|
اغنية آخر سركون بولص في العالم
عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 2185 - 2008 / 2 / 8 - 11:32
المحور:
الادب والفن
" كان يُضرب عن الحياة ، يحلم بالاستمرارية ، وبأبدية ليس فيها أي تغيير، طريقته في الحياة هي أن يعيش على الهامش : طبيعته المُضربة تُخيف وتُزعج ، لذلك كانوا يرسلونه إلى الريف " ميشو
هو كأس مكسور على طاولة كل عاشق . هو الخمر المراق على الطاولة . هو العاشق .
شوهدَ غافيا في مهد الطفولة ، شوهدَ يهزّ المهدَ . شوهدَ عاريا ، شوهدَ متحصنا بكثافة معناه . شوهدَ بسيطا كالخيطِ ، شوهدَ مشعا كالشمعةِ . شوهد يخلقُ بعضَ الريح ، شوهد ينصتُ إليها وهي تكسو الهيكلَ العظمي للعاصفة ببعض الريش .
كان يحمل على كتفيه مقترَحا لشكل الكون . كان كسولا وعلى مهل ، كفجر يكنس ، عن افق العالم ، نشارةَ الظلام . كان يصمم رسائل الامهات . كان ينتقل بين المنافي ، كموزع البريد . كان يسكر في حانات تعج بجنود هاربين من الثكنات . كان يصوغ دليلا الى الافلاس ، وينحت طريقا الى المحبة . كان مصنوعا من زوراق ورقية ، وخذلانات . كان يعشقُ الصباح ، وفي غرفته كثير من الليل . كان فصيلا من الأيائل ، وموكبا من الوحدة . كان يسكن في ضاحية نفسه . كان باطنيا ، رغم سذاجته الرثة . كان يمشى على حبل الوقت ، و يتجوّلُ في ممالك المطلق . كان ينحدرُ من جهاتٍ غامضةٍ ، وذخيرته رؤياه . كان ينهشُ قلبَه ، ويتحرَّشُ بما يقلقه . كان يذهبُ الى الاقاصي ، من أجل أن لا يعودَ ، لكنه يعودُ منها بشفرة الرحيل . كان يغسلُ حدوساته بنشارة القلق . كان يزنُ نصاعة الكائن ببصمات أجفانه ، وخفقات ظله . كان ظله عليلا يعكسُ شمسا مكتوبة بذهب العافية . كان يترك لأعضائه حرية أن تسافر بعيدا عنه ، ثم يلتقي الجميعُ في فسحاتٍ حنونة : يمضون السهرة بين أعشاب ذكرياتهم ، و يفترقون في الصباح . كان خارج الجميع ، ويصافحُ أعضائه كالغرباء .
كان يمرُعلى مشهد الشِعر ، كأي عابر . كان يعيشُ تحت سقف المجاز ، و يتنفسُ من خارج البلاغة . كان يقولُ هنا يداي ، عندما يصادفُ يديه في جمرة الكتابة . كان يهتفُ هنا شفتاي ، عندما يعثرُ على شفتيه في قضمة اغنية . كان يصرخُ هذا هو رأسي ، عندما يشاهدُ رأسه يتصاعد من سلال الدخان . كان مُضربا عن العَيش في كنف بدنه ، ويتعاطى التردد مع منشطات الفاقة . كان يُطلقُ سراح هواجسه في مراعي الصداقات التي يبتكرها . كان يبني بيته فوق فوهة بركان ، كان يجمعُ زجاجَ حياته المتطاير من الانفجار الموشك على الانفجار .
شوهدَ يتقدم الهجرات ، شوهدَ متاخرا عن الوصول . شوهدَ يملكُ أعنّة الذاكرة ، ورهافة النسيان . شوهدَ يترنح سكرانا وهو يغني ، كآخر سركون بولص في العالم : شوهدَ كأسا مكسورا على طاولة كل عاشق . شوهدَ خمرا مراقا على الطاولة . شوهدَ عاشقا يلملم شظايا الكأس .
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اغنية الكلب
المزيد.....
-
أعلان الموسم 2… موعد عرض مسلسل المتوحش الموسم 2 الحلقة 37 عل
...
-
من كام السنادي؟؟ توقعات تنسيق الدبلومات الفنية 2025 للالتحاق
...
-
الغاوون:قصيدة (نصف آخر) الشاعر عادل التوني.مصر.
-
واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا
...
-
الغاوون:قصيدة (جحود ) الشاعرمدحت سبيع.مصر.
-
الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح
...
-
مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع
...
-
أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق
...
-
محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
-
الجليلة وأنّتها الشعرية!
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|