا الشكل في مصلحة البلدان الافريقية ؛ لأنه أكثر عدالة من نظام التصويت المرجح . 2ـ في حين أن منظمتي بريتون وودز تعامل الدول المتقدمة والدول الافريقية معاملة واحدة ، فإن اتفاقية منظمة التجارة العالمية قد أعطت الدول الافريقية الأعضاء فيها ، بعض الاستثناءات التي تخفف من الآثار السيئة لفتح الأسواق وتحرير الاستيراد، تشتمل على بعض المزايا كتصدير منتجاتها إلى الدول الصناعية دون حواجز جمركية أو على الأقل جمارك منخفضة ، كما أنها تمكن الدول الأعضاء من اللجوء إلى جهاز فض المنازعات التجارية، في حالة تضررها من إحدى الدول بما فيها الدول الكبرى ، للحصول على تعويضات عن الأضرار التي لحقت بها ، ويبقى الأمر المهم هو مسألة تنفيذ تلك الاستثناءات . إلا أن الغالب أن مبادئ منظمة التجارة العالمية بشأن فتح الأسواق ، تصب في مصلحة الدول المتقدمة لا مصلحة الدول الافريقية ؛ وذلك أن منتجات الدول المتقدمة منتجات متطورة ، وذات مواصفات عالية ، ولديها قدرة تسويقية عالية ، وهو ما لا يتوافر لمنتجات الدول الافريقية. 3ـ سياسات ومبادئ منظمة التجارة العالمية شاملة لجميع الدول الأعضاء، بخلاف سياسات منظمتي بريتون وودز وبخاصة برامج الإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي ، فإنها لا تطبق إلا على الدول التي تحتاج إلى ذلك كالدول الافريقية .
خاتمة الدراسة نخلص من هذا البحث إلى أن مشكلة المديونية هي المشكلة الرئيسية التي تعاني منها إفريقيا ، أن الدول الغربية عملت على السعي لزيادة تبعية هذه البلدان لها ، حيث تبين ذلك من خلال الفصل الأول بمبحثيه ، حيث تناول المبحث الأول منه مشكاة المديونية في افريقيا ، وتناول المبحث الثاني منه علاقة صندوق النقد الدولي بالدول الغربية . كما بين هذا البحث من خلال الفصل الثاني أن هناك علاقة تربط بين نادي باريس الدي يختص بجدولة الديون المستحقة على الدول النامية ، وبين صندوق النقد الدولي الذي يعطي القروض لهذه الدول ، فبين هذا الفصل طبيعة العلاقة الرابطة بينهما ، من خلال مبحثيه ، حيث تناول المبحث الأول السياسة الإقتصادية للصندوق ، وتناول المبحث الأخر جدولة الديون الافريقية المستحقة للصندوق من خلال نادي باريس . كما بين الفصل الثالث العلاقة التي تربط بين كل من منظمة التجارة العالمية (الجات) و البنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ، تجاه إفريقيا ، من خلال مبحثيه ، حيث يتناول مبحثه الأول علاقة الصندوق بالبنك الدولي تجاه افريقيا ، ويتناول مبحثه الثاني علاقة الصندوق بمنظمة التجار العالمية (الجات) . وبناءاً على ذلك أوضحت الدراسة أن هناك توافق في سياسة صندوق النقد الدولي مع المؤسسات الاقتصادية الدولية الأخرى تجاه الدول الافريقية خلال الفترة (1989-2006) ، وعلى هذا الأساس تكون فرضية الدراسة قد أثبتت .
المراجع
• منذر خدام ، هموم التنمية الافريقية ومشكلاتها ، http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=14226
• منظمات العولمة الاقتصادية ، http://www.islamecon.com/publish/article_46.shtml
• ربيع شاهين ، مطالب إفريقية من أوربا ابريل القادم ، http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/alhadath2000-mar-26/alhadath4.asp • حول موضوع النداء العالمي لمكافحة الفقر ، http://www.gcaparabregion.net/index.php?option=com_content&task=view&id=43&Itemid=75
• حمدي عبد الرحمن حسن ، القمة الأفرو أوربية الأولى .. صراع الأولويات ، http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/qpolitic-mar-2000/qpolitic23.asp
• ديون بلدان الاسكوا والتدفقات المالية الخارجية ، http://georgescorm.com/ar/articles/articledetail/article25.shtml
• جورج مونباوت ، http://www.taleea.com/newsdetails.php?id=8761&ISSUENO=1744
• محمد شريف بشير ، مكاسب باكستان من معاونة الأمريكان ، http://209.85.135.104/search?q=cache:D3JF2eXjOVkJ:www.islamonline.net/arabic/economics/2001/09/article16.shtml • عبد الرحمن نجم المشهداني ، المديونيـة الخارجية.. جدولة الديون ودورها في اعادة اعمار العراق ، http://www.almadapaper.com/sub/05-661/p19.htm • سوزان جورج ، تدفق الأموال من الشمال إلى الجنوب ، http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/namaa20-11-99/namaa.asp
#عزو_محمد_عبد_القادر_ناجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفقر فى أفريقيا: أبعاده والإستراتيجيات الموضوعة لإختزاله (ا
...
-
من أجل وحدة الوطنية و استقرار السياسي
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|